بقلم/معمر حبار -
بالإضافة إلى رؤساء الجزائر الذين رأيتهم عبر وسائل الإعلام، أتيحت لصاحب الأسطر الفرصة أن يرى رأي العين ثلاثة رؤساء جزائريين، وهم..
هواري بومدين، الشاذلي بن جديد وعبد العزيز بوتفليقة. وسيتم خلال هذه الأسطر وصف مارآه الرائي بصدق وإخلاص..
الصغير مع بومدين: أتذكر جيدا حين قطعنا المسافة من ابتدائية حي بن سونة مشيا على الأقدام إلى حي الحرية الفيرم، بجوار القنطرة الكبيرة والمشهورة في الأصنام سابقا الشلف حاليا. كان يومها فيما أتذكر في منتصف السبعينات.
تأخر كثيرا الرئيس بومدين لزيارة الأصنام والمرور بالطريق العابر للقنطرة. وبما أنه جيء بنا في الصباح الباكر، دون ماء ولا أكل ولا وسائل الراحة، ونحن أطفالا نعاني الحر والشمس والجوع والعطش، راح الأطفال يلعبون ويمرحون في الجهة السفلى من الوادي المجاور للقنطرة، حيث يوجد الآن محطة المسافرين المؤدية للجهة الشمالية للشلف.
وبينما نحن نلهو ونعبث، إذ بالأصوات ترتفع وتعلو.. الرئيس قادم .. الرئيس راه جاي.. تعالوا لتروا الرئيس.
أسرع الأطفال وتركوا اللهو والعبث، وراح يدفع بعضهم بعضا للصعود إلى الطريق لرؤية الرئيس الذي جيء بهم لأجل رؤيته، وهم يحملون أعلام جزائرية صغيرة، تناسب أيديهم الصغيرة البيضاء.
مر هواري بومدين بسرعة عبر سيارته دياس بلاص، وتمكنت من رؤيته وهو يلوح بيديه للواقفين على الطريق، ثم راح الأطفال يفتخر كل منهم على زميله ووالديه، أنه تمكن من رؤية بومدين.
وانفض الجميع وعدنا مشيا إلى البيت دون مرافقة الأساتذة، فكل إختار طريقه والجهة التي توصله في أقرب وقت إلى بيته وأهله.
وبقي الطفل يستحضر تلك اللحظة، وهاهو الآن يكتب عنها ويستعيدها لأول مرة في حياته عن رؤيته لهواري بومدين.
الشاذلي بن جديد.. عقيب زلزال الأصنام سابقا ، الشلف حاليا في 10 أكتوبر 1980، زار الرئيس الشاذلي بن جديد الشلف مرتين متتاليتين، إحداها لمنطقة الشرفة التي أسكنها والمعدة للسكنات الجاهزة، حين دشّن المنطقة بوضع نصب تذكاري في الجهة المقابلة لمقر فرع بلدية الشلف بالشرفة.
حين ترى الشاذلي بن جديد لأول مرة، تصيبك رهبة وفزع شديد، لما امتاز به من ميزات جسدية لايملكها أيّ رئيس جزائري ولا غيره.
لأول مرة في حياتي أرى رئيسا يعلو حراسه لما أوتي من كتفين عريضين، وبنية جسدية متينة قوية جدا.
شعر شديد البياض، ووجه شديد الحمرة، وطول قامة، ومشية خارقة متزنة جميلة جذابة كأنه عارض أزياء، وهو يجوب طريق الشرفة، يعلو الجميع، ويغطي حراسه بما رزق من طول وعرض، بهدوء الواثق والقلق على شؤون أهل الشلف بعد الزلزال.
مع بوتفليقة.. كنت يومها في كلية العلوم الاقتصادية بجامعة حسيبة بن بوعلي، حين تم الإعداد لزيارة عبد العزيز بوتفليقة.
لن أتحدث عن كيفية الاستعداد للزيارة، وسنترك الحديث عنها حين تحين الفرصة، ويستلزم المقام ذلك.
أسبوع قبل زيارة بوتفليقة، تفقد الحراس الجامعة ، وأعطوا نصائح وتعليمات، وكانوا في غاية الدقة والحرس الشديد، لم يتركوا صغيرة ولا كبيرة إلا أشاروا إليها وأمروا فورا بتطبيقها..
إعادة كيفية وضع العلم الجزائري، تغيير لون سلة المهملات، إعادة دورة المياه وتهيئتها بشكل يليق بالزيارة تحسبا لأيّ طارئ، ترك مفاتيح المكاتب دون استثناء قصد مراقبتها وتشميعها، ضمان حراسة الأماكن عبر كلب صغير يشم كافة مساحة الجامعة.
يقول لي المكلف بالحراسة، لايحق للموظف أن يأخذ معه مفتاح المكتب، لأن بعد إنتهاء العمل لم يعد مكتبه، بل هو تحت تصرف الدولة، وحين يعود لمقر عمله في الصباح يستلم حينئذ مفتاح المكتب من القائم على استلام المفاتيح وحفظها، وكان غاضبا جدا من حمل الموظفين والأساتذة والمسؤولين دون استثناء من حمل مفاتيح المكاتب معهم بعد إنتهاء فترة العمل القانونية الرسمية.
الوحيد الذي كان يرى من أعلى الكلية ومن بعيد جدا هو بوتفليقة، رغم أنه محاط بكم هائل من الحراس ومجموعة من الوزراء وكذا الوالي وجمع غفير ناهيك عن قامته، والسبب في رؤيته من بعيد يعود للون بدلته الشديدة السواد والمميزة جدا بلونها الداكن جدا، ورغم أن الجميع يلبس بدلة مثله، لكن لايوجد أحدا منهم من يشبهه في لون البدلة، واللون الشديد السواد هو الذي ميّزه عن غيره، وجعل البعيد يراه من بعيد.
إمتاز حراسه بالأناقة والجمال والشباب وقلة الكلام واستعمال الإشارة فيما بينهم، والهدوء الملفت للنظر، فلم يغضبوا ولم يلمسوا أحدا، وكانوا في غاية الأدب والاحترام والمساعدة والتفاهم.
حين دخل بوتفليقة مدرج كلية العلوم الاقتصادية الذي أعد إعدادا يليق بالرئيس، أحاط به حراسه، فسقط أرضا الوزير سلال يومها، وهو المفرط في طوله وعرضه من شدة الزحام. جلس بوتفليقة وحده في منصة الإلقاء، دون أن يجلس معه الوالي أو مدير الجامعة.
من الصور الراسخة، جلوس سعيد بوتفليقة بجانبي أرضا في السلم escalier الفاصل بين كراسي المدرج ولم ينطق بكلمة، لكنه كان كثير الحركة، قليل الجلوس، لايبالي أين يجلس ولو أرضا، ولا بجوار من. يبدو أن الرشاقة التي ميّزت جسده ساعدته في التنقل والانتقال وعدم السكون والركون. وقد رزق عينين زرقاوين بل شديدة الزرقة، وبشرة شديدة البياض، وبدلة عادية جدا لاتلفت الانتباه.
هذه ملاحظات سجلها المتتبع بنفسه من خلال رؤساء الجزائر الذي رآهم رأي العين، يبتغي منها استرجاع أيام كما عاشها، لعلها تساعد الذي لم يعشها في رسم صورة صادقة عن فترة بعينها ورؤساء بعينهم.
[email protected]