لحج نيوز/بقلم:نورة الودغيري -
لقد احتلّت إشكالية السعادة حيّزا كبيرا في اهتمامات القدامى والمحدثين وظلّت أولوية في الحياة على مرّ العصور ومطلبا يتنافس فيه المتنافسون ورغم ما ذهب إليها الكثيرون من مذاهب في تفسير السعادة وتأويلها فإنها في نظري ليست سوى ما تلقاه نفس الإنسان من إحساس بالرضا والارتياح وما يكون عليه عقله من بصيرة ووضوح وما يرتسم على ملامحه من انبساط وانشراح بما يجعله مقبلا على الناس بحماس متعلّقا بالحياة مستمتعا بملذاتها ومحاسنها، والسعادة مع ذلك تظلّ مسألة نسبية مختلفة من شخص إلى آخر ومن بيئة إلى أخرى حسب اختلاف الأنماط الثقافية والاجتماعية للأشخاص وحسب خصالهم الذاتية، فرُبّ امرئ حين يعترضه عارض من عوارض القدر يلقى في الشقاوة ألوانا من الأسى ويظل في أحزانه أحقابا من الزمن، ورُبّ شخص آخر حين يعيش الواقعة نفسها لا يرى فيها إلا أمرا إلهيا ساريا بقدر وحكمة بحيث لا يُحرّك ساكنا وتظلّ حياته على توازنها وانبساطها.
إن السعادة رغم كونها حاجة حيوية ومطلبا ضروريا في حياة الناس لا تنطوي على مفهوم موحّد ولا تخضع لمعايير مشتركة من شأنها أن تمثل محرارا أو مقياسا لمدى سعادة شخص ما أو مجموعة بشرية معينة، ومع ذلك أقرّ أنّ العوامل المادية والنفسية والروحية التي تحيط بذات الإنسان قد تتضافر وتتداخل وتعمل على توليد الإحساس لديه بالسعادة المنشودة، والتي يمكن رصدها بوضوح في المستويات التالية:
في المستوى المادي حيث تتحقّق مختلف الحاجات البيولوجية ويحصل الإشباع والانتشاء
وفي المستوى العقلي حيث يقع الاهتداء إلى الطرق الناجحة في التسيير و التدبير
وفي المستوى الوجداني حيث يحصل الرضا على الوضع المنجز والقناعة بالأمر الواقع
وبالعموم غالبا ما يتمثل الناس السعادة من خلال الحاجات التي يسعون لتحقيقها فمنهم من يربطها بالمال ومنهم من يربطها بالعبادة، ومنهم من يربطها بالصحة ومنهم من يجدها في السلطة ومنهم من يقرنها بالعرف والأخلاق ومنهم من لا يلقاها في غير الملذات الزائلة والمحطات الزاهية.
ولمّا كانت السعادة عندهم جميعا على اختلاف مشاربهم مطلبا حيويا يوميا يبذلون في سبيل تحقيقه ما لهم من طاقات ويتعاطون من أجله سائر الأسباب الموصلة إليه فإنّ ذلك في حد ذاته يُعدُّ دليلا على أنّ الحياة الإنسانية بمفهومها الواسع لا تستقيم بدون سعادة بل أذهبُ إلى القول أنّ غياب السعادة يُغرق الفرد في الشقاوة ويُزلزل كيانه ويهُزّ قوامه ويُخمد جذوته ويتجه به نحو التدمير الذاتي والعدمية الشخصية.
إذن ما دامت السعادة حاجة ماسّة وضرورة ملحّة فلا بُدّ من التفكير الدائم في سبل تحقيقها ولا بد من تجديد طرق تحصيلها لأنها متغيّرة مفهوما وتمظهرا بتغير الواقع الموضوعي وبتطور بنية الأفراد النفسية والذهنية، فحاجات الأمس على أهميتها في عصرها قد لا تصلح في عصرنا الراهن لتحقيق السعادة الفردية والجماعية وسعادتنا اليوم ليست بالضرورة كمثل سعادة أجدادنا بالأمس ولا كسعادة أحفادنا في الغد.
لذلك علينا أن ندرك عصرنا ونتبيّن ملامح سعادتنا التي ننشدها لأنفسنا ولغيرنا ذلك أن سعادتنا جزء لا يتجزّأ من سعادة غيرنا وسعادة غيرنا بدورها لا تستقيم إلا بسعادتنا، والإغراق في إفناء الذات من أجل إسعاد الغير على حساب إسعاد النفس ينمّ عن خلل في التفكير، والإغراق في إسعاد الذات على حساب إسعاد الغير ينمّ بدوره عن انحراف في الشخصية، لأن المنهج السليم والفهم القويم يفترضان الاعتدال والتوازن بين إسعاد النفس وإسعاد الغير باعتبارهما متلازمين يتأثر كلاهما بالآخر.
ومادامت السعادة لا تأتي بمحض الصدفة والحظ فعلينا أن نعمل عليها ونجهد من أجلها ونتبع طرقها السليمة وأسبابها المنطقية مستعينين بالتخطيط المحكم لها من خلال رسم الأهداف ممكنة التحقيق وضبط المراحل الكافية لتحصيلها واجتناب الارتجال والعجلة في بلوغ الغايات القصوى حتى لا تكون النتائج دون المأمول وحتى لا تصاب النفوس بالخيبة والخمول واليأس.
خلاصة كلمي وموجز قولي، علينا أن نُطوّر مفهومنا للسعادة وأن نُجدّد طرقنا للأخذ بأسبابها وأن نجهد في سبيلها ونجتهد في إدراكها لتكون سعادتنا كما تمثّلناها بين أيدينا نسعد بها ونجعل غيرنا من حولنا سعيدا بسعادتنا أو لسعادتنا، فهلّا فعلنا؟؟؟
نورة الودغيري