بقلم/د.نجيب غلاب -
يسأل الكثير عن انتقال القوى الاكثر فاعلية في تركيبة نظام صالح من رقعة شطرنج نظام صالح إلى رقعة شطرنج الساحات، والاجابة المقدمة في الغالب متحيزة، فمن يتابع الخطاب المبرر لهذا الانتقال لدى احزاب المشترك وبالذات الجناح السياسي للاخوان ومن يأكل من غنيمتهم أو لديه أمل في تحصيل القوة بعد انتصارهم سيجد أنه تبرير دعائي وتسويق للفعل والتعامل معه باعتباره النصر المبين، وهناك من يتعامل معه لدى الاطراف التي ظلت متمسكة بوجه النظام الذي يرأسه صالح كعمل انقلابي وخيانة للشرعية الدستورية.
لنحاول فهم هذا الانتقال من خلال تناول تجربة السياسي المحترف للعمل الصحفي، وفي البداية لابد من أن نضع قاعدة مهمة وهي أن السياسي يحدد خيارته بناء على مصالحه، السياسي مهتم بالربح وتحصيل القوة، ولتمرير مشاريعه فإنه بحاجة إلى الجمهور ليسند قوته ويشرعن لسلوكه، ولا يمكن تبرير وتزيين افعاله إلا بتغييب العقل وتخليق قطيع جماهيري تحكمه الغريزة والعاطفة المنفعلة، وهو بحاجة إلى تسويق سياسي وهذا عادة ما تقوم فيه الادوات المنتجة للكلمة كتابة او قولا باستخدام منهج اعلامي يعتمد على البروباغندا لتزوير وعي الناس.
لنأخذ الاستاذ نصر طه مصطفى وهنا ليس الهدف الإدانة وأنما محاولة للفهم، لنقل ان نصر سياسي حسبها بدقة مثله مثل غيره الذين غادروا سفينة صالح إلى سفينة الاحتجاجات، كانت جمعة الكرامة هي الصاعق الذي فجر نظام صالح، وهنا قد تبدو المسألة الاخلاقية هي الغالبة، تبرير الانتقال لا يمكن أن يكون إلا بالقيمة والمبدأ، فمن السذاجة أن يفصح السياسي عن المحدد الذي يحكم سلوكه، لنفرض ان نظام صالح قتل الفين قبل الاحتجاجات في الجنوب او صعدة او حتى في صنعاء هل كان حلفاء صالح سيتركونه؟ الكل يعرف ضحايا الحراك الجنوبي وضحايا حروب صعدة، لم تحرك ساكنا لدى نظام صالح بتركيبته الحاكمة والمعارضة. الانتقال كان ضرورة لإنقاذ تركيبة النظام وتحويل صالح وعائلته إلى كبش فداء لقوى غاضبة تبحث عن ثورة وتغيير جذري وشامل لكل التكوينات التي شكلها النظام عبر تاريخه.
الاستاذ نصر كان مقربا من صالح وعائلته وفسر البعض انتقاله بإشكالية الخوف من فقدان الدفء الرئاسي بعد ان ايقن ان رحيل صالح مسألة وقت ومقالاته التي تغازل هادي بين الفينة والاخرى والتي تتشابه كثيرا مع مقالات مغازلة صالح في المراحل الاولى من التقرب وبناء الصداقة تجعل فرضية البحث عن الدفء الرئاسي ذات اعتبار صحيح لكنها ناقصة ومبتسرة والامر بحاجة الى تفسير اوسع. والسؤال ما الفرق بين حسابات الجنرال علي محسن والاستاذ نصر وهل هناك جامع بينهما وكان مجبرا على الانتقال فهو ترس في آلة ضخمة من يخونها يخسر كثيرا؟
ربما الاستاذ نصر طه سياسي يفهم السياسة بعقلية رجل النظام ووجه النظام الذي عبر عنه صالح البقاء فيه انتحار، ولأنه اعلامي عاش في دهاليز الكواليس ولديه من الخبرة والتجربة ما يجعله قادرا على وضع نفسه بالمكان الذي يحميه ويحفظ استمراريته، بقائه كان يعني ان يكون في وجه المدفع، وخروجه اعلان براءة ومكسب، ولا عيب في المسالة فالسياسي براغماتي، وإعادة صياغة الصورة وبناء القوة في ظل الفعل الثوري فرصة لا يمكن تعويضها.
معرفة الاستاذ نصر بتركيبة القوة وباتجاهات القوى الاقليمية والدولية هي من حكمت خياره والثورة ليست هي المحدد، فالمتابع لخطابه بعد الانتقال سيجد أن صراعات القوى هي من تنسج مواقفه، جوهر الخطاب ومآلاته أما الحوائج التسويقية فهي المكياج.
أحيانا أحاول ان اتخيل ماذا سيكون موقف الاستاذ نصر طه لو بقدرة قادر انقلب الوضع في اليمن وتمكن المؤتمر من ترتيب صفوفه وتوحدت ارادته وجاءت انتخابات وحكم المؤتمر اين سيكون نصر؟
من الواضح انه حدد موقفه ضد صالح وعائلته باعتبارهم النظام وارتباطاته بوجه النظام الآخر تزداد تجذرا بل انه من اهم مرتكزاتهم الاعلامية، وفي الوقت نفسه يقوم بمغازلة فخامة الرئيس هادي، ويدعم مسارات الصراعات في بنية المؤتمر بطريقة ذكية ويدس السم في العسل حتى بين احمد وابيه، أي انه يرسم موقعه القادم بدقة ايا كان الفائز.
من يفكك خطاب الاستاذ نصر سيجد أن لديه خوف عميق وفوبيا من استمرار التسوية السياسية بطريقة لا تقضي على صالح وعائلته، ولأنه يدرك جيدا لعب صالح وطريقته في إدارة الصراع السياسي، ربما يسأل نفسه: ماذا لو ترشح صالح في الانتخابات القادمة وفاز؟ ولأنه يعرف صالح جيدا فإنه يتغلب على مخاوفه لأن لديه يقين انه لن يعاقبه بل ربما يقربه لأنه يعرف نصر الودود ويلن يلومه على تحوله ربما اكتشف نصر الاحمر العين!!!
الاهم في فهم الانتقال والخطاب المنتج أن الاستاذ نصر لم يغادر وعيه السلطوي فهو متحيز للنظام، وتحليل مضمون الخطاب الذي يسوق له لا يختلف عن خطابه السابق لكنه غير مكان تموضعه ليس إلا، وتحيزه مازال للقوى التي شكلت نظام صالح والذي يعتقد انه النموذج ان تم تحريره من صالح وعائلته فصالح قربه ولكنه هضمه لذا فهو غير جدير بالسلطة لانه في الفترة الاخيرة من حكمه كان يتعامل مع نصر كمثقف ساذج لا يفهم لعبة السياسة.
فالمتابع لما يكتبه نصر سيلاحظ أن تحولاته ليست جذرية فأسلوبه مازال معبرا عن السلطوية الانتهازية التي يعاني منها المثقف ابن المدينة في صراعات القوى ومن المهم ان نلتفت إلى مخاض الخوف التي تنتجه الاحداث الكبرى في اليمن لدى المدني الذي ارتبط بصراعات القوى، فحتى لا يتحول إلى ضحية عادة ما تكون حساباته دقيقة لذا فإنه يتقرب من الاقوى ويعادي الاضعف المأمون الجانب لتأمين نفسه وتبرير شجاعته، ولأن نصر يعرف ان استمراره بعد ان ايقن ان صالح سيرحل لا محالة سيجعله كبش فداء لقبائل العصيمات وربما وجبه دسمة لرفاقه السابقين من الاخوان.
السؤال لماذا انتقل نصر ومارس غضب مضاعف ضد صالح؟ وما الذي يمكن ان نقوله لو قارناه برفيقه حارث الشوكاني الذي لم يستفيد من النظام والسلطة؟
الجزء الثاني سيحاول تقديم فهم أعمق