لحج نيوز/بقلم:الحسين ابن احمد السراجي -
كنت وما أزال أمقت التعامل مع الناس على أساس طائفي أو عرقي أو مذهبي أو مناطقي أو...أو....إلخ ليس لأني متميز بذلك أو استحق براءة اختراع ولكن لان ديني الذي أعتنقه وأعتز بانتمائي إليه هو من جاء لمحاربة ذلك والقضاء عليه وتحديد المعايير التي يجب أن يُنْظَرَ بها إلى الناس لتكون المعاملة على أساسها ومن خلالها " يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأُنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم " صدق الله العظيم
ومع سمو مبادئ الدين الذي يرفض التعامل بمعايير الإنتماء الطائفي والعرقي والمناطقي والمذهبي تبرز أخلاق الإنسان الكريمة لترفض مثل هذا التعامل وتأبى شكل هذا التمييز الذي لا يَنُمُّ إلا عن عُقَدٍ بائسة أبَتْ أن تتحرر من أغلال الجاهلية القديمة لتلبس مسوح أغلال جاهلية حديثة .
إن أشد ما في الأمر وأعنفه على السلوك الإنساني حين يتعلق تحديد الموقف بالأسس الجاهلية السابقة مع مظالم واضحة نتاجها المطالبة بالحقوق المشروعة والمواطنة المتساوية تنفيذاً لشرائع السماء الكريمة وإعمالاً للعقول القويمة والطباع السوية وحتى المواثيق الدولية التي تتيح للمظلوم ومنقوص الحقوق المطالبة بحقوقه دون ضيمٍ أو غبنٍ .
فماذا نقول لحاملي الشرائع السماوية حين تتحكم فيهم الأسس الطائفية والمذهبية فتخرس ألسنتهم وتُكْمِِهُ أفواههم فهم لا ينطقون ؟ !
وماذا يقال لرعاة الشرعية الدولية وحماة المواثيق الإنسانية حين تتحكم بهم لغة السياسية والمصالح وحسابات الأرقام فهم صمٌ بكمٌ عميٌ لا يعقلون ؟!
روح الثورات الحديثة :
كنت أتابع حصاد اليوم على قناة الجزيرة والثورة الليبية في بداياتها لأتفاجأ بضيف تلك اللحظة من الليل الشيخ يوسف القرضاوي الداعية الإسلامي الشهير الذي أُطلق عليه لقب روح الثورة أو الأب الروحي بحسب بعض التعابير المصرية التي وضعته في تلك الخانة إبَّان بزوغ فجرها .
تفاجأت - لربما تفاجأ غيري من متابعي تلك الليلة - بالشيخ الجليل وهو يبيح ويهدر دماء القذافي.
مشهدٌ لا يُحسد عليه الشيخ القرضاوي حتى وإن كان متالماً لحال ومآل المشهد الثوري الليبي الذي وجدنا نفوسنا في حرقة عليه لكن الشيخ وضع نفسه شاهداً ومُدَّعياً وحاكماً في آنٍ واحدٍ في مظهر مغاير لمقاصد الشريعة الإسلامية التي لا تستحل الدماء بالعواطف ولا بالفتاوى .
فأين ذهبت الشريعة وأحكامها؟ وإلى من يؤول تنفيذ هذه الأحكام ؟
لا أدافع عن القذافي ولا أُبرر جرائمه لكني أدين العواطف والإنفعال اللَّذين يُخرجا الإنسان عن دائرة التزامه الشرعي بينما هو أحد حاملي أحكام الشريعة والذائدين عن حياضها .
مهما بلغت درجة إجرام المرء فإنه لا يجوز استحلال دمه إلا بمحاكمة وحكم شرعي .
فلماذا لا نعطي الآخرين درساً في الحفاظ على الشريعة من الانتهاك والمصادرة ؟
ثم إن في الأمر خطورة قد لا يدركها الكثير - نظراً لما وقعوا فيه من العواطف والانفعال شأنهم شأن الشيخ الجليل - إنها خطورة إهدار الدماء وفتاوى القتل التي يلجأ إليها التكفيريون ويتعاملون مع الناس على أساسها كداءٍ ومعضلة يؤرقان العالم الإسلامي والعالم بأسره .
ألا يعطي موقف الشيخ التكفيريين الذين يستحلون الدماء بدلالة المشاهد الحية في العراق وأفغانستان والصومال و... و.... المبرر لما يصنعون ؟!
وهل يستطيع الشيخ إنكار مشاهد الدم والأشلاء بعد اليوم ؟!
ذلك ما ستكشفه الأيام القادمة .
وعودة إلى مواقف الشيخ:
§ تحدثتم مع الثورة التونسية ودعمتموها بكل ما أوتيتم من قوة ولكم الحق كل الحق في ذلك .
§ كنتم الأبرز بين علماء المسلمين في دعم الثورة المصرية حتى لقبتم بالأب الروحي لها ولكم الحق كل الحق في ذلك .
§ وقفتم إلى جانب الإنتفاضة الليبية ولكم الحق وأفتيتم بهدر دم القذافي وتلك هفوة ينبغي تلافيها فالعودة عن الخطأ إعظام لمكانتكم.
§ تحدثتم عن ثورة اليمن وكان لكم موقف رغم تحفظي عن إبداء رأيي في ذلك الموقف .
§وتزامنت ثورات التغيير الليبية واليمنية والبحرينية وقد أوضحنا دوركم ومواقفكم مع الأوَّلتين فأين نصيب البحرين ؟!
·ولماذا غبت عن الظهور ولو بموقف مع إخوة لا يفصل بينكم وبينهم سوى عشرات الكيلو مترات من المياه ؟
·ألم يصلك أنينهم ؟ ألم تبلغك مطالبهم ؟ ألم تشاهد قمعهم وما نالهم من بطش وعدوان قوات درع الجزيرة التي لم تتحرك إلا لقمع شعبٍ أعزل يطالب بالحقوق والمواطنة المتساوية شأنه شأن القطريين والمصريين والتونسيين ؟
·ألم تنظر جثث الشهداء المرمية على الأرض وسط برك من الدم القاني ؟
·ألا تحرك تلك المشاهد المخزية مشاعر الأخوة العربية والإسلامية كما حرَّكت مشاعر النصارى في المنظمات الإنسانية والدولية .
·ألم توقض الضمائر الميتة بفعل السياسات العربية المريضة والحسابات المذهبية المقيتة والطائفية الخبيثة ؟
·ثم ألا يحق لطائفة تمثل 70% من السكان أن يكون لها تمثيل عادل وحقوق مكفولة ومشاركة في الحكومة وصوت يُسمع ؟!
§ من المؤسف أنه حتى الكُتَّاب والصحفيون الليبراليون الذين دوماً ما أصمُّوا آذاننا بنقدهم الإسلام وتركيزهم على الدين ورجال الدين في كتاباتهم لم يعترضوا على ذلك وكأنه وافق هواهم .
الكيل بمكيالين :
لقد تعامل علماء الإسلام وشعوبه كما قناة الجزيرة ومثيلاتها من القنوات الإخبارية العربية مع قضية شعب البحرين الشيعي بسياسة الكيل بمكيالين , ولم أجد خليجياً بل عربياً سنياً تحدث عنها باستثناء الداعية الكويتي طارق السويدان الذي عاب على الشعوب العربية وعلماء المسلمين صمتهم إزاء مذابح البحرين في الوقت الذي صاحوا وناحوا وتباروا في ميادين الدعم والإشادة والتعاطف مع الشعوب السنية في تونس ومصر وليبيا حتى اليمن التي خرجت تطالب بإسقاط الأنظمة بينما الشعب البحريني لم يطالب بإسقاط النظام السني الذي يحكمه ويمارس معه صنوف التمييز والإقصاء والتهميش وإنما خرج يطالب بحقوق مشروعة على رأسها المواطنة المتساوية .
فمتى كان هذا باطلاً - والخطاب للشيخ وقناة الجزيرة ومن على شاكلتهما وأضرابهما وما أكثرهم - وما هو الحق إن لم يكن هذا هو الحق ؟!
الذنب الوحيد والجرم المشهود الذي يعاقب عليه الشعب البحريني أنه شيعي المذهب.
أليس من العار هذا الفرز والتصنيف ؟! وأي دين وحق سنطالب أو نتكلم عنهما ونحن محكومون بِنَفَسِ الطائفة والمذهب ؟ كم كنت أتمنى من قناة الجزيرة - وأنا أوقن وإن متاخراً أن ما يحكمها هو السياسية القطرية - أن تُفرد مساحة للبحرين بالتساوي مع المساحة المتاحة لساحات التغيير باليمن ؟!!!
أما الحديث عن حيادية الجزيرة في تغطياتها الأحداث فلم يعد للحديث معنى كما هو الحال في موقف الشيخ الجليل يوسف القرضاوي من ذبح وقمع شيعة البحرين.
لقد وضح الحق واستبان السبيل وما من حديث يقال بعدها إلا : قاتل الله السياسية قاتل الله المذهبية ولا عزاء للعلماء.
خطيب الجامع الكبير بالروضة