لحج نيوز/بقلم:نوال العيد -
لا تكاد مجالس النساء بل ومجالس الرجال تخلو من الحديث عن زواج المسيار، هذا الزواج الذي اختلف علماء الاجتماع في عده ظاهرة أو لا، وقد غدا كابوساً تخشاه النساء، وحلماً يتطلع إليه بعض الرجال، وانتشرت الفتاوى المبيحة له أشد من انتشار النار في الهشيم، وعُول على فتاوى للشيخ عبدالعزيز بن باز والشيخ يوسف القرضاوي وما أصدره مَجمَعُ الفقه الإسلامي برابطة العالم الإسلامي في دَورَته الـ 18، المُنعَقِدة بمَكَّة المُكرَّمَة والذي يرى أنه نكاح استوفى الأركان والشروط، وانتفت منه الموانع. ويردد الكثير ممن يقتنع بهذا الزواج أنه زواج معروف منذ قديم الأزل، وعليه بوّب الإمام سعيد بن منصور باباً في سننه سمّاه بـ: «نكاح النهاريات» وأورد فيه آثاراً عن السلف الصالح منها ما ورد عن الحسن: (في الرجل يتزوج المرأة ويجعل لها من الشهر أياماً معلومة فلم ير به بأساً، وكان ابن سيرين يكره ذلك)، وأطال ابن قدامة النفس في ذكر اختلاف العلماء في حكمه. ومع ثبوت ما تقدم إلا أن هناك أقوالاً لبعض العلماء تمنعه، منها فتوى للشيخ محمد بن عثيمين، وفتوى (للألباني) رحمهما الله. والمتأمل لهذا الزواج تلح عليه تساؤلات تدعو إلى مراجعة الفتاوى المجيزة له، أوردها في نقاط: أولها: هل تحققت المقاصد العليا في الإسلام في مثل هذا الزواج؟ مقصد السكن والمودة والرحمة والإعداد للأسرة الصالحة، أم أنه يتمحور حول المتعة والشهوة؟!
ثانيها: هل تمت الموازنة بين مصالح هذا الزواج ومفاسده؟ وكم عدد الزيجات التي تكللت بالنجاح؟ والزيجات التي انتهت بالطلاق والفرقة؟ وما مصير الأبناء الذين كانوا نتاج هذا النوع من الزيجات؟ وأين قاعدة درء المفاسد مقدم على جلب المصالح، وما أتت به الشريعة من تكثير المصالح وتكميلها، وتقليل المفاسد وتحجيمها، ألم يترك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هدم الكعبة وإعادة بنائها على قواعد إبراهيم حتى لا يثير فتنة على قوم حديثي عهد بشرك، مع أن إعادة بناء الكعبة أمر مندوب إليه؟
ثالثها: أليس من واجبنا إظهار محاسن الإسلام للعالمين لا إبراز ما يُمكن أن يُساء إلى الإسلام من قبله، وهل حسن زواج المسيار الإسلام وأهله، أم أنه استُخدم وسيلة نيل للإسلام، ألم يترك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قتل المنافقين حتى لا يقول الناس إن محمداً يقتل أصحابه، وما الضير لو منع هذا الزواج حتى لا يقال إن رجال المسلمين يستغلون المرأة؟ رابعها: نعم يجوز للمرأة أن تتنازل عن حظها في المبيت والنفقة، كما تنازلت سودة بنت زمعة عن ليلتها لعائشة، لكن هل من حق المرأة أن تتنازل عن حق أبنائها في مبيت أبيهم ونفقتهم، والمتأمل لحال الأبناء الذين كانوا ضحايا لزواج المسيار يرى أبا يتخلى عن المسؤولية في النفقة والتربية، وامرأة تلهث لتوفير حياة كريمة، وتنشئة صالحة لأبنائها.
خامسها: ألم يقل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «من أحب أن يزحزح عن النار ويدخل الجنة فلتأته منيته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر، وليأت إلى الناس الذي يحب أن يؤتى إليه» فهل يحب الرجل مثل هذا الزواج لابنته وأخته؟
سادسها: هل يصح نشر مثل هذه الفتاوى في عصر انتشار قلة الذمم، وتسلط الأقوياء على الضعفاء، وظلم القادر للعاجز، وما تظهره الإحصاءات من ظلم للنساء اللاتي حرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حقهن؟ ورحم الله ابن القيم حين قال: «تغير الفتوى واختلافها بحسب تغير الأزمنة والأمكنة والأحوال والنيات والعوائد وبناء الشريعة على مصالح العباد في المعاش والمعاد: هذا فصل عظيم النفع جداً، وقع بسبب الجهل به غلط عظيم على الشريعة أوجب من الحرج والمشقة وتكليف ما لا سبيل إليه ما يُعلم أن الشريعة الباهرة التي في أعلى رتب المصالح لا تأتي به، فإن الشريعة مبناها وأساسها على الحكم ومصالح العباد في المعاش والمعاد، وهي عدل كلها، ورحمة كلها، ومصالح كلها، وحكمة كلها، فكل مسألة خرجت عن العدل إلى الجور، وعن الرحمة إلى ضدها، وعن المصلحة إلى المفسدة، وعن الحكمة إلى العبث فليست من الشريعة»... فهل سيعاد النظر في مثل هذا الزواج؟