الإثنين, 19-يناير-2015
لحج نيوز - د.عبدالرحمن أحمد ناجي فرحان بقلم/د.عبدالرحمن أحمد ناجي فرحان -
فجأة ودون مقدمات ، العام 2015م عاماً لـ (التعليم) ، ودون خُطة مسبقة مدروسة تتضمن أدق التفاصيل ، وأقرب ما تكون لما يُطلق عليه بالعامية (تشعيبة قات) ، وأكاد أجزم أن برنامج الحكومة المقدم لمجلس النواب لنيل الثقة يخلو تماماً من الآلية التي سيعتمدها مجلس الوزراء بصفة عامة ووزارة التربية والتعليم بصفة خاصة لتحويل التوجه الحكومي لواقع ملموس على الأرض بعيداً عن التشدُّق بالشعارات الجوفاء ، وبالطبع هللت الأقلام في الصحافة الحكومية لهذا القرار (الحكيم) ، وبدأت آيات الحمد والثناء تنهال على رئيس الوزراء (الهُمام) ، لأنه وفقاً لهذا الشعار المُعلن قد صار نصيراً فذاً للعلم والمعرفة ، وبطلاً قومياً طالما انتظرناه ، وربما (مهاتير) آخر ولكن في (اليمن) ، فهل هناك أسمى وأغلى من مؤازرة ودعم (التعليم) ، وجعله الهدف والغاية لحكومة (الفقاعات) .

وكم كنت أتمنى أن تلتقي إحدى الصحف أو إحدى الفضائيات مع دولة رئيس الوزراء (المُبجل) ، وتسأله : هل هناك خُطة مكتوبة على الورقة لكيفية تكريس العام 2015م عاماً لـ(التعليم) ؟! ، ما هي الأهداف التي ترتجيها الحكومة وتطمح لتحقيقها والوصول إليها بحلول 31 ديسمبر 2015م ؟! ، هل هناك موازنة مرصودة معتمدة لتنفيذ تلك الخُطة؟! ، هل تختلف موازنة وزارة التربية والتعليم للعام الحالي (2015م) عن الأعوام الماضية بما يجعل الأرقام تتحدث عن طموح الحكومة المُعلن بجعل هذا العام عاماً لـ (التعليم) ؟! ، أم أن الموازنة مُجرد (نسخ) (لصق) لموازنات الأعوام الماضية مع زيادة في الدرجات الوظيفية الجديدة لاستيعاب عدد جديد من المعلمين ، دون الالتفات للواقع (المأساوي) للمعلمين الحاليين؟! ، ما هي أبعاد الرُقي المنشود بـ (التعليم) ؟! ، وهل تشمل تلك الأبعاد كل أطراف العملية التعليمية من مُدرسين وطلاب وإداريين ووسائل تعليمية وطرق ومناهج تدريس ؟! ، هل سنشهد في العام 2015م عام (التعليم) نقلة نوعية في أساليب التدريس تضمن انقراض أسلوب (التلقين) و إحالته إلى متحف (التاريخ) ؟! ، وهل سنشهد تحولاً غير مسبوق في مدارسنا بحيث لا يزيد عدد الطلاب في الفصل الواحد عن (40) طالب ولن نقول (30) طالب ، هل سيكون (الكيف) مقدماً على (الكم) في مُخرجات التعليم؟! ، هل هناك رؤية لكيفية الحد من ظاهرة الغش؟! .

من الحقائق الثابتة المؤسفة والمُخْجِلة التي لا تقبل الجدال أو التشكيك أنه ليس للتخطيط بكل مستوياته الزمنية (القصير والمتوسط وطويل المدى) مجال في الذهنية العربية سواء على المستوى الفردي أو على مستوى منظمات الأعمال ، وسواء كانت منظمات الأعمال تلك حكومية أو خاصة ، وإن كان للتخطيط حيز جزئي فهو في الغالب قصير المدى لا يتجاوز العام الواحد ، وهذا اﻷمر يعبر أبلغ تعبير عن ضيق اﻷفق لدى الإنسان العربي ، ويعكس سبب التخبط وانعدام الرؤية والضبابية في التعامل مع معطيات المستقبل ، الذي لا يزال البعض ينظر إليه على أنه شان رباني محض ، لا يجوز الاقتراب منه أو المساس به أو الخوض في تفاصيله ، لأنه وفق رؤية هؤلاء تدخل في الغيب وضرب من ضروب التنجيم ، وهؤلاء يمرون على الآية الكريمة (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ) دون أن يدركوا أو يتدبروا معانيها ، فالإعداد يكون للمستقبل وحده ، فهو ليس لماضٍ قد ولى لغير رجعة وصار يُحكى ، ولا لحاضرٍ نحياه وصار ماثلا أمام ناظرينا .

وهذا الأمر تحديدا يمكن أن يفسر لنا أحد أهم أسباب تخلفنا وتعثرنا كـ (عرب) عن باقي اﻷمم والشعوب من حولنا ، لأننا بدون التخطيط نسير شئون حياتنا كيفما أتفق خطوة بخطوة ، ودون أن نكون على هدى أو على بينة من أمرنا ، نكتفي بمعالجة ما يستجد من شئون حياتنا أولا بأول ، غير عابئين ولا مبالين بما يمكن أن يستجد في يومنا التالي ، فما بالنا بالأسبوع التالي والشهر القادم والسنة الحالية ، وما بالنا بالسنوات التاليات ، وقد تجد من ينبري مغاضباً صائحاً نائحاً مرعداً مزبداً : ومن يضمن لي عمري للثانية التالية ، فكيف يكون مطلوباً مني أن أكون قادراً على التخطيط للعشرة أعوام القادمة من حياتي ، وواقع الحال أن هذه الرؤية الفردية على المستوى الشخصي ، يمكن إسقاطها بالمسطرة على المستوى الجماعي المنتظم في المؤسسات والشركات ، أياً كان ما تستهدفه : تحقيق أقصى درجات الربح ، أو تقديم خدمة بأيسر التكاليف .

على المستوى الحكومي في وطننا (اليمن) ، تظل الموازنة العامة للدولة بشقيها المالي والبشري أبرز مثال للتخطيط الروتيني قصير المدى ، وكما عبر أحد أعضاء مجلس النواب ، فإنه حتى هذا المستوى من التخطيط يظل عقيماً ، طالما ظل بند (الأجور والمرتبات) هو البند الأبرز في أي موازنة يتم عرضها على المجلس ، وهو البند الذي يتضخم عاماً بعد عام ، أما فيما يتعلق بالتخطيط متوسط المدى فقد كان لدينا نماذج مُشرفة توقفت (للأسف) في الأعوام القليلة الماضية ، وتتمثل تلك النماذج في الخطط الخمسية الطموحة التي كانت تُغطي وترسم ملامح المستقبل في كل مجالات الحياة في كل مليمتر من أرض (الوطن) الحبيب ، ويظل التخطيط الاستراتيجي مستحيلاً إلا فيما نَدُر ، والنادر (شاذ) لا قياس عليه ، وأتذكر في هذا المجال أن حكومة (الجمهورية اليمنية) قد عهدت ذات يوم من العام (1990م) بعد إعادة اللُحمة للجسد اليمني لشركة استشارية عالمية بوضع خطة استراتيجية تستهدف تحويل محافظة (عدن) بكل تقسيماتها الإدارية لمنطقة حرة خلال 25 عاماً ، بحيث تتحول إحدى مديريات المحافظة إلى قوام المنطقة الحُرة كل خمسة أعوام ، وبانتهاء العام الأخير للخطة تنتهي الصفة الاعتبارية لمحافظة عدن ، وتصبح كل مديرياتها تحت إدارة وإشراف الهيئة العامة للمناطق الحرة ، ويتم استلهام تجربة المنطقة الحرة في (عدن) لإقامة مناطق حُرة أخرى في محافظات أُخرى وكانت (الحُديدة) و(المُكلا) على خط الانتظار ، لكن السياسة (لعنة الله عليها) أجهضت تلك الخطة ، ومازال الحلم يرواح عند المرحلة الأولى فقط ، ومازلنا عند محطة الحاويات في (كالتكس) لم نغادرها لأي موضع آخر .

وفي الواقع وبتفكير أناني عقيم ، يأبى متخذ القرار في بيئة الأعمال العربية الاعتراف بأهمية وضرورة القيام بـ (التخطيط الاستراتيجي) الذي يتجاوز الأعوام الخمسة ، لأنه يريد أن ينعم بثمار أي خطة يضعها هو أو يُشرف على وضعها وهو مازال في موقعه الإداري ، ويرفض باستماتة أن يُجهد عقله و(يهدر وقته) في رسم خطة لا يضمن أن تؤتي ثمارها وهو مازال على قيد الحياة أو باقٍ في منصبه حينها ، فيتم إسناد الفضل في نجاحها (إن نجحت) لشخص آخر ربما يكون قد حل محله في قمة الهرم الإداري .

نعود إلى الحلم الذي أتمنى له (شخصياً) النجاح ، رغم إيماني المُطلق بأنه بعيد كل البُعد عن الأخذ بالأسلوب العلمي في التخطيط الناجح ، وليس أكثر من ارتجال عشوائي خالص ، فكيف بالله عليكم ستستطيع حكومتنا (الرشيدة) تسخير كل طاقاتها وإمكانياتها المتاحة (إن كانت تملك إمكانيات متاحة أصلاً) ، لتجسيد عامنا الحالي عاماً لـ (التعليم) ؟! ، وأوضاعنا الاقتصادية والأمنية على ما هي عليه من التردي ، سؤالي الأخير لحكومتنا (الموقرة) : هل يتضمن اجتماعها الأسبوعي في جدول أعمالها ، النظر في ما تم إنجازه ميدانياً خلال كل الأسبوع لتحويل ذلك الشعار (الحُلم) لحقيقة واقعة نلمسها جميعاً، أشك في ذلك ، والله أعلم .
تمت طباعة الخبر في: الإثنين, 25-نوفمبر-2024 الساعة: 06:12 ص
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.lahjnews.net/ar/news-30373.htm