لحج نيوز/بقلم:علي حسن الشاطر -
عشية انعقاد اجتماع (الرياض) الذي ضم (اليمن) والمانحين والخاص بدعم العملية التنموية في (اليمن) تصاعدت بعض الأصوات النشاز من العناصر الانفصالية ممن لفظتهم عجلة التطور وصيرورة قوانين التاريخ وتجربة الوحدة والديمقراطية إلى خارج دائرة الفعل الوطني وخارج إطار التاريخ ذاته. وحملت هذه الأصوات في مضامينها دعوة صريحة للتحريض على جرم ضد الوطن والشعب بتحويل أيام اللقاء 27 و28 فبراير المنصرم إلى مناسبة لجريمة دموية يُستدرج فيها الكثير من الشباب والفتية المغرر بهم.. إلى افتعال مواجهة مع مؤسسات الدولة الشرعية والصدام المسلح للتضحية بهم بينما دعاة التحريض في مخابئهم سواء في الداخل أو في الخارج، هذه الأصوات مثلت محاولة يائسة أراد أصحابها من خلالها أن يضفوا على هذا الحدث الدولي المهم في تاريخ الوطن اليمني بصماتهم الخاصة المصبوغة تاريخياً بلون الدم، لاسيما وأن هذه الدعوة التحريضية لإشعال نيران الفتنة كانت مدعومة بتمويلات مالية كبيرة يعتقد أصحابها أنها كافية لنجاح ما يرمون إلى تحقيقه من أهداف وتطلعات دنيئة موجهة ضد الوطن والشعب اليمني.
أجهزة الأمن في (اليمن) كعادتها كانت على يقين تام بأبعاد هذه الأصوات ومراميها باعتبارها حلقة جديدة في مخطط مفضوحة أهدافه ووسائله، وتعاطت معها بيقظة وحذر شديدين نجحت من خلالهما في تفويت الفرصة على مليشيات الحراك القاعدي لتنفيذ واحدة من مخططاتهم الجهنمية الرامية إلى تحويل هذا الحدث الدولي لمناسبة دموية ونقطة سوداء في تاريخ (اليمن).
كان الاعتقاد السائد أن افتعال أحداث جسيمة يذهب ضحيتها العديد من الأبرياء كفيلة بأن توصل أصوات العناصر الانفصالية المأزومة إلى المؤتمرين في (الرياض) وإرباك أعمال المؤتمر.. أو إحداث انقسامات داخله، مثل هذه الأصوات، وإن فشلت في تحقيق ما كان يرجوه أصحابها منها، إلا أنها تمثل حلقة واحدة ضمن سلسلة تآمر طويلة يمسك بطرفها الواهمون والمعتمدون على السراب في محاولة بائسة ويحاولون أن يجروا الوطن بواسطتها إلى دائرة الاحتراب الداخلي والعودة به إلى ما قبل الوحدة والاستقلال الوطني.. إلى عصر المحميات والمشيخات والإمارات والسلطنات الأسرية والقبلية.. إلى عهد كان فيه الشطر الجنوبي مقسماً إلى 24 سلطنة وإمارة ومشيخة متناحرة ومتقاتلة فيما بينها.
الخطاب الذي يستخدمه الانفصاليون المليء بثقافة الحقد والكراهية لا يختلف عن الخطابات المترعة بروح الحقد وثقافة الكراهية المغذية لنزعات الفتن الجهوية والمحرضة على الاحتراب الداخلي، وهذه الخطابات لا يمكن فصلها عن التاريخ السياسي الدموي لتلك العناصر الانفصالية المعتوهة ومكوّنها الاجتماعي والثقافي والنفسي المصاب بداء الانفصام في الشخصية، ومثل هؤلاء المرضى يكون أصحابها في الغالب العام في المصحات النفسية لتلقي العلاج وليس على كراسي السياسة ومراكز القيادة وصناعة القرارات، فهذه الحالة المرضية لا يمكن لها بأي حال من الأحوال وتحت أية ظرف من الظروف أن تكون مؤهلة لاتخاذ قرارات تحدد مصير شعب ومستقبل وطن بكامله، فأصحاب مثل هذه المؤهلات غير السوية كلفوا أوطانهم وشعوبهم الكثير من الخسائر والجهد والوقت والتضحيات الجسيمة.
في بلد متخلف مثل (اليمن) يكون فيها الشعب غير مدرك لمثل هذه الحالات المرضية غير المحسوسة مادياً، يغدو فيها المصابون بهذا الداء قادرين على إخفاء حقيقتهم وممارسة هواياتهم وسلوكياتهم" الشيزوفرينية" بكل حرية، وحتى المواقف واللحظات التي تتمكن فيها قوانين التطور التاريخية من لفظ هذه الرموز المريضة إلى خارج دائرة الفعل والتأثير السياسي، إلاّ أنها لن تكون كافية لمنع مثل هؤلاء المحترفين من استغفال الجماهير والتلاعب بمشاعرها والعودة مجدداً إلى دائرة الأحداث التاريخية والظهور من جديد على خشبة المسرح السياسي ، واقتناص أدوار البطولة كما هي حال بعض رموز الانفصال الذين فشلوا في جولة سابقة من تحقيق مآربهم ؛ حيث كانت النتيجة الحتمية بالنسبة لهم أن أصبحوا في خانة النسيان.
مهما حاولوا اليوم معاودة الكرة وتكرار تجاربهم السابقة، فبعد سقوطهم التاريخي في حرب الدفاع عن الوحدة وهزيمة مشروعهم الانفصالي وبعد عشرين عاماً من عمر الوحدة المباركة يحاول أولئك النفر الذين لفظهم الشعب اليمني امتطاء معاناة الشعب وإشكالات الواقع الوطني وأزماته المختلفة لتحقيق مشروعهم التفكيكي القديم وإدخال البلد في أتون حرب أهلية جديدة، يراودهم حلم بالعودة إلى كرسي السلطة عبر تمزيق البلد وبناء سلطاتهم الخاصة، حتى ولو كانت مقتصرة على زعامة قبيلة، في الوقت الذي تؤكد فيه حقائق الواقع ومعطياته المختلفة استحالة تحقيق مثل هذا الحلم، فأي محاولة لا يمكن لها في الوقت الراهن أن تكون من نصيب عناصر تاريخها ملطخ بدماء أبناء الشعب ، ولا يمتلكون جذوراً تاريخية اجتماعية ووطنية على أرض الواقع، وهذه التطلعات غير المشروعة في اعتقادي هي ما دفعت تلك العناصر والقيادات التي بطشت بالشعب اليمني.. ونكّلت به أثناء الحكم الشمولي المباد إلى إنكار أو رفض حقيقة الهوية الوطنية اليمنية للشطر الجنوبي من الوطن ومحاولة الاستعاضة عنها بانتماء وهوية أخرى جديدة غير واقعية وغير وطنية وهذا ما سنحاول الحديث عنه في مواضيع أخرى.
مضامين الخطاب الانفصالي تعبر عن حالة اليأس والقنوط، وتبدد أحلام وتطلعات أصحابه في موقف دولي أو إقليمي وقطري داعم له، ودليل واضح على حقيقة الجهل والغباء السياسي لأولئك الذين لم يستفيدوا من تجربة خمسة عقود من العمل السياسي ومن التطور المعرفي في عصر العولمة والثورة المعلوماتية، وإلا لكانت أبجديات المعارف السياسية كافية لإقناع أصحاب هذا الخطاب بأن قاطرة التطور التاريخي تمضي دائماً إلى الأمام ولا يمكن لها أن تغير مسارها لتعود إلى الوراء، وأنه يمكن لهم في ظل ظروف تاريخية ووطنية معينة أن يشكلوا كوابح مرحلية لوتائر سرعة التطور إلا أنهم لا يستطيعون إيقافه أو تغيير مساره الكلي، فالذين يدعون إلى تجريد اليمنيين في جزء من الوطن اليمني من هويتهم الوطنية أصبحوا غير قادرين على استشعار التغيرات الوطنية والإقليمية والدولية من حولهم، ولم يستطيعوا رؤية الحقائق الشاخصة أمامهم بارتفاع الجبال الساطعة بوهجها سطوع الشمس، وقادهم جنون العظمة وخيالهم المريض إلى الاعتقاد بأن الزوابع الرملية، والأصوات النشاز الصادرة هنا وهناك من بعض بقايا المتضررين من الوحدة والديمقراطية، قد مهدت لهم الطريق للعودة إلى كرسي السلطة.. وفتحت أمامهم الأبواب على مصاريعها لتنفيذ مشروعهم التفكيكي الذي فشل في العام 1994م.
كثيرة هي الحقائق التي كان على أولئك الناعقين الانفصاليين التوقف عندها قبل أن يدفعهم غباؤهم وحماقتهم السياسية إلى هذا المنزلق الخطير، ومن يحاول أن يركب الموجة ويستمرئ اللعب بالقضايا الوطنية.. فقد غاب عن ذهنه أنه لن يجد ذلك الترحيب والقبول الوطني والإقليمي والدولي الذي كان يحلم به، ولم يجد من السياسيين بمن فيهم المقربون إليه من يصغي إلى أقواله ومشاريعه التفكيكية، وكان عليه أن يدرك حينها، وبشكل مبكر، بأنْ لا وجود له على الخارطة السياسية، وأن لا قيمة له تذكر في سوق النخاسة السياسية، وأنه لم يكن أكثر من مجرد رقم سياسي سلبي غير مربح ومكلف على كل من يتبناه أو يحاول استغلاله أو المرابحة به في أسواق المضاربة السياسية الإقليمية والدولية.
في مؤتمر (لندن) يناير الماضي تلقى الانفصاليون وأقرانهم من أصحاب المشاريع الماضوية الإمامية الاستعمارية ودعاة التمزق والتشطير ضربات قوية في الصميم.. وحدها كانت كافية لأن تعيدهم إلى حالة الرشد والاتزان السياسي، وتضع حداً لنزقهم السياسي وتطلعاتهم غير المشروعة وغير المقبولة دولياً وإقليمياً، وان تعيدهم إلى حيث كانوا في مكانهم الطبيعي خارج إطار التاريخ وضمن نفاياته السرمدية؛ فمؤتمر لندن كان بمثابة إعلان وإقرار دولي يؤكد (وحدة اليمن) كحقيقة تاريخية مطلقة، ويدعمها بمختلف السبل والوسائل، كما مثل إقراراً بصواب توجهات الدولة ودعم مشاريعها التنموية على مختلف الصعد ، واحترام إرادة الشعب اليمني وخياراته السلمية الديمقراطية.
هذا المؤتمر قطع الشك باليقين بأن خيارات ومصالح الأسرة الدولية تكمن في وجود يمن ديمقراطي مستقر قوي وموحد، وهذه رسالة دولية واضحة مجمع عليها أكدت بشكل لا لبس فيه بأن أمن (اليمن) ووحدته واستقراره تمثل حلقة مركزية ومحورية في الأمن الإقليمي والدولي، ولن يُسمح لأي كان التلاعب به أو زعزعته تحت أي شعار وبأي شكل من الأشكال، وهذه الرسالة الدولية أكدت أيضاً بإمكانية معالجة كافة المطالب المشروعة ولكن بوسائل الحوار وآلياته الديمقراطية المتعارف عليها وتحت نظم الشرعية الدستورية والثوابت الوطنية.
لقد شكّل مؤتمر (لندن) ليس فقط الإعلان الواضح لدعم النظام ومشاريع الإصلاح والتنمية الاقتصادية والأمنية في (اليمن)، ولكن أيضاً المبادرة العملية لتحقيق ذلك على الواقع العملي، وفي الوقت ذاته مثل موقفاً ومبادرة دولية لاحتواء كافة المشاريع والتآمرات التفكيكية وتطويقها وتجفيف مصادرها ومنع أية امتدادات واحتضانات أو توظيفات سياسية خارجية لها، ومع أن دعاة التمزق والانفصال قد استوعبوا جيداً مضامين وأهداف هذه الرسالة الدولية وعناوينها المختلفة الموجهة إليها هذه الرسالة، إلا أن الهوس السياسي السلطوي دفع الحالمين بالسلطة ، ولو على حساب دماء الأبرياء من أبناء الشعب اليمني كما تعودوا على ذلك، أن يجعلوا من أنفسهم عوائق تحاول يائسة وضع نفسها أمام هذه الإرادة وضد المصالح والقناعات الإقليمية والدولية المندفعة بقوة نحو الأمام وفي الاتجاه الذي ينسجم مع قوانين التطور ويخدم الشعب اليمني وشعوب المنطقة، متجاهلين في الوقت ذاته أنهم يعرضون أنفسهم للفناء والزوال إن ظلوا يحلمون أن بإمكانهم الصمود أمام إرادة التطور أو السير باتجاه قوانين ومجرى التاريخ الوطني والإنساني.
وأياً كانت الأهداف أو المبررات الظاهرية لمثل تلك الأصوات النشاز لعناصر التمزق والفتن، والدعوة إلى إثارة القلاقل وجر الدولة إلى الصدام مع المواطنين، إلا أن الهدف الحقيقي موجّه ضد مصالح (اليمن) ومحاولة عرقلة جهود الدعم التنموي أو إيقاف بعض قنواته حتى لا يصل هذا الدعم إلى أهدافه؛ فدعاة الانفصال وإن أرادوا أن يبرروا مواقفهم في المطالبة بحجب الدعم الدولي والإقليمي عن (اليمن) باعتباره دعماً للنظام السياسي الذي يدّعون عداءهم له واختلافهم معه، إلا أنهم في حقيقة الأمر يسعون إلى منع دعم (اليمن)، وهذا يجسد حقدهم الدفين على الشعب ويحاولون من خلال ذلك الاستمرار في فرض خياراتهم السياسية ونهجهم السلطوي الماضوي الذي كان مسخراً لإفقار الشعب وتجويعه وتثويره ضد أشقائه وجيرانه.. وخلق مبررات وأسباب جديدة للحقد الاجتماعي والطبقي والثقافي بين الشعب في (اليمن) وجيرانه، ولا يوجد في العالم سياسي وطني يسعى إلى تجويع شعبه ومنع الدعم الدولي عنه إلا إذا كان هذا السياسي معادياً لشعبه وحريصاً على استمرار فقره وجهله وتخلفه.
إن الخطاب الانفصالي عبر عن حقيقة ما يعانيه أولئك النفر من انفصام في الشخصية، ففي الأمس القريب الذي كان خطابهم مبنياً على إثارة النزعات العصبوية والعنصرية العنيفة المسخرة لتغذية الحقد والكراهية لدى أبناء المحافظات الجنوبية والشرقية ضد إخوانهم من المحافظات الشمالية يحاولون اليوم إعلامياً تجاوز تلك العنصرية المقيتة التي لم تلق تجاوباً من قبل الشعب باستثناء عدد محدود من قطاع الطرق المأجورين ومجاميع الإرهاب القاعدي الذين يحاولون القيام بجولة جديدة من الأعمال الإجرامية الموجهة ضد أبناء المحافظات الشمالية ومحاولة التهيئة لذلك من خلال اتهام قيادة البلد بزرع الفتنة بين أبناء الوطن الواحد، وهذه النزعة الإجرامية العنصرية لم يستطع رموز الانفصال إخفاءها حين يسمون أبناء المحافظات الشمالية المتواجدين في المحافظات الجنوبية "بجحافل المحتلين.. الذين يعيثون فيها الفساد ويضطهدون سكانها".
الصحوة الأخرى التي أراد الانفصاليون القاعديون أن يعبروا عنها هو إدراكهم بتمزق جماعات ما يسمى بالحراك إلى فرق وشيع مختلفة لا تنصاع لإرادة أحد إلا بالقدر الذي يكون فيها قادراً على الدفع والشراء، وهذا لن يستمر طويلاً، فوجهوا الدعوة لهم إلى التوحد بجهل كبير أن مثل هذه الجماعات لا تمتلك في حقيقة الأمر قضية وطنية عادلة يمكن أن توحدهم أو يجمعون عليها، فالمطالب الحقوقية التي كانت سبب ظهور هذه الجماعات تم معالجتها بشكل ناجز، وتحول ما يسمى بالحراك إلى شكل من أشكال المهنة التي يرتزق منها البعض على حساب الآخرين وباسمهم؛ فالخلافات القائمة هي نتائج عن تعدد مصادر التمويل والارتزاق، وهي من ناحية أخرى نتاج غياب قضية ومطالب وطنية عادلة، وهي نتاج موروث ثقافي غير وطني وغير وحدوي، وهو الأمر الذي ساعد على بروز المشاريع التفكيكية الضيقة للعديد من القوى والرموز التي أرادت الوصول إلى أهدافها باستخدام هذه الظاهرة الوطنية المؤقتة "الحراك" فهناك من يحلم باستعادة إمارة آبائه وأجداده، وهناك من يبحث عن فصل محافظاته الثرية بمواردها عن بقية أراضي (اليمن)، وهناك من يبحث عن المجد والسلطة السياسية والثروة، وغيرها من الأحلام والآمال الخاصة بكل فرد أو جماعة على حدة، ولهذا لا غرابة أن نجد هذا الحراك عبارة عن مجموعة من المتمصلحين وكل منهم يغني على ليلاه، مشكلين مع بعضهم جوقة إعلامية وظاهرة سياسية صوتية غير واضحة وغير معروفة مفرداتها ونوتتها الموسيقية.
إن القرارات الدولية المؤيدة لوحدة وأمن واستقرار وتنمية (اليمن) شكلت بداية النهاية لاضمحلال الانفصال، وخاصة ما خرج به مؤتمر (لندن) من قرارات موجهة لدعم (اليمن) مالياً والمشاركة الفاعلة في تعزيز موقف الحكومة ونهجها الإصلاحي التنموي ومساعدتها على انجاز دورها في الخروج باليمن من مشاكله وتأهيله التدريجي للاندماج الاقتصادي والتنموي مع إطاره الخليجي، وقد جاءت توصيات وقرارات لقاء (الرياض) لتصب في مجملها في هذا الاتجاه الرسمي القائم على حل مشاكل البلد عبر البوابة الاقتصادية والقضاء على الفقر والبطالة التي تعتبر المصدر والسبب الرئيس لجميع محن (اليمن) ومشاكله المختلفة المولدة للعنف والإرهاب والتطرف. وإن كان لا أمل وطنيا يرجى من الذين تآمروا على وطنهم وخانوا قضية شعبهم وتاجروا بها، إلا أن الأمل يحدونا في الكثير من العناصر السياسية الوطنية الحريصة على وطنها وشعبها وتاريخها الوطني والنضالي وشاءت ظروف المراحل السياسية وصراعاتها التقليدية المعهودة في أي مجتمع من المجتمعات النامية أن تزل أقدامهم وتخونهم ذاكرتهم السياسية الوطنية وينساقون دون وعي مع ردود أفعال ذاتية وحسابات شخصية آنية غير مدروسة أثبتت الأحداث والوقائع الوطنية خطأها وخطورتها، مثل هؤلاء مدعوون إلى تحمل مسؤولياتهم الوطنية والمجال ما زال مفتوحاً أمامهم للمشاركة الفاعلة والمباشرة في حل أزمات بلدهم؛ فالحاجة الوطنية الملحة إلى إجراء مصالحة تاريخية وطنية وسياسية واجتماعية شاملة، تحتم عليهم استغلال دعوات الحوار المفتوحة تحت مظلة الوحدة والثوابت الوطنية، ومناقشة مختلف القضايا بحرية ومسؤولية ونقد وتحليل واقعي وتحديد المعالجات الديمقراطية المطلوبة والمجمع عليها في مختلف قطاعات الحياة بما فيها إعادة هيكلة النظام السياسي والإداري،ومحاربة الفساد وتحسين بيئة وبنية الاستثمار وغيرها من القضايا والمطالب الجوهرية، وفي السياق الذي يلبي المعايير والمتطلبات الإقليمية والدولية الأمنية والسياسية والتنموية التي تضمن لليمن بموجبها استمرار الدعم والتمويل الدولي الذي يخدم استقراره وتقدم شعبه ورفاهيته.
نقد النظام والتجربة السياسية الوطنية وتشريحها وتعرية أخطائها وسلبياتها ليس عيباً وليست مضرة أو خطيرة، بل على العكس يعتبر دليل قوة وحرية ومصداقية هذا النظام وتقبله لكل أشكال النقد الواقعي البعيد عن التطاول والتجريح، والتعاطي معها باعتبارها إحدى وسائل الرأي العام في المشاركة بإدارة أوضاع البلد ومعالجة إشكالاته المختلفة، وقد دأب النظام السياسي على التعاطي مع الحريات الديمقراطية ونقد السلبيات والاختلالات باعتبارها عامل ثقة ومصدر اطمئنان إلى حرص الجماهير في حماية هذه التجربة الوحدوية الديمقراطية وإكسابها المزيد من الشرعية الاجتماعية، إلى جانب أن مثل هذه الآراء النقدية التقييمية الدافعة باتجاه معالجة الإشكالات الداخلية بشكل سليم تمثل بالنسبة للنظام السياسي ضرورة من ضرورات تجاوز حالات عدم المسؤولية والجمود السياسي والمواقف السلبية المولدة للقلق.
الخطر لا يتأتى من النقد مهما كان قاسياً ولكن من أساليب المراوغة السياسية وافتعال الأزمات والتهرب من معالجتها أو إجهاض وإعاقة هذه المعالجات، وكل من يدعي الوطنية ويحتكرها لذاته عليه أن يثبت حقيقة وطنيته وحرصه على سلامة هذا الوطن وتقدمه وازدهاره باتخاذ مبادرات عملية متوافقة مع نبض الشارع وحاجة الشعب والوطن والعمل على تحويل خطاباتهم وشعاراتهم السياسية إلى واقع معاش وترجمتها إلى مبادرات وأفعال موضوعية موظفة في السياق الذي يخدم الوطن ويضفي على أصحابها المصداقية وثقة الجماهير وبمنحها المشروعية السياسية والجماهيرية والتاريخية للتحدث باسم الوطن، وما عداها سيظل أي خطاب يصنف في دائرة الخطابات المخادعة التي لا يمكن تقبلها أو القبول بها تحت أي مبرر من المبررات، وأصحاب هذا الخطاب لا يحق لهم بأي حال من الأحوال تسويق قناعاتهم ومصالحهم ومشاريعهم الذاتية خارج دائرة المصالح العليا للوطن وبعيداً عن شرعية الإجماع الشعبي والسياسي الذي بات اليوم أكثر من أي وقت مضى يتفهم أبعاد ومخاطر المشاريع التفكيكية، ويتطلع بأمل كبير وثقة لا تتزعزع بقدرة قيادته الوطنية الوحدوية على تجاوز أزماته الراهنة بالاستفادة من المعونات والاستثمارات الإقليمية والدولية القادرة على تحريك عجلة التنمية الاقتصادية.
*رئيس تحرير صحيفة 26سبتمبر اليمنية
الرياض السعودية