لحج نيوز/واشنطن بوست -
عاد أحمد الجلبي، الحليف السابق للولايات المتحدة، إلى بؤرة الضوء مرة أخرى، من خلال أعماله التي لا تقل إثارة للجدل عما كانت قبل أعوام.
ومع اقتراب الانتخابات البرلمانية العراقية، يقود الجلبي جهودا ترمي إلى التخلص من مرشحين مرتبطين بحزب البعث، الذي حكم البلاد إبان حكم الرئيس الأسبق صدام حسين، فيعيد الجلبي لعب دور كان قد اضطلع به بعد الغزو الأميركي، الذي يعتقد الكثير من الخبراء أنه ساعد على تسهيل معلومات استخباراتية مغلوطة، وفي الوقت نفسه يثير غضب مسؤولين أميركيين وبعض العراقيين، الذين يشتبهون في أن الدافع وراء تحركاته هو دعم كتلته السياسية.
وقد دافع الجلبي، الذي ينتمي إلى المذهب الشيعي، عن عمل اللجنة التي يرأسها، قائلا إنها قانونية وحاسمة أثناء فترة الانتقال إلى أول حكومة ذات سيادة في العراق. لكن ظهوره من جديد على الساحة السياسية أثار غضب مسؤولين أميركيين، وعزز من المخاوف من إمكان تهميش السنة وعلمانيين آخرين.
ويعتقد بعض المسؤولين العراقيين والأميركيين أن الجلبي قد يسعى إلى الحصول على الجائزة النهائية، وإن كان يتوقع ألا يتمكن من الحصول عليها.
وقال عزت الشابندر، عضو البرلمان وشيعي من قائمة منافسة، والذي يعرف الجلبي منذ أكثر من 20 عاما: «حتى لو سبب ذلك له صعوبات، فسيبقى في العراق، ليحاول أن يصبح رئيسا للوزراء. هذه القضية هي الأداة الوحيدة التي يمتلكها، نظرا إلى أنه ليس أمامه شيء آخر يمكن أن يكون في صالحه».
يشار إلى أن الجلبي فقد تأييد الأميركيين عام 2004، بعدما اتهموه بالتجسس لصالح إيران. وعلى الرغم من ذلك، كان قد عُين في العام الذي سبقه رئيسا للجنة شكلها الأميركيون لتطهير الحكومة من المسؤولين الذين كانت تربطهم علاقة بنظام الرئيس الأسبق صدام حسين.
وينظر الآن إلى عملية التطهير المتسرعة، التي تسببت في ظلم الكثيرين، على نطاق واسع، على أنها أحد العوامل المحفزة للتمرد والحرب الطائفية في العراق. وعلى الرغم من ذلك، لا يزال الجلبي حتى اليوم على رأس لجنة مماثلة لاجتثاث البعث، وهي لجنة المساءلة و العدالة، لأن البرلمان لم يعين أعضاء جددا.
وعندما أعلنت اللجنة في الفترة الأخيرة شطب ما يقارب 500 مرشح في الانتخابات البرلمانية المقررة في السابع من شهر مارس (آذار) المقبل، أشار ناقدون إلى أنه جرى استهداف مرشحين من التحالفات السنية والعلمانية المختلطة على نحو جائر. وكان الكثير من هؤلاء المرشحين المستبعدين منافسين لكتلة الجلبي.
وقامت محكمة، اختيرت لمراجعة القضايا، بتنفيذ مراجعة سريعة وسرية. وكان المرشحون مسموحا لهم بتقديم طعون مكتوبة، لكن لم يتم إخبارهم بالطبيعة الخاصة للادعاءات الموجهة ضدهم. واستبعدت هذه المحكمة 145 مرشحا، وانسحب معظم المرشحين الآخرين، أو قامت الأحزاب التي ينتمون إليها باستبدالهم. ستدفع علمية استبعاد المرشحين إلى توسيع الانقسامات الطائفية والدينية في العراق، في الوقت الذي تواصل فيه البلاد الابتعاد عن عقود من الحكم الاستبدادي والاحتلال والمذابح. وفي محاولة واضحة خلال الأسبوع الحالي للتخفيف من حدة الغضب، قالت الحكومة إنها ستعيد 20 ألف ضابط سابق بالجيش، جرى تسريحهم في أعقاب الغزو، لصلاتهم بنظام الحكم السابق، إلى مواقعهم.
بيد أن الاستبعادات السياسية تهدد بتقويض العملية الانتخابية، وتصرف الانتباه عن القضايا الأساسية في الحملات الانتخابية، مثل الأمن والبطالة والخدمات الأساسية. والعامل المؤثر في هذه المشكلات جميعها هو الجلبي.
وفي ملصقات الحملات الانتخابية، يصف الجلبي، الذي كان في المنفى في الماضي، نفسه على أنه «مدمر رموز البعث». وتزين اللافتات الانتخابية للمرشحين الآخرين على القائمة الخاصة به، وهي الائتلاف الوطني العراقي، عبارات مثل «لا مكان للبعث»، مكتوبة باللون القرمزي، الذي يوحي بالدم.
وهذا الائتلاف هو تحالف شيعي من الأحزاب التي كانت الشخصيات البارزة بها في المنفى في عهد الحكومة الحالية. وكان أداء هذه الأحزاب ضعيفا في انتخابات مجالس المحافظات التي جرت في شهر يناير (كانون الثاني) من عام 2009.
وقال دبلوماسي غربي بارز، رفض ذكر اسمه ليقدم تحليلا صريحا: «أظهرت انتخابات مجالس المحافظات حدود إغراء الطائفية»، وأضاف أنه بتأجيج المخاوف من عودة البعثيين «قد يكونون يأملون في أن البعث سيساعدهم على تجاوز هذا الحد». ويتحدر الجلبي، 65 عاما، من أسرة ثرية في بغداد. وقام بتشكيل المؤتمر الوطني العراقي المعارض في أوائل تسعينات القرن الماضي بدعم من الولايات المتحدة.
ولطالما كان الجلبي على علاقة قوية بإيران، لكنه أصبح على علاقة وثيقة بوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية والبنتاغون في الفترة التي سبقت غزو العراق، حيث استخدم مسؤولون أميركيون حركة المؤتمر الوطني العراقي لحشد المعارضة ضد صدام حسين. وأنفقت الحكومة الأميركية ملايين الدولارات على هذه الحركة، التي أمدتها بتقارير استخباراتية، ثبت في وقت لاحق أنها كانت غير صحيحة. وفي عام 2004، كان الجلبي ضيفا على الرئيس الأميركي السابق جورج دبليو بوش في خطاب حالة الاتحاد.
ولا يكن الكثير من السياسيين الشيعة في العراق التقدير للجلبي، نظرا إلى أنه غادر البلاد في أواخر خمسينات القرن الماضي، هربا من الحكم الاستبدادي. وجرى الزج بالكثير من أقرانه في السجون، وأخضعوا للتعذيب ونفوا خارج البلاد.
وعلى الرغم من افتقاره إلى التأييد الشعبي، فقد ظل الجلبي يحتفظ بقدر من الاهتمام، حتى أن خصومه يقرون بأنه يتمتع بقدرات سياسية كبيرة، وذهن حاد وقدرة خاصة على التأثير في الأشخاص النافذين، كما أنه لا يخجل من الجدل.
وقال نائبه في اللجنة، علي الفيصل اللامي، الأسبوع الحالي، إن مئات المسؤولين في المخابرات العراقية والجيش والشرطة معرضون للعزل لصلاتهم بحزب البعث.
وقال في مقابلة: «إننا نؤمن بأنه سينكشف أمر آلاف آخرين. وستعزز هذه الإجراءات، على نحو جاد، الأمن في العراق باستبعاد العناصر السيئة التي تحمل الفكر البعثي».
ويقول مسؤولون أميركيون إنه إذا نجح هذا التحرك في الأسابيع المقبلة، فيتوقع أن يؤدي ذلك إلى عودة اندلاع العنف، وإلى فقد القادة الأميركيين على نحو مفاجئ لمسؤولين عراقيين أساسيين قاموا بتدريبهم وتوجيههم على مر السنين.
وقال مسؤول عسكري أميركي بارز، رفض ذكر اسمه لأنه ليس مخولا بالحديث إلى الصحافيين: «سيحاولون التخلص من الجنرالات الموالين للولايات المتحدة، لكن الأهم من ذلك هو أنهم يخططون لزيادة عدد الضباط الموالين لإيران، وهو ما سيضر بالمصالح الأميركية طويلة الأجل على المدى الطويل. وهذا هو السبب في أن الكثير من البلدان العربية المجاورة ليست سعيدة بما نفعله لتحديث الجيش العراقي ببعض من أحدث المعدات».
ولم يرد الجلبي على الاتصالات الهاتفية ورسائل البريد الإلكتروني والرسائل النصية التي تسعى لإجراء مقابلة معه. وفي تصريح أخير، قال إن لجنته: «تقوم بواجبها القانوني والأخلاقي والوطني لحماية العملية السياسية ضد أي تسرب من قبل البعثيين الصدّاميين». وقال ريان سي كروكر، الذي عمل سفيرا للولايات المتحدة لدى العراق من عام 2007 حتى العام الماضي، إن الجلبي ليس «عميلا» لأي جهة، وقال: «إنه انتهازي وقومي، وسيستخدم كل وسيلة ومنصة تطرح نفسها أمامه ليوسع من أجندته الخاصة».