بقلم/د.عبدالرحمن أحمد ناجي فرحان -
ونِعْمَ الدولة المدنية الحديثة التي أنجزها رواد الفكر المستنير من عبق الطرقات المقطوعة ، والروائح المنتنة المنبعثة من دورات المياه (الثورية) المتنقلة (سَفَرِي) ، ونِعْمَ الدولة المدنية الحديثة التي تغنى بها (الشوارعيون) واحتكموا إليها ببراءة اختراع (تُبهر الأبصار) (أحرجتمووووووونا) بها ، وأخرجتمونا بها عن كل دين ومِلة ، ونِعْمَ الدولة المدنية الحديثة المنشودة التي صرنا إليها ، ننعم فيها بكل ما يتمناه لنا أعداؤنا ، ونِعْمَ الدولة المدنية الحديثة يا أصحاب (ارحل) مهما كان الثمن ، و (ارحل) وكل شيء يكون أروع وأفضل وأجمل وأكثر بهاءً ونقاءً وإشراقاً ، و (ارحل) وليحكمنا الشيطان نفسه ، لا يهمنا ، المهم أن تستجيب لمطالب ثُلة من المُغرر بهم الحمقى وكثير منهم (إن كان بعضهم ممن لا يعلمون) من ذوي الدفع المُسبق بأن (ترحل) ، فقط (بس) لا غير (Only) و (ارحل) أيها (السفاح) (المجرم) (القاتل) (الدراكولا) (مصاص الدماء) (عفاش) و (عفاش الدم) ، (ارحل) ولا شأن لك بما سيئول إليه الوضع من بعدك ، ونِعْمَ الدولة المدنية الحديثة في ظل الرفاق والمشايخ وآيات الله العُظمى وهم بزعمهم (أحبة) متوادين متراحمين تجمعهم كل أواصر المودة والاحترام والتقدير والإجلال ، وما كان يُفرقهم ويزرع الحقد والكراهية والبغضاء فيما بينهم سوى ذلك الـ(عفاش) الذي يطالبونه بـ(ارحل) ، ونِعْمَ الدولة المدنية الحديثة التي جعلت الأضداد والمتناقضون فكراً ومنهجاً وأيدلوجيةً يطوفون في صعيد واحد حول هدف واحد لا ثاني له ، وقد أكلوا وشربوا من إناء واحد واستنشقوا ذات الهواء (العليل) ، ونِعْمَ الدولة المدنية الحديثة التي أفرزت كل هذا النعيم والرخاء والرفاهية وبدلت وجه الحياة بطريقة مُذهلة ما كانت تخطر حتى على بال (إبليس اللعين) .
ونِعْمَ الدولة المدنية الحديثة في ظل الخضوع والخنوع للفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة (ضدنا) كعرب وكمسلمين ، ونِعْمَ الدولة المدنية الحديثة التي يستقيل فيها (رئيس) وجوده كعدمه منذ اليوم الأول لتربعه على كرسي الحُكم ، ونِعْمَ الدولة المدنية الحديثة بوجود (رئيس) متخاذل متقاعس مرتعش تتجاذبه رؤوس الشياطين من كل حدب وصوب ، ونِعْمَ الدولة المدنية الحديثة مع (رئيس) لا يملك من أمره شيء ، فأبناؤه يريدون استيعاب (ونهب) أكبر قدر من الغنائم في ظل رئاسة والدهم العجوز المُعتل جسدياً ، وهو في وضع المتفرج (المشلول) تتقاذفه الأمواج العاتية والأعاصير الهوجاء ، فتارةً يضعه بين فكيه الجنرال المخلوع الهارب الذي صار مشمولاً بـ(ارحل) الشهيرة ، وتارةً أخرى تُحكم الطوق حول عنقه القيادات (الثورجية) الشابة التي صارت خارج حدود الوطن الذي ثار عليهم وتطهر من قذارتهم وحماقاتهم وإفكهم وزورِهم وبًهتانهم ، وتارةً ثالثة تتنازعه ميليشيات دعمها بالريموت كنترول عن بُعد حتى صارت شوكة في حلقه ، ضيقت عليه وحاصرته ، ثم فر منها أو من خلالها أو بواسطتها ، وميليشيات زرعها ويحصد ثمارها اليوم مُراً وعلقماً ، ونِعْمَ الدولة المدنية الحديثة التي قطعت أوصال الوطن وشرذمته وجزأته ، وحيا بهم حيا بهم ، وعلى العين والرأس مسعاكم وممشاكم ، وحللتم أهلاً ونزلتم سهلاً .
ونِعْمَ الدولة المدنية الحديثة في ظل (بنعُمر) الحاكم بأمره ، وقد صار متغطرساً مُتبختراً نافخاً ريشه كالطاووس بصفته الآمر الناهي صاحب الفخامة والزعامة والصولجان ، أو هكذا يراه بعض من قزموا أنفسهم ونصبوه مكاناً عليا ، وجعلوا منه مارداً عملاقاً ليس له نظير ولا مثيل ، ومن ضمنهم بل وفي مقدمة أولئك الرئيس المستقيل الهارب ، ذلك الـ(بنعمر)الأكثر براعة من يهود بني قريضة وبني قينقاع وبني النظير مجتمعين في الدس الرخيص وزراعة الفتن والوقيعة بين كل الفاعلين السياسيين ، وهو الأكثر دهاءً وخُبثاً من معظم الفصائل السياسية التي تنحني له هامات قياداتها ، وتقدم له مع كل طلعة شمس فروض الولاء والطاعة ، ولو أنه أشار بأصابع يديه للأسفل لما تحرجوا بالقيام بتلميع نعليه ، وهو يعيش في نعيم ورخاء ينفخ في نار الأزمة ويزيد من اشتعالها ويعمل بكل جد واجتهاد وبأقصى ما يملك من قوة على إبقاء الوضع على ما هو عليه ، كي يضمن بقاءه في موقعه ، وكي تستمر البقرة الحلوب في إدرار الدخل الخرافي الذي يتقاضاه من فوق الطاولة ومن تحتها ومن جوانبها وزواياها ، طالما أن هناك من هو متشبث به لدرجة مريبة لا يصدقها ولا يستوعبها ولا يفهمها عقل بشر ، وهم يعلمون حقيقته ومدركين لكل علامات الاستفهام التي تدور من حوله ، لأنهم يرون فيه طوق النجاة الوحيد الذي يستطيع الإبقاء عليهم حاضرين ومؤثرين في المشهد السياسي .
ونِعْمَ الدولة المدنية الحديثة التي لم تكن تخطر على بال أحد منذ مطلع العام 2011م ، فأكثر الخُبراء علماً ومعرفة وتجربةً وخبرةً وإلماماً بحقائق التاريخ والدروس المستقاة المستفادة منه ، وكل المنجمين (الكاذبين وإن صدقوا) وأصحاب الكرامات والنبوءات ، وجميع مبدعي قصص الخيال العلمي وأفلام (الأكشن) في (هوليود) الأمريكية و (بوليود) الهندية ، أولئك مهما اجتهدوا عند جمعهم في موضع واحد وتوقيت واحد ، ما كان يمكن أن تشطح عقولهم وتتفتق أذهانهم في مطلع ذلك العام عن تخيُّل السيناريو الذي نعيش فيه الآن ، وهو الأكثر شبهاً ومحاكاةً للكوابيس المرعبة منقطعة النظير . ونِعْمَ الدولة المدنية الحديثة التي لم يعد فيها مكان إلا للميليشيات المدنية المدججة بالسلاح التي تسرح وتمرح وهي تعتلي (أطْـقُـم) مدنية (بلا أرقام) ، ونِعْمَ الدولة المدنية الحديثة التي صار فيها من الطبيعي جداً رؤية المدنيين (الشُعث) (الغُبر) وقد زينوا أكتافهم بمختلف أنواع الأسلحة الخفيفة والمتوسطة ، وأحاطوا صدورهم وأحزمتهم بالذخائر المتنوعة ، ونِعْمَ الدولة المدنية الحديثة التي لا مكان فيها للعسكر بزيهم العسكري المرعب للأطفال الأبرياء ؟؟!!! ، ونِعْمَ الدولة المدنية الحديثة التي حمل (المدنيون) المسلحون فيها أمانة تصفية العناصر الأمنية والعسكرية والإجهاز عليها ، لأن وجودها يتعارض مع التوجهات الحديثة نحو الدولة المدنية الحديثة .
ونِعْمَ الدولة المدنية الحديثة التي يرى فيها (الثورجية) ، وأصحاب المشروعات (النهضوية) المنطلقة من (الشوارع) المُحتلة تحت سطوتهم وجبروتهم ، ومنظمات المجتمع (المدني) ، كل ما يجري حولهم فلا يحركون ساكناً ، لأن الهدف ببساطة شديدة وسهولة متناهية قد تحقق وبأفضل مما يحلمون به ، فهنيئاً لهم الدولة المدنية الحديثة بهذا الشكل المُقزز ، وهنيئاً لهم (رحيل) الأمن والاستقرار ، وهنيئاً لهم (رحيل) الغاز والكهرباء ، وهنيئاً لهم (رحيل) الهامات الوطنية من المدنيين والعسكريين للرفيق الأعلى ، وهنيئاً لهم (رحيل) وتفويج الدواعش إلى مدينة (عدن) لنُصرة (الرئيس) الذي لم يعُد قادراً حتى على التحكم بأصابع يديه ولا على ملامح وجهه ، هنيئاً لهم أننا صرنا بعاصمتين أحداهما (محتلة) بالميليشيات التي تستعين ببلاد فارس لتحرير الوطن من خصومهم ، والعاصمة الأخرى تسيطر عليها ميليشيات (الرئيس المستقيل الهارب) من مختلف الجنسيات التي تتعزز يوماً بعد يوم بالمدد من كل صوب وحدب ، هنيئاً لهم ما بذروه وما تعهدوه بالرعاية والعناية طول الأربع سنوات الماضية ، هنيئاً لهم حصادهم من ثمار قد أينعت وحان قطافها ، هنيئاً لهم تدنيس أرض (اليمن) بكل الشواذ والمجرمين من كل أصقاع الأرض ، ولله الأمر من قبل ومن بعد .