عبدالناصر المملوح -
الإرهاب يبدأ فكراً قبل ان يكون "سيارة" مفخخة تنتزع الأرواح وتمزق الأجساد.. وسواءً كانت الجهة المنفذة تنظيم القاعدة أو جماعات جهادية أو مليشيات قبلية وحزبية لا فرق، كما انه لا فرق إطلاقاً بين ما تتعرض له اليوم – بعد التوقيع على المبادرة الخليجية- المؤسسة العسكرية الوطنية وفي مقدمتها الحرس الجمهوري في أبين، حضرموت، البيضاء، شبوة، وما تعرضت له وحدات الحرس الجمهوري في مديريتي أرحب ونهم بمحافظة صنعاء قبل التوقيع على المبادرة.
إنه الإرهاب بعنيه تمارسه جماعات العنف "المتأسلمة" وإن اختلفت مسمياتها، والهدف في الحالتين واحد.. ضرب المؤسسة العسكرية الوطنية وفي مقدمتها وحدات الحرس الجمهوري بما تشكله من قوة ضاربة تقف حجر عثرة أمام طموحات تلك القوى ومشاريعها.
والرابط التنظيمي والفكري بين القائمين على المواجهات في أرحب ونهم "حزب الإصلاح بتحالفاته القبلية والعسكرية والدينية" وتنظيم القاعدة في جزيرة العرب، موجود.. ويكفينا معرفة ان كليهما – الإصلاح والقاعدة- تخلقا من ضلع حركة الاخوان المسلمين، وكما لو ان الإصلاح كحزب يمثل الجناح السياسي للحركة في حين "القاعدة" يمثل الجناح العسكري.
ولن نذيع سراً إذا قلنا بأن الأفغان العرب الذين عادوا من أفغانستان أواخر الثمانينات ومطلع التسعينات وشاركوا في حرب94م تحت لواء "المجاهدين" قد تم تسكينهم لاحقاً في صفوف الفرقة الأولى مدرع ومؤسسات أخرى بواسطة وإشراف اللواء علي محسن الأحمر.
إرهابي القاعدة وهو يقود سيارة مفخخة مستهدفاً حراس القصر الجمهوري في المكلا "حضرموت" لم يكن مجنوناً، وإنما بعد تطرفه وتلقينه قد تبدو تصرفاته جنونية تماماً وغير منطقية، وما كان له أن يقدم على فعل ذلك لو لم يكن هناك من استطاع اقناعه بأن الطريق إلى الجنة بل إلى الفردوس الأعلى حيث النبيين والصديقين تبدأ من هنا(....)!!.
وكذلك هو حال أولئك النفر الذين تسللوا يوم 28/8/2011م عبر قنوات الصرف الصحي إلى داخل معسكر الحرس الجمهوري في أرحب، هم أيضاً ما كان لهم أن يضحوا بأنفسهم في عملية انتحارية كهذه لو لم يكن هناك من حبب الموت إلى نفوسهم وجعله أسمى الأماني بعد أن ضمن لهم الجنة دون المرور حتى على الصراط.
خرافة "الجهاد" هي أعظم قوة تدعم تنظيم القاعدة في المواجهات التي يخوضها اليوم في أبين وأينما وجد، وتجعل الانضمام إليه مرتبة مجيدة، ولا ينالها إلا المخلصين والملتزمين وأصحاب القلوب الطاهرة، وهذا هو الحال عندما أعلن الشيخ عبدالمجيد الزنداني – أبرز قيادات حزب الإصلاح- الجهاد من أمام المعتصمين في ساحة جامعة صنعاء في الأسابيع الأولى من أزمة الربيع العربي في اليمن، قبل ان ينتقل في مساء ذلك اليوم إلى منطقة أرحب حيث ستكون المحاولات الانتحارية اليائسة لإسقاط وحدات الحرس الجمهوري والسيطرة عليها.
وإذا كان تنظيم القاعدة قد برز أينما وجد بفضل تركيزه على مبدأ الاستشهاد والموت "الأمريكيون يحبون البيبسي كولا ونحن نحب الموت"، فالزنداني وحزبه "التجمع اليمني للإصلاح" قد رفعا الموت خلال الأزمة أو ما يسمى "ثورة الشباب" إلى مستوى أعظم الأعمال البطولية، وما مشروع "الشهيد القادم" إلا صورة مبسطة.
وإذا كان أهم ما يميز تنظيم القاعدة عن غيره من التنظيمات أو الأفراد الذين يناصرون أساليب العنف لتحقيق غاياتهم السياسية هو أن الهدف الأساسي بالنسبة لهم يتمثل في إعادة نظام الخلافة الإسلامية، فالزنداني عندما أعلن الجهاد كان أيضاً قد بشر بقدوم دولة الخلافة الإسلامية، ولم يتسلل الإرهابيون الانتحاريون إلى داخل معسكر الحرس الجمهوري في أرحب إلا بعد ان حرَّم – الزنداني- الدولة المدنية، داعياً دعاتها وأنصارها أفراداً أو تنظيمات إلى مراجعة دينهم.
إنهم في الحزب أو في التنظيم في أبين أو في أرحب يشتغلون على الفكر الديني ليدعموا أغراضهم وأهدافهم السياسية، وبذلك يتحول معهم الدين المقدس إلى مجرد أداة للقتل لخدمة مصالحهم المادية والأيديولوجية.