بقلم/عبدالكريم المدي -
..حينما ذهبت الوحدة السياسية بين الوطن العربي بقيت وحدة الدين واللغةومع هذا لم تكن لتشفع لهم من حدوث ذلك الكم الكبير من تصدع المجتمعاتهم سياسيا وطائفيا وعرقيا ومناطقيا وأيديولوجيا.اضعفت كل قطر على حدة ومنحتهم صكا .لاندلاع الحروب والصراعات .وتفشي الكراهية داخل القطر الواحد وبين الأقطار.. اوهنت قوى الشعوب العربية كلها وجعلتها متاعا وملعبا لقوى اقليمية ودولية غربية وغير غربية..لدرجة وصل فيها الأمر الى تآمر سلطات هذا القطر العربي على القطر الآخر...مع قوى أجنبية..لا تدين بديننا ولا تتكلم بلساننا..ولا تحترم ثقافتنا ولا تؤمن بوجودنا وحقنا في الحياة .
وفي بلادنا (اليمن)_ اذا ما تحدثنا بثقافة قطرية كواقع معاش _ لا شك أننا نعاني. اليوم .الكثير من الأزمات والانهياراتوالأزمات .ومنها أزمة الثقة..وظهور ثقافة جديدة غرست وتغرس في نفوس اليمنيين في شماله وفي جنوبه تحديدا تحث الناس على كراهية بعضهم البعض في مشهد بقدرما هو محزن بقدرما ينذر بكوارث مرعبة على كافة المستويات.وبمختلف المسميات..
صحيح أن الادارة/ادارة دولة الوحدة التي اعقبت22مايو1990وصيف1994كانت ادارة سيئة وشبه جاهلة بمقتضيات المرحلة وعوامل وشروط الاستمرار في الحكم وفي الوحدةأيضا كمكتسب كبير وهام واستثنائي في المنطقة .. وذلك فقا لقراءة الأحداث .قراءة وطنية ذكية تمكن أصحاب الحل والعقد من فهم التحولات الكبيرة والعاصفة.. على الصعيد الوطني والاقليمي والدولي...ونتيجة حتمية ومنطقية لذلك الغباء المدفوع بتحالفات تقليدية مرتدية لعباءة زائفة للديمقراطية.. وصلت اليمن والوحدة اليمنية الى ما وصلت اليه اليوم..لكن في اعتقادي يبقى أن نشير هنا وبيقين جارف.. أنه ومهما كان هناك من عصبية وغضب لدى قطاع واسع من الناس في الجنوب أو الشمال اليمني.. وما يصاحب ذلك من احتقان وأطماع ومشهيات نحو السلطة والمعمدةبالثآرات القديمة لدى بعض النخب في الجنوب أو الشمالفالأستمرار في طريق المقامرة والمراهنة على بلوغ المرام وفقا لفلسفة وثقافة القرون الوسطى أكبر من قدرة اليمن واليمنيين على تحمله..
ليبقى الاعتراف بالآخر بغض النظر عن ملبسه التقليدي والشعبي ومذهبه الديني والسياسي.هو المخرج والخيار الوحيد والآمن لليمن شماله وجنوبه..شرقه وغربه..فالتحاور والنقاش والتعاون وجبر الضرر..والخاطر _ قبله _ أفضل بكثير من التناحر والصراع والتمزق والشتات..الى جانب تغير لغة الخطاب الاعلامي والسياسي والديني واستبداله بخطاب تنويري .أخلاقي .يخترق كل العصبيات والتراكمات والمذهبيات ويعمل على اعادة بناء وترميم الثقة..ومع التشديد على مسألة (الحوار) كونه _ تقريبا _ الفرصة الوحيدة لليمنيين.أعتقد .أيضا.أنه لابد من التشديد على مسألةالتواضع من قبل كل الأطراف وتقديم تنازلات ولو في حدودها الدنيا..بعيدا عن احتكار الحقيقة والاعتماد على الأحكام المسبقة وثقافة ( الأمر والنهي والحكم ) بين الناس باسم الله..لأن من يظن في ذاته أنه كامل وداعية وحيدا لله وهاديا للأمة للطريق والسراط المستقيم .فهذا أبعد مايكون عن الحق وعن التواصل وعن الحل وعن السلام..وعن غرس شجرة الحوار وشجرة السلام الحضاري.
ودعونا نعترف بأن اليمن الى اليوم لم تمتلك أو تعرف نظاما مؤسسيا..وبالتالي هناك من ينظر لهذه المسألة أنه .من شبه المستحيل ظهور وتأسيس نظام مؤسسي في ظل هذه الفوضى القانونية والبيئة القبيلة بنخبها المشيخية المعيقة لعملية التحول الديمقراطي وبناء الدولة المدنية.. والتي اعتمد عليها _ أي على النخب القبلية بكل تناقضاتها وصراعاتها ومساوئها _ على حد سوا ..نظام الرئيس السابق ( علي عبدالله صالح) وكذلك اللاعبون الاقليميون.الذين اعتقدوا في سياساتهم واستقطاباتهم أن المال وحده سيحل مشاكلهم ويمرر مشاريعهم ويمكنهم من الاستمرار بالطريقة التي يريدونها.دون وجع راس أو صداع نصفي..لكن هذاالاعتقاد قد اثبتت الأيام أنه غير صحيح ولا يدوم مخدره الى مالا نهاية..ولعل القادم يحمل من البراهين على هذا القول الكثير من الحقائق ..ونقاط التحول.. ما يعني أن اليمن وبالرغم من استمرار التأثير الكبير للقبيلة ورجل الدين والمال الأجنبي .الا أن هذا البلد لم يعد كما كان عليه أبدا ...حيث ظهرت معطيات العصر وقوانين ومفاهيم جديدة خلقها الربيع العربي الذي_ وان كان لم يحقق أهدافه النبيلة ويقدم نماذج رائدة وبديلة للأنظمة السابقة..الا أنه غير الخارطة السياسية ونظرة المواطن العربي لواقعه وذاته وقدراته وحقوقه بصورة مختلفة.ربما أن أهم مافيها هو كسر حاجز الخوف وامكانية ايجاد وسائل ومناخات مغايرة عما كان عليه الحال قبل موجة الربيع والاحداث التي عاشتها المنطقة العربية منذو احراق البوعزيزي التونسي نفسه في احدى مدن الداخل التونسي أواخر العام 2010 ..بمعنى أوضح قدصار الناس يعبرون عن آرائهم بحرية أكثر وشجاعة أكبر ويخرجون للشوارع متى ماشاؤا..ويتحدثون في المنابر الاعلامية متى ماشاؤا .وبهامش حرية أوسع وغير مسبوق...مع تراجع في فكرة الأبوية والصنمية السياسية التي سيرت وسيطرت على المواطن العربي طيلة قرون عدة خلت..بيد أنه وبرغم كل ذلك وبرغم معرفتنا المؤكدة أيضا بأن المواطن اليمني والعربي عموما.عاش عقودا من الكبت والحرمان وانحدار الكرامة..لكن ما نخشاه جميعا هوان يكون القادم أسوأ وأقبح وأكثر تمزقا وبؤسا وشرا.اذا لم نتوجه مخلصين الى طاولات الحوار .والحوار الصادق الجاد..ولا شيىء سواه..