هاشم نضال - "ليس العالم بحاجة لمزيد من الناجحين، العالم بحاجة لمزيد من دعاة السلام" هكذا يقولها الدالاي لاما, فالعالم اليوم يفقد حقيقته, فـ"لا أحد يولد وهو يكره إنسان آخر بسبب لون جلد أو أصل أو دين" كما يؤكد نيلسون مانديلا وأكدت من بعده العشرات من الدراسات التي درست طبيعة الإنسان وفطرته الأولى, فالإنسان يولد على السلم المطلق, وتبدأ رغبة العنف فيه بالنشوء شيئا فشيئا, فإذا ما طغت فيه الـ"أنا" وتغلبت على الـ"آخر" تجاوز عنفه سلمه فظل الطريق, ولهذا فالإنسان بحاجة إلى محفز دائم يعيده لأصله الأول ويحفز بذرة السلام فيه باستمرار.
هذا التحفيز يكون أصعب ما يكون في مراحل الإنسان المتقدمة منها في صغره, لأن عقل الإنسان يرتبط بعدد كبير من المشتتات والمواقف التي تعترض طريقه كلما تقدم به العمر, فيتعزز لديه شعور طاغ بأحقيته عن غيره بالحياة. ولهذا تحاول اليوم عدة دول في العالم توفير مناخ مناسب لمتابعة النشأة النفسية لأفرادها منذ الطفولة, وقد يكون الإتحاد السوفيتي "سابقا" كان الأسبق لتطبيق هذه المتابعة للأطفال منذ نشأتهم, ونجد هذا منتشرا اليوم في العديد من الدول الأوروبية مثل السويد والنرويج, بل أن هذه المتابعة لسلوك الأفراد قد تحولت إلى المدارس فانتشرت المناهج الأخلاقية في العشرات من الدول في المراحل الابتدائية مثل اليابان وكوريا الجنوبية. إلا أن هذه المجتمعات المتقدمة وبرغم متابعتها الجادة منذ الصغر لنفسيات أفرادها تفشل في حصد النتائج فنجد أكبر نسبة انتحار تحصل في اليابان وأكبر نسبة شذوذ في كوريا الجنوبية. وتعزو إحدى الدراسات هذا الانهيار المتأخر الذي يبدأ في مرحلة المراهقة وشعور الأفراد بعدم حاجتهم للمجتمع إلى الضغط النفسي وتغلب سلطة العقل على الجسد. فتحتاج هذه المجتمعات إلى سلام روحي يمكنها من تجاوز أهم مراحل نشأة أفرادها. وتضع الدراسة حاجة هذه المجتمعات لوازع روحي يكون قادر على تجاوز هذه المرحلة الأصعب, مبرزة الأديان بخطابها الأخلاقي الغيبي كالحل الأمثل والناجع لهذه المجتمعات بحيث ستساعد على تحويل الفرد من التخبط إلى الاعتدال الروحي, ويتنمى في الأفراد الذكاء العاطفي والمجتمعي بجانب الذكاء العلمي الذي تعزز لديهم في المدرسة, فيصبح ارتباطه بغيره وتعايشه وتعاونه مع الجميع شيء مقدس يسعى إليه وليس مجرد درس أخلاقي, هكذا تقدم الدراسة الإسلام كحل لمعالجة التيه في هذه المجتمعات, وهكذا شعرت بغصة امتلاكنا للعلاج ومحاولة توفيره للغير في الوقت الذي فشلنا في استعماله منذ زمن, فنحن الذين ولدنا وتربينا على هذا الدين أظهرنا العجز عن فهم حقيقته الروحية. فنحن مسلمون بالاسم فقط, ربما منذ الوقت التي قدمنا فيه الشريعة وأخرنا العقيدة وغلّبنا العقل على الروح, والعنف على السلام. فكل ما نتعرض له من عنف منذ الصغر في المنزل والمدرسة والشارع وبحثنا الدائم عن القدوة والبطل الأشد عنفا, كل هذا انعكس بالتأكيد على فهمنا للإسلام الذي أصبح مجرد انعكاس لنفسياتنا العنيفة وسبيلا لممارسة العنف, متناسين أن الله رحمن رحيم, وأن السلام ارتبط دائما بالرحمة "سلام قولا من رب رحيم".
إننا بحاجة فعلا في مجتمعاتنا اليوم وبسبب تأخرنا الأسري والمجتمعي والتعليمي إلى صانعي ودعاة سلام أكثر من حاجتنا لعلماء وباحثين وأبطال, نحن بحاجة لمن يذكرنا ويحفز فينا فطرتنا الأولى التي هبطنا بها على هذه الأرض, لمن يحفز فينا الحب والتعايش والقبول بالآخر فنعيد إسقاء بذرة السلام المغروسة في ذواتنا لتنمو وتتساقط أوراقها بالمحبة بين الجميع وان نعلم أننا إذا لم نتمكن من إيجاد السلام في أنفسنا فلن نتمكن من أن نجده في أي مكان آخر
دمتم ودام لنا وطن |