لحج نيوز/كتب:عبد العزيز المجيدي - تمتلك اليمن كل المؤهلات لان تصبح واحدة من اكبر الدول في العالم إنتاجا للأسماك والأحياء البحرية ، فلديها شريط ساحلي طويل، وتتوفر على عوامل
جغرافية ومناخية تساعد على نمو وتكاثر الأسماك، وتنوع أحياءها البحرية. والى المئات من الجزر المتناثرة على البحرين الأحمر والعربي وخليج عدن، تزخر المياه اليمنية بالأسماك الأكثر طلبا في الأسواق العالمية. لكن هذا البلد كان يفتقد غالبا لشيء واحد : سلطة وحكومة محترمة، تعرف معنى أن تكون مسوؤلة عن قيادة بلد، يكتنز بكل هذه الإمكانيات والموارد، لكنها كانت معنية أكثر من أي شيئ آخر بنهبه وتدميره على مدى أكثر من 3 عقود . ما يحدث في البحر، دليلا على أن البلد ليس فقيرا، وانه بحاجة فقط إلى حكومة تتمتع بحس وطني ومسؤولية عالية . لقد غدت اليمن، زبونا دائما على أبواب المانحين، قبل « الثورة « وبعدها، مع ذلك فهي لا تفعل شيئا لاستغلال مواردها بصورة صحيحة، ووضع حد لعبث ممنهج، يطال كل شيئ.
يحاول هذا الملف، الغوص في تفاصيل وأسرار البحر، النهب المدمر، والصفقات المحرمة، والاصطياد الجائر، للشركات المرخصة وغير المرخصة ، والسباق بين مراكز النفوذ للسيطرة على كل ما يقع تحت يدها، في الأعماق ، وفي اليابسة! لكننا لا ننسى حكايات الصيادين المتعبين الذين باتوا بين فكي كماشة: دولة مفقودة في البر، تستيقظ فقط لأخذ الجبايات، وقراصنة وسفن صيد أجنبية، تقضي على أرزاقهم، وقطع حربية تعتدي عليهم، واريتريا، البلد الذي يشعرهم، بفداحة كونهم يمنيين .
مثلث «برمودا اليمني»..القراصنة، وسفن الشركات، وارتيريا العظمى!
في أوقات كثيرة تنتهي رحلات الصيادين اليمنيين على البحر الأحمر في سجن «تيعوة» الاريتري . وفي القسم الآخر الممتد من خليج عدن إلى البحر العربي هناك طرف آخر يثير ذعر الصيادين ويهدد أرزاقهم بالفناء : القراصنة، والقوات الدولية.
مقابل كل ذلك فإن شيئا وحيدا مازالت السلطات هنا تقوم به كوظيفة أثيرة : جباية الرسوم، وفي أحسن الأحوال تدوين بلاغات صيادين باتوا يشعرون أكثر من أي وقت مضى بفداحة أن يكونوا يمنيين، وفي عرض البحر تحديدا .
نهاية نوفمبر 2010 كان الرئيس الاريتري اسياس، أفورقي يحضر افتتاح بطولة خليجي 20 في عدن إلى جوار الرئيس السابق صالح. ربما كان هذا الأخير يبحث عن عزاءات للغياب المتعمد لمسئولين رفيعين في دول الخليج، لكنه كان يثير بذلك سخط مواطنيه لأمر لا علاقة له بكرة القدم . فالمئات من الصيادين الذين يبحرون يوميا بحثا عن أرزاقهم، كان هذا الرجل الجالس بجانبه على المنصة وقتئذ هو نفسه الذي تختطفهم قواته في البحر وترسلهم إلى «تيعوة» : السجن الاريتري الذي يحفر في أذهان الصيادين ذكريات مؤلمة. ما من ضير لدى رئيس لم يكن يوما يكترث للبلد وأبنائه، وانغمس في تدميره، فالاختطافات المستمرة للصيادين من جوار جزر يمنية أو في المياه الدولية لم يكن شيئا مؤذيا بالنسبة لرجل منهمك على الدوام في مبارزة من يعتقد أنهم شعب من الثعابين.
طوال أكثر من عشر سنوات واضبت، السلطات الاريترية، على وضع الصيادين اليمنيين في قائمة العدو رقم واحد، ونفذت مئات العمليات من القرصنة والاختطاف بحقهم، الكثير منها كان يتم في المياه الإقليمية اليمنية .
بعد فراغ افورقي من مجاملة صالح في خليجي 20، زادت المطاردات ضراوة؛ فقد بلغ عدد من احتجزتهم السلطات الاريترية خلال شهرين فقط من نهاية البطولة 305 صيادين مقابل 408 احتجزتهم ارتيريا ورحلتهم على مدار العام 2010 ، ما يشير إلى رغبة ارتيرية في تسجيل رقم قياسي خلال هذا العام في شباك الصيادين وبلدهم المخطوف في البحر. يبدو أن أفورقي عاد الى اسمرة وهو أكثر حماساً لاصطياد اليمنيين، فقد حظي بضيافة الرجل الأول في البلد، بينما كانت استغاثات الصيادين تملأ أسماع قائدهم المنشغل بحروبه الخاصة.
لطالما كانت الانتهاكات الخطيرة تتم إما في رأس الفاز، أو في أرخبيل حنيش أو جوار ارخبيل زقر (الانتهاكات في جزيرة الزبير وجبل الطيراختصاص حصري للسلطات السعودية )، وجميعها جزر يمنية، وبعض الانتهاكات ترتكب في المياه الدولية، على مايقول الصيادون.
لكن ما تمارسه اريتريا خصوصا في أرخبيل حنيش ، وبعض الجزر الأخرى يترك اسئلة كثيرة بشأن السيادة المزعومة التي تقول صنعاء إنها استعادتها على جزر حنيش التي احتلتها ارتيريا بالقوة المسلحة عام 1995م. وعلى ذمة الجهات الرسمية فإن الحكم الدولي نص على السماح لصيادي البلدين بالاصطياد في المياه الإقليمية المشتركة بعد تأكيده على حق اليمن في السيادة على ارخبيل حنيش. واللافت ان السلطات اليمنية لا تتصرف بشكل يؤكد على هذا الامر، مقابل تماد ارتيري لا يضع الصيادين فحسب في هذه المناطق عرضة للاختطاف، بل وأولئك الذين يصطادون في مياه يمنية خالصة جوار جزر زقر، كما يقول الصيادون.
غير أن سؤالا آخر يقفز : متى كانت صنعاء حريصة على سيادتها المنتهكة بحرا وبرا وجوا ؟
بعد سرد حزين لوقائع اختطاف وتعذيب ومصادرة معدات تعرض لها الصياد علي حسن منيش (20 عاما) وآخرون على يد السلطات الاريترية مؤخرا، قال بانزعاج شديد: المطاردة علينا مستمرة وخاصة هذه السنة زادت إلى أقصى حد والدولة حقنا تتفرج «.
لا يختلف الأمر كثيرا في سواحل عدن أو حضرموت والمهرة ، باستثناء أن الصيادين هنا لم يسبق لهم زيارة سجن «تيعوة» وملاقاة متاعب الاختطاف على يد سلطات تتصرف حيالنا كدولة عظمى.
يضطر الصيادون في خليج عدن والبحر العربي للتكيف مع وضع جديد يدفعهم للتضحية بالكثير من أرزاقهم ، كي لا تتكرر مآس طالت حياة بعضهم.
على يد القراصنة قتل في البحر العربي وخليج عدن حتى الآن أعداد من الصيادين وأصيب عشرات آخرون في حوادث عديدة، على ما يفيد عمر سالم قمبيت رئيس الاتحاد التعاوني السمكي بحضرموت . لكن القوات الدولية الموجودة في المياه الإقليمية اليمنية على ما يذكر ، هي الأخرى كان لها دور في إلحاق الضرر بالصيادين. وطبق معلومات غير رسمية، فقد قتل بنيران هذه القوات في البحر العربي وخليج عدن والبحر الأحمر ما لا يقل عن 10 صيادين.
في حضرموت تسجل جمعية ساحل حضرموت (للعباري) السمكية الإنتاجية عديد اعتداءات نفذتها القوات الدولية ضد الصيادين اليمنين مؤخراً. والمثير حقا أن تلك الاعتداءات تحدث دائما في المياه الإقليمية اليمنية، كما تفيد بلاغات الجمعية دون أن ترصد أي ردود فعل رسمية يمنية.
ويقول صيادون في عدن إن القوات الدولية الموجودة في المياه الدولية والمياه الإقليمية تقوم بإطلاق النار عليهم معتقدة أنهم قراصنة.
وهذه الحوادث تتكرر على نحو دائم، وتعرض حياة الصيادين للخطر، فضلا عن ألوان من الانتهاكات المروعة.
بحسب صيادين في قرية رأس عمران بعدن تحدثوا الينا مطلع يناير الفائت، فإن رفيقا لهم وفد من الخوخة تعرض لإطلاق نار في منطقة القبة، في الممر الدولي، من سفينة يقولون إنها إيرانية، قبل أسبوع من ذلك التاريخ .
ويشير احمد علي والصياد سعيد عوض إلى وجود سفينة حربية إيرانية منذ ثلاث سنوات تكررت منها حوادث إطلاق النار على الصيادين، بالإضافة إلى بوارج حربية من جنسيات مختلفة .
ويضيف عوض : «هذا يسبب لنا خوفاً، نروح نصطاد بأمان ندور على رزق فنتفاجأ بإطلاق النار» .
تتناوب القوات الدولية والقراصنة والسلطات الاريترية وأخرى شقيقة على طول الشريط الساحلي للبلاد، تجريع الصيادين ألوانا من الإذلال والقهر؛ فإلى الاختطاف والإيداع في السجن، ابتكرت القوات الهندية الموجودة في البحر العربي مؤخرا طريقة يفضل «قمبيت» وصفها باللا أخلاقية. وطبق معلومات حصلت عليها الصحيفة، فإن أفراد هذه القوات الموجودة في المياه الإقليمية اليمنية اعتدوا جنسياً على مجموعة من الصيادين بعد الاعتداء على قواربهم. بخصوص هذه الواقعة لا يفضل الصيادون وحتى مسئولي الجمعيات الحديث عنها. لتتخيل مشاعر احدهم تعرض لانتهاك حرمة منزله وسرقته وأنهى المعتدون المشهد باعتداء جنسي على أفراد أسرته. ذلك آخر ما يمكن تصوره، حيث تتعرض السيادة للانتهاك ، والصيادون يجابهون ممارسات وصلت هذا المستوى من التنكيل .
لابد أن اليمنيون جميعهم سيشعرون بالاهانة وهم يعرفون الآن كيف كان الجنود الهنود يمارسون كل ذلك الإذلال على صيادين عزل، وكانت صنعاء تتصرف كما لو أن شيئاً لم يحدث وتفعل ما تجيده تماماً: عدم الشعور بالمسؤولية.
في سجن «تيعوة» بأرتيريا تنتظر الصيادين بعد اختطافهم أشكال من التعذيب، والإساءة ، لا توفر حتى الدولة المسترخية والقيادة اليمنية التي تتعامل مع ما يحدث بلا اكتراث .
يقول الصيادون: احمد شوعي ،عبد الله محمد، وصقر عبده إنهم كانوا عرضة للضرب بأسلاك الكهرباء وخراطيم الغاز وأعقاب البنادق أثناء الاحتجاز في سجن «تيعوة»، بالإضافة إلى السب والشتم لهم ولليمن وقيادتها . (كانوا يتحدثون الينا قبل شهرين فقط من الانتفاضة الشعبية التي اجبرت صالح على التنحي )
وبعد مصادرة قواربهم بمعداتها، رحلتهم السلطات الاريترية على ظهر قارب واحد معرضة حياتهم للخطر. هذا ما تفعله السلطات الارتيرية بالصيادين باستمرار. فبعد مصادرة القوارب، تختار واحدا منها وفق مواصفات توفر أجواء إضافية من التعذيب: -الأكثر قدما وسوءا- ثم تحشرهم على ظهره في طريق العودة تاركة المقادير تقول كلمتها في حياة العشرات.
وكان صالح محمد سويد - وهو صياد من الحديدة اختطفته السلطات الاريترية أكثر من مرة، يشير إلى آثار تعذيب في يده تعرض له عندما كان محتجزا.
« أنا ضربت 4 -5 مرات في اريتريا بعصا وأسلاك كهرباء وحق امغاز وحتى بمآلي في الرأس»، تحدث سويد بلهجة تهامية حارقة، ردا عما إذا كان هناك حقا تعذيب للصيادين .
« قالوا لي يا كلب يا سارق، أنت سارق ودولتك ورئيسك سارق. وهات يا بهذلة وضرب وسب للبلاد «، يضيف .
لقد تكبد الصيادون الكثير من الخسائر ماديا ومعنويا ، فإلى الكرامة المهدورة تتم مصادرة قورابهم بمعداتها وحملوتها من الصيد، واحيانا كانوا يخسرون حياتهم ثمنا لهذا الخذلان الرسمي .
في قطاع الاصطياد السمكي قدر تقرير حكومي خسائر البلاد بنحو 150 مليون دولار خلال العام 2009، بالإضافة إلى خسائر أخرى لحقت بالملاحة البحرية في المياه الاقليمية اليمنية . وطبق تقرير عن الاداء الحكومي عن نفس العام قدم الى مجلس النواب، فإن « القرصنة والسطو المسلح ضد السفن في البحر الاحمر وخليج عدن والبحر العربي « كانت وراء تلك الخسائر.
يرصد التقرير فقط حالات القرصنة التي ازدهرت في المنطقة خلال السنوات الأخيرة، دون ان يشير إلى الاضرار التي يتكبدها الصيادون جراء عمليات قرصنة منظمة تقودها قوات حكومية اريترية، مستغلة سوء التقدير الشديد الذي تمارسه صنعاء بحق مواطنيها وسيادتها أيضا.
لقد أدت الممارسات الاريترية الممنهجة إلى تهديد أرزاق الصيادين اليمنيين، وأصبحت قدرة عشرات الآلاف من الصيادين في الساحل الغربي للبلاد على إعالة ذويهم تواجه المزيد من الصعوبات، وهو الحال نفسه بالنسبة للصيادين في خليج عدن والبحر العربي، مع ازدهار القرصنة والانتهاكات المستمرة للقوات الدولية .
الكثير منهم في الحديدة وجدوا أنفسهم بلا عمل بعد مصادرة قواربهم. يقول عبد الخالق عبده، وزبروق على محمد، وهما صيادان سبق أن خاضا تجربة قاسية في قبضة القرصنة الاريترية لا تختلف في التفاصيل عن زملائهم، إن عشرات الأسر دخلت حالة فقر شديد بعد أن فقدت أرزاقها: « كنا نملك قارب صيد وأصبحنا بلاعمل».
بسبب هذه الظروف بات حسن يحيى محمد، وهو من يزود الصيادين بالديزل، في حكم المؤكد أنه خسر 50 مليون ريال على ما قال، لأن الصيادين لا يستطيعون سداد ما عليهم من ديون قيمة استهلاك قواربهم من الديزل «.
أما الصيادون في حضرموت، فإن حالهم ليس أفضل، وقد أدت التهديدات التي يجابهونها يوميا على يد القوات الدولية والقراصنة إلى انخفاض عائداتهم من الصيد.
ويقول عوض مبارك باوزير وجمال علي النوبي إن ظروف الصيادين صعبة ووضعهم الاقتصادي متأزم ولا يستطيعون الوصول إلى الأعماق بسبب البوارج الأجنبية في البحر.
تحدث الاثنان إلينا عندما كانا في مرسى قوارب الصيد بمنطقة الشرج بالمكلا بعد عودتهما من رحلة صيد مضنية: « زي ما أنت شايف ، السمك غالي لأن الإنتاج قليل والواحد منا يا دوب يصطاد شوية سمك عشان يعوض قليل من قيمة البترول « قال الاول بلهجة حضرمية ، وأضاف الثاني: «يا اخي الواحد مننا ينزل البحر ومش عارف حيرجع لأولاده وأهله أم لا من كثر اللي بيحصل للصيادين من اعتداءات ولا احد يحمينا «.
لكن ما الذي فعلته السلطات اليمنية حيال ذلك ؟!
هناك قوات بحرية ،وأخرى لخفر السواحل، وثالثة لحرس الحدود، بالإضافة إلى قوات عسكرية تتمركز في بعض الجزر، غير أن حماية الصيادين وسيادة البلاد كانت خارج اختصاصها معظم الوقت على ما يبدو.
لم يسبق لهذه القوات أن أحبطت ولو عملية اختطاف واحدة لقارب صيد يمني على يد القوات الارتيرية أو الشقيقة مثلا مع ان عديد حالات وقعت في المياه الإقليمية اليمنية. والى هذا الهوان في البحر، لا تبذل السلطات شيئا يدل على مسؤولية قانونية واخلاقية تجاه من تقول إنها تمثلهم من اليمنيين عندما يعودون الى البر. ولم يسمع أحد أنها قدمت احتجاجا واحدا ضد الانتهاكات المتواصلة للقوات الدولية .
المرة الوحيدة التي حاولت السلطات اليمنية التصرف بشيء من المسؤولية، كانت في نهاية يناير 2008؛ عندما استدعت الخارجية اليمنية سفير أسمرا في صنعاء وسلمته رسالة احتجاج على احتجاز صيادين يمنيين كانت السلطات الاريترية قدمتهم لمحاكمات عسكرية. تلك هي الخطوة الوحيدة لدولة لم تفعل حتى الآن شيئا يؤكد أنها تقوم بأمر ذي قيمة. وكانت اريتريا، التي تعي جيدا ماذا يعني أن يأت احتجاج ببرودة صنعاء، هي صاحبة الخطوة التالية: ضاعفت اسمرا أنشطتها في استهداف الصيادين اليمنيين، فبعد أن كان عدد من اختطفتهم القوات الاريترية 80 صيادا خلال عام 2006، بلغ عددهم عام 2010 م 405.
ولمرة يتيمة أيضا ارتفع صوت السلطات اليمنية حيال واقعة اعتداء على الصيادين اليمنيين من قوة عسكرية في البحر. لم تكن يقظة متأخرة أرادت الانتصار للكرامة اليمنية المهدورة، وكان واضحا أن الأمر تكريس لسياسة تسجيل النقاط على أطراف داخلية . ففي نهاية نوفمبر 2009 دونت وزارة الداخلية اليمنية أول تفاعل مع بلاغات عديدة للصيادين؛ واتهمت البحرية الإيرانية بالهجوم على الصيادين وتفتيش قورابهم. وقتها كانت الحرب في نسختها السادسة على أشدها بين الجيش والحوثيين في صعدة، وبدت جزءا من الاتهامات التي كالتها صنعاء لإيران بتزويد الحوثيين بالأسلحة. تحدثت وزارة الداخلية عن» وجود مريب لهذه البارجة بالقرب من المياه الدولية»، ومع ذلك فلم تذكر وزارة الداخلية كيف تصرفت قوات البحرية وخفر السواحل حيال الأمر، واكتفت بالقول إن «زورقين تابعين لخفر السواحل والقوات البحرية تحركا إلى المكان الذي حدده الصيادون وفتحت تحقيقا في الحادث « .
بحسب الصيادين، فإن الشيء الوحيد الذي تفعله السلطات هو تسجيل البلاغات: « لما نرجع بعد الاختطاف الدولة حقنا يقولوا لنا سجلوا بلاغكم ، ايش عملوا بكم وكيف تم ومن «، يقول على حسن منيش .
يشعر يوسف سعيد وجمال محمد بالمزيد من الإحباط ويقولان إنهما مع رفاقهما لم يعودوا قادرين على الحياة، مع استمرار ارتيريا بالتعرض لقواربهم ومصادرتها من المياه الإقليمية اليمنية والدولية: « حينما نشتكي تقول الجهات المعنية: سجلوا بلاغاتكم. حتى أصبنا بالإحباط «. ويضيفان بغصة : لمن نشتكي، سنوات ونحن ننتهي، نموت من القهر ، هلكت اسرنا، نهبت قواربنا، تبهذلنا، ضربنا ، اهانوا كرامة الصياد اليمني».
المؤكد ان السلطات تتوافر على معلومات عديدة بهذا الخصوص، وسجلاتها متخمة ببلاغات الصيادين، لكن ذلك لا يحدث فرقا بالنسبة لسلطة لا تنظر للكرامة كشئ مهم .
وقد أصبح الأمر معتادا لدى الصيادين، فهم يدركون أنهم يذهبون إلى البحر وهم مكشوفون من كل شيء له علاقة بالدولة، لذلك أصبحت القناة الدبلوماسية الوحيدة التي يلجأون اليها لاستعادة قواربهم : التفاوض مباشرة مع الاريتريين، او انهم يفوضون امرهم الى الله ويبدأون حياة جدية على الأرصفة .
بحسب الصيادين فإن السلطات الاريترية تبدي استعدادا للإفراج عن القوارب مقابل أموال تصل لملايين ، وعندما يتم الدفع يقتصر الافراج على القارب والمكينة فقط . يحدث ذلك والسلطات هنا تستمر في تقييد البلاغات فقط .
يقول علي حسن منيش، متحدثا عن لا مبالاة الحكومة وأجهزتها حيال ما يتعرضون له: « ليتهم يقدمون لك تعويضا أو يطالبوا اريتريا بالتعويض ... بل نحن ندفع الغرامات التي تصل إلى مئات الآلاف وأحيانا مئات الملايين».
لقد تُرك البحر نهبا لكل أشكال الانتهاك، من الدهس على كرامة الصيادين وخرق السيادة، إلى تدمير البيئة البحرية، بشراكة محلية ، أبطالها مسؤولون وقيادات نافذة في الدولة.
كما الساحل الغربي، تعربد سفن اصطياد أجنبية ومحلية في المياه الإقليمية في البحر العربي وخليج عدن بلا رقيب.
وفقاً للصيادين فإن عمليات جرف واسعة تتم في البحر أدت إلى تدمير مزارع الأسماك ، فضلا عن عمليات اصطياد جائر،في مواسم التزاوج حيث يمنع الاصطياد في هذا التوقيت، واستخدام وسائل اصطياد محرمة كالشباك ذات الثقوب الصغيرة وأصابع الديناميت ايضا !.
كل تلك الممارسات تسببت في هجرة الأسماك إلى موائل أخرى أكثر أمنا، وأصبح وجود انواع معينة من الاسماك ناردا في البحار اليمنية . وللصيادين نصيب مباشر من كل تلك الخروقات ، فيجدون انفسهم في اوقات كثيرة وجها لوجه أمام سفن تصطاد بحرية تامة في مناطق محظورة مخصصة فقط للصيد التقليدي، مدمرة حصيلة أعمارهم المهدورة في البحر، وفوق ذلك تحظى بحماية أمنية يمنية!
يقول احمد صالح، وطلبي خميس اللذان يشتغلان بالصيد في رأس عمران بعدن: إن الصيادين تعرضوا عديد مرات لاعتداءات من سفن اصطياد أجنبية، حيث تقوم غالبا بتمزيق شباكهم المنصوبة في بعض الأعماق القريبة وجرفها؛ مايكبدهم خسائر فادحة ، وقد اضطرهم ذلك لحمل السلاح في مواجهة هذه الأعمال. يضيف خميس : الصياد مننا يكون له سنوات في البحر، وتجي سفينة تعدم شباكه بدقيقة.
يكلف ارخص نوع من الشباك ما لا يقل عن نصف مليون ريال يتم توفيرها من أموال الصيادين الخاصة .
وحسب رئيس جمعية الصيادين في حضرموت سالم قمبيت، فإن عديد سفن أجنبية تصطاد في مناطق محظورة، يحميها نافذون في الدولة .
في عرض البحر تتنازل السلطات عن الصيادين، والسيادة ، والثروة ، لكنها لن تتنازل أبدا عن وظيفتها الوحيدة المتبقية بين الأمواج : جباية الرسوم .
لقد أفلت قراصنة وشركات اصطياد مرخصة وغير مرخصة، وقتلة وبارجات حربية وخاطفو الصيادين من بحرهم، وحدهم هؤلاء الذين ليس لهم من معيل سوى البحر هم من تمارس عليهم السلطات اليمنية سيادتها .
يدفع الصياد البسيط ما لا يقل عن 5% رسما عن حصيلة ما عاد به من البحر، ويتحدث آخرون عن ضرائب تصل إلى 25 % . ويقول رئيس جمعية الصيادين في الخوخة حسن احمد صالح : «ندفع رسوم 8% و10% ضريبة مبيعات و1% رسوم مالك الساحة وللوكيل ( مندوب الدولة) 5%».
« إذا اقتربنا من الجزر حقنا واجهتنا ارتيريا، ودولتنا حريصة تأخذ الرسوم كاملة 5% ضريبة مبيعات ، والصياد يذهب إلى البحر أو جهنم ..»، بحسرة شديدة وألم أطلق الصياد صالح الزبيدي صوته المحتج ملخصا المفارقة التي تخنق بلدا بكامله.
بمساعدة : عبدالحفيظ الحطامي – الحديدة، فؤاد باضاوي – المكلا
المصدر : يمنات |