بقلم/سلطان قطران -
ما أحوجنا اليوم لثقافة التسامح والتصالح والعفو والمحبة..، وما أحوجنا اليوم أكثر من أي زمن وحقب زمنية مضت لهذه الثقافة ونشرها بين الناس والمجتمعات ليسود الأمن والحب والحياة السعيدة وتبرز القيم والأخلاق الفاضلة التي نبحث عنها في مجتمعاتنا اليوم فلا نكاد نجدها بسبب ثقافة الكراهية والحقد والتناحر والصراع والحسد وكذلك الأنا وحب الذات وعدم الاعتراف بالآخر و.....الخ .
فبالتسامح والتصالح والعفو والمحبة والوئام والحياة الطيبة بين المجتمعات و نبذ الغلو والتطرف والعنف والقوة وتصفية الحسابات وإزهاق الأرواح بلا أدنى سبب ..، وفي ظل الود والعيش والتعايش السلمي يسود الاحترام المتبادل بين الناس باختلاف أفكارهم ومشاربهم الفكرية والمذهبية والطائفية التي تُدمِّر أبناء الوطن الواحد في اليمن وكما هو حاصل اليوم أيضاً في بعض الدول العربية وبلاد المسلمين.
بالتسامح والتصالح والعفو ينتشر الأمن والأمان بين الناس ويتبادلون المنافع والخبرات بيسرٍ وسهولة بين مختلف التيارات والأحزاب والجماعات وأخذ ما ينفع ويفيد و"الحكمة ضالة المؤمن أنَّا وجدها فهو أحق بها" فالحياة الكريمة والعِزَّة والكرامة للمسلمين ونحن اليمنيون منهم ، واجتماع الناس على كلمة واحده تحت ثقافة التصالح والتسامح والعفو ونسيان الماضي وفتح صفحات جديدة مشرقة تعود على الأمة الإسلامية والعربية بالنفع والفائدة واجتماع الكلمة وتوحيد الصف سنتجاوز كل المحن والفتن وسيعمل الجميع على النمو والنهوض باليمن و بالأمة والتقدُّم في جُلّ وكافة المجالات المختلفة السياسية، الثقافية، الاقتصادية، الأمنية، التعليمية، والسعي إلى امتلاك القرار والاكتفاء الذاتي .
وفي هذا الموضوع أجد من يستعد من بعض الكيانات السياسية والشعبية للاحتفاء بذكرى التصالح والتسامح من إحداث يناير الدموية التي شهدتها اليمن في بعض المحافظات الجنوبية في عام 1986م ..، نعم أتسأل كيف يرغبون في الاحتفال لذكرى مؤلمة تحت شعارات سياسية زائفة تهد أمن اليمن وهويتة وتاريخة وتهد السلم والآمن الاجتماعي من جديد رغبة من اؤلئك العملاء في الخارج لزج اليمن في أثارة النزعات المناطقية والمذهبية والتصفية والقتل تحت مسمى للذكرى التاسعة لتدشين التصالح والتسامح الجنوبي في عدن و إلى توثيق ذلك النهج والتجسيد المتزايد لمضامينه حتى تتبلور نتائجه في إيجاد قيادة ميدانية موحدة ضد أخوانهم اليمنيين في الشمال تحت مسميات الثورة والتحرير ويستدعون الاستعمار البريطاني من جديد وبلغة جديدة لاهانة كرامة الانسان اليمني وإذلالة من جديد لاشباع رغبة بعض العناصر التي سلمت نفسها للخرج وقدموا أنفسهم عملاء لهم ضد أوطانهم وشعبهم من خارج اليمن ...، وبالتالي فمن يتباكون تحت ذريعة التسامح والتصالح أؤكد أنهم ما يريدون سواء إعادة اليمن وبالاخص المحافظات الجنوبية للواقع المرير والمؤلم والقتل وانتهاك الحقوق والحريات وارتكاب أبشع الجرائم التي لاتعبر عن التسامح والتصالح بل تعبر عن ثقافة الحقد والكراهية والعنف والآرهاب والتطرف في رفض الاخرين ، والعودة لكوم كبير من الجثث التي تملاء الشوارع ليس من أجل أمن وأستقرار الوطن اليمني الواحد بل من أجل أرضاء حكماء صهيون في تمزيق وحدة اليمن والقضاء على خيراتها وشعبها الذي قهر أعداء اليمن وجعل من اليمن مقبرة للغزاة والمتأمرين .
لن أخوض في كلامي أكثر وسأتطرق لمقالة كتبها الرئيس علي عبدالله صالح " الرئيس السابق لليمن - رئيس المؤتمر الشعبي العام " الذي يمثل خير قائد حكيم أقتدى بالرسول الاعظم " محمد صلى الله علية وسلم " في العفو عند المقدرة وأرساء ثقافة التسامح والتصالح والعفو وعمل على القضاء والحد من ظواهر أجتماعية سلبية في مجتمعنا اليمني منها الثأر الاجتماعي أو الثأر السياسي والانتقام وغيرها من ألاساليب التي تبث روح العنف وسفك الدماء .
فلقد عبر الرئيس علي عبدالله صالح - الرئيس السابق لليمن ، رئيس المؤتمر الشعبي العام عن أدنته وتجريمة لثقافة وسياسة الثأر والانتقام بأنواعه ضاربا عرض الحائط بجميع المبررات والمسوغات لهما أيا كانت وفي أي وقت وتحت أية ظروف أو ضغوط ..، حيث أشار في مقالة منهجية وموضوعية كتبها في أواخر شهر ديسمبر من العام المنصرم 2014م ، إلى أنه كرس خلال حكمة التسامح والعفو والحوار كسياسة وكثقافة سواء على المستوى الشخصي أو على المستوى الرسمي والعام وكرديف لسياسة الحكم والحاكم والدولة .
وقال في مقالتة تلك : (( الثأر والانتقام كما الغدر والغيلة والتآمر ليست من ثقافتنا ولا من أخلاقنا ولا من سلوكنا وأعرافنا وقيمنا وشيمنا كيمنيين كما أنها ليست من ديننا الحنيف دين التسامح والاعتدال والوسطية والحوار ومنه استلهمنا وصغنا وثيقتنا الفكرية والنظرية الناصعة "الميثاق الوطني" في السنوات الأولى من تحملنا أمانة القيادة ومسئولية الحكم في بلدنا العزيز ووطننا الغالي الحبيب.))
وتابع قائلاً : - (( أقول هذا محدثاً بنعمة الله ومن باب التذكر والتذكير ليس إلا، وليس ردا على أحد أو موضوع أو قضية بعينها ولا تعليقاً أو تعقيباً حتى على شيء من هذا، ولكن على سبيل الإقرار بفضل الله ومنته، وله الحمد أنْ وفَّق وأعان .))
وفي مقالتة تلك لم ينسى أبناء الشعب اليمنيين الشرفاء والمخلصين لوطنهم الذين كانوا هم القوة التي يستند إليها في كل أعماله ، وعبر الرئيس صالح عن شكره لهم بقوله :- ((الشكر والعرفان لأبناء شعبنا الأوفياء وللرجال والنساء المخلصين الوطنيين الذين أعانوا وساهموا وكانوا عند مستوى الأمانة ولم يخيبوا ظن أمتهم وشعبهم ووطنهم بهم.. المنصفون الفضلاء المتجردون من الأحقاد والأمراض والأغراض الخاصة، هم من شهد وسوف يشهد بهذا وغيره.))
وأوضح رئيس اليمن السابق عن تمسكة بثقافة التسامح والعفو التي هي ليست بالغريبة عنه ومبيناً لهم ما يحاك من مؤامرات على أمن ووحدة واستقرار اليمن وكانت على رأس تلك الصفات أخلاقيات وسلوكيات الغدر والخيانة والثأر السياسي والانتقام التي نهجها أعداء اليمن ...، حيث قال :- (( وكنا وما زلنا وسوف نبقى دائماً نربأ بأنفسنا وبرفاقنا وأصحابنا وبشعبنا الكريم الأبي والوفي عن الرداءات والدونيات وعلى رأسها أخلاقيات وسلوكيات الغدر والخيانة والثأر السياسي والانتقام ، فنحن ولله الحمد ضحايا هذه المكائد والثقافات والأخلاق والطبائع المريضة ولسنا من أهلها أو ممن يقترفها .))
ومشيرا في مخاطبتة لابناء إلى أن الوطن ورغم جسامة الجرم وفداحة الألم ومرارة الشعور بالغدر والخيانة والتآمر إلا أننا أصحاب ثقافة ومبادئ اخلاق الثورة السبتمبرية والاكتوبرية ووحدة الثاني والعشرين من مايو والتي تسمو فوق الجراح والآلام وترفض وتنبذ الانجرار وراء ردود أفعال من جنس الأفعال المشينة والرديئة والمدانة... لأننا ننتمي إلى شعب أبيّ وأمة عريقة وأصيلة ونستمد طاقتنا وعزمنا وأخلاقنا من جذور أصيلة وعميقة وضاربة في عمق التاريخ وتربة الزمن واليمن وأهله أهل الإيمان والحكمة، مصداقاً لشهادة النبي الكريم صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم .
ونوه الرئيس صالح أنه طوال ثلاثة عقود وثلاثة أعوام أنفقتها في الحكم بمساعدة وتأييد هذا الشعب الوفي، ألغينا من ثقافتنا الثأر السياسي والتصفيات والسحل والغدر بالرفاق وكنا الأسرع والأعلى صوتا إلى إدانة الصراع الدموي المجنون على السلطة، والدعوة ومناشدة إخوان لنا في جزء من اليمن لتحكيم العقل والمصلحة الوطنية وشرف الانتماء الى التاريخ والذكر الطيب الحسن فيه وفي ذاكرة الشعب والأمة على الأحقاد والثارات والانتقامات وحمامات الدم .
وأضاف رئيس المؤتمر الشعبي العام قائلا : - ((وكنا من بادر دائماً إلى تكريس ثقافة العفو والتسامح وطي صفحات الصراعات والثأرات والتطلع إلى الغد والتحرر والتخفيف من أثقال وأحمال الثأر والكراهية والصراع السياسي سواء بين رفاق الحزب والجماعة والكيان الواحد أو على مستوى الأمة والشعب والوطن . ))
وأكد رجل الحكمة والسلام ومحقق نهضتها الحديثة التي دمرها ما يسمى بالربيع العربي " العبري " أنة قد أغلق وطوي ملفات الصراع كاملة في شطري الوطن وتنسى كل الجراح وبتكاتف الشرفاء من ابناء الوطن تم أعلاء راية اليمن الواحد وملمحاً بقرارات العفو العام في كل مرة تثار فيها فتنة وتدار فيها رحى الصراع.. وذاكرة اليمنيين وذمة التاريخ لا تنسى ..، وقال : (( أغلقنا وطوينا ملفات الصراع كاملة في شطري الوطن وأعلينا راية اليمن الواحد وأجرينا قرارات العفو العام في كل مرة تثار فيها فتنة وتدار فيها رحى الصراع.. وذاكرة اليمنيين وذمة التاريخ لا تنسى .))
وأختتم الرئيس صالح مقالتة الرائعة بقولة : - (( فلا بأس هنا وفي هذا المقام من الإشارة إلى أننا نربأ بأنفسنا عن الخوض في صغائر التقولات والادعاءات والمزاعم التي يفرقعها من حين لآخر من نأسف لارتضائهم على أنفسهم التبذل والإسفاف والإسراف بحق أنفسهم أولاً وأخيراً، فما أضروا بغير أنفسهم، كناطح جبل أدمى رأسه وحده ليس إلا. وفي الإشارة ما يغني عن العبارة ))
وبذلك نجد كم أننا اليمانيون خاصة والأمة الإسلامية والمسلمين أحوج اليوم إلى العفو والتسامح، وإلى نسيان الماضي،و طي تلك الصفحات المؤلمة والشنيعة وخاصة ما أنتجته الثورات العربية تحت شعارات زائفة ومظللة للرأي العام وتحت تأثير " الربيع العبري الصهيوني " والتي جعلت من البعض يتمسك كل طرف بموقفه دون تراجع، من تصلُّب في الآراء والمواقف نكايةً بالآخر، من تصفية للحسابات على حساب القيم والمبادئ والأخلاق وكذلك الدين ووصل إلى حدِّ القتل وإزهاق الروح والنفس التي حرّمها الله وتبرير ذلك كل حسب توجهه، وكذلك استخدام ما يمكن لتبرير الموقف وإعلان الانتصار على الآخر، سواءً بالكذب والبهتان، أو تزوير الحقائق وتزييفها، أو إرهاب الناس ومحاربتهم في قوتهم وحياتهم ومعتقداتهم، أو مصادرة الحقوق والحريات تحت أي مبرِّر المهم أن يخدم رأيه وفكرته وما اتخذ من قرار وغير ذلك مما نشهده اليوم .
ولذلك كله لابد من الدعوة إلى التسامح والتصالح بلغة ديننا الاسلامي الحنيف وبحكمة اليمن التي أشاد بها رسولنا الاعظم " محمد صلى الله علية وسلم " ومن بعد ذلك من خلال نشر هذه الثقافة بين الناس والعيش والتعايش السلمي بين المسلمين على مستوى الحي والمدينة والقرية والدولة والمجتمع المسلم بأسره والسعي إلى العمل من جديد والبناء، وقبول الآخر، والمصداقية في ذلك وإبداء حسن النوايا لتغيير الحال وتبديله وإيجاد الحلول والأفكار القادرة على لمِّ وجمع الكلمة والعيش بحب واحترام وكرامة، حقن الدماء وصون ألاعراض والممتلكات وحماية المواطنين والحفاظ على الهوية الوطنية والإسلامية من خلال الجماعات والطوائف، والأحزاب السياسية والمنظمات والجمعيات، والطوائف المذهبية والمناطقية ذات أفكار وأيديولوجيات مختلفة لكنها ضمن الهوية الوطنية والإسلامية التي من خلالها نعزز لدى أبنائنا وشبابنا ثقافة حب الوطن والانتماء والولاء له في ظل وجود مذاهب دينية وفكرية متعددة ومنتشرة بين دول عربية وإسلامية متجاورة بحدودها المتباعدة والمتقاربة وبمختلف الأجناس والأعراق والقبائل المختلفة .
ولا يتأتى ذلك التعايش والتسامح ونشر الحب والوئام إلا تحت سقف حب الوطن وتعزيز وتكريس الولاء له والذي هو ولاء لله عزوجل ولرسولة الكريم لديننا الإسلامي الحنيف الذي يجمع الكل ويجعل الناس سواسية كأسنان المشط، لا فرق بين عربي وعجمي وأبيض وأسود إلا بالتقوى، بعيداً عن العصبية والقبلية والحسب والنسب والمناصب .
يقول تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [الحجرات من الآية:10]، و{إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عَندَ ٱللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات من الآية:13]
فبنشر هذه الثقافة وتفعيلها بين الناس بصدقٍ ونيةٍ صافية يعود نفعها على الناس جميعاً ويعود خيرها على المجتمعات العربية والإسلامية و يعود نفعها وخيرها على البشرية جمعا ومنها اليمن بلد الحكمة والايمان ..، وكل ذلك لن يأتى إلا بوجود الفهم والوعي والعيش والتعايش والتسامح ونشر ثقافة المحبة والسلام والوسطية والاعتدال ووجود الرغبة الصادقة والنية المخلصة والإيمان العميق بذلك والأخذ بالأسباب والتوكل على مسبِّب الأسباب سبحانه ننطلق نحو النمو والنهوض والنجاح واللحاق بالآخرين والتفوق عليهم ..، وبالتالي سنجد أن بالتسامح والعفو والتعايش السلمي بين الناس والتعاون والتكافل، التواد والمحبة، حب الخير ونشره بين الناس تقل الجريمة وينعدم الثائر والتفكير في الانتقام واحتساب ذلك لله سبحانه والعفو عند المقدرة وجعل العفو شكراً لله على القدرة على الظالم أو المعتدي وغيره و ينعم الناس بالحياة السعيدة والأمن النفسي وذهاب الإحباط والأمراض النفسية والاكتئاب و تعود معظم القيم التي ذهبت أدراج الرياح بسبب الواقع اليوم الذي تعيشه اليمن خاصة والأمة العربية والاسلامية عامةً .
[email protected]