بقلم / طه العامري -
لم تكون اليمن بحاجة لما يسمى ب( الربيع ) بقدر ما كانت بحاجة فعلا لأن تنفق الأموال التي أهدرت خلال عامين تحت يافطة هذا ( الربيع) أقول كانت اليمن بحاجة لأن تنفق المليارات التي أهدرت خلال العامين في إقامة مشاريع تنموية تحسن من الوضع الاقتصادي وتمتص نسبة من البطالة التي تصاعدت بفعل سياسات اقتصادية خاطئة وهي السياسات التي رسمتها ذات القوى النافذة التي وقفت خلف ما يسمى ب( ثورة الشباب) وهي أبعد ما تكون عن (الشباب) وهمومهم وتطلعاتهم وأحلامهم , كون هذه القوى النافذة التي اتخذت من غضب الشباب وظروفهم جسرا لكي تحقق أهدافها هي ذاتها التي تسببت في معاناة الشباب وكل الوطن , فهي القوى التي تضخمت مصالحها وتشعبت وتوسعت ولم تعد قادرة على البقاء في ذات المربع الذي كانت تقف عليه خلال السنوات والعقود الماضية من مسارنا الوطني وهي مرحلة كانت فيها قوى النفوذ والفساد تراكم ثرواتها وتوسع من مصالحها وعلاقتها على الصعيدين الوطني والإقليمي والدولي بالنسبة للقوى الاقطاعية ذات الفلسفة الرأسمالية في الإدارة والفعل والسلوك والتي ارتبطت مع قوى النفوذ (العسكري والقبلي ) بمصالح متشابكة وصلت حد تعزيز هذه العلاقة بالشراكة الاجتماعية من خلال ( التزاوج والمصاهرة) ..!!
لقد كان اليمن يحتاج لتغطية وضعه الاقتصادي ولم يكن الشباب بحاجة لما سمى ب( الثورة) لوا وجدوا أنفسهم في كنف نظام مؤسسي وطني تسود فيه تكافؤ الفرص وقدر من العدالة الاجتماعية وفرص العيش الكريم دون امتهان أو استجداء ..لكن ما حدث قد حدث وكانت اليمن افتراضا أقل الساحات العربية تضررا من تبعات هذا (الربيع) الزائف ويحسب هذا للزعيم علي عبد الله صالح الذي يشكر على تمسكه بشرعية نقل السلطة سلميا وعبر رعاة إقليمين ودوليين ومن خلال مؤسسات دولية ليكفل في هذا الإجراء وحدة وسلامة اليمن وثوابتها وقدسية أهدافها الوطنية والحضارية وأن فتحت العملية المجال لخلق قضايا ميتة ومطالب شبه خيالية وشروط تعجيزية لكن يظل كل هذا محكوم بألية الحوار والتفاهم بعيدا عن العنف بكل أشكاله وخاصة العنف المسلح ..
بيد أن نقل السلطة بطريقة سلسة وعبر انتخابات رئاسية مبكرة حظى فيها الرئيس عبد ربه منصور هادي بإرادة شعبية جمعية وبتوافق إقليمي ودولي ناهيكم عن مباركة أطراف الصراع بمن فيهم أولئك الذين وقفوا خلف الأزمة الاقتصادية ثم وظفوا الأزمة الاقتصادية واتخاذها وسيلة للانقلاب على كل الثوابت الوطنية , المهم وكما اسلفت مثلت اليمن حالة استثنائية ونموذجية أو هكذا يفترض ليتحمل الرئيس عبد ربه منصور هادي مسئولية جسيمة وكبيرة وخطيرة في ظل تنافر داخلي وحسابات إقليمية ومخططات دولية , وفي لحظة تكاد فيه خارطة العالم تعيش إعصارا سياسيا غير مسبوق بتبعاته الاجتماعية كما هو غير مسبوق بدوافعه وأدواته وأساليبه ناهيكم عن غايته التي هي أبعد ما تكون عن أماني واحلام وتطلعات الشعوب .
وفي طريق محفوفة بالمخاطر والاخطار أبحر الرئيس هادي باتجاه شواطئ الآمان لليمن الإرض والإنسان متحملا أهوال الواقع وتبعاته وتحدياته الغير مسبوقة في تاريخنا الوطني من حيث حالة التنافر الداخلي والتمزق ومن حيث الخيارات القاتلة والمدمرة التي يقف أمامها وطنا بأرضه وإنسانه وكل مقوماته ومنجزاته .. ومع ذلك ها هو الرئيس يمضي قدما في طريق إخراج اليمن من أزمته الراهنة لكن الرهان على قدرة الرئيس وعلاقاته والمواقف الإقليمية والدولية الساندة له , لا يكفي أن لم يلتف الجميع من أبناء هذا الوطن خلف وحول الرئيس ومساعدته بصدق وجدية وبوعي وطني حقيقي ينبذ أصحابه كل جدلية الربح والخسارة من قاموسهم ليتذكروا فقط اليمن بكل مقوماته ومكاسبه وأهمية وضرورة خروجه من هذا المحنة التي وضعه البعض فيها حبا في مزيد من التسلط والجبروت والقهر ..!!
اليوم يقف الرئيس أمام جملة من العواصف والتحديات ربما هي الأخطر التي عرفها شعبنا عبر تاريخه الوطني الحديث والمعاصر وهذا يتطلب من الجميع أن يحكموا ضمائرهم الوطنية وأن يتخلوا قليلا عن حساباتهم السياسية والحزبية والمناطقية والطائفية والقبلية والجهوية وأن يتذكروا فقط اليمن وضرورة وأهمية خروجه مما هو عليه اليوم وأن يسهلوا مهمة الرئيس ويكونوا له عونا في مساره وليواجهوا التحديات إلى جانبه بعيدا عن هذا المنطق الذي يسوق عبر الوسائط الإعلامية وهو منطق لا يخدم أحد في هذا البلد بل يخدم أشخاص بذاتهم أو جماعات بذاتها وفعل كهذا سيلقى بتبعاته أن استمر على هذه الأطراف التي سوف تتحمل وزر التاريخ وما قد ينجم من تبعات على خلفيات سلوك قاصر وأفعال لا ترتقي لمصاف التحديات الوطنية , في ظل حسابات استراتيجية اقليمية ودولية ترى في اليمن ما لم يدركه المتنابزون من أبنائه , وبالتالي فأن الالتفاف خلف رئيس الجمهورية هو الفعل الوطني الناضج والمطلوب الذي سيقدره التاريخ ويحترمه الشعب ..ومع إيماننا بأن الأزمة التي نمر بها قد فتحت كل أبواب (الجحيم) علي بلادنا ودورها ورسالتها ومنجزاتها بل وحتى على مكوناتها ونسيجها المجتمعي غير أن رب ضارة نافعة وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم , وقد نوجد في خضم الأزمة منافذ للانعتاق تقوم على أسس عادلة ونبدأ بصياغة واقع جديد حافل بالقيم الوطنية الجديدة وبمفاهيم وطنية تبعدنا عن الرؤى والمفاهيم الضيقة التي رافقت مسارنا وتحولاتنا طيلة ستة عقود من التحولات الوطنية التي اغفلنا فيها البعد الثقافي الوطني والهوية الوطنية التي بها وحدها نحقق كل أحلامنا في بناء وطن تسود فيه العدالة والمواطنة المتساوية بعيدا عن المحاصصات الطائفية والقبلية والمذهبية وثقافة التوازنات المثيرة للجدل الوطني بل لا بد أن يكون الولاء الوطني هو المعيار في علاقتنا بالوطن الإرض والإنسان ..
شخصيا أجدني اصطف إلى جانب الأخ رئيس الجمهورية المشير / عبد ربه منصور هادي وهو يواجه تبعات هذا الانفلات المجتمعي بنوازعه المثيرة والخطيرة , بما يحمل من تناقضات مركبة ومبهمة في الدوافع والغايات التي يحملها أصحاب هذه النوازع بدء من العلاقة بين القوى السياسية والحزبية المعترف بها والتي هي شريكة للأخ الرئيس في مواجهة التحديات الوطنية وعلاقة هذه القوى السياسية والحزبية بمسميات خارجة عن ( الشرعية) افتراضا بما تحمل هذه المسميات من مشاريع قاتلة لكل قيم التألف والتماسك والوحدة , فإذا وقفنا أمام علاقة ( الحزب الاشتراكي اليمني ) مثلا مع قوى ( الحراك ) بفصائله المتعددة والمتنافرة الداعية (للانفصال وحق تقرير المصير ) سنقف في المقابل أما علاقة ( حزب التجمع اليمني للإصلاح ) مع المسميات (الجهادية والريكالية التكفيرية) سنجد أنفسنا أمام فنتازيا مثيرة ربما لا يدرك اصحابها خطورة هذا التناقض ليس على السكينة المجتمعية التي قد تحميها حسابات سياسية تأتينا من هناء أو هناك , لكن في المحصلة نرى أن هذا التناقض يلقي بظلاله على هذه المكونات السياسية والحزبية ومدى مصداقيتها الوطنية وولائها لوطنها وشعبها في ظل خطاب إعلامي وسياسي يسوق من قبلها وتبدوا من خلاله هذه القوى وكأنها تعيش حالة (عشق سرمدي وهيام أبدي مع الوطن) ..!!
ثمة قوى أخرى في الساحة الوطنية ليست بعيدة عن النموذجين السالفين الذكر وهي تعمل بطريقة (الترجيح) وتقف في المنزلة بين المنزلتين دافعها واضح وهو ترقب تأكل القوى الفاعلة في صراعها المجتمعي وهو صراع يصعب حسمه في ظل واقع كواقعنا ملئ بالمتناقضات ويعش حالة إجداب وتصحر فيما يتصل بالهوية والولاء الوطنيين , وعليه فأن الرهان على دور الأخ الرئيس يبقى الخيار الأسلم أذا ما رغبنا فعلا أن نعيد بناء الوطن بمؤسساته الوطنية , إذ أن ( هيكلة الوعي الوطني ) هناء يبقى الخيار الأول عن أي هيكلة مادية أخرى ..للموضوع صلة