بقلم/علي ناصر البخيتي -
كنت أتصور نفسي أبو العريف فيما يخص ايران معتقداً أن عندي معلومات كافية عن هذا البلد الإسلامي, وبمجرد وصولي الى هناك هالتني المفاجئة وهي أن ما أعرفه هو صورة نمطية مستوحاة من ما تنقله لنا وسائل الإعلام البعيدة و القريبة من إيران وهي غالباً اما أمور متعلقة بالسياسة أو بالدين وكوني في زيارة خاصة الى ايران قررت أن أتناول بعض المواضيع التي قد تضيف الى معرفة الشخص العادي معلومات جديدة عن ايران الجمهورية الاسلامية .
هذه هي الحلقة الأولى بعنوان " الأسرة الإيرانية " من سلسلة أتمنى أن استطيع اكمالها خلال ايام زيارتي القصيرة .
وصلت الى طهران قادماً من بيروت عبر الدوحة حوالي الساعة التاسعة والنصف بتوقيت طهران الثامنة بتوقيت اليمن وكان قد وعدني أحد الأصدقاء برسالة على الفيس بوك أنه سيستقبلني مع عدم معرفتي المسبقة به الا عند ارساله تلك الرسالة, طبعاً لم ابلغ من دعاني بموعد وصولي حتى أصل غريباً دون برنامج مسبق يكون معد لي لا أتمكن فيه من اكتشاف ما أريد لذلك قررت أن ابداء حراً لعدة أيام ثم اتصل به .
بعد وصولي الى المطار استقبلني صديق الفيس بوك د / نشوان العسيري برفقة سيارة يقودها أحد الايرانيين وانطلقنا صوب العاصمة التي تبعد عن المطار حوالي 35 كم واثناء مرورنا هناك شاهدت مجمعاً ضخماً تتزاحم السيارات على الدخول اليه فسألت فعرفت أنه ضريح الإمام الراحل أية الله الخميني فقلت لهم أريد أن أزوره, تمت الزيارة وستكون موضوع حلقة أخرى .
انطلقنا بعدها باتجاه الفندق الذي تم حجز غرفة لي فيه وفي الطريق قال السائق الايراني لصديقي اليمني انه يفضل أن يأخذنا الى بيته فتمنعت فألح فوافقت مستغرباً من تصرف السائق الذي ظهر لي بعدها أنه أبوا زوجة صديقي الدكتور نشوان .
وصلنا الى باب العمارة اجرى الايراني اتصالاً قال فيه " يا ألله " صعدنا الى الدرج, الشقة في الطابق الثاني من المبنى وكانوا يضعوني قبلهم وأنا أتراجع دافعاً لهم للدخول قبلي, فتح الباب دخلوا ودخلت بعدهم متنحنحاً ناظراً الى الأسفل قائلاً عبارة " الله الله " بصوت خافت قريب الى التمتمة, الإيرانيين يقولون نفس الجملة مع اختلاف بسيط في الشكل والمضمون يقولون " يا الله يا الله " لا بغرض دفع النساء الى الهرب إنما بغرض تنبيههن الى اللبس الشرعي لمقابلة الغرباء, دخلنا الشقة ففوجئت بالبيت بكامله في استقبالي النساء والأطفال وكل من بداخله حتى اعتقدت أن الجدران تتراقص فرحاً بمقدمي, الكل يقول " خوش أمديد " رفعت نظري خجلاً لأرد على عبارات الترحيب من الجميع وبدأت الألفة بيني وبين الأسرة الإيرانية خلال دقائق, النساء يلبسن اللباس الشرعي الذي يكشف الوجه واليدين, الشقة على النمط الأوربي مساحتها 80 متر مكونة من غرفتين وحمام صغير وصالة يطل عليها مطبخ مفتوح, الصالة للجلوس ومشاهدة التلفزيون وللأكل وللنوم أحياناً اذا زارهم ضيف, جلست على الكنبة فتحت حاسوبي لائذاً به من الجو الغريب علي في وجود شاب وشابتين ووالديهما وطفل صغير حولي, قدمت لي مختلف أنواع الفواكه الإيرانية والمكسرات التي ذكرني طعمها بفواكهنا ما قبل عصر الأسمدة والمبيدات, كرم حاتمي أحاطني من كل جانب, أحدهم يسهل وصول النت الى حاسوبي والآخر يقطع الفواكه والنساء تعد الطعام أمام ناظري وكلما نظرت الى أحدهم ارتسمت البسمة على وجهه قائلاً عبارات افهم منها ترحيباً حاراً بي, كانت الساعة حينها الحادية عشرة تقريباً, استأذنت النساء في الخروج عرفت انهن ذاهبات في هذه الساعة المتأخرة لوحدهن الى جامعة طهران لحضور احتفال ديني بمناسبة ليالي القدر, أخذت راحتي بعد خروجهن أكثر, تسامرت مع البقية, صديقي اليمني د/ نشوان يترجم لي ولهم, قام رب الأسرة بإكمال صنع طعام السحور لحين حضور النساء, يغسل الصحون يرتب الأغراض يشارك في الأعمال المنزلية لا عُقَد نقص لديه كما التي عندنا تجاه أعمال البيت, عادت النساء بعد ثلاث ساعات تقريباً, مدت المائدة نزل الطعام افترشنا الأرض جميعاً نساءً ورجالاً كل له صحنه الذي يأخذ اليه مقدار حاجته, يستخدمون الشوكة والملعقة الا أنا كانت يدي تُقصي الشوكة عن العمل, وكلما اصاب يدي بعض الطعام سارع احدهم بمنديل الي قبل أن العقها, شعرت بألفة غير عادية, انهمك الجميع في تشجيع لاعب ايراني مشارك في أولمبياد لندن, تعلوا صيحات الشاب ووالده ممتزجة بصيحات الشابتين ووالدتهما عند وقوع اللاعب الإيراني أو إيقاعه لخصمه, الولد الصغير يتفاعل بكل حواسه بصوته بجسمه الذي يتلوى كما الأعب, كلنا في الصالة الصغيرة, , هم يشاهدون المبارزة وأنا أشاهدهم مستغرباً من تلك الأسرة البسيطة التي جمعت بين التحضر والالتزام الشرعي .
الكل يعملون الأم " فاطمة " مدرسة لغة عربية والبنت الكبرى " محدثة " ممرضة والثانية " ماريا " مستشارة قانونية والثالثة " مريم " تدرس طب أسنان في الفلبين والشاب "مقداد " لازال يدرس هندسة والطفل " محمد " في الصف الثالث ورب الأسرة " عباس " خريج علوم سياسية ولديه أعمال حرة, الكل يعملون ويتشاركون أعمال البيت, للمرأة شخصيتها المستقلة مع احترامها لزوجها بحسب فهمهم الديني, لا ازدراء أو احتقار لها, لا توجد ثقافة " عزك الله " عند الحديث عن الزوجة؟ لا توجد ثقافة " وقرن في بيوتكن " حسب التفسير الخاطئ لتلك الآية .
ترابط اجتماعي قوي وتطور حضاري ومدني مع المحافظة على روح التقاليد والثقافة الاسلامية, لا تعصب, لا تطرف, يسألوني اذا أردت الصلاة فذاك مكانها, إذا كنت لا تصوم فاطلب الأكل متى شئت .
جاء وقت النوم, إيثاراً منهم أدخلوني الغرفة وافترش بعضهم الصالة بما فيهم النساء وناموا بها , سألت صديقي د / نشوان هل ذلك اسلوب عيش كل الأسر الإيرانية, فقال تلك حياة الأغلبية وهناك الأكثر انفتاحاً كما أن هناك الأكثر تحفظا .
حياة بسيطة سهلة بلا تعقيد, أحسست بفارق حضاري شاسع بيننا وبينهم .
التقطنا بعض الصور ومقطع من الفيديو ستجدونه في صفحتي على الفيس بوك قريباً .
والى اللقاء في الحلقة القادمة مع موضوع جديد .
[email protected]