الثلاثاء, 22-يناير-2013
لحج نيوز - د.حنان حسين بقلم/د.حنان حسين -
انتهت جلسة البرلمان المخصصة للتصويت على الموازنة العامة للدولة للعام 2013 إلى مواجهات عنيفة بين النواب والحكومة أدت - حسب بعض الروايات - إلى التلاسن الحاد، والاشتباك بالأيدي و(كؤوس الشاي) بين بعض النواب وأحد الوزراء؛ احتجاجاً على أحد النواب الذي اتهمه بتخصيص قروض وهبات المانحين لشركة أخيه، في مخالفة واضحةٍ للدستور وقانون المناقصات والمزايدات.
هذه الواقعةُ الجديدة في البرلمان: بشَّرت بنوعٍ من السلوك (الديمقراطي).. يعكس حقيقة التوافق في حكومة الوفاق التي ترى أن (شرعيتها الثورية) تمنحها الحق في إعداد موازنةٍ كارثية.. توزعها أينما وكيفما تشاء، بغموضٍ تام لمواردها، ونفقاتها، وتحدٍ صلب للمعاناة التي أفرزها الواقع (الثوري الجديد) على كل الأصعدة الحياتية في جوانبها الأمنية والمعيشية والاستثمارية.
تفاصيل جلسة البرلمان التي أصبحت الأشهر بحكم وقوع (الكؤوس على بعض الرؤوس) في ذلك الاشتباك.. دفع البعض إلى التسابق للحصول على البيانات، والمعلومات حول هذه الموازنة، التي وُصفت بالكارثة، والتي قادت إلى المواجهات بين النواب والحكومة.. وكادت أن تعصف بما تبقى من المؤسسات (المقيدة أصلاً في عملها بموجب التوافق وليس بنصوص الدستور) لولا تدخل رئيس الجمهوريه لإنقاذ الموقف بالدعوة إلى اجتماعٍ عاجلٍ للحكومة والبرلمان، يرأسه بنفسه؛ لضمان استمرار البرلمان في عمله واستكمال إقرار هذه الموازنة.. وقد كان، وعلى قاعدة: (مصائب قومٍ عند قومٍ فوائدُ).. فقد كان مفيداً ذلك الاشتباك الذي دَفَعَنَا إلى الاطلاع - ولو جزئياً - على بعض ما تضمنته هذه الموازنة، التي أرى أن وصفها بالكارثية قد كان متواضعاً.. وقد نحتاج للبحث في متون اللغة، وقواميسها عن مصطلحٍ يبرز الوضع الكارثي أو التدميري لهذه الموازنة.
لقد كان مفزعاً أن تستهل (حكومة الثورة) توجهاتها في بناء الدولة المدنية بإعداد موازنةٍ تتضمن استيعاب مائتي ألف جندي في وزارة الدفاع والداخلية، سرعان ما تبرأ منهم وزير الدفاع عندما أعلن أمام لجنة الموازنة البرلمانية والحكومية عدم علمه بهذه الأرقام الفلكية.. وأن ذلك التجنيد لم يكن ضمن خطط وزارة الدفاع، بل وإنه قد تم دون علمها.. هذا في الدفاع.. أما ما تم تجنيده خارج إطار الموازنة في وازرة الداخلية فإن اللجنة لم تحصل على أي توضيح أو معلومات حول ذلك؛ لامتناع وزير الداخلية عن الحضور إلى لجنة الموازنة لمناقشة الأمر (حد تعبير هذه اللجنة).
تم هذا في الوقت الذي كان الجميع يتوقع من الحكومة أن تباشر تصحيح الاختلالات في مخصصات القوات المسلحة والأمن.. والسيطرة على الإيرادات وتوظيفها في تحسين مرتبات الضباط والجنود، وتنفيذ مراحل استراتيجية الأجور لمواجهة التضخم، وسوء الأحوال المعيشية لمنتسبي هذه المؤسسة؛ بسبب تردي الأوضاع الاقتصادية، وتصاعد أسعار السلع، وتكاليف الحياة الأساسية..
إن ما يثير السخرية في هذه الموازنة هو ما أظهرته من نفقات غير معروفةٍ، وغير مبوبةٍ، تمثل أكبر عملية فسادٍ واستهتار بالمال العام، واستخفاف بعقول نواب الشعب، وصل ما تم الكشف عنه حسب تقرير اللجنة: اعتماد مبلغ أربعمائة وسبعة مليارات ريال وهو ما يمثل نسبة 14.7 % من مجمل الاستخدامات العامة في الموازنة وتحت مسمىغريب، ظهر لأول مرة في مشاريع موازنات الدولة، وهو مسمى (نفقات أخرى) ولا ندري ما هي هذه النفقات الأخرى، بهذا الحجم، وبهذا الرقم، دون تبويب أو تحديد مسمياتها أو أوجه إنفاقها، في سلوك يثير الريبة والتوجس، وفي ظل الحديث عن الشفافية في إعداد الموازنات وكشف أوجه الإنفاق، ومصادر الإيرادات.. يأتي هذا في ظل الحديث عن انضمام اليمن إلى منظمة الشفافية العالميةِ في الاستكشافات النفطية والمعدنية.
لقد مثلت عقود شراء الطاقة الكهربائية التي تمت خلال العام 2012 أكبر عناوين الفساد؛ حيث تمت - حسب تقرير لجنة الموازنة - بالمخالفة للدستور والقانون، وكلَّفت الخزينة العامة للدولة - وفقاً لإيضاح وزير المالية - مبلغ (159.6) مليار ريال وبمعدل (2.05) مليون دولار قيمة الوقود، لإنتاج واحد ميجاوات من الطاقة الكهربائية خلال العام.. حيث من المتوقع استمرار هذا النهج لترتفع الكلفة التي تتحملها الخزينة العامة للدولة إلى (861) مليون دولار، رأت اللجنة أن الحكومة بهذا السلوك قد نسفت كل الإجراءات السابقة لترشيد الإنفاق على الطاقة، وأهداف رفع الدعم عن المشتقات النفطية التي تمت في العام2012، ناهيك عن توجيه العقود بعيداً عن الأسعار التنافسية وفقاً للمعايير المتعارف عليها، وبما يحقق العوائد الاقتصادية في الشراء، وهو الأمر الذي فجَّر المواجهة داخل البرلمان، وأدى إلى اشتباك بين الأعضاء والحكومة أثناء الحديث عن عقود شراء الطاقة..لقد كان محزناً أن تظهر الموازنةُ لتقطع الأمل عن أي آفاق استثمارية لتحقيق التنمية، واستعادة التوازن لنشاط القطاع العام، والقطاعات الاستثمارية الخاصة، للمساعدة على تحقيق الانتعاش الاقتصادي، وخلق فرص عمل، والحد من تصاعد البطالة.. ظهر ذلك بوضوح من خلال المؤشرات الكارثية، لتدني النفقات الاستثمارية في الموازنة، حيث لم تتعدَّ حاجز 18 % من مجموع الإنفاق العام، مقابل ارتفاعٍ في معدل الإنفاق الجاري الذي وصل 82 %، دون أن يؤثر إيجابياً على مستوى دخول الموظفين، أو تنفيذ ما تبقى من مراحل الاستراتيجة الوطنية للمرتبات والأجور، التي كان ينبغي الانتهاء من مراحلها في العام 2010، ليصل معها الفارق بين الحد الأدنى والحد الأعلى للأجور إلى 8 أمثال، كما حددها القانون رقم 43 لسنة 2005.
ثم ماذا؟.. سنستقبل العام الجديد بموازنةٍ تُكَرِّسُ الفساد، وتضاعف من طوابير البطالة، وتُصعد من معدلات التضخم وارتفاع الأسعار، والإنفاق على مائتي ألف جندي لا تعلم عنهم وزارة الدفاع شيئاً - تماماً - مثلما لا يعلم الناس من هؤلاء الجنود؟ الذين لم نر لهم أثراً في قريةٍ أو مدينةٍ، أو في طابور صباح أو معسكر تدريب..وسنظل نسأل الحكومة عن هؤلاء، حتى تكشف عنهم، وتنشر أسماءهم للناس أو تقنعنا بأن من تم تجنيدهم قد كانوا ملائكة لا يراهم البشر، فتأتينا بآيةٍ جديدة ٍ(يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ جاءتكم جنودٌ فأرسلنا عليهم ريحاً وجنوداً لم تروها وكان الله بما تعملون بصيراً).. سنرى موازنةً تعمق من معاناة الجنود والضباط وموظفي الدولة، وتتركهم فريسةً لارتفاع الأسعار، دون أن تواجه هذه الموجةَ بمنحهم حقهم القانوني برفع المرتبات والأجور طبقاً لاستحقاقات الاستراتيجية وقانون المرتبات.. سنرى موازنةً تمعن في انتهاك أبسط حقوق المواطنة، بعدم شمولها تثبيت عمال النظافة الذين يقومون بأخطر مهمةٍ وأنبل مهنةٍ، ويخاطرون بأرواحهم حفاظاً على حياة كريمة لغيرهم.. وسنحتفظ فقط بصورة رئيس الحكومة وهو يتقدم هؤلاء العمال لتدشين حملة إنقاذ العاصمة من كارثةٍ بيئيةٍ، أو في اجتماعه معهم في مكتبه ذات يوم..أما الوزير الذي استشاط غضباً من اتهام النائب سلطان البركاني له بصرف القروض لشركة أخيه، فما كان عليه أن يرتكب تلك الحماقةَ، ويطلق الشتائم، وهو القادر على استخدام مهارة الفتوى التي اكتسبها من حزبه فيخرس النائب بالقول مثلاً : عملتُ ذلك إعمالاً للآية الكريمة: (يسألونك ماذا ينفقون قل ما أنفقتم من خير فللوالدين والأقربين). أو الحديث الشريف: (خيركم خيركم لأهله).
تمت طباعة الخبر في: السبت, 23-نوفمبر-2024 الساعة: 01:56 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.lahjnews.net/ar/news-24559.htm