الخميس, 15-مايو-2014
لحج نيوز - عبدالرحمن أحمد ناجي بقلم/د.عبدالرحمن أحمد ناجي فرحان -
جمعتني عدة مناسبات بعدد من الأكاديميين والمثقفين والعسكريين خُضت مع بعضهم ممن أعتقد أنهم يتمتعون بقدر عالٍ من الجدية والموضوعية في نقاش مطول لتقييم تداعيات ما حدث في أول جمعة من شهر رجب الحرام قبل ثلاثة أعوام ، وقبل يومين تحديداً كنت في نقاش مع أحد الأصدقاء حول نفس الموضوع .ـ
ولنطلق لخيالنا العنان ، ولنتخيل أن الأمر سار نحو سيناريوهات أخرى غير ما حدث على أرض الواقع ، ولعل أقرب السيناريوهات إلى الذهن هو : تغليب صوت الثأر والانتقام على صوت الحكمة والتعَـقُّل ، وهو السيناريو الذي كانت تراهن القوى الدولية على أنه الأقرب للتنفيذ ، من خلال تحريكها لحفنة عرائس من مراكز القوى المحلية الخائنة والمتآمرة والطامعة الطامحة للوصول لكرسي الحكم ولو كان الثمن طوفان (تسونامي) من دماء الأبرياء .ـ
فقد كان هذا السيناريو هو المؤكد للمتآمرين الذين تجردوا من كل النوازع والقيم والتعاليم الدينية والأخلاقية ، بل وتنكروا لآدميتهم وانحدروا بذواتهم إلى ما دون الحيوان الذي تُسيره غرائزه ، وقوضوا بفعلتهم المخزية شريعة الغاب ذاتها ، حينما استهدفوا مصلين راكعين ساجدين آمنين مطمئنين كونهم في ضيافة جبار السماوات والأرض مالك الملك في بيت من بيوته على الأرض ، سيناريو يخجل منه الشيطان نفسه فما أظنه كان ليخطر له على بال ، أراد به الرُعَـاة المستترون خروج الإسلام من اليمن كدين في ذات اليوم الذي دخل فيه إليه ، وبأيدي ثُـلَّـةٌ مارقة من المسلمين .ـ
تمثل ذلك السيناريو في ولوج اليمن إلى الفوضى العارمة (الفوضى الخلاقة) التي كبح جماحها واعتلى صهوتها الرئيس الصالح فخابت بذلك آمال كل المتربصين باليمن ، فقد أراد صُناع وممولو تلك الفوضى الخلاقة في ربيعهم العبري أن يصبح القتال في أوساط اليمانيين من شارع لشارع ومن نافذة لنافذة وأن تسيل في الشوارع والأزقة أنهار من دماء اليمانيين ، وقد راهنوا على أن الشعب اليمني مُسلح ، فلا يكاد يخلوا بيت اليمني من السلاح والذخائر ، وبالتي فإن زرع الفتنة وبذر بذور الشقاق في النسيج الاجتماعي اليمني لن يتم إلا من خلال هذا العمل الإجرامي القذر ، وهو الكفيل بتصادم جموع الستين بجموع السبعين ، وما يماثلهما في كل محافظة وجدت فيها ساحة أو شارع للتغرير ، بحيث يبدو الأمر فيما بعد لو نجح هذا السيناريو وكأن مجزرة جامع دار الرئاسة جاءت رداً على مجزرة جمعة الـ18 من مارس ، وهذه بتلك والبادي أظلم ، في حين أن صانع الحدثين والمخطط والممول لهما ولما تلاهما حتى اليوم واحد لا ثاني له .ـ
ووفقاً لما ذكرته صحيفة (البيان) الإماراتية بعد أيام من مجزرة جامع دار الرئاسة فإن ثلاث دول متربصة باليمن هي الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وإيران ، كانت في حالة استعداد تام من خلال أساطيلها وقطعها البحرية للقيام بإنزال قوات برية للسيطرة على كامل الشريط الساحلي لليمن من أقصى نقطة محاذية للشواطئ السعودية شمالاً لأقصى نقطة محاذية للشواطئ العُمانية شرقاً ، وتترك ما دون ذلك الشريط الساحلي للمتصارعين على كرسي الحكم يتناحرون فيما بينهم ، لا شأن لهم بهم حتى لو لم يتبقى منهم بشر ، وإن امتدت نيرانهم لجيرانهم فذلك عز المبتغى وعز الطلب .ـ
وسيشهد التاريخ ويسجل بأحرف من نور وهو يسطر تاريخ اليمن المعاصر ، أنه لولا حكمة وعقلانية من فرمل وأحبط ذلك السيناريو الجهنمي بل وأخمده وسحقه في مهده ، لكانت (اليمن) قد انزلقت إلى مرحلة التنفيذ الفعلي لذلك السيناريو ، فالأمر الذي وجهه الرئيس الصالح وهو بين يدي الله لقوات الحرس الخاص وقوات الحرس الجمهوري بضبط النفس وعدم الرد الانتقامي على من قاموا بتلك المجزرة ، لم يكُن ليجد آذاناً صاغية لأي منا نحن المواطنين لو أن والدنا أو أي عزيز علينا قد ناله من الأذى والوحشية رُبع ما نال الرئيس الصالح في ذلك اليوم العصيب ، خصوصاً إذا امتلك أياً منا من القوة ما يكفي لمحو وإزالة كل مشتبه به في هذا العمل الانقلابي الآثم والجبان من على وجه الأرض .ـ
قال أحد الأكاديميين وهو يحاول الصيد في الماء العكر : أن قائد الحرس الجمهوري آنذاك بدا متخاذلاً سلبياً خجولاً في ردة فعله ، وأن والده هو فقط من أمسك بزمام المبادرة بتوجيه ذلك الأمر العسكري الذي لولاه لانزلقت اليمن إلى مالا يُحمد عقباه ، ولا أختلف مع ذلك الزميل في الجُملة الأخيرة ، لكنني أختلف معه جذرياً في جملته الأولى ، فالتحلي بالحكمة والصبر بضبط النفس والسيطرة على المشاعر المتأججة التي تدعو للثأر والانتقام ، واستدعاء الروح العسكرية التي تعني فيما تعني الانصياع الكامل للأمر العسكري الصادر من القائد الأعلى للقوات المسلحة في ذلك الموقف المهيب حتى وهو أقرب للموت منه إلى الحياة ، هو بكل المقاييس أمر يعجز عنه الكثير من الأبطال الصناديد المشهود لهم بأنهم من ذوي الشجاعة والإقدام والبأس الشديد .ـ
وهناك اليوم من يتوجه بالنقد واللوم والعتاب لقائد الحرس الجمهوري حينها لأنه لم يغتنم وينتهز تلك الفرصة التي يرون أنها كانت سانحة ولن تتكرر للإجهاز على كل مناوئيه إما بتصفيتهم جسدياً أو القبض عليهم والقذف بهم في غياهب السجون ، والصعود إلى السلطة ، ويعتمد هؤلاء اللائمين على قناعتهم بأن أحداً في العالمين ما كان حينها ليعترض على صعوده للسلطة في أعقاب تلك المجزرة التي طالت والده وكل قيادات الدولة اليمنية ، خصوصاً وهو يقف على رأس الوحدات العسكرية الأكثر تدريباً وتسليحاً وجاهزيةً واستعداداً لحسم الأمور لصالحه في أقل من 24 ساعة ، كيف لا وهي المسيطرة على المواقع الاستراتيجية بقلب العاصمة والجبال والهضاب المحيطة بها ، وفي كل ربوع الوطن .ـ
لكن البطل الحقيقي الذي يمتلك الشجاعة الحقيقية هو من يملك نفسه وإرادته وقت الغضب فلا ينساق لمشاعر الثأر والانتقام ، ويُعْلي من المصلحة الوطنية العُليا ، ويجعلها مُقدمةً على ما دونها من المصالح الشخصية الانتهازية الضيقة .ـ
تمت طباعة الخبر في: الخميس, 21-نوفمبر-2024 الساعة: 09:04 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.lahjnews.net/ar/news-28537.htm