لحج نيوز/ متابعة خاصة - أحمد عز الدين*
الخبير الاستراتيجي والكاتب المصري أحمد عز الدين
( 1 )
أحسب ودون مبالغة ، أن مخاطر كبرى تتشكل فى بيئة الإقليم ، وفوق إحداثياته المباشرة ، وأن هذه المخاطر المستجدة ، سوف تؤدى الى خلق انماط من التغذية المتبادلة بين ظواهر الإرهاب وأدواته وقواه ، وبالتالى الى مدها بعناصر إضافية للقوة ، وفرص أكبر للتمدد ، وتهديدات أوسع وأعمق وأسلحة أبعد مدى وتأثيراً ، تدفع المنطقة دفعاً نحو حريق كبير .
وأحسب أن عوامل نشوب هذا الحريق الكبير ، الذى يمكن أن يأكل الأخضر واليابس ، كامنة فى ذلك السعى المنهجي المنظّم لإعادة الاصطفاف إقليميا ،على نحو سياسى وعسكرى وثقافى و اعلامي ، وفق معيار مذهبي طائفي ، بما يقتضيه ذلك من جمع وقود هذا الحريق الكبير ، اعتمادا على بناء جبهة ميدانية ، تضم أكثر القوى تطرفاً فى الفكر ، وإيماناً بالقتل والعنف وإشاعة للاحتراب والفتنة ، ومعاداة للمصالح الوطنية والقومية ، وإذا صحّ ذلك وأعتقد أنه اقرب الى الصّحة ، فإنه يشكل انحرافاً كبيراً على المُركّب الحضارى التاريخى للأمة ، وهو انحراف مناهض لروحها الحيّة ، وتراثها وثقافتها ، غايته نبذ الروح القومية وذمها وتحقيرها ، واستبدالها بروح طائفية مريضة وممرضة ، وهو فوق ذلك ، انحراف مناهض لكل ما يدخل فى صلب الأمن القومى العربى من قواعد وقيم ومفردات .
( 2 )
لقد استبق السيد ( خالد بحاح ) نائب ( هادى ) حضوره الأخير الى القاهرة قبيل عملية ( السهم الذهبى ) بإطلاق تصريح مُلغّم ، بدا بدوره سهما محدّد الاتجاه ولكن فى اتجاه مصر ، قائلاً : " نحن فى حرب اقليمية تتطلب تدخلاً عربياً حاسماً وعاجلاً فى اليمن" ، غير أن السهم ارتد الى الناحية الأخرى عندما سمع من الرئيس عبد الفتاح السيسى رؤية مصر التى تعضّ بالنواجذ على الثوابت الوطنية والقومية ، فقد قال الرئيس محذراً : " إن عدم التوصل الى حل سياسى فى اليمن إنما يصبّ لصالح جماعات التطرف والإرهاب المتواجدة فوق الأراضى اليمنية قبل أن يضيف الكثير عن ضرورة إعلاء المصلحة الوطنية اليمنية ،و عن الحفاظ على وحدة اليمن وسلامته أراضيه ، وعن ضرورة الحوار السياسى ، والمرجعيات التى ينبغى أن تحكمه بدءا من مخرجات الحوار الوطنى وانتهاء باتفاق السلم والشراكة .
ومن الواضح أن السيد ( بحاح ) كان يتمنى أن يجد فى القاهرة موقفاً آخر ، فى إطار النظرية المُلغّمة ذاتها ، التى جرى ويجرى تسويقها عن إعادة الاصطفاف تحت عنوان ( الحرب الاقليمية ) ، غير أن الموقف المصرى البالغ الوضوح ، لم يعدَم بعد ذلك من يحاول أن يحوله الى بركة آسنة ، يصطاد منها أسماكاً فاسدة ، على غرار ما نقلته وكالة ( فارس ) عن أحد قيادات أنصار الله فى محافظة ( أبين ) ، من أن الجيش اليمنى واللجان الشعبية ، قد قتلوا وأسروا أربعين جندياً مصرياً ، حاولوا الدخول الى الاراضى اليمنية بواسطة أربعة زوارق ، حيث جاء رد الفعل فى مصر غاضباً على هذا البهتان ، فرغم مسارعة المتحدث العسكرى لنفى الخبر جملة وتفصيلا فى بيان رسمى ، فقد توقف الرئيس بنفسه أمامه عند حضوره فى الكلية الحربية .
لماذا أقول أن ما بثته وكالة الانباء الايرانية ، كان مجرد اصطياد كاذب وفاسد ، لأن الخبر بكلماته وحروفه لم يكن منقولاً عن من نُسب اليه ، وإنما كان منقولاً عن وكالة أنباء يمنية خاصة ، وقد بثته فى بداية الشهر الرابع من هذا العام ، مدّعية أنه منقول عن الصفحة الشخصية لمن نُسب الخبر اليه ، آى أنه تم إحياء خبر مشكوك فى مصدره تم دفنه ميتاً قبل ثلاثة أشهر ، بعد التأكد من أنه عار تماماً عن الصحة ، وفى ظروف بالغة الشدة والتعقيد ، وفى مناخ قابل للاشتعال .
( 3 )
غير أن الحقيقة تقتضى القول ، أننا لا ينبغى أن نلقى اللوم على الآخرين وحدهم ، ممن يحاولون أن يضعوا الموقف المصرى فى سياق مناقض للحقيقة ، وإنما ينبغى أن نلقى اللوم أولا على اعلامنا ، ليس فقط ، تلك الصحف والقنوات التلفزيونية الخاصة ، التى بدت خلال مشاهد الحرب فى اليمن ، مجرد ظل باهت لقناتىّ الجزيرة والعربية ، وإنما صحف وقنوات الدولة نفسها ، التى لم تحافظ على مصداقيتها ، فلم تتحر الصدق ، ولم تسمّ الأشياء بأسمائها ، فالشاهد – مثلا – أن العنوان الرئيسى الثانى فى جريدة الأهرام التى ينظر اليها على أنها ناطقة باسم الدولة كان نصه : ( المقاومة الشعبية تطهر عدن من جيوب الحوثيين ) ، وهو نفس ما كرره التلفزيون المصرى ببغاوية رتيبة ، وبغض النظر عن كلمتى ( التطهير و جيوب ) ، وكلتاهما تشى بموقف سياسى خاص فى خبر ينبغى أن يكون بطبيعته شفافاً ومحايداً ، وبغض النظر أيضا ، عن أن " التطهير " لم يتحقق ، وأن " الخصوم " لم يدحروا ، فإن ما تم وصفه بـ ( المقاومة الشعبية ) ، لم يكن فى مجمله غير حشود مسلحة على جانب ترفع علم القاعدة ، وأخرى على جانب تنتسب لـ ( داعش ) ، ومجموعات على جانب ثالث على رأسها عناصر من الاخوان المسلمين فى اليمن ، ومرتزقة ذو جنسيات متعددة ، ومجموعات محدودة العدد على جانب آخر تتشكل من سلفيين جنوبيين ، ومجموعات أخيرة تقدر بالعشرات من ضباط وجنود لا يشكلون قوة مؤثرة ، ينتسبون الى دولتين خليجيتين .
والمشكلة هنا لا تتعلق بالموقف السياسى ايجابا أو سلبا ، وإنما بالمصداقية حتى فى طبيعتها الشكلية البحته ، اذ أن أكثر الصحف الأمريكية ارتباطاً بالمخابرات الأمريكية والبنتاجون ، وكلاهما لم يكن منفصلاً عن الحدث تخطيطاً وتسليحاً وتعبئة ، هى التى أبرزت تقدم تنظيم القاعدة لصفوف ما أطلق عليه إعلامنا ( المقاومة الشعبية ) وهى التى حذرت من تداعيات حضور هذه الكتائب من الارهابيين فى الجنوب ، وما يمكن أن يترتب عليه.
ولكى تكون الصورة أكثر وضوحاً ، فقد وصلت حرارة الاحتكاك تعبيراً عن الاندفاع نحو الهيمنة والسبق بين القاعدة وداعش وغيرهما من المجموعات المشاركة فى العملية ، حد الصدام والاقتتال بالنيران، فى الطريق الواصل بين مدينتى ( التواهى ) و ( المكلا ) على خلفية صراع علنى ، على أعلام التنظيم ورموزه التى ينبغى أن ترفع فوق كل العربات المدرعة ، حيث أصرت القاعدة على رفع أعلامها ورموزها ، منفردة فوق كل العربات ، ولم تفلح محاولة إقناعها برفع علم اليمن فوق بعض هذه العربات ، ريثما تتمكن أجهزة التصوير ، من أن تملأ أفواهها بصور مؤقتة ، يمكن تصديرها للعالم الخارجى .
بل أن ( جلال بلعيد ) قائد تنظيم القاعدة فى ( المكلا ) ، والذى أختار لتنظيمه اسم ( أنصار الشريعة ) وأعلن ولاءه لتنظيم الدولة الاسلامية ، لم يتورع خلال مشاركته وتنظيمه على رأس العملية ، عن أن يوزع صورته على مواقعه ومواقع حلفائه الاليكترونية ، ضاحك الثغر ، وهو يرتدى الثياب العسكرية للجيش الإماراتى ، وهو يشير بيده الى ملصق علم الامارات فوق كتفه الأيمن ، بينما كان عنوان الصورة كلها " ولاية عدن " وهو نفسه ما صدر فى بيان ( داعش ) عن ( ولاية عدن ) ، وعن العملية التى وصفها البيان بأنها " نوعية انغماسية " تم على أثرها اقتحام شعب العيدروس فى منطقة كرتير " .
لكى أكون أكثر وضوحاً ، فإننى لا أتحدث عن مقالات الرأى والتحليلات ، التى قد تتضمن رؤي تعبر عن وجهات نظر أصحابها أيا كانت ، وإنما أتحدث عن صناعة الأخبار التى يتحتم أن تعكس درجة عالية من الدقة والمصداقية ، وأن تسمى الأشياء بأسمائها الحقيقة ، لأننا حين نقبل أن يكون الاعلام ذيلاً للجزيرة والعربية فيما يتعلق بأخبار الحرب فى اليمن ، فمن الطبيعى أن يعطى هذا الاعلام نفسه الحق فى أن يكون على نفس الشاكلة ، فيما يتعلق بالعمليات العسكرية التى يخوضها الجيش المصرى العظيم فى سيناء .
( 4 )
بالنسبة لى شخصياً ، يبدو السيناريو الذى تحركت وتراكمت مشاهده الدامية فى إطار عملية ( السهم الذهبى ) وما تزامن معه من ظواهر سياسية وإعلامية فى الاقليم ، مؤرقاً ومقبضاً ، لأنه يعنى من بين ما يعنيه ، أن الحكمة العسكرية ليست قائمة ، لأن الحكمة السياسية ما تزال غائبة ، ولأنه يعنى من بين ما تعنيه أننا أمام نموذج مستحدث لنمط جديد من الحروب ، بأدواته وأسلحته وقواه ، ومن ثم تداعياته الخطيرة ، إذا تمكن من توليد نفسه داخل حدود أخرى ، وإذا اصبح معتمدا كنمط للمواجهة فى ( حرب اقليمية ) يجرى التسويق لها سياسياً وفكرياً وتعبوياً ، بل إنه فى حد ذاته يشكل الصيغة العملية ، لمنهج إعادة الاصطفاف إقليمياً وبناء الجبهة الميدانية ، التى يمكن أن تخوض غمار هذه الحرب.
أولا : يبدو أن تصميم العملية قد تم بناؤه وفق مفهوم مجرد ، هو أن عمليات القصف من الفضاء ، رغم ثقلها وكثافتها لم تحقق ما كان منتظراً منها ، فقد تجازوت أعداد الغارات الجوية 3200 غارة ، وتجاوزت أعداد الصواريخ التى تم قذفها 90 ألف صاروخ ، وانصرف تأثيرها الغالب والواضح على البنية الأساسية ، وعلى القطاع المدنى ، وما كان منها من نصيب قوات الجيش واللجان الشعبية ، لم يحقق ردعاً ، ولا منعاُ من التمدد والتقدم على المحاور المختلفة ، وإزاحة بعض القوى المؤيدة عن بعض قواعد ارتكازها ، وبالتالى فإن تجاوز ذلك ، وفق هذا المفهوم ، كان يقتضى تنظيم تعاون بين قوات ضاربة ، سريعة الحركة ، حديثة التسليح على الارض ، وبين قصف مركز من الجو ومن البحر فى آن واحد ، أى أن معركة الأسلحة المشتركة على هذا النحو ، يمكنها أن تحقق نجاحاً فى استعادة قطعة من الأرض ، يمكن البناء عليها ، بإتباع نفس الاسلوب فى مرحلة تالية ، خاصة مع هجمات متزامنة فى أكثر من محافظة ، ومع استخدام سلاح العربات المفخخة داخل العاصمة لإحداث حالة من الفزع والفوضى .
وهذا المفهوم مجرداً مع حذف السيارات المفخخّة لا يجافى الصواب ، ولكنه مشروط بتوافر عناصر أخرى هى التى تمنحه فى حيز التنفيذ العملى إمكانية النجاح ، وبعض هذه العناصر يتعلق بتجانس العقيدة القتالية للقوات المشاركة فى العملية على الارض ، وبعضها يتعلق بوجود حاضنة سياسية ومجتمعية ، خاصة وأن العملية أقرب الى جراحة عسكرية داخل مدينة ، وبعضها الآخر يتعلق بالوضع المعنوى والعسكرى والاستعداد القتالى لقوات الخصم على الأرض .
ثانيا : من باب الحقيقة الصافية ، فلا شئ من هذه العناصر السابق الإشارة الي بعضها ، كان متوفراً ، وإذا كان الأمر يتعلق بتجانس العقيدة القتالية للقوات ، فإن منطلقاتها وأهدافها جميعها كانت متناقضة ، فقد كانت خليطاً مهجّناً من تنظيمات ارهابية ، ومرتزقة ، وعشرات من العسكريين النظاميين ، وقد كان ذلك أول وأهم عوامل اجهاضها ، إذ كيف يستقيم وجود حد أدنى من تنظيم التعاون ، بين فصائل تابعة لجيوش نظامية ، وكتائب غالبة من تنظيمات ارهابية ومرتزقة فى عملية مشتركة .
واذا كان الأمر يتعلق بوجود حاضنة سياسية ومجتمعية يمثلها ( الحراك الجنوبى ) ، فقد تم الاستعانة بالسلفيين الجنوبيين ، بل وجهت نيران القصف الجوى الى تجمعات الحراك الجنوبى ، لإخلائهم تماماً من المسرح الذى يمهد للتمكين لداعش والقاعدة ، وقتل منهم العشرات .
واذا كان الامر أمر مفاجأة ومباغته ، فقد استبقت العملية بعشرة أيام غارات جوية استهدفت مصافى البترول الرئيسة فى عدن ، وكانت فى حد ذاتها إشارة لا تخطئها عين على التمهيد لعملية التدخل بقوات على الارض ، وقد أعقبها بثلاثة أيام ، الدفع بإدخال مئتى عربة مدرعة ، عن طريق المنفذ البحرى الوحيد فى عدن الذى لا يخضع لسيطرة الجيش أو اللجان الشعبية ، وفى إطار الحسابات العسكرية الميدانية ، فلا يمكن الجزم ، بأن الجيش اليمنى ، لم يفك الرموز الواضحة ، سواء لعملية قصف المصافى أو إدخال العربات المدرعة ، أو تحريك كتائب المرتزقة المشاركين فى العملية من معسكر تدريبهم فى ( شرورة ) الى منطقة ( المدرارة ) عبر ميناء الزيت ، كما أن سير العمليات فى الأيام التالية يقطع بانعدام عنصر المفاجأة ، وأن ذلك كله كان تحت بصر الجيش واللجان هكذا حين تقدمت هذه القوات الهجينة التى استبقها قصف جوى وبحرى مكثف تواصل على مدى ثلاثة أيام ، حيث وصل عدد الغارات الجوية وحدها الى حوالى اربعمائة غارة ، لم تجد أى تجمعات للقوات فى مواجهتها ، فتقدمت بسرعة وخفه ، فى ميدان كاد أن يكون خالياً من المدافعين والدفاعات ، وتمددت وصولاً الى آخر المدن فى عدن وهى ( التواهى ) التى تحتضن حدودها ميناء عدن الدولى ، وهكذا أيضا تم الاستيلاء على المطار دون جهد ، وحين تم القبض على اعداد من القناصة الذين وضعوا لإبطاء تقدم القوات ، تم جرهم إلى ساحات مفتوحة ، وذبحهم كالخراف ، والتنكيل بجثثهم بكل الصور الدموية والوحشية ، ولذلك إذا لم تكن اعلام القاعدة وداعش موجودة فى صدر المشهد ، فمن المؤكد أن أسلوب التعامل مع الأسرى كان دالة قوية على حضورها القوى , بعد أن توالت بيانات وأخبار الانتصار العظيم بتحرير عدن ، وما تلاها من قرارات لــ (هادى ) بإرسال عدد من وزرائه اليها ، وقد حاولوا الوصول ، ولكن الهجمات المضادة للجيش اليمنى واللجان الشعبية ، قذفت بطائرتهم الى السنغال ، ليحاولوا بعدها الدخول بحراً ، بينما كان ميناء عدن الجوى ، تم استعادته من قبضة قوات القاعدة وداعش ، حيث بدأ هجوم مضاد حول أفراح تحرير ( عدن ) الى مأتم ، بينما واصل اعلام الجزيرة والعربية وتوابعهما تأكيد ما تم ضخه فى حناجرهم من أخبار ووقائع تجافى الحقيقة .
ثالثا: فيما يتعلق بالعامل الأخير بالأوضاع المعنوية والعسكرية لقوات الخصم على الارض ، فإن البيئة نفسها قد تغيرت ، وموازين القوى كذلك ، لقد أعلن أنصار الله قبل أكثر من شهرين من التعبئة العامة ، ولم يكن ذلك مجرد شعار تعبوى فى الفضاء ، فقد استهدف تجنيد مليون مقاتل اضافى ، وفى تقديرى أن الإعلان قد وضع موضع التطبيق العملى ، ولست أعرف تحديداً حجم الأعداد التى انخرطت فى عملية التعبئة ومن ثم التدريب والتجهيز ، ولكننى أحس بالاستقراء من بعيد أنها تقدر ، بعشرات الألوف ، من غير منتسبى الجيش اليمنى ، ومن ليست لهم صلة مذهبية أو قبلية بأنصار الله ، وأن قوامها الأساسى ممن فقدوا أعمالهم نتيجة تدمير مصانعهم ، سواء مصانع الألبان أو الأسمنت أو محطات الوقود والكهرباء ، أو غيرها ، وممن فقدوا بيوتهم وأهلهم وأقاربهم فى عمليات القصف والهدم والتدمير التى تكفلت بها الطائرات المغيرة ، إضافة الى اولئك الذين صدمهم وعى جديد نتيجة الصدام بين الواقع المعاش وبين ما هو معلن عبر وسائل الإعلام ، وآيا كان التقدير والظروف التى أدت الى انخراطهم فى عملية التعبئة ، فالمؤكد أن هناك موجة جديدة من المقاتلين ، قد انخرطوا فى عمليات القتال ، وهى موجة عارمة ، مشحونة بالثأر والانتقام ، وضعت على حد قاطع بين الانتقام والخلاص أو الموت ، ونتيجة ذلك عمليا قد تبدت واضحة فى معركة السهم الذهبى .
رابعا : من المؤكد أن التمكين للقاعدة فى المكلا ، وقد بدأ فى أول ابريل الماضى بالتعاون مع قوى سلفية محلية ، والذى وصل الى حد مداهمة منازل عسكريين موالين لهادى واعتقالهم ، وهم من قاموا بالإشراف والتدريب فى المعسكرات التى تم انشاؤها لما أطلق عليه " قوات الشرعية " لم يكن خاصاً بالمكلا وحدها ، رغم انها ثانى أكبر الموانىء اليمنية على المحيط الهندى بعد عدن ، وإنما تزامن معه التمكين للقاعدة ودعمها بالمال والسلاح فى حضر موت ، وهى أكبر محافظات اليمن ، وتنتج ما يقترب من ثلث انتاجه من النفط ، وكذلك فى شبوه ، ومأرب ، وفى المحصلة النهائية ، فإن الصورة ناطقة بالتمكين للقاعدة ولداعش فى اليمن ، ومنحها إمكانية التموضع الثابت كما جرى أخيراُ ، ثم محاولة تمكينها من عدن نفسها ، وإذا استمر الأمر على هذا النحو فإنه يعنى خلق تحالف عسكرى لقوى الإرهاب فى الجنوب يضم حضر موت وشبوه وتعز وعدن ، ويتشكل من القاعدة وداعش ، والسلفيين الجنوبيين ، تحت مظلة الإخوان المسلمين ، ويكفى القول هنا أنه بمجرد دخول القوات التى انخرطت فى عملية ( السهم الذهبى ) تم تعيين ( على عيد الرقيب كندس ) الذى يعرف باسم ( عباس اللحجى ) أمير تنظيم الدولة الإسلامية لولاية عدن ، بينما سارع ( هادى ) الى تعيين ( نايف البكرى ) أحد قيادات الإخوان المسلمين ، وأحد أذرع على محسن محافظاً لعدن !
خامسا : إذا كان عناصر التمكين للقاعدة وداعش ، فى المحافظات اليمنية الجنوبية قاطبة بما فيها باب المندب ، بالغة الوضوح والدلالة ، فإن مخاطرها فى حد ذاتها ، أكثر وضوحاً ودلالة ، خاصة بعد تحريك قوات إضافية لفتح جبهة أخرى من عناصر القاعدة وداعش فى ( المخلا ) الأكثر تهديداً وتأثيراً فى المجرى الملاحى ، ومضيقه وتخومه القريبة والبعيدة ، وإذا كان جانب من الهدف المعلن للحرب فى اليمن هو إبعاد النفوذ الإيرانى عن باب المندب ، فليس مقبولاً ومستساغاً ، أن يكون ثمن ذلك هو السماح للقاعدة وداعش ، بالتمدد ونصب أسلحتها وأعلامها ، فوق تخومه المباشرة ، ومنحها بالتالى فرصة ثمينة ، لبث الغامها فى محيط واسع يقع دون دخول فى التفاصيل ، ضمن أهم وأخطر إحداثيات الأمن القومى المصرى ، فإذا كان المفتاح والقفل المركزى للبحار والمحيطات بين نصف الكرة الغربى ، ونصف الكرة الشرقى ، يقع فى قناة السويس ، فإن التساؤل يبدو مشروعاً عن إمكانية أن تكون هناك محاولة لصنع قفل ومفتاح بديلين ، فى عدن وباب المندب ؟!
سادساً : لقد قلت فى البداية أن اختيار هذا النمط للتدخل العسكرى فى جنوب اليمن ، يفتقد إلى الحكمة العسكرية ، فى ظل غياب كامل للحكمة السياسية ، ذلك أن مثل هذه العملية لا يمكن لها ، أن تؤدى إلى أحد سبيلين ، إٍما أن تنجح ، وهى فرضية رغم ضعفها الشديد ، لن تؤدى إلا إلى تحويل اليمن إلى حالة أقرب إلى الحالة السورية ، وإما أن تفشل ولكنها ستترك وراءها مجموعات إرهابية تتحصن بمواقع إستراتيجية حاكمة ، لا سبيل إلى إنكار ما يمكن أن يحدثه تمددها فيه من آثار وخيمة ليس على أمن اليمن فحسب ، وإنما على الأمن القومى العربى فى كل أبعاده ودوائره الواسعة .
( 5 )
قد يكون فى تسمية العملية باسم ( السهم الذهبى ) ما يستحق التوقف ، وسواء أكان الأمر مجرد استعارة شكلية مما أطلقته الولايات المتحدة على أحدى عملياتها فى أفغانستان ، أو كان غير ذلك ، فالثابت أن الاسم ليس له دلالة فى التراث العربى ، إلا لو كانت دلالة الذهب الذى يعنى الثراء والغنى لكنه يحمل أكثر من دلالة فى الفكر والموروث الغربى ، فالسهم الذهبى على مستوى الأسطورة الغربية هو الذى نفذ فى كعب ( أخيل ) الذى كان محصنّا من الموت ، وكانت نقطة ضعفه هو كعبه الذى أمسكت به الآلهة وهى تغمسه فى نهر الخلود ، وقد كان فارساً شجاعاً لأنه يقاتل بالسيف ، أما خصومه الذين كانوا يقاتلون من بعد ، بالرماح والسهام ، فإن الإلياذة تصفهم بأنهم جبناء ، بل وتخلع عنهم صفة الرجولة ، لكن المعنى الأقرب لـ ( السهم الذهبى ) فى الفكر الماسونى فيتلخص فى الخلاص من البشرية ، أو قل على نحو أدق إبادة البشرية ، وإذا كانت الولايات المتحدة قد استخدمت التعبير فى بعض حروبها ، فقد كان متسقاً مع هذا الفكر والموروث الغربى ، سواء أكان المقصود به المعنى الأبعد لقتل ( أخيل ) الشجاع ،أو المعنى الأقرب ، وهو فعل الإبادة ، لا مجرد الانتصار أو فرض الإرادة ..!
|