لحج نيوز/بقلم:بدرية البشر -
ساهمت الأحداث الأخيرة الملتهبة في خروج بعض الخطابات والاجتهادات النظرية، ولأن البعض يحب عادة العمل وفق المنهج البراغماتي الذي يقول (كل يحوش النار لقريصه)، فقد ظن هؤلاء أن الوطن قرص نيِّئ يحتاج إنضاجه إلى نار من الخطب الرنانة الصادحة في الفضاء الإلكتروني. ودائماً نقول إن الخطورة في أن تقول رأيك ونختلف حوله، إلا حين تؤوّله إلى قول يقوله الله ورسوله.
بعض الأصوات الصادرة عن التيار الديني لا تنتبه إلى أي سياق يجري فيه خطابها، وأقله سياق التقنية التي تبث خطاباهم عبر الأقمار الاصطناعية والشبكة الإلكترونية وفي الأستديوات والمنابر، لأنك بعد الخطاب تظنها على صلة بكهوف تورا بورا أكثر من صلتها بالقرن الواحد والعشرين.
هذه الأصوات انشغلت هذه الأيام الحرجة بتعريف الوطنية، على رغم أنه مفهوم حديث مرتبط بالسياق السياسي للدولة والتشريعات والقوانين التي لم تكن ضمن العلم الذي درسوه ولم يتوسلوا فهمها عبر ثقافتهم العملية، فقد سمحوا لأنفسهم بأن يحتكروا تعريف مفهومي المواطنة والوطنية. وفي فعل هو أقرب إلى الفعل الاستخباراتي أعلن أحدهم عن إحصاء لم نعرف من هي الجهة التي قامت به، هذه الإحصاءات كشفت عدد الكُتاب الذين لم ينشروا في مقالاتهم إدانة تظاهرات لم تقم، ولم تعلن عن مطالبها، ولم يتبين من قوادها، ومن وجهة نظر الخطيب فإن من لم يشارك في الشجب، فهو خائن للوطنية، لننتهي من تعريفه إلى أن المواطنة معناها عدم انتقاد الأداء الخدماتي المقصر ونقص المشاريع التنموية، والمساهمة في خطاب الإصلاح الوطني.
شيخ آخر عرّف الوطنية بأنها الوطنية الخاضعة لحكم الإسلام، أما الوطنية التي تضم أناساً يختلفون مع الشيخ فهي ليست وطنية، والكلام ما زال للشيخ، فوطنية التراب ليست وطنية، وهكذا خرج المواطنون الذين يختلفون مع الشيخ والفاسقين وغيرهم، من وجهة نظر الشيخ من مفهوم الوطنية.
هذا الخطاب المتشدد ضد الاعتراف بالناس، أوقعنا في الماضي في مشكلات، وسيظل يوقعنا في مشكلات جديدة ليس على مستوى أصحاب الخطاب الشخصي، بل على مستوى الدولة ودول أخرى، نتيجة اندفاع وحماسة شخصية، عينه على الجماهير وغايته زيادة رصيده الشعبي.
الرسول - صلى الله عليه وسلم - عاش مع اليهود ومع المجوس والمسيحيين في المدينة المنورة، وآكَلهم واستودعهم واستدان منهم، وهم يتحدثون عن هذا ويقبلونه نظرياً، لكنهم لا يستطيعون قبول المسلم في مذهب يشهد بأن الله واحد. من المستفيد من هذه التصنيفات التي تشق وحدتنا، وتهدد الحقوق الإنسانية وتزيد الموقف الملتهب هذه الأيام احتقاناً وتعنتاً عند الأطراف التي تحب أن تتخذ من منهج النفي والعداء طريقة حياة وعيش.