لحج نيوز/ - لطالما شكّل المحرم للمبتعثات الكثير من المعاناة، فربما غاب ولم يحضر، وربما خذلها في اللحظات الأخيرة، وربما اضطرت إلى مرافقته، بشعار «مكره أخاك لا بطل»، وربما بات غيابه أفضل من وجوده في ظل كم الإشكاليات التي تطال المبتعثة في ظل وجود «ظل راجل»، وربما كان التحايل عنوان المحرم، فأوصلها إلى بر الأمان، وعاد مسرعا من حيث أتى.
لكن الغريب في الأمر أن المحرم بات «سلعة» للإيجار في عرف الكثير من المبتعثات.
فما معنى أن تحرم مبتعثة من البعثة والدراسة، حتى في العام الأخير والسنة النهائية بمجرد تلاعب المحرم؟ أو اضطراره إلى الانسحاب لظرف ما أو لإشكالية ما.
وما معنى أن تكون كلمة «طالق» نهاية الحياة الدراسية والعلمية لمبتعثة، من المفترض بعد طلاقها أن تبحث عما يعزز وجودها في المجتمع، بعدما تجد نفسها بلا عائل يصرف عليها، وما معنى أن يتسلط محرم ما، ويساوم المبتعثة على ما يريد، وإلا «انتهى الدرس يا غبي»؟
كلها تساؤلات باتت تدور في عقول الكثير من المبتعثات، بعضهن يعشن في الخارج حاليا، ويخشين من عواقب الأمور، وبعضهن يقتربن من حمل لقب «مبتعثة» ويخشين من فشل الحصول على اللقب، وبعضهن آثرن الخنوع والخضوع والاستسلام للمحرم المؤجر خوفا من الانتقام.
صحيح أن الأمر ربما لم يبرز حتى الآن بشكل واضح، بما يعني ظاهرة «المحرم المستأجر»، في ظل فردية الحالات، لكن لا ينكر أحد أن هناك من الحالات ما تساقطت منها البعثة في لحظة غضب من المحرم إياه.
لغة العزاب
في وقت تعدى عدد المبتعثين في كندا، نحو 12 ألف مبتعث ومبتعثة، برز بشكل واضح ارتفاع نسبة غير المتزوجين بينهم.
فحسب الإحصائيات غير الرسمية، لا تتعدى نسبة المتزوجين %30، فيما 70 % من المبتعثين والمبتعثات عزاب، الأمر الذي يدق ناقوس الخطر، ويبعث على التساؤل: لماذا لا يحرص المبتعثون الذكور على الزواج قبل السفر للابتعاث. ولماذا ترتفع نسبة المبتعثات العزاب، ويصبح خيارها في المحرم أخا أو أبا أو عما؟ وهم أضلاع ربما تختلف طريقتهم في التعاطي مع الأمور الخاصة للمبتعثة، من حيث القبول مدا وجزرا.
في بحث استقصائي على الإنترنت استهدف المبتعثين في كندا، اتضح أن 33 % من المبتعثين يرفضون مبدأ الزواج خلال الابتعاث، فيما تقترب نسبة المؤيدين من تلك النسبة بواقع 31.38 %، وتبقى النسبة الأخرى التي تصل إلى 35.6 % بين المؤيد نوعا ما وبين من لا يعنيه الأمر.
خوف من القديم
وعلى غرار «لماذا أتزوج؟»، وضعت مبتعثة في كندا رأيها بكل صراحة، مؤكدة أن مستوى النضج العقلي المأمول في شريك العمر، ربما لا يتوافر في لحظات ما قبل الابتعاث، لذا الأفضل التأجيل لما بعد الابتعاث، وعندها لكل حدث حديث «أحيانا أقبل بشاب لا يتعدى تعليمه الثانوية، في ظل محدودية تعليمي الحالي، لكن بعد الابتعاث يتغير الأمر، لذا فالتبكير بالزواج مع تأشيرة الابتعاث مخاطرة مرفوضة».
لكن أخرى تخالفها الرأي، وترى في الزواج المبكر للمبتعثة خصوصا، حماية وسترا «المفترض أن تعجل، هربا من المحرم، خاصة الأخ الذي يلعب في الغربة على هواه، عكس الزوج الذي يحرص على مستقبل زوجته».
انسحاب المحارم
سألت نفسي إلى أي مدى تتفشى في المجتمع ظاهرة «تأجير المحارم»، خاصة بعدما سمعت أن بعض المرشحات للابتعاث يتعرضن لأبشع أنواع المساومة من جانب أسرتها أو عائلتها لمرافقتها بمحرم، وإلا انتهت البعثة، الأمر الذي تضطر معه المبتعثات إلى ما يشبه «استئجار المحارم»، على طريقة النفع والاستنفاع، ما يبدد مخاوف المبتعثات من تراجع محارمهن في الوقت الضائع.
لكن الأخطر في الأمر تلك الحالات التي تتعرض فيها مبتعثات للتراجع بعد سنوات من الابتعاث، ما يضيع عليها «تعب العمر».
في الدمام تعترف المبتعثة سمر علي، بأنها فقدت فرصتها في الابتعاث والدراسة بسبب المحرم: «أعددت كامل أوراقي، بمعرفة عائلتي، وكان يفترض أن يرافقني أحد محارمي، ولكن لأسباب إجرائية خاصة به لم يتمكن من إجراءات السفر معي، وهكذا ضاعت فرصتي في الدراسة، وأعتقد أنها مشكلة كثير من البنات اللائي يتعثر حظهن الدراسي بسبب المحرم، وأتساءل ما الذي يمنع من احتواء البنات في الخارج في مؤسسات حاضنة لهن طوال فترة وجودهن في الخارج تحت رعاية التعليم العالي أو السفارات، لتفادي مشكلة المحارم، أعرف كثيرا من المتفوقات والمتميزات اللائي يرجى منهن علميا، حرمن من ذلك بسبب قضية المحرم، ولذلك لا بد من حل يناسب أولئك اللائي يتعثر حظهن مع غياب المحرم».
طلاق قبل السفر
وتكشف نورا الياسر عن خيبة الأمل التي عاشتها قبل الذهاب إلى برنامج ابتعاثها في الخارج «كنت متزوجة قبل الترشيح للبعثة، بفترة قليلة، واتفقت مع زوجي على مرافقتي، وسجلت اسمه في خانة المحرم، ولكن حدثت مشكلة صغيرة تفاقمت وأدت إلى طلاقنا، وهكذا حرمت تلقائيا من الابتعاث، أي أن مصيري العلمي أصبح رهنا بزوجي الذي ساومني كثيرا على ذلك وقبلت، وفي النهاية انفصلنا، ليفصل معه حظي في دراستي».
وتعتقد نورا أن هذه الواقعة جعلتها ترى عدم المبرر القوي للمحرم «طالما أن وجودي في بلد الابتعاث مقيد بين مكان الدراسة والسكن، وجميع الخطوات محسوبة ومعروفة، ولذلك أطالب بحل توفيقي يرعى مصالحنا العلمية بعيدا عن إلزام المحرم، فلا فرق كبير بين دراستنا في جامعاتنا وغيرها من بلدان العالم، مادمنا التزمنا وتعهدنا بتمثيل مجتمعنا وبلدنا خير تمثيل، فغايتنا علمية وشريفة لا تتطلب كل هذه التعقيدات التي تحرمنا حقا علميا».
وتشير الطالبة «س. ع» إلى أنها بعد إكمال دراستها الجامعية «حصلت على بعثة لإكمال درجة الماجستير ضمن برنامج خادم الحرمين الشريفين قبل ثلاثة أعوام، إلى بريطانيا، وفرحت كثيرا لأن زوجي مبتعث في الدولة نفسها، وبعد أن استكملت جميع متطلبات البعثة، وذهبت معه وبعد السنة الأولى من البعثة بدأ زوجي يتذمر، وأسمع منه كلاما غير لائق، ولكنني صبرت على ذلك، وبعد انتهاء العام الأول من البعثة عدنا إلى المملكة، ومع بداية العام الجديد فوجئت بعدم رغبته في العودة إلى بريطانيا، لكننا نجحنا في إقناعه بالعودة، وعدنا إلى بريطانيا لإكمال بعثتنا، ولكن كانت العودة خسارة ووبالا علي، حيث عندما وصلنا إلى بلد الغربة، طلقني وأخبر الملحقية الثقافية بذلك، وبدورها حرمتني من البعثة، ثم أعادني إلى المملكة، والآن أعيش في كنف أهلي، فيما ذهب هو لاستكمال بعثته».
زواج مصلحة
وتكشف فجر الشعلان أن قضية المحرم للمبتعثة وجدت تحايلا عليها، باتفاق بعض الأسر على الزواج من أجل الابتعاث «هناك عائلات يكون معلوما لديها غاية زواج المبتعثة لمن يتقدم لها، وهو أن يكون محرما لها، فإن صلحا مع بعضهما وطابت لهما الحياة استمرا في زواجهما، وإن ظهرت أي مشكلات يصبح الزواج معروفا لغايته في احتفاظ المبتعثة بحقها في الدراسة، وبعد ذلك يحدث الطلاق، وهذا طبيعي طالما أن المحرم العامل الحاسم في إمكانية مواصلة المبتعثة لدراستها من عدمه، ولذلك ربما نصل لمرحلة «تأجير محارم» لغاية الابتعاث، إن لم توجد حلول ناجعة لهذه المشكلة، ولذلك أتمنى مبادرة وزارة التعليم العالي في دراسة هذه المشكلة بجدية، وأن توازن بين استحقاقات البنات في التعليم العالي وقضية المحرم التي تدمر طموحاتهن».
22 % نساء
ولأن العدد ربما يعد الفيصل في أي محور، بحثنا عن الأرقام الفعلية للمبتعثات، واتضح حسب مصدر بالشؤون الثقافية والاجتماعية بالملحقية الثقافية السعودية في واشنطن أن النساء يمثلن 22 % من المبتعثين السعوديين للخارج، من إجمالي الدارسين في برنامج الملك عبدالله بن عبدالعزيز المنتشرين في أكثر من 30 دولة من أنحاء العالم، الذي بدأ عام 2005.
وأكد المصدر أن نسبة المبتعثات السعوديات في أمريكا وحدها تقدر بنحو 26 % من أصل 22 ألف مبتعث عام 2009، ينتشرون في معظم الجامعات الأمريكية.
إلغاء ابتعاث
لكن المصدر كشف عن إلغاء بعثة 5768 طالبا وطالبة في برنامج خادم الحرمين الشريفين عام 2010، في مختلف دول العالم «وتعود الأسباب لفشلهم في التحصيل الدراسي أو عدم تطبيقهم للنظام المعمول به، لكن المعروف أن أشهر القضايا التي تقلق المبتعثين والمبتعثات المحرم الذي شدد النظام على أن يكون مرافقا للمبتعثة طيلة بعثتها».
لا دراسات
وفيما نفت الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان، أي شكاوى من طالبات مبتعثات لم يكملن بعثاتهن الخارجية بسبب عدم وجود محرم، شدد رئيس الجمعية الدكتور مفلح القحطاني على وجود دراسات حاليا لموضوع المحرم للطالبات السعوديات المبتعثات خارجيا «هذا الموضوع متعلق بسبب ديني».
لكن عضو الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان الدكتورة سهيلة زين العابدين، اقترحت على وزارة التعليم العالي تأمين سكن للطالبات المبتعثات اللاتي يُردن مواصلة دراستهن في الخارج بلا محرم.
وصارحت «شمس» بأن «وزارة التعليم العالي عندما تبتعث الطالبات بلا محارم، تؤمّن لهن سكنا في مكان معين ويكون خاصا لهن في عمارة واحدة، ويكون فيه مشرفون ومشرفات من الملحقية في بلد الابتعاث لكي تستطيع الطالبات المبتعثات مواصلة دراستهن، وليس هناك أي إشكالية عليهن».
وترى أن هناك فتاوى تتعلق بدراسة الطالبات في الخارج دون محارم «الشيخ القرضاوي أفتى بالسفر بلا محرم، لأن فيه رفقة آمنة، وحتى السيدة عائشة رضي الله عنها لما خرجت لأداء فريضة الحج وقيل لها كيف تخرجين لأداء فريضة الحج بلا محرم؟ قالت: هل كل النساء لديهن محارم؟ إذن مسألة المحرم لا تتوافر لكل إنسان».
وتروي الدكتورة سهيلة صور المعاناة التي تقع فيها بعض الطالبات «هاتفتني طالبة يتيمة، أبوها متوفى وتريد مواصلة دراستها في الخارج، وأمها مرافقة معها، ولكن للأسف الشديد عمها ولي أمرها رفض بحجة أن ابنته لم تحصل على بعثة، فكيف تسافر هذه اليتيمة لإكمال دراستها، وابنته لم تحصل على بعثة، فانظر كيف وصل العم لهذه الدرجة؟» .
الموسى: لا نقاش في مسألة المحرم
شدد وكيل وزارة التعليم العالي الدكتور عبدالله الموسى أن لوائح الابتعاث في الوزارة تنص على ضرورة وجود محرم يرافق الطالبة التي ترغب في الدراسة في الخارج، مشيرا إلى أن مسألة مرافقة المحرم للمبتعثة أمر لا يقبل النقاش، وذلك لوجود أمر سام بوجوب مرافقة المحرم لطالبة الابتعاث طوال فترة دراستها في الخارج، وأن يمكث طوال فترة الدراسة معها في دولة الابتعاث.
وأوضح أن هناك آلية تعمل بها وزارة التعليم العالي ممثلة بالملحقيات الثقافية تتأكد من خلالها من وجود المحرم مع المبتعثة شهريا «في حال ثبوت تهرب المرافق ومغادرته دولة الابتعاث، يلغى قرار البعثة نهائيا، وتعاد المبتعثة إلى المملكة لمخالفتها الأمر القاضي بوجوب بقاء محرمها معها، وأوامر صرف تذاكر للمبتعثة مرتبطة بمرافقة ولي الأمر لها بشكل دائم».
وبين أنه ليس هناك جدول زمني معين للتسجيل وإعلان الترشيح، والدورة المخصصة وصدور قرار الابتعاث والحصول على التأشيرة وبدء إجراءات السفر، مشيرا إلى أن البرنامج يسير وفق خطة زمنية متعاقبة تبدأ بالتقديم ثم التدقيق ثم إعلان المقبولين. |