الخميس, 29-مارس-2012
لحج نيوز - أحمد الشرعبي أحمد الشرعبي -
غريب أمر هؤلاء الذين يحكمون اليمن، عجيب أمرهم، إذ يحكمون من موقع المعارضة ويعارضون من على كرسي الحكم.. عجيب، إذ تحسبهم جميعاً وقلوبهم شتى
هل صحيح خرجت اليمن من النفق المظلم؟
هل صحيح استردت عافيتها أم لا تزال حبلى بمجاهيل الصراع تنتظر جراحات الزمن وتحاول بعناد تسلق (هملايا) المخاض العصيّ..؟
من يكتب رواية أحداثها، ويرصد حكاية أجداثها؟
ماضيها الذي يعيد إنتاج ذاته ويعيد الحياة إلى ديناصوراته، أم الحاضر وهو يطل وجلاً مثل عصافير الكناري إذ تعتاد على التهجين وحين تجد نفسها طليقة لا تجديها الحرية نفعاً ولا تقوى أجنحتها على الحركة؟
وماذا عن المستقبل. أشواقه الحالمة واستحقاقاته البعيدة عن الرؤية وقواه المهيضة في ثنايا الإعاقة؟
أي شيء يكون اليمن اليوم أو غداً.. أمنية في شفاه العذارى أم كابوساً عالقاً على صدغ القيادات التاريخية..؟
متى وفي أي زمن وبأي ريشة يمكن رسمه وأيُّ القدرات والمواهب الاستثنائية تستطيع ذلك؟!
بلغ السيل الزبى، وقيل طفح الكيل.
الساسة في هذا البلد يتجهون إلى الفشل بإرادة صادقة لا هوادة فيها.. إنهم يمارسون طقوساً لاهوتية في اختيار المأزق المناسب لوضعه في المكان المناسب.
كل التجارب مرت من هذا النفق، لكنها عجزت جميعاً عن إحداث ثقب على جدرانه الأسمنتية الصلبة.
من هذا البلد صعدت أول امرأة إلى سدة الحكم.
خذلها الرجال عند قولهم (الأمر إليك!) لينتهي بها المطاف كاشفة عن ساقيها. ولكل الكائنات قصة في تاريخ اليمن.
تقف مسرحية (الفأر في قفص الاتهام) لفقيد النص المسرحي عبدالكافي محمد سعيد أمام القصص المحكية عن انهيار سد مأرب جراء عمل تخريبي ارتكبه فأر سيئ السمعة، ذائع الصيت. وفي – إضافتي إلى مرافعته البليغة – يتحدث محامي المتهم (فضيلة رئيس المحكمة، أيها السادة والسيدات: إن كان موكلي هو الفاعل فقد كنتم أتباعه وأشياعه وأدواته. أيها الناس: لماذا تنشغلون بالذرائع؟ أيتها العدالة: من منا يستحق أن يكون فأراً؟).
الأئمة حكموا اليمن مئات السنين فأنجزوا الجهل والعزلة ومقولات الاصطفاء!
واليوم تتزاحم المناكب والعناكب على اقتراف الخطيئة تلو الأخرى، ولا نكاد نرى شارباً ذا مهابة إلا وفي معيته ذيلاً كثير البجاحة!
هتفوا ملء أشداقهم للربيع العربي وانتهت خطاهم إلى شتاء قارس وليل مدلهم بهيم.
لم يتغير شيء جوهري في حياة اليمن واليمنيين.
الوجوه ذاتها، المشكلات نفسها، والشباب الثائر يتصارع على منصات الخطابة في ساحات التغيير.!
في اليمن حكومة أنجزتها المحاصصات الحزبية بين طرفي إثم وخصومة ومصلحة وتدابير انهيار.
حكومة (المشترك الشعبي العام) يرأسها شاعر، والشعراء يقولون ما لا يفعلون. وهو دشن عهده بالعزف على وتر التفريخ الذي عانت منه معظم الأحزاب اليمنية أثناء حكم الرئيس السابق، وما تكاد دموعه المتوسلة – لطلب موافقة البرلمان على إقرار قانون الحصانة من العدالة – تجف إلا وقد هرع إلى أوساط الثوار الشباب مندداً متهكما متوعدا أولئك الذين استمات من أجل تحصينهم.
أي منطق هذا الذي يسود اليمن أو يزعم القدرة على تطبيب جراحها؟
يحدث هذا على حين يجري الأشقاء والأصدقاء تحضيراتهم الجدية لالتئام مؤتمر الدول المانحة على أمل تقديم الدعم المالي للحكومة اليمنية، ريثما يتسنى لها النهوض بمشروعات التنمية الوطنية وإصلاح ما أفسده طرفا الصراع قبل أن يلتقيا على طاولة التقاسم وتؤول إليهما حكومة (المشترك الشعبي العام).
فما الذي يمكن العالم عمله أو المساعدة في تحقيقه طالما استقبلت حكومة الباسندوة مؤتمر المانحين ببوادر تأزم ووقائع صراع أحسبه أحدّ وأشد مما كان عليه الحال سابقاً؟
إن العناية برحابتها ورحمتها لا تساعد من لا يساعد نفسه.
غريب أمر هؤلاء الذين يحكمون اليمن، لدرجة أننا نعتقد بأن الهدف الخفي من معظم تصرفاتهم إعادة الاعتبار لرأس النظام السابق ودفع ضحاياه إلى الترحم عليه.
عجيب أمرهم، إذ يحكمون من موقع المعارضة ويعارضون من على كرسي الحكم.. عجيب، إذ تحسبهم جميعاً وقلوبهم شتى، وإذ تراهم على جيب رجل واحد.. لمصالحهم حرمة مرعية، ولاستثماراتهم داخل الوطن وخارجه ما ليس للوطن من مكانة أو أثرة.
كان صالح يشد الحبل على أعناق معارضيه ويرخيه، واليوم تخلفه قيادات تشد الحبل على أعناق أنصارها من دعاة التغيير الأوائل.. إنهم على عجلة من الأمر، منهمكون في صناعة الخصوم وإثارة روح الشقاق، ولئن كان الرئيس الأسبق شغوفاً بالتضييق على دور المعارضة، فإن الآخرين يصادرون هذا الدور ويضعون قدماً في السلطة والأخرى في الضفة المقابلة.
ترى.. أهذا ما تريده اليمن لنفسها أم ما يريده الأشقاء والأصدقاء؟ لماذا يثمر التغيير نقائضه في هذا البلد؟ ولماذا يذبل وجه الثورة ويغور نبع الأمل ولا نرى من الربيع غير القحط ونذر التشظي؟
وما العمل وعلى كل لسان:
(يا قافلة عاد المراحل طوال.. وعاد وجه الليل عابس)
ما العمل حتى يتحرر اليمنيون من توحش البدائل السيئة!؟
تمت طباعة الخبر في: الخميس, 21-نوفمبر-2024 الساعة: 10:23 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.lahjnews.net/ar/news-20241.htm