الثلاثاء, 28-ديسمبر-2010
لحج نيوز - فكرة وضع الليبرالية في مواجهة مع الإسلام شائعة في الخطاب الديني، وهو استخدام وتوظيف لا يفيد في لحج نيوز/بقلم:ثريا الشهري -

فكرة وضع الليبرالية في مواجهة مع الإسلام شائعة في الخطاب الديني، وهو استخدام وتوظيف لا يفيد في استجلاء حقيقة المواقف، فعندما يشار إلى الليبرالية وباستمرار (تلميحاً وتصريحاً) على أنها ضد الدين والتدين، وهو موضوعياً غير صحيح، فكأن من يتبنى هذا التجييش إنما يحاول أن يجد له عدواً يخلق منه قضية تعود عليه بالبروز، فكيف وهذه الحال سنصل إلى إيجاد أرضية مشتركة على أساس قواسم مشتركة بين من يتحركون سياسياً من أرضية الإسلام (ينفون عن أنفسهم الدافع السياسي ويصرون على حكاية المجتمع)، ومن يتحركون اجتماعياً من أرضية الفكر البشري؟ وهل يتعارض ما يرتضيه الإسلام لمصلحة الإنسان مع ما يرتضيه الإنسان لمصلحته؟ ليس من تعارض، فلم يراعِ من في يدهم الأمر أن افتقاد الأرضية المشتركة في ما بينهم هو ما أدى بنا إلى هذا الوضع التربصي، ليس فقط على المستوى السياسي، ولا على مستوى الجماعات الاجتماعية والفكرية المختلفة، بل على مستوى الفرد في مجتمعه، والفرد في أسرته، فهل هو الجهل وهي السذاجة؟ أم القصد والتعنّي من متصيّدي هذه المسائل؟
في الليبراليين هناك تطرف واعتدال، وفي الإسلاميين (لا أرتاح إلى هذا المسمى ولكن لا بأس به موقتاً) هناك تطرف واعتدال، والفريقان كلاهما من أبناء المجتمع نفسه، وفي ظل وجود الاعتدال يمكن للجميع تجميع قواسم مشتركة، تماماً كما أنه في ظل التشنج والتعصب يصعب الحصول على شيء مشترك، فيكفي أن تشق المجتمع بتسطيحه إلى ليبرالي وإسلامي، بل إنك بلفظك «إسلاميون»، إنما تضع قيداً على المسلمين، وكأنك تقسمهم إلى مسلمين وإسلاميين.
هناك درجات من الاشتغال في الشأن العام، وهي لا تمثل أي تفاضل عقائدي، ولكن تعكس اهتماماً سياسياً اجتماعياً ثقافياً وأيضاً اقتصادياً، حراك يضع صاحبه في بؤرة الضوء بالنسبة إلى عامة أفراد مجتمعه، ولكننا في النهاية أبناء وطن واحد ودين واحد، وربما كان من الذين يقفون خارج دائرة الضوء من هم أتقى ديناً وأنقى ضميراً وأنفذ حكمة وقراراً من الذين يقفون داخل الدائرة، فلا نزكي أنفسنا ثم نشهّر بغيرنا، ولا نغترّ لأن أقدارنا منحتنا صوتاً ومنبراً، فهناك من اكتفى بالظل وممارسة حياته الخاصة ممن يفوقنا علماً وفكراً وتهذيباً، ثم، وسؤالي الذي يحمل همه أصحاب الكلمة: هل فكرتم في من يتابعكم؟ فمكتوبكم ناقضَه منطوقكم، فكم أسماء قرأنا لها وصُدمنا بحديثها وسلوكها! هذا إذا افترضنا جدلاً أن المكتوب حمل جديداً مضافاً. يعاب على الليبرالي أنه لا يتقبّل الرأي الآخر إن رد على منتقده، وكأن التسليم بما جاء به غيرك هو ما يعبر عن تقبّل الآخر! ومع هذا أقول، يحصل ويتكرر أن تضبط أصحاب الليبرالية وحرية التعبير عند الاختبار والبرهان أكثر ديكتاتورية من غيرهم، وما ينطبق عليهم ينسحب على من صدّقوا أنهم المتحدثون الرسميون باسم الدين، فإن كنا نتطلع - مخلصين - إلى مشروع وطني معتدل فينبغي أن نوفر له مناخاً إنسانياً مواتياً لإفراز عناصر هذا الاعتدال، ذلك أن كل فكر غير معتدل إنما يفرز فكراً يستحقه ويكون الابن الشرعي له.
الليبرالية فيها صواب، لكنها ليست كلها صواباً، وفيها ما يصلح للتعميم، وما هو خصوصي، وعليه، فالرفض المطلق أو القبول المطلق لها غير وارد وغير سليم، وبما أن المفهوم الإسلامي للحرية يدعو إلى التعددية الفكرية، فمن الطبيعي والواجب أن يكون النسق الليبرالي من ضمنها، خصوصاً أن الليبرالية ثمرة للإنسانيات اليونانية، أي الديموقراطية بمفهومها التقليدي، والإسلام أكثر حداثة في التطور الزمني من اليونان، فمن باب أولى أن يجتهد المسلمون في تطويعها بقالب يناسب واقعهم، فكيف نقيم نسباً وعلاقة بين أي نسق فكري والشريعة والضوابط الإلهية. هذا ما يجب أن يعمل عليه مفكّرونا، عوضاً عن مشروع نشر غسيلهم على «عظمته».
تمت طباعة الخبر في: الأحد, 24-نوفمبر-2024 الساعة: 04:31 ص
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.lahjnews.net/ar/news-10215.htm