بقلم /الأديبة الأردنيّة: د.سناء الشعلان - من كان هناك عرف أنّ العراق فوق الموت،وأكبر من فكرة النّهايات،أنا كنتُ هناك،ولذلك أكتبُ إليكم أنتم يا قرّائي وأصدقائي وطلبتي ومحبّيّ و كلّ من يثقون في قلمي بأنّ العراق كطائر العنقاء في النّار ولا يحترق أبداً،ولكنّه يوهب حياة بعد حياة،كان يمكن أن تكون فعالية" اليوم الشّعري العراقي الثالث" التي نظّمتها السّفارة العراقيّة في الأردن فعالية اعتياديّة غارقة في الخطب والمجاملات والفعاليات الرتيبة وتخبّطات سوء التنظيم وهنات التجمهر لو كانت الفعاليّة شأنها شأن غيرها من الفعاليات المصنوعة المحمولة على الوهم والزّعم والتكلّف،ولكن ما كان في ذلك اليوم الشّعري كان متجاوزاً لهذه التأطيرات الواهية،كان باختصار استعراضاً حقيقيّا لشباب عراقي بعمر الزّهور وزهو الصّقور وإرادة الجبال،كانوا ثلّة تجمع بين جمال اللغة،وسحر البيان،وقوة الإلقاء والتأثير،وإصرار العزيمة،وثبات الخطوات،ولذلك فقد تحوّل المكان بهم ولأجلهم إلى مضمار نور تتسابق فيه خيول عراقيّة أصيلة دون تعب إلى سدرة النّور والتميّز،هم طلبة عراقيون في شتى الجامعات الأردنيّة الحكوميّة والخاصة،يتفاوتون في التخصصات والأعمار،ويتشابهون بالعزيمة والعمل والتشريف لكلّ من يعرفهم أو تربطه هم علاقة.
لم يتحدّثوا عن الماضي العظيم،ولا عن المستقبل المأمول،ولكنّهم يقفون في فم الزّمان متحدين الموت والخراب،ومؤكدين أنّهم قادرون على أن يحملوا الشّعلة،ويطيرون بها بجناحي عقاب أسطوريّ إلى قمة السّماء وعنان المجد،ولذلك من شهد هذا اليوم الشّعري بهره هذا التأثير العجيب لتلك الثّلة الماجدة من الطلبة العراقيين الشعراء الذين ألهبوا الحضور حماسة،وحوّلوا القاعة إلى سوق شعري حافل بنبض واحد،وبصوت واحد،وبانفعال واحد.
كانوا عشرة من الخيول العراقيّة الأصيلة على هيئة عشرة طلاب عراقيين يدرسون في الجامعات الأردنية،ويقتسمون النّار الشّعريّة المقدسّة،وهم:حيدر نهر،وصهيب صدّام،وطه جمال المعاضيدي،ومصطفى مهدي الكربلائي،وإيهاب المالكي،وحارث طه الدليمي،وعمّار عبد المنعم السّامرائي،وأيمن عزيزي الخزرجي،وزين العابدين بن محمود،ونجى خالد.
أولئك الفتية الخيول أبدعوا فيما نظموا من الشّعر وألقوا،فاحتضنوا الأيدي الحانية والقلوب الدّائمة والحضور المفتون بهم،وأصبغوا جمالهم الشّعري الإبداعي وبهائهم وفتوتهم على جميع الحضور،فحقّ للجميع الفخر بهم،والحلم بالآتي الجميل.
ولم يكن الحضور مجرد حضوراً رسميّاً وفق قواعد الدّعوات البالية، والمراسيم المستهلكة المتعارف عليها،بل كان جمهوراً قاسمه الأبوة الصّرف،والرّعاية الحنون،فكان صوت السّفير العراقي في الأردني الأستاذ الدكتور جواد هادي عباس يرافق صوت الطلّبة العراقيين الجياد نحو الأجمل،وكانت كلماته توقد فيهم المزيد من الحماسة والإجادة،وكانت ابتسامة الأستاذ الدكتور عبد الرّزاق العيسى المستشار الثقافي العراقي في الأردن إشارة نور لهم نحو الأجمل،وقلادة نجاح وفخر،وبرهان أمل معقود في النّواصي والقلوب،أمّا الدكتور محمد العبوسي و الدكتورمحمد البلداوي فكانا الحاديين للعيس العراقية الشّماء التي ما عرفت العطش ولا وهنت أمامه في سفر الرّحيل والعلم والإبداع.والضّيوف العراقيون من أكاديميين وتربويين على رأسهم؛د.عبد الصّاحب الجبوري مستشار وزير التعليم العراقي،د.ذكرى علوش مديرة مشاريع الوزارة العراقيّة فقد كانوا شركاء فرح ودعم لهذه النّور المقّدسة التي تسكن قلوب الشّعراء العراقيين الطلبة،وتنير الدّرب لكلّ باغي طريق العراق.
نعم لقد كنّا جميعاً هناك في مدرّج سمير شمّا في كلية الحقوق في الجامعة الأردنية في فعاليات يوم الشّعر العراقي الثالث الذي كان باستضافة من الجامعة الأردنية،فرأينا الجمهور الأردني من أساتذة جامعيين وطلبة وموظفين وطواقم إعلاميّة يشهقون كلّما طار بهم صوت شعري عراقي نحو أولمب أبولو،فيكلّلون الحضور بأطواق الكلمة،وترنيمة الصّوت،وكنّا جميعاً نشدو بصمت خاشع مرتلين خلفهم: نعم العراق لا يموت... المجد للحياة والشّعر والجمال والخيول العراقيّة الأصيلة...وكان هناك صوت مقدّس في السّماء يقول:آمين.
|