الثلاثاء, 18-يناير-2011
لحج نيوز - أحمد خفاجي لحج نيوز/بقلم:أحمد خفاجي -

قرر الشعب العربي في تونس أن يعيش , إختار الحريه , وفرحنا بثورته وتبادلنا التهاني برحيل طاغية من طواغيت العرب إلي المزبله, لا أقول مزبلة التاريخ بل أقول مزبلة القاذورات , واستبشر الجميع خيرا إذ لابد أن تمهد ثورة تونس لثورات أخري في العالم العربي , ولابد أن يتبع الإطاحة بطاغية تونس إطاحة بباقي الطواغيت في العالم العربي وقد ينتج عن هذا الفهم وهم خادع و حالةً من الإنتظار والتمني ,حيث نمني أنفسنا بالحرية القادمه وبالثوره وبالتغيير الجذري ونتوقف عند هذا الحد, وهو أخشي ما أخشاه.
بقدر ما بثت الثورة التونسيه الأمل في الشعوب العربيه بقدر ما أرسلت تحذيرا إلي الأنظمة العربيه وإلي إسرائيل وإلي القوي العالميه المتحكمه في العالم العربي , وكل هؤلاء لهم وجودهم القوي المنظم والممول تمويلا جيدا , ولهم مصلحة في بقاء الطغاة وترسيخ وجودهم ومعهم طبقة اللصوص التي صنعوها لأنفسهم في العالم العربي , إنهم لن يتركو الثورة التونسية وشأنها وسيعرقلون تكرارها في بقية الدول العربيه , وهذا أمر لا يخيف الشعوب الحيه ولا يردعها ولا يمنعنا من السير قُدما في سبيل الحرية والنهضه .
واهم من يتخيل أن الثورات تنتقل عبر الحدود مثلما تنتقل الفيروسات , حاشاها أن تكون كذلك ,أن الثورة فكره والأفكار لا تنتقل إلي العقول إلا إذا كانت العقول مُجهزة بأدوات الإستقبال , إنها مثل موجات الأثير يستقبلها من يملك مذياعا ولو كان علي بُعد ألاف الكيلومترات ولا يسمعها أشخاص لا يملكون المذياع ولو كانو علي بُعد أمتار من محطة الإرسال .
الإحباط واليأس والخوف والجهل أشياء تغلق العقول والصدور وتجعلها عصية علي الفهم ومستعصية علي أفكار الثورة والتغيير الجذري.
جاءت الثورة التونسيه وأزالت الإحباط وزرعت الأمل وبددت الخوف وعلمتنا أن التغيير ممكن وأن الطغاة بلا حول ولا قوة إذا قامت الشعوب , ويكفيها ذلك فخرا , لقد أحدثت التغيير في تونس ولكنها لن تتكفل بتغيير كل العالم العربي وليس من حقنا أن نطلب منها ذلك.
إلي جانب أن الثورة فكره أراها عملا ونضالا يُقدم لها وينفذها ولا يمكن الإستعاضه بعمل حدث في مكان ما عن عمل يجب أن يحدث في مكان أخر , وفي نفس الوقت نُقرر أن الشعب العربي في تونس قد أهدي الأمة العربيه هدية كبري عليها أن تُبقي عليها لا أن تلتهمها وتنتظر المجهول .
الثورة لا تنتقل من قطر إلي قطر ولكنها تولد كائنا ً جديدا في كل مره , كلما ولدت الثوره خرجت إلي الحياه وقد حدثت لها طفرة غيرت من صفاتها وأدواتها وهذا أمر طبيعي لأن الثورة طفرة إجتماعيه , ومن هنا تبدو سخافة أي محاولة إستنساخ الثوره أو إستيراد أدواتها أو تكرار تفاصيلها , ومن هنا أيضا لا أتوقع تكرار ما حدث في تونس في أي دولة عربيه بنفس تتابع الأحداث أو بنفس الكيفيه , فلا يحرقن أحد نفسه , ولا تنتظرو سماع نبأ الثورة في بلادكم من قناة الجزيره بينما أنتم جلوس علي المقاهي تدخنون النرجيله إذ كيف يتوقع الشعب ثورة تقوم دون أن يكون هو الثائر والفاعل فيها.
قد أكون مخطأ في تقديري وقد تتكرر ثورة تونس بنفس الكيفيه في بلد عربي أخر قد يكون طاغيتها أكثر غباء من بن علي وقد يخرج علي شعبه متهما نفسه بعدم الفهم لعقود خلت كما فعل الطاغية الأبله , ولكننا سنكون قد إرتكبنا جريمة فكرية إذا بشرنا بذلك إما إذا إنتظرنا قيام ثورة عفويه مثلما حدثت في تونس وأقنعنا شعوبنا أنها قادمة لا محاله فإننا نكون قد مارسنا نوعا من أنواع الدعارة الفكريه والخيانة الوطنيه.
الثوري الحقيقي لا يؤمن بالثورة العفويه وإن أمن بها تحول إلي درويش يعيش في تكايا الوطنية لأن الثوري هو من يحرض علي الثوره ويقوم بها وعليه فإن الثورة عنده عمل يتم التخطيط والإستعداد له ومن ثم تنتفي عنها صفة العفويه.
الثورة مثل العملية الجراحيه لا يمكن للحلاق أن يجريها بنجاح لمجرد أنه قد شاهد جراحا يقوم بها , علي الحلاق أن يذهب إلي كلية الطب وعليه أن يدرس علوما كثيره حتي يتمكن من إجراء الجراحه بنجاح كما يفعل الجراح.
تشبيه الثورة بالعملية الجراحيه تشبيه مهم يرتكز علي وجه الشبه بين الديكتاتور والورم السرطاني ويعترف بأن لكل جراحة مضاعفات وأن المرضي لا يمارسون حياتهم الطبيعيه بمجرد الخروج من غرفة العمليات , إنهم يُعانون من ألام الجرح ويحتاجون إلي فترة من النقاهه والتمريض الجيد حتي تعود لهم العافيه , وكذلك الأوطان تحتاج إلي ثوار مهره لبتر الطغيان وإلي ممرضين علي درجة عالية من الكفاءه لتضميد الجراح والعناية بها.
ما أريد أن أقوله , علينا ألا نعول علي حدوث التغيير في العالم العربي بخاصية القصور الذاتي لما حدث في تونس , وإذا كانت الشعوب العربيه تطمح في النهضه والتخلص من الطغاه فعليها أن تعمل من أجل ذلك مستفيدة من الأمل الذي قدمته الثورة التونسيه , وكما أبدع التونسيون واخترعو ثورتهم اليوم فعلي كل شعب عربي أن يخترع ثورته وأن يُبدعها حسبما تقتضي الحاجه تماما مثلما فعل السودانيون عندما خلعو جعفر نميري ومثلما فعل الإيرانيون بطريقة مختلفه عندما تخلصو من الشاه .
لم يكن نموذج الداعية المبعد والقائد المنفي هو من حرك الثورة في تونس رغم وجود أسماء لامعه من التونسيين في المنفي مثل الشيخ راشد الغنوشي , ولكنه كانت الطريقه التي نفذ الإيرانيون بها ثورتهم , ولم تكن الأحزاب السياسيه قائدة التغيير في تونس بينما كانت الأحزاب السودانيه فاعلا أساسيا في ثورة السودان


[email protected]
تمت طباعة الخبر في: الخميس, 21-نوفمبر-2024 الساعة: 11:18 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.lahjnews.net/ar/news-11078.htm