لحج نيوز/بقلم:المحامي أحمد النجداوي -
الخطوات الملكية الاخيرة بحل مجلس النواب والتغيير الحكومي وخطابات التكليف وما رافقها لم تكن لتفاجيء احداً من المتابعين لتسلسل الامور، وبالتالي فإنه يكون طبيعياً ان يتصدى المحللون والمعلقون وكتاب الاعمدة لتناول ذلك بالكتابة والتبشير والتهليل لكل قادم فذلك جزء ثابت في الاوضاع المعاصرة في مثل الحالة التي نحن بصددها، الان وبعد ان اوشكت العاصفة على الهدوء لا بد للمرء ان يحاول سبر غور تلك الحالة وقراءة ما بين اسطر الخطابات المتبادلة ومنها ذلك القدر من الحده غير المعهودة والدعوه الى وضع مواثيق شرف تنظم او تحدد العلاقات والتعامل فيما بين عدد من الاطراف او المؤسسات والاجهزة والتي لا نعتقد ان حاكماً قد اضطر من قبل الى فرضها او اعلانها على الملأ لان من القواعد والاسس الكلية في أي دولة او سلطة ان لها قوانين وتعليمات واسس اخلاقية ناظمة لعلاقاتها وتعاملاتها مع عمالها واداوتها ومع الكافة ايضاً دون حاجة للاستزاده والترديد.
اضطرار رأس الدولة للدعوة الى وضع تلك المواثيق له معانيه ومدلولاته التي اولها الاعتراف بأن هناك انحرافات وسلوكيات تجاوزت حدود المألوف وممارسات من المسؤولين في مستويات مختلفة لم يعد ممكنا السكوت عليها او معالجتها دون اشهار على الملأ لعل في ذلك ان يكون عامل تقويم او ردع لتلك السلبيات التي كانت وما زالت تتخلل او تتزايد بصورة غير عادية في ممارسات وامتيازات شخوص السلطات العامة اذ الاصل ان امتيازات السلطة العامة هي من حيث النتيجة واجبات ولكي تقوم السلطات بمهمتها وتبقى في اطار الشرعية ينبغي ان تظل ضمن حدود صلاحياتها المحددة في الدستور والقوانين وهذا هو اول واجباتها والا وجدت نفسها منزلقة في فرضية السلوك الخاطيء اذ لا يختلف من حيث المبدأ اثنان على ان الحكم مسؤولية والقيادة مسؤولية والعائلة مسؤولية وبالاختصار فإن كل عمل واعٍ مسؤولية؛ وقد جاء في الحديث الشريف ( كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته).
لكننا رغم ذلك نعلم ان كل مدونات ومواثيق الشرف المكتوبة مهما بلغت من الدقة والحزم لن تكفي وحدها لردع ضعاف النفوس او الذين تشوب تربيتهم في الاصل الامراض ولا اؤلئك الذين ورثوا الانحرافات ورضعوا لبانها مثلما ورثوا كافة الصفات السلالية والمكتسبة وبرعوا في تطويرها واستثمارها وهم يعتقدون ان احد لا يرى او يعلم حقائقهم وسوء ممارساتهم تماماً كما تعتقد النعامة وهي تدفن رأسها في الرمال بأن الصياد لا يراها...!!
واقول مردداً ان كل مدونات ومواثيق الشرف التي تطرقت اليها الخطابات الرسمية حسب تقديري لن تدفع الاضرار والاخطار ان لم تكن النفوس بحد ذاتها محصنة، فقد كانت قبل المدونات ومواثيق الشرف المطلوبة اليوم انظمة الموظفين والنصوص الدستورية والعقابية الكثير الكثير مما يتوجب اعماله ومع ذلك فإن ضعاف النفوس الذين اشرنا اليهم وعلى مر العهود والخطابات العليا لم يرتدعوا حتى وصلنا الى ما نحن فيه من المديونية والغلاء والفساد والعجز في ميزان المدفوعات ومن سوء الحال اذ باتت المقايضات والتلاعب بالمال العام ومصائر المواطنين وعلى حساب مصالح الوطن من الامور المكشوفة وتتناقلها وسائل الاعلام والسنة الموطنين في مختلف المحافل ولا بد انها واصلة الى اسماع اعلى الجهات فكانت الحدة والانفعال والمرارة وآخر الدواء الكي لان الحكم الرشيد هو ذلك الذي يعرف كيف ينتقي النخبة الصالحة والمحصنة من الرجالات الذين لا تأخذهم في الحق لومة لائم، ومع اختلاف القياس فإن رموزاً واعلاماً تاريخية معروفة في مسيرة هذه البلاد لم تكن وهي تمارس ادوارها القيادية رؤساء ووزراء وقضاة ودون ذكر الاسماء والمقارنات، لم تكن بحاجة الى توجيهات بل كانت في سلوكياتها تجعل من نفسها النموذج والموجه الفعلي لباقي عناصر وتكوينات السلطات العامة؛ يقول الفيلسوف افلاطون [ .. ان العدالة عدالتان عدالة في الفرد وعدالة في الدولة ولما كانت الدولة اكبر من الفرد فالارجح ان العدالة اظهر في الدولة واسهل تبيناً ... ] ويقول الشاعر المرحوم احمد شوقي:
وانما الامم الاخلاق ما بقيت فإن هُمُ ذهبت اخلاقهم ذهبوا