لحج نيوز/بقلم: عودة عريقات -
مع تزايد عدد السكان اليومي في الوطن العربي وازدياد الحاجة للخدمات التشغيلية المختلفة وتضخم الحاجة للغذاء والماء وازدياد الطلب على الخدمات التعليمية على مختلف درجاتها والخدمات الصحية بمستوى معقول وازدياد طالبي العمل وزيادة نسبة الفقر في الوطن الكبير،
فإنه تلقى على عاتق الأنظمة العربية والقادة مسئوليات جسام كثيرة ومتنوعة لتوفير التنميةالاقتصادية والبشرية والفكرية وتهيئة البيئة المجتمعية بأنظمة ديمقراطية وقانونية تكرس مبدأالعدالة والشفافية ومحاربة الفساد لتخفيف الغبن الواقع على شريحة كبيرة من المجتمعات العربية،
وإهمال بعض الأنظمة العربية وإغلاق عيونها وصم آذانها عن التغيير الطبيعي الذي يطرأ كل يوم على التعداد العام للسكان (المواطنون) وازدياد الطلب على الوظائف والخدمات والسلع نتيجة لذلك وما يرافق ذلك من ارتفاع وغلاء السلع الأساسية ومشتقات النفط مما يجعل الأجور غير ملائمة بالإضافة لغياب نهج حكم الشفافية المطلوب،
وازدياد حجم الفساد المتراكم من سنوات سابقة مما يؤدي إلى اندحار الطبقة الوسطى ويدفع إلى كارثة متحققة آتية ويفضي ربما إلى مواجهة مؤجلة بين الشعوب وأنظمتها لإصلاح الخلل،
وما ينتج عن التغيير الطبيعي في الزيادة السكانية من احتياجات متعددة تفرض نفسها بقوة بسبب المنافسة الشديدة والمزدحمة المتولدة عن زيادة الطلب وقلة العرض المتوفر لسد الحاجة،
لذلك لا مفر من توفير البنية التحتية اللازمة المتولدة عن الزيادة وأيضا إعداد وتوفير المباني الكافية والأراضي اللازمة للمدارس والمشافي والمصانع والحقول الزراعية وأطقمها من البشر المؤهلين لتقديم الخدمات وأيضا توفير الأدوات اللازمة للعمل والخامات المختلفة لأداء عملها على أحسن وجه،
وتوفير الوظائف والحد من البطالة من خلال جلب وتشجيع الاستثمار الخارجي والوطني في كافة الحقول المتاحة في الإقليم الوطني العربي وتكريس دولة القانون والعدل لكي لا يتراكم الخلل الناتج عن وباء الفساد بكل أنواعه وصوره ويزدهر الظلم وتتولد الأحقاد والكراهية، ولمنع أي انفجار لاحق متولد عن غياب العدالة الاجتماعية فإن هذا الأمر بحاجة إلى جهد مخلص كبيرومضاعف من قبل مسئولي الأنظمة وبحاجة لانفتاح ديمقراطي مع الشعوب لتفعيل المشاركة المتبادلة بين الطرفين لأن أي نظام لا يستطيع تلبية كافة احتياجات الشعب دون تكاتف ومساعدة من الشعب نفسه ولذلك لا مفر من تكريس تبادل السلطة السلمي من خلال انتهاج فكر يهيأ الشعب والنظام لذلك بالإضافة لانتهاج الأساليب الديمقراطية المتعارف عليها دوليا وتفعيل واحترام القانون،
وأيضا هناك حاجة لمدونة سلوك يقرها الشعب تحكم العلاقة مع النظام الحاكم يلتزم بها كافة الأطراف تحول دون انحراف المسيرة الوطنية المعتمدة والمتفق عليها لكي تستطيع الدولة نظام وشعب تحقيق التطور والتقدم في كافة المجالات،
وما جرى من أحداث في تونس ما هو إلى وليد احتقان عشرات من سنين الكبت والشعور بالظلم وغياب العدالة الاجتماعية مع طموح الشعب لدولة القانون والشفافية وتوزيع الثروة العادل بإطار نظام قانوني يعتمد الشفافية في العلاقة بين النظام والشعب ، والتغيير ظاهرة صحية تجدد العلاقات والأفكار وتفتح مجال الإبداع وتغيير المعادلات ومظاهر النمط والصور القديمة لأنه لا يعقل ووفقا لما يجري في الديمقراطيات المختلفة في العالم أن يحكم تونس رئيسان فقط منذ إعلان الاستقلال عام 1956 وحتى بداية عام 2011م عندما ارتفع صوت الشعب التونسي،
ويجب أن نعتبر من الأحداث التي وقعت في تونس ولتكون عبرة للغير للبدء في عملية الإصلاح المطلوبة ولكي يتعظ المقصرون في تنمية ورفاه شعوبهم لأن الحقيقة واضحة مثل الشمس إذ لا مجال لتأليه أحد من البشر على البشر وهذا أمر مرفوض مهما امتلك المسئول من مواصفات السوبر بشر،
فالزعيم والغفير يخرجون للحياة والدنيا من نفس الموقع ويغادرونها إلى موقع متشابه تحت الأرض والإنسان له حقوقه المتعددة في الحياة مثل باقي البشر بغض النظر عن كل المسميات والألقاب،
ويجب أن لا نقصر اللوم على الأنظمة فقط بل هناك لوم على الشعوب لأن بيدها التغيير وهي المستهدفة من الأحداث والمراقب لها وهي بدائرة الحدث رغم عنها وهي المتأثرة بإجراءات النظام سواء كانت إيجابية أو سلبية والسكوت على الخطأ لن يصلحه بل سيتفاقم مع مرور الأيام والسنوات،
ولذلك أضحت الحاجة ملحة للشعب والمجتمع العربي لانتهاج ثقافة شاملة تضمن توازن العلاقة بين الشعب والنظام وتزرع أسس المشاركة والديمقراطية والحكم الرشيد والنزاهة والعدالة والشفافية وحكم القانون والمساواة وتبادل السلطة السلمي والابتعاد عن الاحتكار والنرجسية ومنع التزوير في الانتخابات البلدية والنيابية والاستفتاءات والقضاء على المحاباة والكف عن تفضيل المصالح الضيقةوالخاصة على المصالح العامة،
ولو رجعنا بالذاكرة لمشهد جميل وقفت أتأمله طويلا قبل سنوات قليلة عندما سلم الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك مقاليد الحكم والرئاسة لخلفه المنتخب ميشيل ساركوزي بكل محبة وهدوء تقبل وأريحية وخرج شيراك من قصر الإليزيه بعد حفل التسليم يسير على قدميه مع زوجته وهي متأبطة ذراعه كمواطن عادي، وقتها سألت نفسي هل لهم عقول تختلف عن عقول العرب أم أن دمائهم التي تجري في عروقهم تختلف عن الدماء التي تجري في عروقنا أم أن رؤيتهم وثقافتهم تختلف عن رؤيتنا للأمور وعن ثقافتنا وما الذي يمنعنا من تغيير وتجديد رؤيتنا كشعوب وأنظمة عربية وما الذي يمنعنا من تغيير ما ننتهج من ثقافة تحكم العلاقة بين الأنظمة والشعوب العربية إلى ثقافة مغايرة متطورة تضمن الحقوق والرفاهية والعدالة والمساواة والسلم للجميع، والأمل معقود وكبير أن تتفهم بعض الأنظمة الحقيقة الدامغة أنه لا مجال لتأجيل عملية الإصلاح الشاملة الكفيلة بمساعدة الإنسان العربي ليعيش كريما معززا وآمنا على حياته ومستقبل أبنائه وإعطائه هامش الحرية المقبول من الجميع لتعزيز الحكم الرشيد والعدالة والقانون لما فيه خير الوطن والشعب، وعلى الأنظمة المستهدفة لأحداث مشابهة لما جرى في تونس أن لا تنتظر حتى يعلو صوت الشعب الهادر المطالب بالتغيير والإصلاح ولا حاجة لإراقة الدماء وتكريس الظلم وما دامت عملية إنجاب وولادة البشر مستمرة فلن يكون هناك من هو السوبر الأفضل أو الأقوى أو الأعلم أو الأحسن وهي حقيقة دامغة يجب أن يتذكرها المسئولين بشكل خاص ويعلموا أن أقصر الطرق للسلم الاجتماعي هي الرجوع عن أخطاء الماضي وبدأ عملية الإصلاح الشاملة وفي النهاية لا أحد مخلد.