لحج نيوز - ما إن توقف إطلاق النار الذي اعتبره أولمرت هشا حتى اندلعت نقاشات متشعبة حول النصر والهزيمة في حصيلة المحرقة الإسرائيلية بصورة تذكر على حد بعيد بما حصل بعد وقف النار في صيف 2006، عودة النقاش بذاتها داخل إسرائيل تعبر عن حقيقة الفشل في هذه الحرب قياسا إلى إحدى أهم خلاصات تقرير فينوغراد بعدم الذهاب إلى حرب لا تضمن إسرائيل في حصيلتها نصرا حاسما ونهائيا ولا يحتمل النقاش.

الإثنين, 19-يناير-2009
لحج نيوز: وكالة الشرق الجديد- غالب قنديل -
 

ما إن توقف إطلاق النار الذي اعتبره أولمرت هشا حتى اندلعت نقاشات متشعبة حول النصر والهزيمة في حصيلة المحرقة الإسرائيلية بصورة تذكر على حد بعيد بما حصل بعد وقف النار في صيف 2006، عودة النقاش بذاتها داخل إسرائيل تعبر عن حقيقة الفشل في هذه الحرب قياسا إلى إحدى أهم خلاصات تقرير فينوغراد بعدم الذهاب إلى حرب لا تضمن إسرائيل في حصيلتها نصرا حاسما ونهائيا ولا يحتمل النقاش.

 

إن معركة غزة التي خاضها الشعب الفلسطيني وحركة المقاومة لا تشبه في التاريخ سوى معركة ستالينغراد في الحرب العالمية الثانية مع العلم أن المدينة الروسية المحاصرة كانت تستند إلى عمق شبه القارة الروسية والاتحاد السوفياتي برمته والموارد الاقتصادية والبشرية الهائلة التي يمثلها الجيش الأحمر وأنصاره في المقاومة الروسية على صعيد توازن القوى وهي تشبه أيضا صمود عكا ضد الحصار في القرون الوسطى.

 

في الجدل حول النصر والهزيمة ليس انتصار غزة والمقاومة الفلسطينية مجرد انتصار تاريخي بل هو انتصار أسطوري بالمعيار العلمي والموضوعي وليس فحسب بالمقارنة التاريخية مع ستالينغراد وعكا.

 

أولا: في جميع المدارس الإستراتيجية يقوم حساب توازن القوى على مقابلة حجم الموارد البشرية والاقتصادية والعمق الجغرافي وحجم القوى المقاتلة وقدراتها العسكرية والتقنية وطبيعة التحالفات السياسية والعسكرية ومدى انعكاسها في حشد القوى والإمكانات خلال سير المعارك.

 

لا مجال للمقارنة على الإطلاق في هذا المجال بين قطاع غزة وإسرائيل :

 

فالقطاع محاصر بصورة محكمة من الجانب المصري حيث عمقه الطبيعي والبيئة القومية الحاضنة وهو معزول ومحاصر من جهة بقية الأراضي الفلسطينية بواسطة جيش الاحتلال الإسرائيلي كما يشمل الحصار أيضا شاطئ غزة الذي استعانت إسرائيل بالحلف الأطلسي بعد الحرب لإحكام إغلاقه في وجه سلاح المقاومة، بينما إسرائيل تحظى بممرات مفتوحة بحرية وجوية وبالتالي فهي طليقة اليد في حشد القوى والإمكانات لخوض المعركة.

 

ثانيا: لا مجال للمقارنة على صعيد المساحة الجغرافية وحجم السكان وعديد القوى المقاتلة وطبيعة السلاح ونوعيته بين قطاع غزة والدولة العبرية ، ولا كذلك ثمة مجال للمقارنة في هذا التوازن بين الواقع الاقتصادي لقطاع غزة المستنزف بالحصار والتدمير المتواصل منذ عام 2005 وبين الكيان الصهيوني بآلته الاقتصادية الثقيلة، التي تحظى بدعم أميركي وأوروبي وببعض الدعم العربي.

 

سكان غزة يعادلون ثلث المستوطنين في فلسطين المحتلة ومساحة فلسطين المحتلة تعادل أضعاف مساحة القطاع وغني عن البيان مدى افتقار القطاع وأهله لضروريات العيش ومقومات الصمود في حرب ضارية كالمحرقة الصهيونية التي تعرضت لها غزة و يوميات هذه الحرب على صعيد الإغاثة والتموين كانت علامة فارقة أمام العالم كله .

 

ثالثا: الحلف العالمي الذي تقوده الولايات المتحدة وهو حلف مشارك في الحرب تخطيطا وتنفيذا وحشد جميع إمكاناته لدعم إسرائيل سياسيا وإعلاميا وأمنيا ولوجيستيا بهدف التخلص من المقاومة الفلسطينية وكسر إرادة الشعب الفلسطيني، يمثل بعدا نوعيا حاسما في توازن القوى خصوصا وانه استطاع إحداث تحول نوعي وخطير بضمه لأهم حكومتين عربيتين من حيث الوزن والتأثير على المعسكر الإسرائيلي وجندهما في تعطيل اتخاذ أي موقف عربي فاعل لنصرة غزة منذ اليوم الأول للمذبحة تماما كما فعل بالنسبة للأمم المتحدة التي فقدت مصداقيتها ومشروعيتها أمام المذبحة المستمرة والمجازة في صمت دولي مشبوه و مدبر .

 

بالمقابل فإن قوى المقاومة والحكومات الداعمة لصمود المقاومة في غزة لم تستطع التدخل في سياق الحرب بما يتخطى المواقف السياسية والمبادرات الداعمة، وجل ما استطاعت التأثير به على توازن القوى الميداني هو إرغام إسرائيل على حشد قسم أساسي من جيشها على الجبهتين اللبنانية والسورية بفعل مواقف قيادتي سوريا وحزب الله التي أثارت مخاوف إسرائيل من تحرك جبهات قتال إضافية وهو أمر كان له تأثير في التوازن العسكري من غير أن يعيق حشد سبعة ألوية مقاتلة من الجيش الإسرائيلي على أرض القطاع.

 

رابعا: الأهداف الإسرائيلية المتدحرجة منذ أول أيام العدوان تساقطت تباعا أمام القتال البطولي الذي خاضه المقاومون والصلابة السياسية لقيادة المقاومة وتحت تأثير الصمود الشعبي الرائع على الرغم من ضراوة المذابح والتدمير اللذين نشرهما العدو في المناطق الآهلة ويجمع المحللون الغربيون على الاستنتاج بأن أهالي القطاع يبدون اليوم أكثر تمسكا بالمقاومة من أي وقت مضى لأن الحرب الإسرائيلية عززت اقتناعهم باعتماد القوة في الدفاع عن وجودهم المستهدف بالإبادة المنظمة والتطهير العرقي.

 

لقد سقطت أوهام إسرائيل عن إمكانية تصفية المقاومة أو تغيير واقع القطاع أو حول فرص إرغام قيادة المقاومة على التراجع سياسيا عن شروطها التي تضع الردع الصاروخي مقابل فك الحصار ووقف العدوان المتمادي وسقطت أوهام إسرائيل بإمكانية تأليب الشعب على المقاومة بالمذابح تحت عنوان تظهير حجم العقاب على احتضان المقاومة وهو ما جاهر به قادة العدو علنا.

 

سقطت بالتجربة أيضا وفي الميدان الرهانات الإسرائيلية على تدمير قدرات المقاومة العسكرية والقتالية في القطاع وكذلك من بعدها سقط الهدف الذي ردده خلال الحرب عدد من قادة إسرائيل وهو إبعاد خطر الصواريخ التي انطلقت إلى المستعمرات يوم أمس مجددا وقبيل إعلان فصائل المقاومة عن وقف النار.

 

بجميع المعايير تلك أهداف لم يستطع الجيش الإسرائيلي تحقيقها وهو العاجز باعتراف قادته عن احتلال القطاع وكان مضطرا خلال المعارك البرية إلى التراجع بعد ساعات من تقدمه إلى أطراف المناطق السكنية بسبب شدة الهجمات التي شنها المقاومون في الميدان.

 

خامسا : يحاول الإسرائيليون أن يجدوا لهم إنجازا افتراضيا ليتحدثوا عن انتصارهم من خلال الادعاء بأن الحرب أثبتت استرجاع هيبة الردع الإسرائيلية وحققت شيئا من رد الاعتبار بعد هزيمة لبنان 2006 كما نقل الرئيس الفرنسي ساركوزي يوم أمس عن أولمرت الذي حشدت له قيادات أوروبا بقضها وقضيضها لتعويض معنوي عن فشله الحقيقي.

 

كثافة النيران الإسرائيلية ليست شيئا جديدا في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي ولم تكن بحاجة إلى حرب إبادة تبرهن عليها وكذلك تفوق الطيران الحربي الإسرائيلي هو الحقيقة التي حكمت حروب العرب وإسرائيل منذ عام 1948 وهي لم تتغير حتى اليوم بفضل الدعم الأميركي والأوروبي لإسرائيل.

 

والأكيد أن هذه النيران الكثيفة ، التي صبت الذخائر محرمة على أجساد الأطفال في غزة شكلت عرضا متغطرسا لقوة إبادة بينما كان الجيش الإسرائيلي يؤكد عجزه في الميدان عن مواجهة المقاتلين ويغرق في فشله أمام سلاح الردع الصاروخي الذي استخدمته المقاومة طيلة أيام الحرب بصورة محسوبة وفعالة دون أن يستطيع الإسرائيليون ردع أي من عناصر قوتها.

 

سادسا: في حساب التوازنات والأهداف يمكن القول وبكل بساطة أن انتصار غزة شعبا ومقاومة هو انتصار أسطوري فالمقاومة رسمت لخطتها الدفاعية هدفا متواضعا حققته هو الصمود ومنع العدو من تحقيق أهدافه وهذا ما حصل ، بينما إسرائيل تبحث منذ عشرة أيام عن سبيل للخروج من المراوحة في مأزق الفشل والعجز واستعانت بحلف من الدول العظمى والحكومات العربية التي وظفتها الولايات المتحدة في خدمة التغطية السياسية لإعلان وقف النار و لوضع الترتيبات التي يراد استعمالها للضغط على المقاومة في مرحلة التفاوض بمعونة مباشرة من السلطة الفلسطينية وكل من الحكومتين السعودية والمصرية.

 

أما في حساب التوازنات فالبيان تحمله الوقائع والمقاومة الفلسطينية تستطيع أن تقول بالفم الملآن إنها حققت معجزة وتكفي المقارنة بين نصر غزة 2009 وهزيمة منظمة التحرير والحركة الوطنية في لبنان عام 1982 أمام الجيش الإسرائيلي ليكتشف المجادلون أن المقاومة الجديدة، كما في لبنان هي في فلسطين تغير قواعد الصراع وتطوي صفحات الهزائم العربية أمام وهم القوة التي لا تقهر.

 

  
تمت طباعة الخبر في: الثلاثاء, 03-ديسمبر-2024 الساعة: 05:53 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.lahjnews.net/ar/news-20.htm