لحج نيوز - ألغام الحوار الوطني وتجاذبات العواصم

الثلاثاء, 25-ديسمبر-2012
بقلم/عبد الكريم المدي -
أن يتحدث اليمنيون في رسائلهم الإعلامية ومنابرهم عن بعضهم البعض بهذا القدر من الإساءة والتحقير والتجريح والإبتزاز والتهكم .. إضافة لقتل هذه الأعداد الكبيرة من خيرة الضباط والعسكريين , وفي ظرف يزعمون بأنه على طريق التهيئة لعقد مؤتمر الحوار الوطني الشامل , فهذا مالم يستطع عاقل فهمه ..!

• لكنّا نتساءل هنا : هل يا ترى أن هذا يأتي من قبيل التأثر والانسحاب بإتجاه الموروث الثقافي العربي , حيث تُعكس الصفات والمسميات في عدة أشياء , توسلاً بالنجاة من الشر وطلباً للخير .. فعلى سبيل المثال يطلقون على الملدوغ ( السليم ) والأعمى ( البصير ) وعلى أماكن ومدن الحروب ( السلام ) وغيره .. أضف إلى ذلك أن سياسيينا ونخبنا ربما تأثروا أيضاً بالثقافة اللاتينية , التي تقول إحدى مقولاتها : ( إن أردت السلام ... فاستعد للحرب ) .

• إن الاستقطابات والتكتلات الحاصلة في المشهد اليمني التي تُنتج - وبهذه السرعة والقدر الكبير -الخطابات الإعلامية والسياسية التي تحمل عناوين متعددة لهدف واحد هو: أنها كلها ضد المستقبل وضد الحوار وضد الإستقرار ..

الحالة اليمنية لا تحتمل ما يجري من قبل كل الأطراف , فكل هذه الممارسات والتلاسنات والمهاترات والإختطافات إنما تؤدي إلى يمن ممزق , متحارب وخزانات يتدفق منها اللايقين والإهارب والجهل ولقاحات تخصيب ( سوء الإدارة ) في الضمير والوعي الجمعي .
ولعل السؤال الذي يفرض نفسه اليوم وبقوة هو : هل إننا كـ ( يمنيين ) ليس لدينا إخلاص لقضية وطنية عامة عناوينها ( الأمن – الإستقرار – العيش الكريم – الحرية – العدالة – التوحد )

• الرئيس السابق / علي عبد الله صالح – سلم السلطة قبل أكثر من عام , والحكومة تغيرت وقيادة القوات الجوية والمناطق العسكرية الثلاث الوسطى والجنوبية الشرقية وقيادة الأمن المركزي والقوات الخاصة وقيادات أكثر من ( 11 ) لواء من الحرس الجمهوري وقيادة المؤسسة الإقتصادية اليمنية وكذلك(كاك بنك ) وشركة الطيران اليمنية وشركة التبغ والكبريت تغيرت .. إضافة إلى أن ضعف تلك القيادات الوظيفية مدنية وعسكرية ربما بـ 100 مرة تغيرت أيضا.. حتى محرر هذه السطور .. الذي كان يشتغل منصب مدير إدارة لامحل لها من الإعراب تغير , وأخيراً سمعنا إعادة هيكلة الجيش اليمني .
• إذن – أين المشكلة تكمن ؟ مادام وقد حصلت مثل هذه التغييرات والقرارات الجريئة والتي يقال بأنها كانت مطلب ما يطلق عليها بـ ( الثورة الشبابية السلمية ) ؟
لاشك أن ( الخازوق ) يكمن في السياسي والإعلامي ورجل الدين .. ولعل الفيلسوف الغربي ( جيل ليوفسكي ) كان محقاً حينما ذهب إلى أن المشكلة دوماً تتركز في السياسي والسياسة ..
ما يعني بأن مشكلتنا / مشاكلنا / مصاعبنا هي الأحزاب وقياداتها والنخب وزعاماتها التي تبدو معدلات الإرتياب منها لدى الشارع اليمني في أعلى درجاتها وهذا ما ضاعف نسبة اليأس لدى قطاع واسع من الشعب ..

وربما إن هذا الأمر يقودنا إلى مسلمة جلية مفادها .. إن قوة التهديد الحقيقي للإستقرار في اليمن تتلخص – إلى جانب السياسي الحالي – في قوة التهديد الذي ينبع من الاستنساخ الفكري والتسلطي والجهوي والقبلي والديني لظلام العهود والمراحل السابقة بكل شركائها ومسمياتها ومفاهيمها .. ويضاف إليها أيضاً وبقوة الإرتهان للخارج , حيث عرف عن اليمنيين طوال عصور عدة إرتهانهم للخارج وخذ لك أمثلة على ذلك , إرتهاننا للأحبوش وللفرس وللسعوديين وللقطرين وللأمركيين والروسيين وغيرهم .

• أما المصيبة الكبرى اليوم .. فهي .. إننا نقوم بكل هذه الحماقات والمراهنات والعصبيات ونحن نعلم أن أكثر من 52 في المائة من اليمنيين جوعى وأن نصف السكان ينامون ولا يجدون ما يأكلون وأن 5 ملايين طفل مهددون بالموت في كل لحظة بسبب سوء التغذية وأن طفلاً من أصل ( 3 ) أطفال في محافظة كمحافظة الحديدة تحت ( 5 ) سنوات يموتون بسبب سوء التغذية والجوع الصريح ..
وتأسيساً على ما سبق نقول لا يمكن أن يستقيم الحال وينجح مؤتمر الحوار الوطني وكل طرف من الأطراف المتصارعة يريد الدخول للمؤتمر بأكبر قدر من الممثلين , إضافة لزيارة كل الأطراف صباحاً ومساءً وما بينهما - وكأنها جرعة إنسولين لمرضى السكر – لـ السفارات (الأمريكية والسعودية والقطرية والإيرانية والبريطانية ) المعتمدة في العاصمة صنعاء وغيرها ..
• أعتقد أننا كـ ( يمنيين ) إذا ما عرفنا مشكلتنا الحقيقية أين تكمن وتخلصنا من ركام الحقد والكراهية وتصفية الحسابات وأحسنّا النية والظن والثقة ببعضنا سنضع أرجلنا في الطريق الصحيح . كما أننا - إذا ما أدركنا أيضاً - وبدون العودة إلى ( الدوحة - والرياض - وطهران – وواشنطن - ولندن - وأنقرة - ) وغيرها .. وعلمنا و.. بضمائر حية ووعي كامل - أننا في هذا البلد نعيش مأزقاً وأزمة منهجية وفكرية وأخلاقية وسياسية وأزمة ثقة , حيث قد أصبحت معظم مفاهيمنا ومفرداتنا .. مفردات رعب وإقصاء وتوحش وخشونة , ومصطلحاتنا .. مصطلحات رحّالة ومصطلحات تخوين وأحكام مسبقة وتحديات وألغام .
• أعتقد حينها بأن سلوكياتنا وخطاباتنا وتصوراتنا تجاه ما يجري ستتغير وبمعدل سريع ربما أسرع من السرعة القياسية لأحد المغامرين الفرنسيين قبل أشهر الذي هبط من حافة الفضاء الخارجي بإتجاه الأرض بدون كبسولة ووصل سالماً ..
• أما آخر شعار .. أو ( فتوى ) أصدرها في هذا الطرح أسوة بغيري من أصحاب الفتاوى وإن كانت .. ليست على طريقة فتاوى علماء الأحزاب ومشائخها الجاهزة , فهي أنه يكفينا حواراً لا ينتهي .. ومماحكات لا تتوقف .. وعيشاً في أجواء مشحونة بالخيانات والمؤامرات والإغتيالات , ويكفينا – أيضاً - لهاثاً وعبر 24 ساعة مزدحمة , فتاكة , مدمرة , قاتلة , في مضمار من الزمن الفضفاض الذي لا يقدم أي معنى أو قيمة لحياتنا , إنما يغرقنا بعد كل نقطة من الفراغ التي نصل إليها .. في دوامات وخواء جديدين ومتاهات وإستلابات وعناوين ومشاهد جديدة من القهر والخوف والجوع والإنقسام والتراخي في القيم والقوة والثقة والإيمان .
تمت طباعة الخبر في: الأحد, 24-نوفمبر-2024 الساعة: 06:32 ص
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.lahjnews.net/ar/news-24221.htm