بقلم/سياف الغرباني -
باتخاذه القرارات الخاصة بهيكلة الجيش يفترض أن يكون الرئيس هادي قد عالج واحدا من أبرز أسباب الاحتقان في البلاد، لكنه لم يقم بتحييد الجيش بقدر ما عمل من خلال القرارات على تدعيم سلطته الشخصية باجتزاء عدد من الوحدات العسكرية النوعية وإلحاقها بالقوات التي سبق وان اجتزأها من قوات الحرس وأطلق عليها قوات "الحماية الرئاسية" ؛ وعين أحد أبناءه على رأسها بقرار غير معلن، فيما الهيكلة تقتضي إخضاع كافة وحدات الجيش لسلطة وزارة الدفاع.
وسبق وأن أكد هادي خلال اجتماعه بأعضاء اللجنة العسكرية بحضور ممثلي السفارات و البعثات العسكرية المشاركة في عملية إعادة الهيكلة؛ على ضرورة أن تكون أعادة هيكلة القوات المسلحة مبنية على أسس وطنية، وشدد على عدم إقصاء أي طرف؛ باعتبار "التوازن" يمثل ضمانة اجتماعية وديمقراطية تجنب البلاد الدخول في الأزمات والخلافات.
ويفرض تموضع هادي الراهن كمنفذ لاتفاق نقل السلطة (المبادرة الخليجية) ورئيس توافقي؛ إجراء سلسلة من التفاهمات مع أطراف العملية السياسية وفاصل من الحسابات الدقيقة قبل المضي قدماً في تفكيك الجيش تحت ذريعة الهيكلة وقبل اتخاذ قرارات الإقالة والتعيين.
لكن التحليلات التي قدمت لقرارات هادي الأخيرة رأت أن القرارات استبقت مخرجات مؤتمر الحوار و حسمت شكل النظام السياسي ، كونها عززت من سلطة الفرد الرئيس وجعلت من عملية التداول السلمي للسلطة، مستقبلا، غير ممكنة، لأنها أعطت الرئيس القوة العسكرية الضاربة إلى جانب المال والسلطة.
ولا يبدو الرئيس هادي مهتم بغير تفكيك الجيش بقرارات تتخذ تحت تأثير مراكز قوى، رغم أنه لم يأت إلى كرسي الرئاسة في ظروف طبيعية لكي تتاح له سلطة التصرف الأحادي أو تحت ضغط أي طرف، دون الرجوع إلى مكونات الطيف السياسي، وهو ما أدى لتخليق انطباع برغبة الرئيس هادي في استغلال الهيكلة لبناء شبكة تحالفات داخل المؤسسة العسكرية والأمنية.
وفي هذا السياق انتقد محللون قرارات هادي الخاصة بهيكلة الجيش واعتبروا أنها تخدم مصالح سياسية وليست لمصلحة الجيش ، لأنها جعلت من ألوية الصواريخ وألوية الحماية الرئاسية إضافة إلى القوات الخاصة ، ووحدات مكافحة الإرهاب، ولواء مشاه جبلي، ولواء صاعقة؛ تابعة لهادي مباشرة ولا تخضع لإشراف وزارة الدفاع.
ويرى متابعون أن أخطاء معيبة وجوانب قصور اعترت القرار، إلى جانب أنه صيغ بعقلية الصراعات، بهدف تمزيق الجيش وتفكيكه.
وطبقا لمصادر عسكرية عليا فان قرار هادي الأخير لم يكن نتاج لعمل علمي ، ولم يأخذ وقتا طويلا ونقاشات معمقة. وبحسب ذات المصادر فان خطة إعادة هيكلة الجيش والأمن تفتقر للمعايير المهنية المعتمدة في تنظيم وهيكلة الجيوش النظامية رغم الاستعانة بخبرات عسكرية خارجية.
ويتخذ هادي من الهيكلة وسيلة لبناء أجنداته الشخصية وتدعيم نظامه الخاص وتعزيز سلطته على مفاصل الحكم والقرار من خلال إصدار قرارات تعيينات عشوائية لمقربين في مراكز قيادية عليا، تنتهك أسس التسوية السياسية التي آلة بالسلطة إليه وقوانين الخدمة المدنية النافذة.
ويرى مراقبون عدم وجود إرادة سياسية لدى الرئيس لا نجاز خطة إعادة هيكلة الجيش والأمن على أسس وطنية مغايرة، مؤكدين أن العملية تخضع لاعتبارات شخصية و سياسية، لا تراعي المهام والاختصاصات ونوعية الوحدات العسكرية، وأنها تهدف إلى إبقاء المناطق العسكرية تحت سيطرة قياداتها الحالية دون تحديد متطلبات الهيكل التنظيمي المناسب للوحدات العسكرية .
وفيما تتوالى دعوات المطالبة بإعادة هيكلة القوات المسلحة على أسس وطنية فان لا أحد يعرف بعد ما تعنيه كلمة " أسس وطنية " وما هو المقصود منها على وجه التحديد؟ وما ان كانت تعني إلحاق الجيش بألوية الحراسة الرئاسية تحت قيادة نجل هادي؟!!
وفيما يعيد البعض "النزعة الاستحواذية" التي ظهرت من خلال قرار إعادة الهيكلة إلى عدم وجود خطة علمية لتنفيذ العملية ، فقد بدا الجيش مكرها -كأمر واقع- على تحمل سيناريوا التفكيك غير المعلن، ما يعني تبرئة غير منطوقة لمؤسسة الرئاسة ممثلة بالرئيس الانتقالي عبدربه هادي.
ويشدد مراقبون على ضرورة أن تخضع القوات المسلحة بكافة تشكيلاتها لسيطرة وزارة الدفاع وأن لا تكون قرارات هادي تمهيدا لاستحوذ قيادات عسكرية عتيقة ظلت محتفظة بهامش واسع من السلطة والنفوذ على مقاليد الإدارة والسيطرة على حساب الجيش، بصورة تؤهلها للعودة إلى موقع القيادة والسيطرة حين تتهيأ الأجواء لذلك.
وهو ذات الأمر في أجهزة المخابرات؛ القومي والسياسي، حيث أن كلاً منهما عبارة عن سلطة أمنية تتمتع بسيادة ذاتية وفردية.
ورغم أن حزمة القرارات الأخيرة التي اتخذها الرئيس هادي قضت بإلغاء المناطق العسكرية السابقة الأربع وإعادة التوزيع على سبع مناطق عسكرية منها المنطقة الشمالية والمنطقة الغربية, إلا أن بيانات الدفاع اليمنية بخطابات "التأييد" للقرارات من القادة العسكريين أورد اسم اللواء علي محسن الأحمر بصفته السابقة قبل قرار الهيكلة "قائد المنطقة الشمالية الغربية" في تناقض صارخ مع مضمون القرارات .
ويفترض إن تهدف إعادة هيكلة الجيش لبناء مؤسسة دفاعية قوية ومحترفة وفق تصورات علمية حديثة ورؤية متكاملة تعتمد المراجعة الدقيقة والفحص والتحليل؛ تشخص جوانب الاختلال في القوات المسلحة وتحدد آلية مثلى لتصحيح الإختلالات الحاصلة في بنيتها، تنطلق من واقع حال القوات المسلحة، وحسب ما هو معمول به في جيوش العالم، قبل الشروع في إعادة الهيكلة ، لكن الرئيس الانتقالي يستخدمها سلاح في وجه وحدات عسكرية بعينها.في حين ينظر إليها قطاع واسع باعتبارها أداة لإزاحة قيادات كفاءة ومؤهلة من مواقعها.
وتفتقر خطة الرئيس ووزارة الدفاع ، لإعادة هيكلة القوات المسلحة والأمن، إلى الأسس والاتجاهات الأساسية للسياسة العسكرية، بفعل عدم الشفافية عند وضع الخطة وارتباطها بالفكر السياسي والجغرافي والأهداف المرحلية ، إلى جانب تسطيح المتطلبات الإستراتيجية لإعادة هيكلة القوات المسلحة، وتنفيذ الإصلاحات الإدارية في الهيكل العام للجيش نتيجة غياب مشروع وطني مؤسسي حديث يعزيز بناء القوات المسلحة، ويحقق الهدف الأساسي من العملية المتمثل في زيادة تأهيل الجيش الوطني لحماية المصالح القومية التي تبنى عليها السياسة العامة للجمهورية اليمنية.
* نائب رئئيس تحرير صحيفة "المنتصف