بقلم/عادل عبده بشر -
أسلوب الاغتيالات هو أسلوب وضيع أخلاقياً وخطير سياسياً.. وتشتد الخطورة مع حجم الشخصية التي تعرضت للاغتيال أو لمحاولة الاغتيال وقدرتها على التعامل مع الموقف بحكمة وبما يظمن عدم انجرار البلاد إلى حرب طاحنة داخلية أو خارجية.. ولنا مثال على ذلك بمحاولة الاغتيال التي تعرض لها الرئيس علي عبدالله صالح وكبار قيادات الدولة مطلع يونيو 2011م بقصف جامع دار الرئاسة أثناء أدائهم صلاة الجمعة، فلو لم يكن الزعيم صالح على قدر من الحكمة والمسؤولية لغرقت البلاد في حرب لا نهاية لها، ولكن إرادة الرحمن أرادت له أن يعود من الموت لثوان قليلة ويوقف الكارثة المتوقعة ببضع كلمات وجهها لنجله احمد بالحفاظ على البلاد من الانزلاق في جحيم الحرب.. ثم وجه خطاباً صوتياً لأبناء شعبه طمأنهم فيه بأنه بخير.
المثال الثاني ما حدث السبت الماضي في موريتانيا عندما تعرض الرئيس محمد ولد عبدالعزيز لمحاولة اغتيال بأعيرة نارية اخترقت جسده وكادت إحداها أن تستقر في قلبه وتقضي عليه لولا أن إرادة السماء منحته بعض القوة فظهر ولد عبدالعزيز بعد الحادثة بسويعات وهو في المستشفى بالعاصمة مراكش ووجه خطاباً للشعب الموريتاني طمأنهم فيه على صحته قائلاً بأنه تعرض لإصابة طفيفة وصفها بأنها نيران صديقة من قبل أحد الجنود لم يتعرف عليه في نقطة خارج العاصمة وأن الحادثة ليست سياسية.. ليتم بعد ذلك مباشرة نقله إلى فرنسا والتي لا يزال يتلقى العلاج فيها حتى الآن.
طبعاً ولد عبدالعزيز يعرف جيداً أن ما حدث له ليس قضاء وقدرا ونيران صديقة أو حادثة عفوية.. وإنما هي محاولة اغتيال سياسية على قدر عال من التخطيط والترتيب.. ولكن في هذه الحال كان أمام خيارين إما الدخول في حرب انتقامية مع أعدائه ومعارضيه وكل من يشك أو يثبت ضلوعهم في الحادثة وإغراق البلاد في الحروب والدمار أو اعتبار الحادثة قضاءً وقدراً وبذلك يجنب شعبه ويلات الحرب. وقد نجح في ذلك مؤقتاً.
لا يضمن استمرارية نجاح خدعة (القضاء والقدر) فهو يعرف في قرارة نفسه أنه من أكثر الرؤساء العرب عرضة للاغتيال لعدة أسباب منها: أن محمد ولد عبدالعزيز جاء إلى الحكم بانقلاب عسكري ولم يأت بطريقة ديمقراطية عبر صناديق الانتخابات، لذلك فهو ليس معصوما من أن يحدث معه كما حدث مع سابقه.. بالإضافة إلى أنه يعتبر حجر عثرة أمام الإسلاميين المعارضين له وطموحهم في الاستيلاء على السلطة.. وزادت في الآونة الأخيرة قوة حزب الإصلاح الإسلامي نتيجة للدعم الكبير الذي يتلقونه من قطر، ولا نستبعد أن يكون لقطر يد في محاولة اغتيال ولد عبدالعزيز خصوصا بعد تأزم العلاقة بين قيادة البلدين إثر تعرض أمير قطر للإهانة من قبل الرئيس الموريتاني أثناء زيارة الأمير إلى نواكشط مطلع العام الجاري، وحدثت بينهما مشادات حادة عندما وجه أمير قطر تهديداً مغلفاً بنصيحة لمحمد ولد عبدالعزيز بضرورة التقرب من التيار الإصلاحي الإسلامي بالمناصب والثروات والاستشارة في القرار.. الأمر الذي أثار غضب ولد عبدالعزيز واعتبره تدخلاً في الشأن الموريتاني، ووجه انتقادات شديدة للسياسة القطرية فيما أسماه "تصدير الثورة" وتوجيه قناة الجزيرة للتأليب والتحريض ضد الأنظمة العربية.. وانتهت الجلسة بين الشيخ والرئيس بطرد الأول وامتناع الأخير عن توديعه إلى المطار بحسب المراسيم الدبلوماسية المتعارف عليها، كما لم يسمح لأي من الوزراء بتوديعه.. وكان من اللافت للانتباه أن وسائل إعلام البلدين أهملت بث صور مغادرة أمير قطر لمطار نواكشط.
لذلك فإن محاولة اغتيال الرئيس ولد عبدالعزيز ليست كما يروج لها- قضاء وقدر- وإنما قضاء و "قطر"!!..