لحج نيوز/محيط:القاهرة- فادية عبود -
بجلبابها الأبيض ووجهها العابس تعتني "عادلية" برضيعها داخل الزنزانة بسجن القناطر الخيرية للنساء دون ارتكاب جريمة قتل أو سرقة، فكل جرمها في الحياة هو الفقر.
عادلية وغيرها كان السجن مصيرهنّ بسبب الفقر والشيكات بدون رصيد ووصولات الأمانة، كما يبلغ عدد السجينات في مثل هذه القضايا 80 امرأة بسجن القناطر الخيرية بمصر، وتحاول جمعية رعاية أبناء السجينات سداد ديون سجينات الفقر للخروج إلى أسرهنّ من جديد .
ديون جهاز الأخت
عادلية أم لثلاثة أطفال أولهما مصطفى ( 9 سنوات) ويوسف ( 4 سنوات) والأخير عبد الرحمن ( عاماً واحداً) وكانت ترعاه في السجن حسب ما يسمح لها القانون .
تسبب الفقر في سجن عادلية، حيث كانت أمها تعمل في سوق الخضار، تبيع بضاعتها وترضى بالرزق اليسير الذي يفتح به الله عليها، لكن اشتد عليها المرض وكانت في حاجة دائمة إلى الأدوية، وما كان من عادلية إلا أن قبلت أن تعمل بمهن مختلفة حتى توفر لها علاجها. وبينما كان المرض يزداد على أم عادلية، كانت شقيقتها تسعى لتجهيز نفسها للزواج، وكان الدخل اليسير من تجارة الخضراوات مع ما تجنيه عادلية لا يكفى بأي حال من الأحوال لشراء جهاز شقيقتها. واضطرت عادلية إلى شراء أجهزة كهربائية بالتقسيط لتجهيز شقيقتها، وكتبت على نفسها إيصالات أمانة للتجار، على أن تسدد ما عليها من أموال بدخل والدتها ودخلها، وهنا حدثت الطامة الكبرى.. توفيت والدتها وهى تشترى الخضراوات من سوق العبور.. صدمتها سيارة أثناء عبورها الطريق فماتت على الفور وبوفاة الأم انقطع الجزء الأكبر من الدخل، وتعثرت عادلية في السداد ووصل بها الحال إلى طريق مسدود، وبدأ أصحاب الديون يطالبون بأموالهم وهددوها باتخاذ إجراءات قانونية إذا لم تسدد، وبالفعل كان السجن جزاءها لأنها تدانيت لأكثر من تاجر حتى تكفل لشقيقتها حياة كريمة بعد وفاة والدتها المفاجئة.
لم تمكث الأخت الشجاعة والأم الباسلة كثيراً في السجن، فقد خرجت بمساعدة "جمعية رعاية أطفال السجينات"، وتم التنسيق في جلسة صلح مع الدائنين، والذين استردوا كل المبالغ المالية بمقدار 7 آلاف جنيها.
ضحية مؤامرة
أما ميرفت فكانت تعمل في تجارة الملابس في قريتها الصغيرة، معتمدة في جزء من معيشتها على ذلك الدخل المتواضع الذي يدره عليها مشروعها الصغير، وتعرضت لشكوى كيدية منذ سنوات طويلة من أحد أبناء البلد، الذي تآمر عليها مع صديق له وقدَّما للمحكمة شيكًا بمبلغ كبير من المال يحمل توقيعها لصالح ذلك المتآمر، مستغليْن أنها تعمل بالتجارة وأنه في معظم الأوقات تكون عليها مديونيات لتجار الجملة، لكن ميرفت طعنت بتزوير الشيك، وحكمت لها المحكمة بالتعويض كما حكمت على صاحب الشكوى بالحبس، بعد ثبوت تزوير توقيعها. حاول ابن هذا الرجل أن يتصالح مع ميرفت على أن تتنازل عن القضية التي رفعتها على والده، فأخبرته ببساطة أنها لا تريد تعويضًا وأنها على استعداد للتنازل عنه فورًا، أما الحكم الذي تلقاه والده بسبب التزوير لم يكن بوسعها أن تتنازل عنه لأنه ليس بيدها لكن بيد المحكمة. ومع تعهدها لنجل الرجل بالتنازل عن التعويض كانت خطيئتها الكبرى، حيث طلب منها ضمانًا بأنها ستفعل ذلك فعلاً، فوافقت على أن توقّع له على إيصال أمانة على أن تسترده بمجرد أن تتنازل عن التعويض، وهي مجازفة ساذجة دفعت ميرفت ثمنها فيما بعد.
وتقول ميرفت لم أكن أعرف أن هذا الرجل سيدفعني إلى السجن بإيصال الأمانة ظننت أنه فقط يريد ضمانًا لكي أتنازل عن القضية التي رفعتها على والده، وكنت أعتقد أن كلمة الشرف سترد الأمور إلى وضعها الطبيعي، بمجرد أن أتنازل سيسلمني إيصال الأمانة، لكنني كنت مخطئة" ، وما أن تنازلت عن التعويض حتى تقدم ابن المحكوم عليه بإيصال الأمانة للمحكمة، وحكم على ميرفت بالسجن 3 سنوات وبدأت تنفيذ الحكم في 28 ديسمبر من عام 2008.
ومن داخل السجن، وجدت ميرفت شعاع الأمل في مشروع "سجينات الفقر"وسددت عنها الجمعية مبلغ 3750 جنيه للدائن .
زوج غادر
يومياً يتكرر مسلسل غدر الأزواج فهذه غدر بها زوجها لتيزوج بأخرى وتلك أصابها بعاهة وغيرها سرقها ليتزوج عليها بأموالها، لذا ما تعرضت له نجلاء ليس بجديد في مسلسلات غدر الأزواج الكئيبة .
لقد أوهم عبد الحميد محمد عبد الحميد درويش، زوجته نجلاء أنه من الأثرياء ويمتلك عدة مزارع للأسماك وهو في حاجه إلى ضامن لكي يشترى أعلاف للأسماك من شركة مصر للزيوت والصابون حتى لا تموت الأسماك، فدفعتها شهامة الزوجة للوقوع في الفخ واندفعت بعاطفة المرأة ووافقت زوجها كضامن ووقعت على ثلاث شيكات وبعدها غدر بها الزوج وطلقها وهرب دون أن يسدد شيء ورفعت الشركة قضايا الشيكات بدون رصيد لعدم السداد على نجلاء وحكم عليها بالسجن 9 سنوات.
وطلبت والدتها نظيره صالح حسين من الإسماعيلية، المساعدة من جمعية رعاية أطفال السجينات، وقالت إنها باعت كل ما تملك وتركت الأسرة على البلاط وقد جمعت 40 ألف جنيه فقط من قيمه المبلغ المطلوب لإخراج نجلاء من السجن وهو 70 ألف جنيه للتصالح مع شركة مصر للزيوت والصابون، وبالفعل وفرت الجمعية مبلغ 30 ألف جنيه بعد في وقت قياسي وذهبت عائله نجلاء والعاملين بالجمعية على الفور إلى خزينة الشركة وسددوا ال70 ألف جنيه لكي تخرج السجينة نجلاء محمد من السجن وتعود إلى أحضان طفليها هايدى ومحمد وأمها وعائلتها.
الفقر أكبر الجرائم
أكبر عدد من جرائم النساء بدافع الفقر، هذا ما تؤكده الكاتبة نوال مصطفى رئيس جمعية رعاية أبناء السجينات، وتوضح أسباب إنشائها للجمعية قائلة : راودتني الفكرة من واقع معايشتي للسجينات عام 1990 بعد حملة حملة صحفية قمت بها داخل سجن النساء بالقناطر، ومنذ ذلك الوقت وهى تحاول أن تضيء شمعة في طريق مظلم هو طريق الأطفال الذين يولدون أو يعيشون أول سنتين من حياتهم خلف الأسوار .
وتفيد رئيسة جمعية رعاية أبناء السجينات ، بأن نسبة كبيرة من الجرائم النسائية نابعة من الفقر وتتمثل في نصب، سرقة، أو آداب ، مشيرة إلى أن غالبية النساء محبوسات في قضايا شيكات بدون رصيد حيث تعذرنّ في السداد وهذه الفئة لا تعتبر مجرمات وإنما تعذرنّ في السداد، وهذه الفئة تقصدها الجمعية حالياً وتنظر في أوراق 80 سجينة لمساعدتهن في تسديد الديون كما حدث مع النماذج السابق ذكرها .
وتتابع : الحقيقة أنني عندما اتجه تفكيري إلى هذا المشروع كنت اعتقده منطقة محرمة أن أخرج سجينة من السجن، ظننت أن العقبات الروتينية ستقف في طريقي، وأن أيادي كثيرة ستعمل على إجهاض فكرتي، لكن العكس هو ما وجدته من وزارة الداخلية وقطاع مصلحة السجون، الذين سخروا لي إمكاناتهم وقدموا لي ما يمكن تقديمه من مساعدات، واليوم تقترب جمعية رعاية أطفال السجينات من إكمال العِقْد الثاني في هذا العمل الإنساني، وقد كانت فرحتي الأكبر أن أرى بعيني أول سجينة استطاعت أيادي الخير أن تخرجها من السجن، كان اسمها أميمة ومثّلت من وجهة نظري نموذجًا متقنًا ومثالاً حيًا لما يمكن أن تقدمه القلوب الطيبة لمن هم في محنة من المعذبين في الأرض، فقصتها ملحمة إنسانية رائعة تجسد أسمى معاني التكافل والتراحم وتعظم من قيمة الشعور بالألم ومعاناة الآخر، والآن.. تزداد فرحتي وأنا أرى مشروعنا العملاق (الإفراج عن سجينات الفقر) يكبر يومًا بعد يوم، وأشاهد بعيني فرحة السجينات التي أدعو الله أن تكتمل على أيدينا بخروجهم من هذا العالم الكئيب إلى حياة أتمناها لهن هانئة رغدة".