لحج نيوز/بقلم:هيفاء زنكنة -
يوحي سلوك الوكلاء المعتمدين للاستعمار في العراق بانهم يدفعون نحو شرعنة ارتكاب مجزرة جديدة، خاصة بعد ان ثبت لديهم كساد سوق الطائفية بين ابناء الشعب.
وتأتي خطوات التحريض الاعمى متزامنة مع تنافس الوكلاء فيما بينهم على خوض "الانتخابات الديمقراطية". وتدل متابعة مجريات الامور على انه من الاصح اطلاق تسمية "الصراعات الدموية" عليها. اذ يشير تفكيك الاحداث المتسارعة، في ظل الاستعمار الامريكي ووكلائه المعتمدين، بان الديمقراطية تعني الانتخابات فقط وان الانتخابات تعني مشاركة فئة معينة دون غيرها من البشر، وان الحملة الانتخابية تعني شرعنة الابادة الشاملة لكل من هو خارج هذه الفئة المنتقاة. ولا يأتي استخدام "شرعنة الابادة" اعتباطا بل استنادا الى ما يجري في مدينة النجف، منذ ايام.
عموما، سواء مع وجود الانتخابات او بدونها، وعلى مدى سنوات الاحتلال، هناك خلاف واضح بين اللصوص المتنازعين على الارض العراقية بسبب اختلاف المصالح. اذ ان لكل لص متطلباته الخاصة فيما يريده من الغنيمة. اللص الامريكي بحاجة الى عراق ضعيف ولكن شبه مستقر ليتمكن من الهيمنة الاقتصادية على نفطه وديمومة انتاجه والسيطرة عليه سياسيا وثقافيا ضمن متغيرات سياسته الخارجية، حماية لاستراتيجية امنه القومي، في تقديم السياسة الناعمة خطوة متقدمة على الاحتلال العسكري، الواضح، المستنفد في آن، لامكانياته المادية والبشرية. وجاء تغيير السياسة الامريكية نتيجة استبسال المقاومة العراقية وتضحياتها في قتال المحتل.
من جهة ثانية اللص الايراني بحاجة هو الآخر الى عراق ضعيف ومجزأ لتسهل السيطرة عليه عبر الاقاليم الهشة القابلة للتفتيت، بشكل تدريجي، سواء من الشمال او الجنوب، مستخدما، هو الآخر، العراق كساحة للمواجهات السياسية والاقتصادية والعسكرية مع "الشيطان الأكبر" حماية لامنه ومصالحه القومية الاستراتيجية.
كلا اللصين على اختلاف قدراتهما العسكرية والمادية، تمكنا من تعيين وكلائهم العراقيين المعتمدين تحت مسميات طائفية وعرقية. وكل وكيل لديه مصلحته الخاصة التي نمت مع تعيينه هو الآخر لوكلاء اصغر منه، يرعون، بدورهم، مصالحهم الخاصة . وبين مصلحة اللصوص الكبار والصغار المتنازع عليها باسم "الوطنية" ضاعت المصلحة الوطنية وبات الوطن نفسه مهددا بالضياع. وبين يوم وآخر، وكلما تزايد جشع ميليشيات الاحزاب والبرلمان وتكتلاتها الانتخابية، ينزل نائب الرئيس الأمريكي جوزيف بايدن على المنطقة الخضراء ليعانق "المسؤولين" العراقيين، مثل عناق عراب المافيا الحافل بالتهديد والوعيد ان لم تتم تلبية اوامره او الوفاء بالوعود المبذولة، حيث يقوم بعضهم، والحق يقال، بين الحين والاخر، برمي قنبلة هوائية تقلق الخطوط الامريكية الحمراء. في الوقت نفسه، يعانق علي لاريجاني، رئيس مجلس الشورى الاسلامي الايراني، عادل عبد المهدي (ابن المجلس الاسلامي الاعلى وميليشيا بدر) وغيره، ذات العناق العرابي المافيوزي، مصرحا بان "الامريكيين يحاولون القضاء على التجربة الديموقراطية الناجحة في العراق"، مذكرا باهمية المفاوضات عبر مهدي وغيره من الوكلاء لحين التوصل الى اتفاق معقول مع الشيطان الأكبر.
في هذه الاجواء الملتبسة، المنغمسة بالمصالح الاستراتيجية (لدول الاستعمار) والخاصة (للوكلاء العراقيين المعتمدين)، يقف المواطن العراقي ليواجه القتل والاختطاف والتهديدات بانواعها والابتزاز المالي والبطالة والركض وراء سبل المعيشة التي تكفل له ابسط مقومات الانسانية والكرامة. ومع تغييب العقول العراقية اما قتلا او تهجيرا ومع استشراء عملية تصنيع الجهل طقوسا ومظلومية اختزل مفهوم الديمقراطية والانتخابات اما الى اختيار المطلك وعلاوي والهاشمي (والتاريخ النيابي، لكل واحد منهم، لا يجعل ايا منهم مؤهلا لقيادة قطيع غنم، اذا ما تركنا جانبا مشاركتهم فيما اصاب الشعب العراقي من كوارث) أو الأئتلاف بصدره ومالكه وحكيمه الذين باتوا مؤهلين، بكل المقاييس للتقديم الى المحكمة كمجرمي حرب. صار مفهوم "الانتخابات الديمقراطية" وجها لعملة واحدة لاغير، تمتلكها ميليشيات احزاب العملية السياسية، وهو الانتقام والترويع والقتل اما بشكل عشوائي او بواسطة اصدار الاحكام التعسفية المنافية للقوانين الانسانية والدولية او الى الاعدام الفوري للمتهمين في الاماكن العامة (كما دعى نوري المالكي مما يستدعي تقديمه الى المحاكمة لكونه رئيسا للوزراء يشرعن اعمال الشنق الغوغائي).
وآخر تطورات الموقف في الأجواء الانتخابية الفريدة من نوعها، الدعوة الى شرعنة القتل الجماعي، بشكل قانوني. حيث أصدر مجلس محافظة النجف بيانا، جاء فيه "إمهال عصابة البعث الصدامي والتكفيريين يوما واحدا للخروج من المحافظة، وسنضرب هؤلاء بيد من حديد لأنهم قد فوتوا فرصة التبرؤ من البعث و(القاعدة) والعودة إلى أحضان الوطن". يشكل هذا البيان، بحذافيره، دعوة صريحة الى الانتقام والقتل مع توفير الغطاء القانوني لهما.
ودعونا نتساءل: كيف يتم تشخيص البعثي الصدامي التكفيري القاعدي؟ ومن الذي يمتلك الحق في توجيه التهمة والقاء القبض؟ ومع قوة نفوذ المخبر السري كم من المواطنين سيلقى القبض عليهم بهذه التهمة ظاهرا ولاسباب كيدية، حسب الطلب؟ ومع انعدام التحقيق النزيه والاجراءات القضائية السليمة وغياب القانون، كما لاحظنا في السنوات الاخيرة، ألن يبقى المعتقل لسنوات عدة ملقى في غياهب السجون او يصدر حكم الاعدام بحقه بعد ان يعترف بكل التهم نتيجة التعذيب واستخلاص الاعتراف قسرا؟ واذا ماكانت محافظة النجف مأهولة " بعناصر حزب البعث المنحل المتورطين بارتكاب جرائم ابان النظام السابق" حسب تصريح المسؤولين، فلماذا لم يتم "اجتثاثهم" كما تم "اجتثاث" مئات الآلاف من المواطنين، تحت مسميات مختلفة على مدى سنين الاحتلال، ضمن نشاطات "هيئة اجتثاث البعث" الانتقامية المحمومة؟ لماذا تم تذكرهم الآن، على حين غرة، الى حد اتخاذ قرار يماثل القرارات النازية الالمانية، حيث صرح مسؤول متفاخرا: "اتخذنا إجراءات جديدة مع البعثيين وهي استدعاؤهم إلى المراكز الأمنية لتسجيل حضورهم"؟
يأتينا الجواب من لؤي الياسري وهو رئيس اللجنة الامنية في مجلس محافظة النجف، اذ يقول بأنه "تم القاء القبض على شخص ينتمي لكتائب ثورة العشرين المرتبطة بحزب البعث المنحل لدى محاولته دخول النجف. وقد اعترف خلال التحقيقات بانه مسؤول عن مجموعة قامت بزرع عبوات ناسفة في مدينة الكوفة قبل شهر تم تفكيكها من قبل القوات الأمنية... وقد تم القبض عليه بناء على معلومات استخبارية دقيقة من خلال تردده على النجف قادما من منطقة اللطيفية بشكل ملفت". وهو جواب كارثي حتى على افتراض سذاجة الياسري. فالكل يعرف اساليب اللجان الامنية المتبعة في التحقيق وكيف انها تؤدي في النهاية الى اعتراف المعتقل بكل ماهو مطلوب منه تخلصا من التعذيب، مما ينفي صحة الاعتراف ولكن حتى اذا افترضنا صحة الاعتراف فهل من المعقول ان تتخذ محافظة النجف قرارا بامهال "البعثيين" بمغادرة المدينة خلال يوم واحد بسبب "اعتراف" شخص واحد؟ أليس هذا عقابا جماعيا طالما اتهم به سياسيو "العراق الجديد" النظام البعثي؟ أليس هذا تكريسا للقرارات التعسفية الجائرة في حلقة العنف المغلقة على العراقيين، جميعا بلا استثناء، على اختلاف أديانهم ومذاهبهم وقومياتهم فضلاً عن معتقداتهم السياسية والفكرية؟
ولعل ماهو اكثر خطورة من ذلك كله، على مستقبل اطفالنا ووطننا، أليست هذه هي، بالتحديد، اداة المستعمر الفتاكة في تفرقة ابناء الشعب الواحد ومن خلال تنمية روح الانتقام جيلا بعد جيل، وان ينشأ جيل جديد يتعطش للانتقام حالما يرتوي عطش الجيل السابق له؟ أم لعله، وهنا استذكر ما كانت تقوله امي دائما عمن لا يريد رؤية السبب لمشكلة قائمة امامه، عمى القلب وليس النظر!
كاتبة من العراق