لحج نيوز/بقلم:شهيدة لخواجة:رواية مغاربية -
وجهها أصفر شاحب وقوامها طويل نحيف، بجلبابها الرث وقدميها شبه حافيين إلاّ من نعل بلاستيكي يقفز بعيدا عنها كلما ارتطم بحجر أو حفرة، كانت تتجول ” فوزية ” غير آبهة بأحد، أغلب مشاويرها تصطحب معها ابنتها الصغرى ذات الخمس سنوات والتي تكابر بخطاها الصغيرة محاولة في كل حين أن تلحق بأمها دون أن تسقط فتعاقب..
وجهة “فوزية ” هذه المرة نحو الحي الصناعي، حيث علمت بأن الجمعية النسوية قد فتحت قائمة لتسجيل المستفيدات من إعانة العيد، كان لديها يقين أنها ستكون ضمن القائمة، فلطالما جاملت الرئيسة بشغل منزلي جيد، كنس وتنظيف وتلميع للأواني وغسل الزرابي.. اليوم صار لزاما أن تستفيد من هبات المحسنين، وتستفيد أيضا من خدمات سابقة قدمتها لمرشح الحي، حيث لم تعرف طعم الراحة طيلة أيام الانتخابات الجماعية، فبين توزيع الأوراق على المنازل، وجمع نسوة الأحياء، بل وقطع مئات الأميال كل يوم من حي لحي ومن زقاق لزقاق تدوي بصراخها ( علاش علاش تاوينا.. سيدي المختار ألي بينا)، صار لزاما اليوم أن يدفعوا ثمن كل هذا الجهد، بمعية الصوت المبحوح من كثرة ترديد الشعارات التي في مجملها لم تكن تفقه معناها.
وهي تعرّج نحو الحي المراد التقت بصديقتها كلثوم حيّتها بعجالة لكن ما فتئت أن لمحت على محياها آثار حزن، سألتها: أين كنت؟ ؟ أجابت: أنا الآن عائدة من الجمعية، لم يرضوا أن يسجلوني في لائحتهم رغم علمهم أنني أرملة وأعول ثلاثة يتامى وسرعان ما استسلمت للدموع، ربتت فوزية على ظهرها ووشوشت إليها: تعالي معي سأكلم الرئيسة عنك، حينها فقط توقفت كلثوم عن النحيب مندهشة متسائلة، غير أن فوزية بادرت بالحديث قائلة: لكن عليك أن تتذكريني وتمنحيني جزءا من الهبة فأنت تعلمين أن لا شيء يمنح مجانا وأنا أيضا لن أتوسط لك عندهم دون أن أقدم شيئا.. وافقت كلثوم على مضض فلا حلّ أمامها، وأيضا أرادت أن ترى هل فعلا لفوزية قدرة على أن تتوسط.
معا انطلقتا مسرعتين نحو مقر الجمعية والذي اكتظت جنباته بالنسوة وثرثراتهن التي لا تنتهي وصراخ وضجيج أطفالهن، هذه تشكي حالها وصعوبة أداء الإجار، وتلك تغتاب في سياسة توزيع الهبات وأخرى تتذمر من زوجها المقعد الذي تتمنى موته، القاسم المشترك بينهن كان ( تقرقيب الناب)، لكن فوزية دخلت على الجموع بصدر صلب ومحيا عبوس تصرخ عليهن أن أفسحن الطريق وفعلا تنحت النساء جانبا تاركة المجال لها وهي تسير بينهن بتكبر واستعلاء… طبعا فأغلبهن وصلن لعنوان الجمعية من خلال سمسرتها واستفدن من المساعدات مرات متكررة، وطبعا لصاحبتنا في كل إعانة نصيب حتى باتت حارات المدينة العتيقة تعرفها ونساءها يصطنعن الحديث من أجل التقرب لها وصدورهن تشتعل غلا وكراهية.
فتحت الباب بجرأة دون الاستئذان وهمت بالحديث بصوتها العالي الذي بات مألوفا عند مؤطرات الجمعية: صباح الخير عليكم..كي صبحتو؟ وبسرعة عرّجت نحو مكتب الرئيسة، قرعته هذه المرة بلطف تنتظر الإذن الذي لم يتأخر ثم اختفت وراء الجدران، في حين ظلت كلثوم الأرملة واقفة في بهو المقر لا تدري هل تتقدم أم تتأخر، إلى أن أشارت إليها إحدى المؤطرات بالجلوس على أقرب كرسي نحوها..الدهشة تملأها فقبل قليل كانت هنا ومع ذات الأشخاص ولم يأبهوا لاستعطافها ولا توضيحاتها بدعوى أن أوراقها غير مكتملة، تساءلت: كيف استطاعت فوزية تحقيق هذا الصيت والوصول إلى تكوين مثل هذه العلاقات؟ فما تعرفه عنها أنها لعوب، وتوهم الجيران والناس أنها امرأة تخلى عنها زوجها وترك على عاتقها تربية أربعة أطفال، بيد أن حقيقة الأمر هو اتفاق بينها وبين الزوج الذي يتردد عليها في بعض الليالي وتقدمه للجيران على أنه أخوها، وما إن تمكث في منزل إلا وتقرر الرحيل منه بحثا عن منزل آخر…
صوت أزيز الباب يفتح قطع عليها حبل التفكير وانتبهت بلفتة سريعة نحوه لتخرج فوزية مبتسمة متوجهة بورقة نحو المؤطرات وقد نادت على صديقتها: تعالي أعطيهم اسمك وعنوان سكنك…
وبدهشة أكبر تأكدت الأرملة الحقيقية كلثوم أن الزمن صار زمن العجب والتماهي واللعب بالبيض والحجر، وهذا ما أتقنت فعله فوزية وهي إلى اليوم ما تزال متمة لمسارها غير آبهة بأحد تلعب اللعبة ذاتها والسمسرة عينها مستغلة جهل وفقر الأخريات…
نقلا عن :نبراس الشباب
http://www.nibraschabab.com |