لحج نيوز/القاهرة:أحمد حافظ -
قالوا إننا من حقنا التظاهر للتعبير عن غضبنا مما حدث فى كنيسة القديسين بالأسكندرية ، ففتح لهم الأمن الطريق على مصراعيه للتعبير عن غضبهم بالتظاهر ، وعندما قلنا- مثلهم- إننا من حقنا التضامن مع الأخوة الأقباط برصد غضبهم فى الشارع المصرى ، ونقل مظاهراتهم وآرائهم للرأى العام ، عاقبونا بالشتائم والألفاظ الخادشة للحياء ، وكادوا ينالون منا.
عندما قام بعض الأقباط بتنظيم مظاهرة بمنطقة وسط البلد، وتحديدا بشارع رمسيس أمام شارع التوفيقية، كان لزاماً علينا ، أن نبرز مايحدث ، وأن نتضامن مع من احترقت قلوبهم حزنا على ضحايا حادث الاسكندرية ، لكن ، فور فتح كاميرا "بوابة الأهرام" لالتقاط بعض الصور للمتظاهرين، وجه بعضهم وابلاً من السباب والشتائم البذيئة، لمندوب الموقع الألكترونى ، وقالوا له " بتصوّر ليه يا......" والنقاط السابقة عبارة عن ألفاظ نابية لن نذكرها ، احتراما لأخلاقيات المهنة ، وتقديرا لقارئنا المحترم.
لم يكف المتظاهرون عن سبابهم، رغم أن الألفاظ التى تم توجيهها لمحرر الموقع، لايحتملها أى إنسان ، لكن ، تذكر المحرر صور دماء ضحايا الحادث المأساوى، والتمس العذر للمتظاهرين ، قبل أن يتدخل بعض رجال الأمن ، طالبين من المحرر "التزام الصبر على مايوجه له من سباب"
الصمت خلق ماهو أدهى من الشتائم ، وتسبب فى إثارة المتظاهرين ، وحاول بعضهم التعدى على المحرر ، لكن مسئولين أمنيين ، قاموا بتهدئتهم ، وشرحوا لهم أن المحرر جاء للتضامن معهم ، لكن ، لم يجد المحرر مفرا من هذا الموقف إلا الفرار من موقع المظاهرة.
ماحدث مع محرر "بوابة الأهرام" يكشف عن تصاعد حدة المظاهرات ، التى لم تقتصر على محافظة بعينها، فقد امتدت لتصل إلى مناطق متفرقة، منها ماكان سلمى ، ومنها ماتجاوز حدود الغضب ، ووصل لدرجة القصف بالحجارة، والإعتداء على رجال الأمن وسيارة الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر، أثناء زيارته لقداسة البابا شنودة لتقديم التعازى له. ولم يسلم الدكتور عثمان محمد عثمان وزير التنمية الاقتصادية من محاولات قذف بالحجارة داخل كاتدرائية العباسية أثناء آدائه واجب العزاء فى ضحايا حادث الاسكندرية.
غلب على بعض المظاهرات ، قيام بعض المشاركين فيها بإشعال النيران فى صناديق القمامة ووضعها فى منتصف الشوارع والطرقات ، وامتد غضبهم لتكسير زجاج السيارات المتوقفة بالشوارع، وتحطيم عدد من واجهات المحال التجارية ، فما كان من رجال الأمن- فى بعض المظاهرات- إلا أن يطلقوا القنابل المسيلة للدموع لتفريق المتظاهرين.
مازاد من شدة غضب "المسلمين"، قيام بعض "المتطرفين من المحتجين" برشق عربات بعض الوزراء بالحجارة عندما كانوا خارجون إلى فناء الكتدرائية المرقسية فى القاهرة بعد التعزية فى ضحايا الإنفجار ، وقابلهم المحتجون بالحجارة والهتافات المعادية، ضدهم وضد الحكومة.
ببعض من التفسير لموقف هؤلاء القلة .
قال مصدر كنسى مسئول بمجلس كنائس الشرق الأوسط – رفض نشر اسمه – إن من قام بهذه الإعتداءات ، ليس مصريا من الأساس ، وهؤلاء قلة ، لاتستحق أن تشرب ماء النيل ، ولا تتنفس هواء مصر ، أو تعيش على تراب هذا الوطن.
سألته: هل المظاهرات وحدها كافية لإطفاء نيران الغضب ؟..فأجاب قائلا" مادامت سلمية فأهلا بها، لكن لابد أن تكون سلمية، حتى نقول للعالم أجمع، أن شعب مصر لا ولن ينقسم، ومنذ أن وحدها الملك مينا، إلى يوم الحساب ، لن تتحول مصر الى مسلمين وأقباط ، وهذه حقيقة على العالم التأكد منها".
أراد المصدر الكنسى توجيه عبارة شديدة اللهجة لمن يروج للعنف فى التظاهر، أو يقوم بالتفجيرات ، فقال :" أيها الساعون إلى تقسيم مصر مسلمين ومسيحيين، عليكم أن تراجعوا أنفسكم وتتأكدوا من أنكم فاشلون فشلا ذريعا ، وأقول لتنظيم القاعدة ، مهما قتلتم من أبرياء فى مصر ، فسنقول فداكى يامصر ، وستزرع دماء الضحايا والشهداء ، مزيدا من الحب بين المسلم والمسيحى "
عاودته بتساؤل مفاده، وماذا لو لم تطفئ المظاهرات نيران الغضب ؟.
فكان رده سريعا بأن الحكومة فى ذلك الوقت ، المشاركة مع مثقفى المجتمع ،عليها أن تتدخل وتعلن أمام الجميع ، من هو المسئول عن هذا الإحتقان ؟. ووقتها تنطفئ نيران المظاهرات التى فجرها الغضب المشحون به الأقباط بعد حادث " القديسين".
من تفسيرات المصدر الكنسى السابقة، إلى ما حدث فى ماسبيرو أمام مبنى الإذاعة والتليفزيون، الذى تجمع أمامه المئات من المتظاهرين ، وحاولوا اقتحامه ، ونددوا بالأحداث التى شهدتها الأسكندرية ، ووصفوها أنها " فتنة طائفية" المقصود بها " اضطهاد" المسيحين فى مصر ، ورفض المتظاهرون الرأى القائل بأن الحادث استهدف استقرار سمعة مصر أمنيا.
المحلل السياسى ، محمود كرم قال تعليقا على ذلك ، إن المظاهرات لن تكن مجدية ، كما يظن البعض ، لكنها محاولة تعود عليها المظلومون فى مصر ، والمستهدفون بغير وجه حق ، لكنه عاد وأكد ، أن المتظاهرين لم يجدوا أمامهم بديلا عنها، فلجأوا إليها، لكن الشئ الوحيد الإيجابى فى هذه المظاهرات ، أن شارك فيها ، مسلمون ، لكن على الحكومة – والكلام على لسانه- أن تراجع نفسها بشأن مايتردد حول اضطهاد الاقباط فى مصر ، وأن تستمع لمطالبهم وتحاورهم ، حتى نقطع رأس الأفعى كما قال الرئيس مبارك ، لكن الافعى التى أقصدها هنا، أفعى " كلمة اضطهاد دينى".
التحليل السياسى للمظاهرات ، لم يختلف كثيرا عن التحليل الدينى ، لرجال الكنيسة ، لكنهم اختلفوا حول الحلول المطروحة الآن ، خاصة عندما أكدوا أن التظاهر ، ليس الحل الوحيد، لإعادة ماتم فقده، ولا السبيل الأمثل ، لإطفاء نيران الغضب.
الشباب المسلمون ، لم يقفوا مكتوفى الأيدى ، أمام حالة الغضب التى اجتاحت أقباط مصر ، لكنهم اتحدوا سويا، على طول شارع رمسيس فى مظاهرة سلمية، ورفعوا شعارات " يحيا الهلال مع الصليب".
لكن جاءت التظاهرة التى قام بها نحو 5 آلاف قبطى بمحافظة أسيوط ، لتندد بالتعامل السطحى مع رسائل التهديدات التى تم إرسالها الى مصر منذ نحو شهرين من قبل تنظيم القاعدة ، وهو مافسره الخبير الاستراتيجى نبيل مصطفى ، بأن الأمن لم يتعامل بتهاون أو استخفاف بعد هذه التهديدات ، لكن من يتابع عن قرب شئون الكنائس والاديرة بعد تهديدات القاعدة ، يتضح له مدى التشديدات الأمنية أمام الكنائس ، لكن ماحدث فى الاسكندية ، لم يكن أحد فى مصر يتوقعه ، والتظاهرضد استخفاف الامن بالتهديدات شئ يدعو للأسف ، ومراجعة النفس ، من جانب المتظاهرين ، مؤكدا أن المظاهرة السلبية " مشينة فى حق مصر والمصريين".
من أسف الخبير الاستراتيجى ، لما يخرج من أفعال غير شرعية من بعض المتظاهرين ، إلى الكلمات الهادئة للقمص مينا جاد ، كاهن كنيسة العذراء بإسنا ، حينما ذكر أن المظاهرات لها وجهان ، الاول تضامن الاقباط مع اسر الضحايا، والثانى التظاهر ضد السلطة المصرية ، لكن كنائس مصر تؤيد الوجه الأول فقط ، بينما نهى الكتاب المقدس عن الوجه الثانى ، حيث يأمر الاقباط بإطاعة الرؤساء وأولى الأمر.
ووجه القمص كلامه الى من يحاولون استغلال الموقف للتظاهر ضد السلطة، وقال :" عليكم ان تتذكروا ماقاله قداسة البابا شنودة إن ماحدث إرهاب ضد مصر كلها، وأن مصر جسد واحد وأن الإرهاب ضرب المصريين كلهم".
استدل القمص مينا على أن مايقوم به قلة من الأقباط بشأن الإعتداء على رجال الشرطة والقيام بأعمال التخريب ، ضد تعاليم الكتاب المقدس ، وقال فى هذا الشأن :" الكتاب المقدس قال اغضبوا لكن لا تخطئوا، والعنف يولد عنفاً ، والمحبة تبنى الأحرار".
تعاليم الكتاب المقدس ، لم يعمل بها بعض الأقباط الغاضبين ، وبرز ذلك ، فيما قاموا به خلال الساعات الماضية ، من عنف فى الشوارع ، وإحداث إصابات فى أجساد أبرياء من رجال الشرطة ، ونوافذ المصالح الحكومية ، والسيارات الموجودة فى الشوارع ، والتبرير الوحيد لما يقومون به ، إنهم يطالبون بالقصاص ، لكنهم تناسوا أن القصاص ليس بالمظاهرات المخربة ، كما قال الكتاب المقدس ، لكن الحقيقة تؤكد أن المسلمين يريدون القصاص قبل المسيحين ، ليس إلا من أجل مصر"أقباطٌ ومسلمين".
مع غروب شمس يوم جديد ، ورغم رفع الهلال والصليب معاً فى يد واحدة ، فى بداية اليوم ، جاء ظلام الليل ليكشف واقعا يعكس فى كل مجرياته ماحدث فى فترات النهار ، وكأن الظلام خيم على الهلال والصليب ، وتناثر الغضب بين المتظاهرين الأقباط بكل أنواعه، وطال الغضب رجال الأمن، الذين أصيبوا بالعشرات ، وندد المتظاهرون بما أسموه ، تفرقة عنصرية بين المسلمين والأقباط.
بين ضوء النهار الذى شهد تضامنا ووقفات واحدة بين المسلمين والأقباط ، وبين ظلام الليل ، الذى رُفع فيه الصليب فقط ، تتناثر شظايا الفتنة ، التى أرادها الأعداء ، ويقع الضحايا والمصابون ،تحت عجلات "قطار الغضب" ، لكن ، لم يتوصل أحد حتى الآن إلى المحطة التى سيقف بها هذا القطار ، الذى لم ولن يتمنى أى مصرى ، أن ينتظره ، ليركب فيه ، لكن الأمنيات لاتزيد عن تحديد المحطة فى أقرب وقت ، وأن ينزل من قطار الغضب كل من يركب فيه ، لنبنى محطة جديدة بقطار للتسامح والمحبة، يركب فيه المسلم بجوار القبطى ، ويحمل سائقه شعار" مصر فوق الجميع". |