بقلم/جميل مفرح -
من المعروف والمسلم به أن شهر رمضان مساحة جزئية من العام يتم خلالها تهذيب الأنفس وفيها ترتفع نسب الاستقامة والإحسان إلى النفس قبل الآخرين، هذا ما عرف عليه رمضان منذ قديم العهد به والأدلة والبراهين النصية والاعتبارية والاستشهادية تملأ جعب التاريخ بما يؤكد على ذلك أو يسير في مساره.
< ولكن المتتبع والمستقصي على خريطة الواقع ومقارنتها بالمفترض أو بما مضى من عهود رمضان وما يسبغه على أخلاق البشر يذهله التحول أو التغيير الذي يصيب بدن هذا الاعتقاد، فمن زمن لآخر نجد هوات وثغرات مفجعة تتخلل القاعدة أو الاعتقاد المشار إليه، ويبدو للملاحظ من التسارع في التغيير وفي تحول التعامل مع هذا الشهر الكريم، ما تشهده أخلاقنا وسلوكنا وطريقة حياتنا وتعاملنا من نكوص واختلالات مخيفة يخشى بعدها ألا يتبقى من رمضان سوى الإقلاع عن تناول الطعام أو بالأصح تغيير أوقات تناول الطعام والسجائر وسوى ذلك من الملذات.
< وهذا الذي يخشى بدوره يبدو مجسداً وحاضراً في الواقع لدى نسبة كبيرة من الناس الذين يتعاملون مع رمضان على أنه فقط مناسبة لتغيير برنامجهم الغذائي والحياتي ككسر لرتابة العيش على طوال بقية أيام وشهور العام.. أو كبرنامج صحي في المقام الأول أو كإجازة ترفيهية ليس لها أي علاقة بما وجد وسن لأجله شهر الصيام دينياً وأخلاقيا واجتماعياً.. وهنا تكمن المعضلة وتتجلى المشكلة ويغدو رمضان لدى هؤلاء أو أولئك مجرد مناسبة أو فرصة للترفيه وتحسين وتنميق ومعالجة المسار الحياتي الدنيوي البحت، قاطعين أي علاقة أو رابط بين هذا الشهر وجدواه ومكانته الدينية والإنسانية والاجتماعية الحقة.. أو دوره وعلاقته بالتهذيب والتذكير وتسوية علاقات الفرد بدءاً من علاقته بالله ومروراً بعلاقته بروحه وذويه وأهله ووصولاً إلى علاقته بالمجتمع من حوله.
< يجب أن نتنبه بشدة إلى مثل هذا الأمر وألا نغدو أو نمضي بشهر رمضان المبارك في الطرق والمسالك التي لا يمت إليها بصلة أو قرابة من خلال سلوكياتنا السيئة التي نبتكرها من يوم لآخر ومن رمضان لآخر ونبتكر لها المسوغات والمبررات الواهية والباطلة.. وألا يصبح الشهر الفضيل مساحة لجني المعاصي والخروقات الدينية والأخلاقية التي نقترفها عن علم ودون علم أو قصد أكثر الأحيان.. وأعني بذلك أننا نرتكب الحمق أحياناً كثيرة عن غير قصد أو علم ولكن نكون قد هيأنا لذلك بما أصبحنا نتمثله من سلوك وأخلاقيات في التعامل والتحاور مع بعضنا ومع أنفسنا وبما نعتقد أنه الصحيح أو ربما الأفضل في التعامل مع شهر الحسنات والبر والتقوى.
< وهي كذلك إشارة لكثير من التجار والباعة والمؤسسات التي باتت تعتبر شهر رمضان مجرد مساحة عمل تجاري وجني أموال وحصد أرباح بدلاً من أن يكون مساحة لأعمال أخرى هي الحسنات والإحسان وجني وحصد الأرباح الحقيقية لهذه الأعمال في الروح والمجتمع والدين. كان رمضان جميلاً ورائعاً وبسيطاً وكان مع ذلك فرصة حقيقية لمراجعة النفس وتهذيبها وتحسين علاقتنا بالله وبأنفسنا وبالآخرين من حولنا، ولكنه في اعتقادي غدا مخالفاً لذلك بشكل كبير ومخيفاً في حاله وحالنا اليوم ولذلك نجدنا كل عام نقول رعى الله أيام زمان كلما عشنا رمضان أو تذكرنا مناسباتنا الدينية والاجتماعية الأخرى، ترى هل تتغير وتختلف وتتباين هذه المناسبات مع الزمن أم نحن المتغيرون؟
لاشك في أننا نحن المتغيرون والمتبدلون وأن رمضان أو غيره من المناسبات ما هي إلا محطات لمراجعة أحوالنا وتقرير مصائرها ومصائرنا أيضا وأن باستطاعتنا أن نعيد رمضان إلى تمام ألقه ورونقه ومكانته وربما أفضل مما مضى بكثير، فقط علينا أن نريد ذلك ليتحقق.