بقلم/جميل مفرِّح -
بعد عام حافل بالعراك مع الرياح وعفاريتها، مكتظٍّ بالضجيج الذي لا ندري من أجل ماذا يصمُّ قلوبنا ليل نهار.. عامٍ شهد منا –وسيظلُّ شاهداً علينا- ما لم يشهده التاريخ من عقلاء البشر من العشوائيةِ في إطلاقيتها والغوغائية في سراحها المنفلت.. عامٍ طوى بالكاد أطرافه ملوَّثةً بكل أصناف وأشكال ومراتب التلويث المعروفة والمبتكرة.. عامٍ بدا وكأننا كنا فيه أخفض جغرافيا في الوجود لتنجرف وتنساق إلى مساحتنا كل المخلفات المؤذية في الحياة.. وتغمرنا على إثرها أشكال القرف والتعب والنصب، لنخرج منه متهالكين يرتقي الإعياء كل ما يمكن أن يعبِّر عنا من صورة أو حال أو قول.. عامٍ لو قُدَّر لنا ووجدنا وساطة لدى الزمن لتمنينا عليه أن يشطبه من تاريخنا.. لأننا نعتقدُ أننا نستحق أفضل مما نلناه من أنفسنا من شقاء وعناء، قضينا ذلك العام ونحن نهندسه ونفصّله لنا ولوطننا وكأننا وإياه لا نعني شيئاً لأنفسنا..
* * * *
ها نحن نزعنا آخر قدمٍ من قاع 2012م السحيق، آملين أن يُسمح لنا أن ننعم بما نستحقه من ضوء الحياة الجديدة التي ظلَّ الإنسان اليمني ينشدها منذ زمنٍ غابرٍ، ويبدو فيما يبدو ويتجلى فيما يعتمل أنه سيبقى باحثاً عنها وعن نفسه وأحقية وجوده لزمنٍ قادمٍ غير قصير.. ذهبنا أو بالأصح ذهب عنَّا العام 2012م فهل سيأخذ معه ما جاء به معه أم سيترك للاحقه إرثه المثقل بالوجع والهمِّ والعناء والغمِّ والفوضى والدم؟! وهل سنستفيق من غفوتنا المعيبة ونخرج من غيبوبتنا القاتلة، لننظر بإمعانٍ على الأقل إلى الطريق التي نسير فيها مغمضي القلوب والعواطف والمشاعر، مُكمّمةٌ أفواهنا حتى من ابتسامةٍ حقيقيةٍ تبعث بصيصاً من الحياة، مكبلةٌ أرواحنا وأنفسنا في منفاها الاختياري/القسري، دونما معنى أو مبرّرٍ أو هدفٍ سوى الانتحار الانهزامي المقيت الذي لا نألو جهداً في قصده بهذا الوطن الذي يستحق هو بدوره أبناء أكثر انتماء ووفاء وإيثاراً مما نحن عليه في واقعنا الحالي المؤلم..
* * * *
أهلاً بك 2013م سيطيب لنا أن نرحِّب بك ما استطعنا وأن نبارك قدومك ما أتيح لنا، ولو كنت حتى 3013م، أياً كنت ما دمت ستخلصنا من قدرٍ مؤسفٍ كتبناه راضين لأنفسنا، وقضينا سالفك نتلذّذُ بما أتاحه لنا من عقابٍ، لا شك نستحقه، لأنّنا لم نحرص على ما كان يمكن أن نملكه أو نتحصّل عليه من رغدٍ وأمن وهدوء واستقرار.. نعلم أنّنا عصاةٌ لا نقدِّر ما يتاحُ لنا من النّعم.. ولعل نِعم الوفاق والتسامح والرضا والهدوء والاطمئنان لم تكن من نصيبنا في سابقك الراحل، ولكنا تعلمنا وعلينا أن نتعلَّم كيف نحمد ونشكر ونقدّر تلك النّعم الجليلة، فارأف بنا ما استطعت وارضَ عنا ما رضي الله عنّا.. لئلا نسقط في وبالِ ما أجرمت به الوقائع والأحداث.. برضاً منا حتى أوشكنا نؤمن بأقدارها، فيما نحن الفاعلون الصانعون المُدبّرون!! لا أحوز قدراً من الشكّ في أنّك ستكون جميل المعشر وحسن السلوك وكثير الخير والبشائر.. بقدر ما أشكّ في صدق نيّاتنا وإخلاص مقاصدنا وإمكانية توبتنا التوبة النصوح مما كنا فيه من عبثٍ ليس من ورائه سوى التدمير الذاتي للمتبقي من إنسانيتنا التي بات مشكوكاً فيها حتى من قبل أنفسنا..
* * * *
أخيراً.. في مطلع مفصلٍ جديدٍ وتاريخٍ أجد.. نتوجَّهُ بالرجاء والتوسُّل إلى أنفسنا!! بل إلى خيارنا منّا أن يوقفوا ما يحصل في حقنا وحق وطننا وحق تاريخنا من ضياع وتضييع وإغماء وإماتة، وأن نتدبّر جميعاً فيما جرى ويجري فينا وبنا وبهذا الوطن الذي بتنا نشفق عليه أول ما نشفق منا ومن تعنتنا وعنجهيتنا الفارغة وضلالنا الكبير.. هل فعلاً نحن اليمانيون الذين فاخر وانتصر الزمن بهم ولهم؟! ربما ولكن قد نكون في غيبوبة نسأل الله أن نفيق منها وأن ننتبه إلى أننا نسير في طرقات لم تكن من طرقاتنا ونقصد مقاصد لم يألفها الزمان منا أبداً.. فهل آن الأوان لأن نفيق أم سنظل كما كنا عليه في سبات الغفلة والعتي والنفور؟! وها نحن نقدم دعوة بل نستأذن من كبارنا وقدواتنا وموجهي دفات هذه البلاد.. فهل سيأذنون لنا بأن نتفاءل بعامنا هذا وأن ننسى ما قبله من وجعٍ ونزفٍ، ولنتفرغ لتطبيب جراحنا وجراح وطننا لئلا تظل تلك الجراح نازفةً موجعةً.. الأمر بأيديهم/نا جميعاً.. وكل عام ونحن والوطن في خير العمل والجزاء.
يوميات صحيفة الثورة ليوم غدٍ الثلاثاء