بقلم/عبدالملك المروني -
غداة رحيل الصحافي والأديب محمد عبدالإله العصار أتوقع ميلاد عدد من الكتابات حوله وأقدر على الجزم بأن عدداً لا بأس به سيكتب عن العصار الصحافي فيما عدد آخر سيتناول الراحل كشاعر وأديب، وثمة من توقع ان يكتب عنه كصديق أو رئيس أو شخصية عامة.. ولكل حق فيما يكتب أو يتناول ومن أي الزوايا، فالصديق والزميل الراحل كان اكثر من كيان وأعزر من قلم، وهو فوق ذلك شخصية عامة وعنصر غير صامت لديه استعداد للمواجهة والمنافحة وحتى الخصومة بقدر ما يملك من قدرات للصداقة والابتسامة وإطلاق الروح المرحة.. ووددت ان أحاكي هؤلاء الزملاء وأودع الراحل بأسطر محدودة من زاوية "الإنسان".
للعصار رحمه الله خصومة من الوسط الصحافي والأطراف السياسية كما ان له خصوماً هنا أو هناك، لكنه بروحه وأخلاقه كان يكسب عشرة أصدقاء لقاء خسارة شخص واحد.. والمرء لا يصبح له قيمة اجتماعية ولا حضور مهني ما لم يكن له أعداء بقدر ولو محدود أمام من يكسب من الأصدقاء.
إن جمال الراحل محمد العصار انه كان انسانا بما يكفي، إنساناً لو توقفت أمام مكوناته وبحثت في داخله عن عناصر ومكونات "الإنسان" تجد نفسك أمام طفل كبير أو رجل بقلب صغير وعقل لا يطيق سوى الجمال، ولسوف اكون ممتناً للزميل الذي اختلف معه ذات يوم وهو يودعه بشيء من صدق ويسجل على نفسه ملاحظاته على الرجل الإنسان.
محمد العصار كان برغم جسمه وشاربه وصوته لا يطيق منظراً محزناً ولا يحتمل مشاهدة انسان حزين، وكان يعرف كيف يمسح دمعة شخص بضحكة فإن أخفق مسحها بدموعه هو.
ان كتابات الراحل كانت تعكس جوهره وتجسد قيمه التي يؤمن بها، وسواء اتفقنا معه أو خالفه بعضنا فقد كان يؤمن حقا بما يكتب، وقيمة الصحافي تكمن في إيمانه بما يكتب وليس بلون ربطة عنقه.
وللقصيدة لديه معناها وضجيجها وصراخها المسموع غير ان الأهم من هذا هو عذوبة الصامت منها وجمال وميضها ولونها الذي يسكبه عليها ألقاً ومعاناة.. ادرك ان ابسط مقال يتناول الزميل الراحل سيقدمه أفضل بكثير من هذه التناولة ويجسد قيم الزميل أو يعبر عنها بشكل ألمّ وأكمل، ولهذا أسارع إلى دعوة الزملاء بأن يفعلوا وان يودعوا زميلهم بشكل يليق بوداع زميل.
فأكثر الناس بخلاً هم أولئك الذين يمتنعون عن وداع زملائهم بأسطر من صناعة يجيدونها وحرفة يمتهنونها ووظيفة يعملون بها، ولئن توجب علي هنا التذكير بوعد قوامه التناول مجدداً ومحاولة الاقتراب من خصائص الزميل الراحل في تناولات لاحقة، فإن ذلك مصحوب بدعوة صادقة لزملاء الحرف بأن يمضوا في وداع زميلهم بقدر من المسؤولية المهنية والضمير الوطني والواجب الأخلاقي.
وأدعو الزملاء من مختلف الأطياف والاتجاهات الفكرية والسياسية التوحد لمرات محدودة والاصطفاف في مواقف معدودة، وتلك هي اللحظات التي نخسر فيها زميلاً ونودع صحفياً.. ثم نبقى على خلافنا مع الأحياء منهم فإذا ما غادرنا أحدهم استقبلناه بروح الأسيف وموقف المسؤول.
إنني ادعو الزملاء للشروع في جمع مواد تتحدث عن هذا الرجل كتيب صغير أو كبير، تتكفل مؤسسة "الثورة" بطباعته كحق لزميل مرتبط بها ثم يبقى هذا العرف نظاماً ونهجاً نلتزمه نحو أي زميل يغادر هذه الدنيا ويفلت من متاعب المهنة إلى مدارات رحبة وحياة عظيمة أبدية، بجوار الخالق الكريم.
ودعوني أختتم بسؤال أتمنى ان يحيا لوقت غير قصير: ألا يستحق الصحفي كتاباً بعد موته ويستحق منا بضعة أحرف نكتبها في وداعه؟!!.. وبالطبع انتظر الإجابة من الأحياء وليس ممن رحل!!.