اليمن الحبيب خصب بالعلماء والأدباء والعظماء عبر مراحل التاريخ، وفي اليمن كنوز من الأدب وكتب التاريخ مطمورة هي بحاجة الى التنقيب عنها.
سنرحل الى تهامة الخير والعطاء نطوف وديانها، سهولها وشواطئها وقراها وبساتينها الغناء ونتعرف على عاداتها وتقاليدها، وأغانيها وأهازيجها التي تشنف الأسماع وذلك من خلال مطالعتنا لكتاب....
(كيف غنت تهامة) تأليف المؤرخ الأديب/ عبد الرحمن طيب بعكر، طيب الله ثراه.
الناشر: مؤسسة الإبداع للثقافة والأدب والفنون، صنعاء، ويقع الكتاب في 171 صفحة.
قدم له الدكتور الأديب السفير الشاعر عبد الولي الشميري رئيس مؤسسة الإبداع ومما قال "تهامة فردوسية الروح والعاطفة، سهلة أرض طيبة معشراً، فيها انتعشت مدارس الروح والفكر وعلوم السلوك" الخ.
والقارئ للكتاب يرى بأن المؤلف رحمه الله قد بذل جهداً كبيراً في البحث والتنقيب عن شعراء تهامة وأدباءها الذين أطلق عليهم صقور الشعر التهامي الملحون، أي الشعر الشعبي "الحميني".
وسنتوقف عند احد أعلام الشعر التهامي في أواخر القرن العاشر الهجري وأول القرن الحادي عشر، إنه (الفقيه/ أبو بكر بن عبد القادر بن علي بن عبد الله مهير)، شاعرنا مهير ولد سنة 978هـ بقرية الحمرانية الواقعة بين حيس وزبيد الذي استطونها وتتلمذ على العديد من علماءها حتى أصبح من أعلام فقهائها وفيها توفي سنة 1059هـ.
ونحط موكب رحلتنا في مدينة العلم والعلماء (زبيد) وفي ساحة الشعر والأدب نسغي السمع الى بعض قصائد الفقيه الشاعر (مهير) باللهجة الدارجة لمنطقة تهامة كما أوردها المؤلف.
ففي هذه المقطوعة يصف الشاعر حبه الطويل العريض الذي قد حمله الكثير من المتاعب:
بحر حبي عريض طويل جئت شاحمل أنا الثقيل ونخلص قليل.. قليل ما لقيت لي ولا دليل
|
|
تهت بين مراكبه واتكلف متاعبه من صعوبة مذاهبه في مغامز حواجبه
|
وفي مقطوعة أخرى يعاتب الحبيب الذي بخل عليه حتى برد السلام ويشير بأدب ورقة وانسجام الى جفا وقساوة وتيه وشموخ هذا الغزل المحبوب..
لمه علامه واغزيل امخيف خليت معي نهده كراعد امصيف ماذي القساوة يا سلام سلم وانا مؤخر في ام كلام مقدم الناس يقولون القلوب شواهد تمر في شمخة وتيه زائد
|
|
بخلت حتى بالسلام علي.. كيف يا حيف مابي من جفاك يا حيف يمر بي معرض ولا تكلم كمثل من هو شايثبت على امهيف اما أنت قلبك خالف القواعد قتلتني من غير قتال ولا سيف
|
اح منك والف اح
وفي نص آخر يوضح ما يعانيه من السهر مما يلاقيه من الصمود: يقول:ـ
كن ترفق بالصب ولا تجور حيدنا أمس في حافتك ادوّر ذا التجني من جد أو مزاح ما تراني تلاعب بي امرياح
|
|
فيمحبك يا مكثر النفور وانت نائم وانا لي السهر اح منك والله والف اح من نحولي الدمع كالمطر
|
ومن أبياته الظريفة:ـ
ارقصي وازينب رقصة الشباب الفقيه في امجلاب صنيع امكتاب المهير صار محروق الفؤاد من صدودك ولا يعرف رقاد وانت معرض وتايه في عناد رحمته للفقيه قليبه وعينه حملوه ام ثقيل فالله يعينه
|
ويشير مؤلف الكتاب بأن للشاعر مهير قصائد في فن الموشح مثل قوله:ـ
أوقعوه موقع شديد ضاع عقله وهو يحيد يا احور الطرف يا غرير
|
الله الله بالمهير
|
كل يوم له غرام جديد ذا أمير الملاح لمظلم تعمد فامغني يرحم امفقير
|
ويبدو ان الشاعر مهير كان متأثرا بقصائد الشاعر المشهور/ محمد بن عبد الله شرف الدين المتوفي سنة 1016هـ.. فها هو ينشر قصيدته النونية على منوال قصيدة ابن شرف الدين التي مطلعها:ـ
عليك سموني وسمسموني
|
وبالملام فيك عذبوني
|
وجرو المصحف وحلفوني
|
فشاعرنا مهير يقول:ـ
الناس عليك يا خل أقلقوني فقلت منذا الشخص عرفوني اما أنا ما حدت ذا ولا اعرف عاد في زبيد حكام وناس تنصف مالي وله جنسي خلاف جنسه بس أنا من ذا الكلام وبسه قالوا رأوه الناس يوم عندك وزاد وضع خده فوق خدك فقلت حاشا الله ما لقيته والانعم في يوم جنب بيته قالوا وقالوا: قلت ابي اخبر كم من فقيه يعشق مليح ويعذر بالله خلوا خلي المربرب لا تسمعوا شيء ذا الكلام يتعب يكفيه مسكين ما جرى من أهله إن كان قد اخطى بقبح فعله ما شايقولوا إذا الفقيه يحبه قولوا وقولوا: قد حملت ذنبه ماذا العجب سنة المحبين ياسين من حمل الغرام ياسين
|
|
وعارضوا باسمك وسايروني ذا وصف من لا تنظره عيوني قالوا تعال احلف قلت ما احلف إن كان لكم دعوى فقابلوني وإن كان مليح حسنه مليح لنفسه لا تظلموه مسكين وتظلموني وفي يده شعر بخط يدك وانت تجني ثمرة امديني إلا عسى في النوم قد رأيته مريت عليه واناس ينظروني ما أنا فعلت اليوم فعل منكر اما أنا منه تحذروني يروح في حاله يخوض ويلعب وان تعب هو فالتعب يجيني كيف يضربوه ما يرحموه لجهله شحمل أنا ضربه فيضربوني حتى حمل عنه جميع ضربه لو أنهم بالنار يحرقوني لهم عجائب في الهوى مساكين الله على حمل الغرام عويني
|