لحج نيوز/وكالات - قالت مجموعة الأزمات الدولية، بأن 10 أشهر من الاحتجاجات الشعبية، المصحوبة بموجات متقطعة من العنف لم تسهم في توضيح المستقبل السياسي في اليمن، مشيرة إلى أن احتجاجات الشارع اليمني قد فشلت حتى الآن في إسقاط الرئيس علي عبد الله صالح، أو إحراز إصلاحات مؤسساتية حقيقية.
وأكدت مجموعة الأزمات الدولية، في تقرير لها، بأن وحدة اليمن أصبحت على المحك، خصوصا مع وضع الجنوب، والانقسام بين القوى الموالية والعادية لصالح، الذي أصبح أكثر عمقا من أي وقت مضى، وتدهور الحالة الاقتصادية والظروف الأمنية والإنسانية، وحالة انعدام اليقين التي تغذيها الأزمة المستمرة.
وأوضح التقرير بأن المظالم القديمة اتخذت أشكالا أكثر حدة، واكتسبت التطلعات الانفصالية زخما أكبر لدى البعض، مشيرا إلى أنه لا زالت هناك فرصة أمام جماعات المعارضة والمحتجين للتوصل إلى اتفاق حول مرحلة سياسية انتقالية تعطي الأولوية للقضية الجنوبية وتعيد تعريف العلاقات بين المركز والأطراف، والتحرك نحو نموذج فيدرالي، محذرا بأنه إذا فوتت الفرصة فإن ثمة مخاطرة في أن يصبح الصراع أكثر دموية، وقد تصبح وحدة اليمن جزءا من الماضي.
وأكد التقرير بأن الانتفاضة الشعبية الراهنة يمكن أن تفتح فرصا جديدة لتسوية قضية الجنوب سليما، إذا تصرف طرفا الأزمة بحكمة، مشيرا إلى أن الانتفاضة الشعبية سهلت التعاون بين المحتجين الشماليين والجنوبيين، وسمحت لطيف واسع من الجنوبيين بالانضمام إلى النقاش العام حول وضع الجنوب، وسهلت التوصل إلى إجماع متزايد حول خيارات الفيدرالية، وقال بأن الخصوم السياسيين إذا تمكنوا من التوصل إلى اتفاق حول نقل السلطة في صنعاء، وإطلاق حوار وطني شامل، فبإمكانهم اغتنام هذه اللحظة للتفاوض على تسوية سلمية للقضية الجنوبية أيضا.
وأضاف التقرير بأن المشكلة هي أنه «ما من مؤشرات تدل على أن اليمن يسير نحو تلك النتيجة، حيث استمرت الاحتجاجات الجماهيرية دون نتيجة، وتنامى الإحباط ومعه انعدام ثقة الجنوبيين بأن أي شيء يحدث في الشمال يمكن أن يحسن من أوضاعهم»، مؤكدا بأنه ثمة مخاطر عدة في أن استمرار المأزق السياسي يمكن أن يحدث مزيداً من الانهيار في الأحوال الأمنية والاقتصادية في سائر أنحاء البلاد، الأمر الذي قد يجعل البديل هو في اندلاع حرب أهلية شاملة بين النخب اليمنية المتنافسة في الشمال، وهو سيناريو يمكن أن يدفع الأطراف في اليمن الجنوبي إلى السعي بجدية إلى الانفصال، خصوصا وأن الحماسة الأولية التي ولّدها التنسيق بين المحتجين في الشمال والجنوب قد تراجعت لصالح دعوات متزايدة من قبل البعض لاستقلال الجنوب.
وأكد التقرير بأن الوضع يرزح في مزيج خطر، خصوصا وأنه ما من شك في أن انفصال الجنوب سيواجه بمقاومة الشمال ويمكن أن يتسبب في صراعٍ عنيف، كما أن أي جهد يبذل لتحقيق الاستقلال يمكن أيضاً أن يحدث اقتتالاً داخلياً ومزيداً من الانقسامات داخل الجنوب نفسه، فضلا عن أن القاعدة في شبه الجزيرة العربية وغيرها من الجماعات العنفية باتت مزدهرة في ظل تزايد الفوضى وعدم الاستقرار؛ وبالتالي فإن مزيداً من التدهور سيؤدي إلى توسيع نفوذ هذه الجماعات.
وأشار التقرير إلى أن هناك ثمة حاجة ملحة لرسم طريق واضح نحو إعادة تعريف العلاقات بين المركز والأطراف، وهذا يمكن تحقيقه فقط من خلال حوار شامل يعترف بالمظالم المشروعة للجنوبيين وأهمية إصلاح تلك العلاقة بشكل حقيقي، وقال بأنه هناك ثمة أربع نتائج محتملة يجري نقاشها في مختلف الأوساط، وبدرجات متفاوتة من الشعبية: المحافظة على دولة الوحدة لكن مع تحسين أداء الحكومة؛ والمحافظة على دولة الوحدة لكن بتفويض صلاحيات كبيرة للمحافظات؛ وإقامة دولة فيدرالية تتكون من إقليمين أو أكثر؛ وانفصال الجنوب.
وأضاف التقرير بأن من بين هذه السيناريوهات، فإن الأول والأخير يشكلان وصفتين لتصاعد الصراع. الأول (وهو عبارة عن الوضع الراهن إضافة إلى شيء ما) يعني بشكل أساسي تجاهل المطالب المشروعة للجنوبيين بتحقيق قدر أكبر من المشاركة، والسيطرة على الموارد المحلية وحماية الهوية والثقافة المحليتين. أما الثاني (استقلال الجنوب) فإنه لن يسهم فقط في استعداء الشماليين بل أيضاً العديد من الجنوبيين الذين يفضلون الإصلاح في سياق الوحدة.
وأكد التقرير بأن «اضطرابات اليمن تمثل فرصة نادرة لإعادة تعريف العقد السياسي الناقص والفاشل الذي يربط بين مختلف مكونات البلاد. إلا أنها، وفي نفس الوقت، رفعت بشكل كبير كلفة عدم التحرك. إذا لم يتم القيام بشيء وفوراً للتصدي سلمياً للمظالم الوطنية الشاملة والمظالم الجنوبية على نحو خاص، فإن فصلاً أكثر سواداً وشؤماً على وشك البداية».
وأوصت مجموعة الأزمات الدولية جميع القوى السياسية إلى الموافقة فورا على التوصل إلى عملية انتقالية لتسهيل الشروع في حوار وطني شامل يهدف إلى مراجعة العقد السياسي والاجتماعي القائم، كما طالبت الحكومة اليمنية باتخاذ إجراءات بناء ثقة فورية لتهدئة التوترات في الجنوب، بما في ذلك وقف العنف ضد المتظاهرين السلميين، وإطلاق سراح السجناء السياسيين، والتحقيق في الانتهاكات المزعومة، والسماح لمنظمات حقوق الإنسان وغيرها من المنظمات الإنسانية بالوصول الكامل للمحافظات الجنوبية، وسحب القوات الأمنية والعسكرية الشمالية المثيرة للجدل، واستبدالها بأفراد جنوبيين في قوات الأمن.
كما طالبت المجموعة الحزب الحاكم بالاعتراف علناً بمشروعية القضية الجنوبية والالتزام بإيجاد حل عادل لها من خلال الحوار الوطني والمفاوضات، و القبول بالوضع الخاص للقضية الجنوبية في الحوار الوطني، وضمان أن تتم معالجتها على نحو منفصل وأيضاً كجزء من رزمة أكبر من الإصلاحات، ووضع حد للخطاب التحريضي ضد "الانفصاليين" والالتزام بالحوار والنقاش حول طيف واسع من خيارات التحوّل إلى اللامركزية.
كما أوصت المجموعة الحزب الاشتراكي اليمني بالاستمرار في دعم المواقف التسووية، التي يمكن أن تجسر الفجوة بين الحراك والأحزاب المؤيدة بقوة للوحدة مثل حزب المؤتمر الشعبي العام وحزب الإصلاح، الذي أوصاه بالقبول بوضع خاص للقضية الجنوبية في الحوار الوطني، وضمان معالجتها على نحو منفصل وكذلك كجزء من حزمة أوسع من الإصلاحات؛ والسماح للجنوبيين في الحزب بتولي وضع السياسات حول الجنوب وتقديمهم كوجه شعبي للإصلاح، وإحلالهم في مواقع القادة الشماليين المثيرين للجدل.
و طالب التقرير المحتجين في الشمال بالاستمرار بالاعتراف علنية بشرعية للقضية الجنوبية والقبول بوضعها الخاص في الحوار الوطني، والاستمرار بالتواصل مع المحتجين الجنوبيين، خصوصاً في الحراك، لإيجاد أرضية مشتركة والتوصل إلى فهم لمظالمهم والطرق التي يفضلونها في معالجة هذه المظالم، وإعادة التأكيد على الالتزام بالاحتجاج السلمي، وإذا سنحت الفرصة، المشاركة في حوارٍ وطني حول للقضية الجنوبية.
وأوصى التقرير الحراك الجنوبي بوضع حد للأوصاف التحريضية "جماعة الداخل، وجماعة الخارج" النمطية التي تصور الشماليين على أنهم محتلين ووضع حد لتصنيف الجنوبيين استناداً إلى تفضيلهم للانفصال أو الوحدة، والاستمرار في الحوار الداخلي داخل الحركة ومع الجنوبيين الآخرين من أجل تحقيق مزيد من الوضوح ووضع خيارات واضحة للسياسات، والقبول بطيف متنوع من الخيارات داخل الجنوب والانفتاح على مناقشة حلول غير الانفصال.
كما وأوصى التقرير المجتمع الدولي بالاستمرار في الضغط على النظام والمعارضة للتحرك مباشرة نحو فترة سياسية انتقالية، ودعم منح وضع خاص للقضية الجنوبية في حوارٍ وطني من خلال البيانات العلنية وزيادة الانخراط مع النشطاء الجنوبيين، بمن فيهم الحراك، وزيادة المساعدات الإنسانية للمحافظات الجنوبية المتأثرة بالعنف المستمر، خصوصاً أبين وعدن، والضغط على الحكومة اليمنية للسماح بالوصول الكامل إلى هذه المناطق. |