الأحد, 26-أغسطس-2012
لحج نيوز - نايت الصغير عبد الرزاق بقلم / نايت الصغير عبد الرزاق -
الحاكم بطبعه يميل الى الاستبداد , لا يكبح جماحه إلا خوفه من شعب تقوده نخبة مستنيرة مفكرة يستطيعون أن يعيدوه من حيث أتى متى أرادوا ذلك , و هذا هو جوهر الاختلاف بيننا و بين الأمم المتقدمة,نحن نُسقط ديكتاتورا كناّ نعبده , فقط لنضع بدله ديكتاتورا آخر نقدسه.

المشكل في شعوبنا التي رضعت فكر عبادة و تقديس الأشخاص و غلفته بغلاف ديني كهنوتي ,هذا هو أفيونها الذي لا تقدر على العيش بدونه …

المشكل ليس في الحكام و لكن في شعوب لاتزال تِؤمن بقصص “الغولة” و تكبُر لصور الفوتوشوب و ” تُجهش بالبكاء” من “التقوى”اذا رأت سلطانها أو كاهنها …لن يستقيم لنا حال إلا بعد أن نقضي على هذا الفكر ….

حتى و لو جاء أوباما ليحكمنا فسيتحول ديكتاتورا مستبدا رغما عن أنفه , سيجد كهنة يحللون له ما حرم الله و ينادونه بأمير المؤمنين , سيجد “رعايا” يتحملون مشقة البقاء لساعات تحت الشمس لمجرد الحصول على “بركة” رؤية الرئيس و الأمير و السلطان ,سيجد حوله بطانة السوء من أصحاب المال الحرام و شيوخ العشائر الذين سيغرقونه بذخا و ترفا و كذبا …

نحن من يصنع الديكتاتور و نحن من يقمع و نذبح معارضيه “فداءا” له ,و ننعتهم بالخونة و الكفار و كذلك نحن من يشنق و يمثل بجثة نفس الدكتاتور إذا سقط و نصنع تماثيل الذهب للحاكم الجديد,نفس السيناريو منذ قرون … مات الملك, عاش الملك !

و لكن أين يكمن المشكل ؟ هل أصبحت ثقافة و تقليدا و “فكرا” مجتمعيا و قدرا مثل هاته التصرفات ؟

لا يمكن لمجتمع يعادي العقل و الفكر أن يصنع حضارة و حرية و ديمقراطية , الخلط الغريب الذي حدث في عقول الناس بين نظريات الكهنوت الدخيلة على ديننا و الفكر و العلم و أمور الحياة , هو من جعلنا نرفض أو نخاف أن نفكر , شعوب كُتب عليها أن تبقى حبيسة كتب تلمودية ميتولوجية و أفكار أحدثها يعود إلى القرن العاشر , و يا ليتها أخذت بأفكار ابن رشد و الفارابي و الغزالي و أبي العلاء و الرازي و ابن سينا , مستنيرون و فلاسفة كانوا أول ضحايا الكهنوت و الاستبداد , فيهم من قُتل و فيهم من نُفي و فيهم من عُذب !

استطاع من ابتدعوا فكر الكهنوت في الإسلام أن يصنعوا في لاشعور الفرد المسلم صورة قاتمة عن الفلسفة و الفكر و العلوم , خلقوا في عقله نوعا من الخوف و الرعب المقدس من كل ما هو جديد , أغلقوا أبواب الاجتهاد و كأن العقل الإنساني قد توقف عن التفكير و التطور منذ القرن الرابع عشر, أقنعوه بأنه سيجد كل ما يحتاجه في كتبهم الصفراء المقتبسة حرفيا عن التلمود .

نظرية الرعب المقدس هذه أصبحت جزءا من تفكير الفرد المسلم, جعلته دائم الشك و الريبة من كل ما هو جديد و من كل ما لم يحلله كهنته, تجده دائم التلفت شمالا و يمينا متسائلا إن كان ذلك سيُرضي شيخه و جماعته و هل تحدثت كتب “الأوُلين” عن هذا الأمر.

أليس مثيرا للسخرية أن تجد شخصا يبحث عن أحكام الانترنت في الإسلام في كتب…ابن تيمية و الجوزية ؟؟ , عشرات الفتاوي تخرج علينا يوميا عن أحدث أنواع التكنولوجيا تأخذ مصادرها من كتب أكل عليها الدهر و شرب و لم تعد صالحة لزمان و لا لمكان ! هل عقرت نساء المسلمين لتلدن علماء و مفتين يعتمدون على فكرهم و عقولهم للحديث في مثل هذه الأمور و أن لا يكتفوا بالنقل و القياس من القرون الوسطى؟؟

العقل توقف في مجتمعاتنا منذ قرون , باب الاجتهاد أُغلق بدون أي سبب مُقنع , وكل محاولة للتغيير أو التعبير سيواجهها جيش من التكفيريين و حماة الهيكل , و المشكل أن العامة هم أكثر المناصرين لهذا النهج , لدرجة أن التكفير أصبح الرياضة الشعبية الأولى في مجتمعاتنا , مجتمعات لا تقرأ و إن قرأت فلا تقرأ إلا ما يزيدها انطواءا و تطرفا و كرها للآخر المختلف و أفراد تصيبهم حالة من الهستيريا و الصراخ و التكفير إن تجرأت و انتقدت لهم أميرهم أو شيخهم أو مرشدهم ! .

هكذا قتلوا العقل برعبهم المقدس , ليمتد هذا الاغتيال للفكر من المجال الديني إلى أمور الحياة الأخرى , السياسية و الثقافية و الاقتصادية و كل شؤون الحياة , لم تعُد شعوبنا ترى بدّا من النظر إلى المستقبل , فكل شيء جميل و بطولي حدث في الماضي و المستقبل مجهول مرعب مليء بالضلال و الشبهات و البدع الافرنجية الكافرة يجب الحذر منه حتى لا يتزعزع إيمانهم , و البركة في شيوخ و حكام سيحدثونهم حتى الثمالة عن أمجاد الماضي و عن “خلفاء” و “أمراء للمؤمنين” لن يشهد التاريخ أمثالهم و كيف كان رعاياهم مطيعين لهم.

لست متفائلا جدا بما يسمى الربيع العربي طالما فكر الرعب المقدس لازال مسيطرا على العامة, الثورات الشعبية يجب أن تسبقها أولا ثورات فكرية تُغيّر من نظرة المجتمع للحاكم و الكاهن في نفس الوقت, الثورة هي القطيعة مع الماضي و التغيير الجذري و هذا ما لا نراه في كل “الثورات” العربية , من صناعة الديكتاتور الفاسد دخلنا زمن الديكتاتور المقدس و ما يحدث في مصر و تونس لخير دليل , بدأنا نرى فتاوى يومية عن تحريم الخروج عن “الخليفة” الجديد و بث مباشر للرئيس و هو يصلي و و مواكب التكبير في طريقه إلى المسجد أو وهو يهنئ خاله بمناسبة عيد الفطر !

مجتمعاتنا ستعيش زمنا طويلا آخر من الاستبداد حتى بعد “الثورات” ما لم تبدأ ثورتها الفكرية , ثورة ستحررها أولا من حكم الكهنوت الرجعي المتحالف مع الاستبداد بطبيعيته , بمجرد سقوط الكهنوت ستتحرر العقول من الرعب المقدس الذي عشش فيها و ستكون نهاية الاستبداد أسهل و مجرد تحصيل حاصل .

سأستعير شعار الثورة الفرنسية…”اشنقوا آخر مستبد بأمعاء آخر كاهن” , الفرنسيون فهموها و طبقوها و لم ينتظروا لا أطلسي و لا قرضاوي , فكانت أعظم ثورة في تاريخ الإنسانية , تأثرت بها البشرية جمعاء .

تمت طباعة الخبر في: الخميس, 21-نوفمبر-2024 الساعة: 10:39 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.lahjnews.net/ar/news-22192.htm