بقلم/ جبر صبر - كثيراً ما نسمع ويتردد عن حوادث اختطافات الأطفال لاسيما في الآونة الأخيرة في ظل الانفلات الأمني.. والمؤلم في ذلك إنه يتم استخدامهم إما للتهريب الى دول الجوار، او لبيع أعضاءهم أيضاً الى بعض الدول العربية .. لكن ما حدث أمام عيني كان أمرا لم يسبق لي ان شاهدته في حياتي على ارض الواقع المتمثل في اختطاف طفلة لا يتجاوز عمرها العاشرة وبمحض إرادتها، ورغبة منها لبراءتها الطفولية ، فضلاً عن عدم إدراكها بعواقب اختطافها..
الزمن: الساعة الثانية والنصف بعد منتصف الليل من يوم الأربعاء الماضي..المكان جولة 45 شارع خولان بالعاصمة صنعاء..بينما كنت خارجاً لشراء بعض الحاجيات من احدى البقالات في الشارع الرئيسي فاجاني موقفٌ غريبٌ لم أشاهده من قبل، حيث وجدت بذات الجولة طفلة عمرها ما بين 8-10 سنوات كانت واقفة على رصيف الشارع العام تتحدث الى سائق سيارة أجرة " تاكسي " كرسيدا موديل قديم، متوقفاً بعد الجولة بالشارع العام.
ظننت للوهلة الأولى عند مشاهدتي للطفلة وهي تتحدث للسائق وبجواره شخص آخر يرتديان زي مدني، انها قريبة لهما عندما انزلاها لشراء حاجة ما من البقالة في الجهة المقابلة ..بالصدفة وأثناء توقفي امام ذات البقالة شدني فضولي لمتابعة قصة هذه الطفلة..عندما لحضتها فجأة تفر منهما وفي تلك اللحظة كانا يناديانها باستلطاف ان تعود وتصعد معهما في السيارة ، فكان ردها على نداءاتهما بصوت لا يبدوا عليه علامات الخوف(كذااب)..تقطع الشارع الى الشارع الموازي امام البقالة، وهي حافية القدمين ترتدي فنيلة بيضاء و"بنطلون" يميل الى اللون الأزرق، فتقترب من أمام البقالة حيث كنت اقف لمتابعة ما يجري..مرت من أمامي دون أن تتوقف..سألتها: وكان يبدوا عليها كما لو انها تريد العودة اليهما..:هذا ابوك؟..قالت : لا..قلت: طيب اقاربك؟..قالت: لا يقربوا لي ولا شيء ..وكانت تجيب علي وهي تمشي محاولةً العودة الى السيارة..وهما ينادياها " هاا تعالي ارجعي"..هما الآخران كانا يناديانها بلهجة لينه، محاولين التودد اليها وإغراءها لتعود..فسألتها: أنتي ساكنه هنا بالحارة، وبيتكم هنا ؟ قالت: لا مابش معنا بيت ولاشيء".. ومرت من أمامي باتجاه الشارع الموازي للسيارة الأجرة التي تمشي كل ما مشت الطفلة..عندها تأكدت انهما يريدان اختطاف الطفلة، إلا انهما لم يظهرا محاولة اختطافها بالقوة حتى لا يلفتوا الانتباه اليهما، لاسيما وان نقطة أمنية تبعد أمتار وبذات الجولة..فصرخت أناديها" ارجعي يا بنت لا تصدقيهم يشتوا يختطفوش"، لكنها لم تعر كلامي أي اهتمام، وكأن إغراءاتهما لها كانت أكبر ما جعلها تعود اليهما برغبة منها، ولما تحمله من براءة الاطفال، خاصة وانه "لا يوجد لديهم بيت" كما قالت..فتعود اليهما مجدداً ولثلاث مرات وهما يحدثانها من نافذة السيارة وهي على رصيف الشارع،، ولم استطع اسمع حديثهم والإغراءات عدا كلام الطفلة وهي تقول " انتم تكذبوا علي "، عقبها ذهبت مسرعاً الى النقطة الأمنية للتبليغ عن محاولة اختطاف الطفلة،، لكن للأسف أثناءها ولم اكن قد وصلت النقطة حتى أقنعاها بالصعود، لتفتح الطفلة باب السيارة وتصعد بمحض إرادتها مستسلمة لإغراءاتهما ثم لاذت السيارة وعليها الطفلة بالفرار باتجاه طريق خولان، وربما كان إقناعها بالمرة الأخيرة اكبر بعد ان كانت ولأكثر من مرة تبتعد عن السيارة وترفض الصعود وتقول "كذابين".
وفي ذات الجولة كان صاحب باص اجرة واقفاً يغسل باصه، عندما سألته: شفت الطفلة والسيارة التي اخذتها؟!.. قال: ايوه تستاهل..قلت: ليش؟ قال: البنت بدون تربية من أول وأنا أشوفها وهي تهرب منهم، وتتدلع وتضحك وبعدين ترجع لهم"..سالته: من اين جاءت ؟قال: شفتها عندما وصلت السيارة النقطة الامنية من جهة باب اليمن للوقوف للتفتيش..ففتحت الباب الخلفي للسيارة وهربت منهم الى بعد الجولة في الخط الثاني الموازي..
عقب ما شاهدته لم اصدق ما رأته عيني ، وبنفس الوقت مستغرباً لخروج طفلة بهذا السن وبهذا الوقت المتأخر من الليل وجرأتها في التعامل مع خاطفين،،وتمشي بالشارع بشكل طبيعي جدا وبدون خوف رغم صغر سنها ، لكن على ما بدا لي انها من اطفال الشوارع..عدت الى منزلي وأنا مذهول وفي نفس الوقت مشفقاً على الطفلة التي سلمت نفسها للخاطفين من تلقاء نفسها ، وهي لا تعلم ما سيحل بها من خاطفيها ، بسبب البراءة الطفولية التي تحملها..إلا ان وضعها المعيشي كما قالت " ليس لديهم منزل"،، جعلها تقبل إغراءات خاطفيها..
بذات الليلة لم استطع النوم، وأنا افكر في هذه الطفلة !! وما سيحل بها من قبل خاطفيها، أتساءل ترى ماذا سيفعلون بها!! إما الاغتصاب من وحشين يكبراها بالسن بعشرين عاما على ما كان يبدوا عليهما..او تهريبها لدول الجوار كما يحدث لكثير من أقرانها الاطفال..او استخدام بعض اعضاء جسدها لبيعها..فلم يكن مني الا ان ادعي الله بساعة السحر ان لا يلحقا بها أي أذى..لأنها ضحية براءتها والوصول الى ايادي بشر لا ترحم ، طالما حاولوا لأكثر من مرة إغراءها للصعود معهم وفي وقت متاخر من الليل..
وتبقى مسألة المشاكل الأسرية والوضع المعيشي الصعب لدى كثير من الاسر اليمنية، سبباً في تحول كثير من أطفال اليمن الى ضحايا عنف جسدي وجنسي..وذلك ما يأكل القلوب ويقض المضاجع، وان تصبح الطفولة في اليمن مستباحة وحقوقهم مهدورة..ويساهم بعض أولياء الأمور في ذلك، بل يدفع البعض اطفاله للتسول وحرمانهم من متعة الطفولة وحقوقها من لعب وتعليم وغيرها..بل هناك من يدفع بطفله للتهرب لدول الجوار من اجل استلام الفتات من المال نظراً للوضع المعيشي الصعب.. |