لحج نيوز/استطلاع: محمد الواشعي ذمار -
جباري: كيف نطالب بإغلاق سجون المشائخ ونغض الطرف عن سجون المكاتب الحكومية وكلاهما خارج عن القانون
ناشطون حقوقيون: الوضع مقلق بشأن تزايد السجون الخاصة في ذمار
مدينة ذمار المعروفة بمدينة الجمال والتراث والتي تحمل تسميتها اسم ملك سبأ وذي ريدان "ذمار علي يهبر"، تحولت مؤخراً إلى ساحة مفتوحة للمواجهات المسلحة وانتهاك حقوق المواطنة على أيدي الأجهزة الحكومية، حيث يفتقد المرء فيها كرامته عندما تتحول أجهزتها الرسمية إلى مجرد أدوات بيد النافذين والمتواطئين معهم لامتهان كرامة المواطن ومصادرة حقوقه.
استحداث سجون خاصة في بعض المكاتب الحكومية بمحافظة ذمار لتقييد حريات المواطنين بصورة مخالفة لكل القوانين، بلغت بحسب إحصائيات ناشطين حقوقيين في ذمار (23) حجزاً مخالفاً للقانون، وهذا العدد - حسب قولهم - ليس نهائياً ولكنه مرشح للزيادة، حيث تتوزع هذه السجون على عدة جهات، أبرزها مكتب أراضي وعقارات الدولة، ومكتب الأشغال العامة، ومكتب الأوقاف، ومكتب الضرائب، ومكاتب أخرى، بالإضافة لأقسام الشرطة والبحث الجنائي.
ويؤكد عدد من الناشطين الحقوقيين أن المواطنين يتعرضون في تلك السجون للابتزاز والإذلال، ويستمر حجزهم فيها لأيام دون تحويلهم إلى النيابة، كون هذه السجون غير قانونية وبعيدة عن أنظار القضاء.
تجاوزات للقانون
المواطن عبده مهدي قام ببناء منزله في أرض يملكها، غير أن إدارة الأمن حسب قوله تواطأت مع مجموعة من الأشخاص تدعي ملكية الأرض نفسها، ونفذت ضده الأطقم العسكرية، وحاولت هدم منزله على رأس من فيه، وعندما طلب من إدارة الأمن تحويل القضية إلى المحكمة للنظر فيها والحكم في ملكية الأرض، تم تحويله إلى السجن المركزي بذمار بدلاً من تحويل القضية إلى القضاء.
مهدي ذكر لنا: أن إدارة الأمن متعاطفة مع الطرف الآخر، وحاولت هدم منزله في يوم الثلاثاء 24 مارس 2010، مشيراً إلى أن كل تلك الإجراءات لمحاولة الهدم وسجنه لأسبوعين كانت بدون أوامر قضائية، وهو ما يعتبر تجاوزاً للقانون، الذي حدد صفة الضبط القضائي بأربعة وعشرين ساعة فقط.
سجن الأراضي
ولأن مشاكل الأراضي في ذمار لا تنتهي، فإن مكتب أراضي وعقارات الدولة هو الآخر، أراد أن يكون له باع في ضبط الأمور - على ما يبدو - وتوقيف الناس عند حدودهم، فأوجد له سجناً خاصاً داخل سور المجمع الحكومي للمحافظة، يحبس فيه الضعفاء، ومن يتجهون إلى المكتب لاستئجار أراضي الدولة بشكل رسمي، بينما يترك من يغتصبها أو يبسط على ارض غيره بقوة السلاح والمال والنفوذ، لدرجة أن السطو على أراضي الدولة في ذمار أهون من استئجارها.
وفي كثير من الأحيان يتسبب مكتب الأراضي في نشوب نزاعات بين المواطنين، وتتحول في معظمها إلى مواجهات مسلحة، إذ انه يقوم بمسح الأرض الواحدة لأكثر من شخص بغية الحصول على المال من جميع الأطراف، وهو ما تحكيه قصة المواطن أحمد الذي توجه إلى مكتب الأراضي لاستخراج عقد لإيجار الأرض التي بنى فيها منزله، ولكنه وجد نفسه داخل سجن المكتب، مجبراً على دفع (35) ألف ريال للمسئول المالي بالمكتب، بالإضافة إلى (50) ألف ريال للمهندسين ومن قاموا بمسح أرضه، وبعد دفع تلك المبالغ تفاجأ بقولهم أن عقود الإيجارات موقفة، ليتم مسحها لشخص آخر بعد فتره بسيطة، مما يؤدي إلى نشوب مواجهات مسلحة بين المواطنين.
سجن البلدية
أما سجن مكتب الأشغال العامة، فهو عامرٌ بأصحاب العربيات والبساطين وعمال البناء، حيث يتعرضون للسجن فيه بشكلٍ تعسفي ومهين، وأصبحت البلدية قادرة على سجن أي شخصٍ كان حتى الصحفيين، وصار الناس يطلقون عليه تسمية غونتنامو ذمار.
ويشكو عمال البناء والباعة المحتجزون بسجن البلدية من أنهم يظلون فيه لأيام دون توفر أدنى المقومات المعيشية فيه، كما أنهم يتعرضون فيه للإهانة والابتزاز من قبل مدير المكتب وعساكره، وكانت قضية احتجاز الصحفي صقر أبو حسن في سجن مكتب الأشغال هو ما أثار الموضوع، وكشف عن ما يتعرض له المواطن من انتهاكات بداخله.
الزميل صقر أخبرنا أن مدير المكتب شخصياً وجه له الشتائم والاهانات والكلمات النابية التي لا يمكن أن تصدر من مسئول يمثل النظام والدولة، كما أمر عساكره بمصادرة كاميرته وهاتفه المحمول، وسحبه إلى سجن المكتب ليظل فيه أربع ساعات إلى أن تدخل وكيل نيابة محافظه ذمار للإفراج عنه.
وقال: لقد غفل المكتب عن أداء دوره في تنظيم المدينة وتحسين شوارعها، التي أصبحت أكثر المدن اليمنية عشوائية، واتجه لابتزاز المواطنين، وجرهم إلى السجن في سبيل الحصول على مبالغ مالية.
ولأتفادى ما تعرض له زميلي الصحفي صقر أبو حسن، أجلت زيارة السجون حتى يوم الجمعة لأنها عطلة رسمية لأتمكن من زيارة السجناء والحديث معهم وتصويرهم بأمان.
صورة من الواقع
وعندما دلفت باتجاه سجن مكتب الأشغال كنت أتوقع بان لا أحد في السجن، ولكني تفاجأت بوجود اثنين من عمال البناء مستلقين على كراتين بداخله منذ صباح الخميس الماضي، وهما/ عبده ناجي الميثالي، وإبراهيم يحيي هشيل، تحدثوا إلى بألم وقالوا: " جاء صاحب عمل وأخذنا من حراج العمال لنبني له، وما إن بدأنا العمل حتى جاءت البلدية وأخذونا وبهذلوا بنا إلى هذا السجن، وكان صاحب العمل غير موجود، وكلمناهم إحنا عمال ايش دخلنا، والآن لنا من الخميس وهم يرفضون إخراجنا ويطلبوا منا فلوس.
وأضافا: " نحن عمال نبحث عن أي عمل نعيل به أسرنا ولا نجد ما نعطيهم ، ومن أمس الخميس والى اليوم بدون أكل، والماء يعبوا لنا صحة من الوايت، وننام على البلاط - كما تشوف - نفترش الكراتين.
مخالفة للقانون
ودعتهم على حين غفلة ممن تبقى من عساكر الأشغال، واتجهت صوب المشتغلين بالقانون، لأستوضح الموقف القانوني والتشريعي من إنشاء السجون الخاصة للجهات الحكومية، والتقيت المحامي عبد الكريم المصري، وهو ناشط حقوقي يعمل بالمرصد اليمني لحقوق الإنسان بذمار، وتحدث لنا عن الضوابط التي حددها المشرع اليمني لمهام تلك الجهات، وقال: الواقع أن القانون قرر لهذه المكاتب مأمورية الضبط القضائي في المادة (84) من القانون، بأن تقوم هذه المكاتب بإبلاغ الجهات الأمنية لضبط المخالفين، والمهمة تقع على عاتق الأجهزة الأمنية، أما بشأن سجون المكاتب الحكومية بذمار فهي غير قانونية مثلها مثل سجون المشائخ والنافذين تماماً، وعلى المواطنين الذين يحتجزون فيها اللجوء إلى النيابة العامة والمحكمة، ومقاضاة سجانيهم، والقانون قد كفل لهم ذلك الحق، وحدد عقوبتها خصوصاً وأنهم مسئولون عن النظام فستكون عقوبتهم رادعة جراء ما يرتكبونه بحق المواطنين.
قلق حقوقي
من جانبه يشير الناشط الحقوقي إبراهيم العفاره إلى الوضع المقلق بشأن تزايد السجون الخاصة بشكل مخيف في ذمار وبصورة مخالفة للقانون، لدرجة أن مدراء بعض المكاتب الحكومية يستحدثون غرفاً في مقراتهم لحبس المواطنين.
وقال: " إن حمى السجون الخاصة وصلت إلى قاعات المحاكم، حيث يتم سجن أي شخص في غرفة جانبية لأتفه الأسباب، كأن يرن جوالك داخل قاعة المحكمة فجأة، فتسجن ولا يتم الإفراج عنك إلا بعد أن تدفع غرامة مقدارها خمسمائة ريال وقد تزيد أحياناً".
وأوضح عفاره – الذي يرأس لجنة الحقوق والحريات بمركز الحوار لتنمية ثقافة حقوق الإنسان أن الانتهاكات التي يتعرض لها المواطنون في أماكن التوقيف كثيرة، بدءاً بتقييد حرية المواطنين البسطاء، بحبسهم في السجون الخاصة، وإجبارهم على دفع مبالغ ماليه بدون وجه حق، وتعرضهم للضرب والتعذيب والاهانات اللفظية أثناء التحقيقات في سجون البحث الجنائي وبعض أقسام الشرطة.
وقال: "يبدو أن الوقت لم يحن بعد لتكريم المواطن البسيط الملتزم بالقانون، بينما كبار القوم والنخب لا يمكن جرهم إلى مثل هذه الأماكن، مع أنهم أكثر تعدياً على القانون".
سجون المكاتب التنفيذية في ذمار أثارت قلق الحقوقيين بشأن وضعها المخالف للقانون وممارساتها التي تنتهك حقوق المواطنين، حيث قاموا برفع مذكرات لمحافظ ذمار لإغلاق هذه السجون كونها مخالفة للقانون، وتفاعلاً معها وجه المحافظ بمذكرات تحمل الرقم ( 1110) بتاريخ 11 / 4/ 2007م، وكذا مذكرة أخرى تحمل الرقم (458) بتاريخ 25 / 2/ 2008م، إلى مدراء المكاتب بعدم استحداث غرف لحجز أي شخص في حبوسات المكاتب كونها غير قانونية.
وأكدت تلك المذكرات -حصلت "الغد" على نسخ منها- بأنه يمنع منعاً باتاً فتح أماكن لحجز المواطنين لأنها غير قانونية، ونحملكم مسئولية المخالفة.
يجب إغلاقها
عضو مجلس النواب عن الدائرة (195) بذمار عبد العزيز جباري، عبر عن رفضه الشديد لهذا النوع من السجون، وقال: " كلنا ضد هذه السجون تماماً، ويجب أن تغلق، وان يحاسب من يحتجز المواطنين ويصادر حريتهم في تلك السجون، وهذه جريمة يعاقب عليها القانون."
وأضاف متسائلاً:" كيف نطالب بإغلاق السجون التابعة لبعض المشائخ والشخصيات، ونغض الطرف عن سجون المكاتب الحكومية، وهي نفسها، وكلاهما تعمل خارج نطاق القانون، وتقيد حريات المواطنين."
وأكد أن السجون القانونية هي التي تتبع النيابة العامة وأقسام الشرطة، وقال:" حتى هذه السجون القانونية لديها مدة محددة في القانون لتوقيف الناس، أما ما نلاحظه في محافظه ذمار من استحداث كل مكتب سجن خاص به، فهو مخالف للقانون".
في الختام
توجيهات عديدة لكنها لم تجد طريقها إلى آذان القائمين على السجون لتنفيذها، فكما لا تزال حقوق المواطنة هناك منتهكة، يستمرون في استحداث المزيد رغم عدم قانونيتها، ولسان حالهم "على عينك يا قانون".
تقلا عن صحيفة الغد |