لحج نيوز/بقلم:مصطفى غليس -
وحدها اللحى المتدلية من وجوه قاسية مشبعة بالتناقضات المخيفة سجلت حضوراً طاغياً وظلت تواجهني وترافقني وأنا اتنقل من موضع لآخر في ساحة الاعتصام بصنعاء وعندها تذكرت شكوى جأر بها صديقي الذي يمتللك دكاناً صغيراً.. وخلاصة شكواه انه ملزم بدفع مبلغ مالي بداية كل أسبوع لأشخاص مكلفين بتحصيل المال من صديقي – الملغوب على أمره – وآخرين شاءت الاقدار أن ينتمي وإياهم الى حزب التجمع اليمني للإصلاح.. ولأنه وحيد والديه وتقع عليه مسئولية إعالتهما هما وبقية أفراد الأسرة ولا يستطيع ترك الدكان ولا البيت فأن عليه دفع ذلك المبلغ نظير تخلفه عن التواجد في ساحات الاعتصام والبيات فيها لأن ذلك ما نصت عليه أوامر قيادات الحزب العليا.. فإما الاعتصام بصفة شخصية حتى بلوغ المرام أو المشاركة بمبلغ مالي ينفق على المعتصمين البدلاء.
تلك الشكوى سمعتها منذ شهرين تقريباً وقبل يومين سألت صديقي إن كان ما يزال يدفع ذلك المبلغ – الذي يفتدي به نفسه ورعاية أسرته – فاجابني والنهدة تسبق حديثه أنه ما يزال يدفع وان المبالغ قد تضاعفت في الأسبوعين الآخيرين بحجة أن متطلبات رمضان كثيرة وأن المعتصمين بحاجة لكسوة العيد وكذلك المعتصمات بحاجة لعسب العيد.. قلت له وما الذي سيحصل في حال امتناعك عن الدفع فأخبرني أن العواقب ستكون كارثية ولا يحمد عقباها.
ذلك هو واقع الأخوان المسلمين – المعروف عنهم التميز بجمع الإتاوات والتبرعات والصدقات.. وتحت مسميات كثيرة ومختلفة.. وأمام الواقع السياسي الذي تشهده بلادنا منذ شهور فأنت أمام خيارين ثالثهما الويل لك ولك ان تختار بين التواجد في ساحات الاعتصام والبيات فيها أو دفع المال لشخص سيحل محلك حتى إشعارآخر طالما وأنت من أفراد الجماعة..
لذلك لا غرابة أن تكون تلك اللحى المتدلية من وجوه بائسة قاسية هي الأكثر حضوراً في ساحات الاعتصام فمرسوم قيادات الإخوان المتشددة والتواقة للسلطة لا يرفض.. لا غرابة بالفعل أن تحضر تلك اللحى وتطغى على ما سواها من الوجوه التي خرجت ذات يوم بعفوية وبمطالب مشروعة وأحلام بيضاء بالتغيير الى الأفضل صودرت قبل أن يتحول مسار الاحتجاجات السلمية الى العنف والقتل المنظم.
العقلاء رحلوا من الساحات.. أنهوا اعتصاماتهم بعد أن تأكدوا وأكدت لهم الأحداث والوقائع ان للإخوان المسملين أجندات لا يمكن وصفها إلا بالسيئة جداً والقاتلة.. لم يترك الإصلاحيون للعقلاء من شركائهم فرصة لتحكيم العقل أو حتى التعبير عن رؤاهم.. ومن الاسبوع الأول للاحتجاجات شكل الإصلاحيون جماعات جعلوا على رأس كل جماعة أميراً براتب مغري.. فسيطروا بطريقة أو بأخرى على كل الساحات وهم اليوم من يديرونها ويسيطرون على منصاتها ولجانها ويتحكمون بخياراتها وتصعيداتها في شتى الجبهات، ليس ذلك وحسب بل ويبررون لخيار السلاح بكلما أوتوا من فتاوى مسيسة وآلة إعلامية ومنابر دعوية تأكل وجه الحقيقة وتبدله بآخر كاذب تغمره الدماء.
قبل بضعة أسابيع نشرت صحيفة الحياة اللندنية تقريراً عن ساحة التغرير بصنعاء وصفت فيه الساحة بـ"لوكندة كبيرة" وجميعنا نعلم الدلائل التي تحملها كلمة "لوكندة" فاصابت بذلك كبد الحقيقة لكن اليوم غير أمس فاللوكندة – عفواً أقصد الساحة – تحولت بفعل فاعلين الى زريبة كبيرة لتسمين عجول الإخوانجية القادرة على الرفس والزبط وربما الافتراس فكل شيء جائز هذه الأيام خصوصاً وقد نزع الإصلاحيون قناع السلمية المزعومة وحولوا مسار الاحتجاجات العفوية الى عنف دموي والاعتصام السلمي ال انتقام منظم وغارات مسلحة فرسانها متعطشون للدماء قدر تعطشهم للسلطة.
وحدهم الإصلاحيون من بقي في ساحة التغرير بعد أن نجحوا في إقصاء الآخرين.. وربما يمكننا قياس ما جرى في الساحات على دولة ونظام الغد وجميعنا نعلم نتائج ذلك علم اليقين في حال وصل الإخوان مبتغاهم ولنا في جمهورية الإقصاء الصغرى خير دليل.. فهل من لبيب؟؟!!