لحج نيوز/عدن:وائل القباطي,شذى العليمي - سحابة يأس وحزن تخيم على عنابر سجن المنصورة بعدن، التي تكتض بـ118 سجين على ذمة حقوق خاصة حسب تأكيد مدير السجن، إذ1 لم يتبقى سوء أيام معدودة ينقضي بعدها شهر رمضان- موسم الإفراجات المعهود- الذي وخلاف للأعوام السابقة لم يخرج أحد من السجناء المعسرون إلى الحياة هذا العام حتى اللحظة.
يدرك العالقون خلف قضبان السجن والجهات المسئولة عن مأساتهم الإنسانية مخالفة ذلك للقانون الذي ينص صراحة على معاقبة القائمين على هذه المؤسسات وتغريمهم إذ ما تورطوا في إبقاء سجناء بعد انقضى الفترة المحكومين بها ، مع ذلك فأن هذه الجهات عن عمد وإصرار تتعسف في تطبيق القانون على سجناء الحقوق الخاصة، والأدهى من ذلك تملصها عن القيام بواجبها تجاههم في استخراج أحكامهم الابتدائية وأحكام الإعسار ونسيانهم، كما يفعل ذويهم والمجتمع المدني والصحافة ذلك أيضاً.
إذ يأمل تفاعل الجهات المعنية ورجال الخير، يقدم نماذج فاضحة من عوالم المنسيين في المنصورة.
نيابة السجن ترفع ملفات المحكومين المعسرين أولا بأول للنائب العام
أكد عبد الجبار المنصوب أن النيابة تعاملت مع جميع المحكومين إعسار وترفع ملفاتهم أولاً بأول إلى نيابة استئناف محافظة عدن التي بدورها ترفع الملفات للنائب العام، وأضاف وكيل نيابة سجن المنصورة لـ مأرب برس: نحن رفعنا كافة ملفات المحكومين التي وصلتنا وقد بت فيها النائب العام وتم إطلاقهم نفياً علمه بوجود معسرين في السجن.
من جانبه قال عزام إبراهيم القائم بأعمال رئيسة نيابة استئناف عدن، إن 8 من السجناء المعسرين في السجن المركزي يتوقع الإفراج عنهم خلال الأسبوعين المقبلين.
وأضاف أن السجناء الثمانية لديهم أحكام إعسار وأن نيابة عدن تنتظر رد النائب العام بعد أن زودوه بملفاتهم.
وأشار عزام إلى أن النيابة أفرجت مؤخراً عن حالتين ثبت إعسارهما.
وعن شكاوى السجناء من عدم حصولهم على الأحكام للمحكومين بما في ذلك المحاكم الابتدائية، وهو ما يعرقلهم عند تقديم طلبات الإعسار، أشار إلى أن رئاسة النيابة وجهت للنيابات المختلفة بمتابعة استخراج الأحكام وإيصالها للسجناء.
عزام اتفق مع عدم قانونية حجز السجناء بعد انتهاء فترة أحكامهم، مؤكدًا أن الحجز يُتخذ كإجراء لحماية حقوق المجني عليهم، منوهـًا بأن الحلول والمعالجات كتقسيط المبلغ أو الضمانات، تضعها النيابة.
ثمانيني عالق منذ عامين
تهاون استئناف عدن يمنع الحاج ناصر من مغادرة السجن!
صدفة! عصر السبت الماضي التقيناه في فناء سجن المنصورة المركزي بعدن، لحظتها كان عم ناصر يقبض على رزمة أوراق الإفراج، على عجل بينما كانت أصوات العسكر تأتي من جهات مختلفة، التقطت هذه الصورة للرجل وهو يتجاوز عتبات البوابة الحديدية للسجن المعلق عليها لافتة تحذر من تجاوزها للأشخاص غير المصرح لهم، لحظات بعد أن كان باح لي بمأساته المريرة، أو لنقل انتزعت منه تفاصيلها المثيرة على وجه الدقة. أمس الثلاثاء أكدت لي مصادر في السجن أن الرجل ما زال هناك.
يشارف ناصر عبدالله سعيد على عقده الثامن، لكن سنه لم تمنع مافيا الفساد في محلي صيرة من التنكيل بالرجل وسلبه مصدر دخله الوحيد و"تحويشة" عمره، وإلقائه بعدها خلف قضبان مركزي المنصورة، في قضية أكد أنها كيدية لإخراسه عن مطالباته العنيدة بحقه وتمسكه ببصيص أمل عدالة حتى رمقه الأخير.
تعود بداية القضية إلى مطلع العام الماضي 2008، عندما قابل الرجل الطلبات المتكررة من قبل مأمور مديرية صيرة بالتنازل عن دكانه بمقابل، بالرفض القاطع، قرر بعدها الرجل القيام بزيارة قصيرة لابنتيه وولده الأكبر في سقطرى، معتقدًا أن الأمر قد حسم، وعندما عاد من هناك كان كل شيء قد طبخ على نار هادئة، وأصبح محله في ملكية شخص آخر، يقول وهو يشخص ببصره للبعيد: "المأمور ألغى عقد التأجير حقي وصرفه لشخص من الحرس الجمهوري يدعى محمد سالم الوصابي، ولما رحت البلدية قال لي المدير إنه مش هو اللي ألغى العقد وأنهم بايشهدوا معي". هكذا ببساطة خسر الحاج ناصر 30 عامًا منذ أن استأجر الدكان عام 82، وقام بترميمه وإصلاحه. الأدهى من ذلك أن المستأجر الجديد ادعى عليه بمبلغ 243 ألف ريال.
الأبيني المسن الذي قدم إلى عدن أيام الإنجليز، وفي مطلع ثمانينيات القرن الماضي عمل في بيع المنتجات السقطرية: فصوص وعقيق وياقوت وغيرها... يقول: "أنا ما كنت أعرف حاجة أجو واقتحموا الباب وكسروا القفل وشلوا كل حاجة داخل الدكان، وأخذونا إلى السجن.. وبعد مدري كم جلسة حكمت عليا المحكمة بالسجن سنة وثمانية أشهر وسداد المبلغ"، ويؤكد أنهم حتى لم ينصبوا له محامياً.
السبت قبل الماضي، كان الرجل المسن على وشك مغادرة السجن، وهو يحتفظ بين ثنايا محفظته القديمة والخالية من النقود صور أولاده وصورة لمأمور مديرية صيرة. كان مصمماً على الاقتصاص لعامين أُهدرا من عمره، ولمنتجاته السقطرية الغالية على نفسه، ودكانه، وقال إنه ينوي رفع قضية ضد الأطراف المختلفة التي تورطت في قضيته أو مأساته الإنسانية، والمطالبة بـ28 مليون ريال، كتعويض وإرجاع دكانه وممتلكاته ورد الاعتبار له. المؤكد أنه حينها لم يدر بخلده أن التوكيل الذي سيحرره للنيابة لاستقطاع أقساط من راتبه بالمبلغ المحكوم به، سيؤخره كل هذه المدة، نتيجة مماطلة وتهاون نيابة استئناف عدن في تنفيذ توجيهات لجنة السجون وتقسيط المبلغ من راتبه.
قال الرجل الذي وصمه حراس السجن بالجنون، بينما كان منهمكًا في قراءة الجريدة: "أيام الاتحاد اتعسكرت في هذا السجن، كنت جندياً، واليوم رجعت مسجون بعد هذا العمر بأخرج من السجن مثلما خرجت من بطن أمي" حد وصفه ولم يخرج بعد.
لقد جاهد المسن الثمانيني طويلاً ليثبت لنا عدم قانونية حبسه، وأنه شكا الأمر لنيابة الاستئناف أكثر من مرة، وكذا اللجان المتعاقبة التي زارت السجن. الآن هو في غنى عن شكوى حبسه، وعليه أن يشكو عدم تنفيذ أوامر الإفراج.. وهو ما يعتزمه الرجل الذي عندما زودته برقم هاتفي ورقم الصحيفة، بدا لي ممتنـًا أكثر مما يجب، وعلى ملامحه المذهولة شبه ابتسامة وأمل بعدالة لا تضيع حقاً وراءه مطالب، ولكن.. ليس في هذا البلد الموبوء بالفساد يا عم ناصر..!
مرابيع ألقت برمضان خلف القضبان منذ سنتين
مصدومين كنا نطالع كشف أسماء سجناء المنصورة المعسرين بعدن، عندما استوقفنا اسم رمضان، حينها لم يكون الاسم هو السبب الوحيد للتوقف, إذ ثمة ما يدعو للاستغراب في خانة الحكم "200" مربوع لصالح أحد تجار مواد البناء في سيلة الشيخ عثمان، بعدها بدقائق كان الشاب التهامي الأسمر يسرد لنا تفاصيل مأساته المريرة.
منتصف2007 رمضان على سعيد بظروف مادية سيئة جداً، لم يستطيع معها عامل البناء العودة إلى منزله في أحدى الضواحي القريبة من الشيخ عثمان، حيث تنتظره زوجته وطفلته خالي الوفاض، يقول رمضان المولود في عدن بلكنة تهامية خفيفة" أنا على باب الله يوم في ويوم ما فيش، وبعدين واحد من المعاريف قال لي خلينا ندبر لنا مصاريف" يتوقف رمضان ويطرق إلى الأرض بعد إن أدرك تماماً فداحة الإصغاء إلى لنصيحة وخيمة العواقب لكن ما باليد حيلة هكذا ردد لسان حال رمضان يومها.
يواصل رمضان" كنا لما نزدنق ننتع4-2 مرابيع ونبيعهم بحق المصاريف" أسبوعين فقط، بعدها أشتغل رمضان مع أحد المقاولين في المنصورة في التكسير، أستمر على هذا الحال لأكثر من شهر، إلى أن حدث شجار في المكان الذي يعمل فيه أخذ رمضان والموجودين إلى شرطة كابوتا التي كان قد وصلها بلاغ به بعد القبض على شريكه واعتراف الأخير بالسرقة وإعطاء الشرطة اسم رمضان، بدراماتيكية وسرعة تولت بعدها الأحداث ليجد الرجل نفسه خلف قضبان المنصورة محكوم بسنة سجن ودفع 200000ألف ريال، لكن الأدهى من ذلك اضطراره إلى طلاق زوجته وأخذه الطفلة التي قال أنها عند أهل زوجته في لحج بينما هو لا يزوره أحد.
الأسبوع الماضي بدء لي ضحية صديق المرابيع السيئ محطماً ويأس بما يكفي للتعبير عن هول فاجعة شاب معدم أمضى سنتين في السجن ومازال مطالب بدفع المبلغ في الوقت الذي نفى فيه وجود من يتابع له حكم إعسار قال باستسلام وقلة حيلة" ياليت اللجنة- يقصد لجنة السجون- تتعاون معي ما فيش معي حد، أنا معتمد على الله وعليهم".
9 أشهر منذ طلب عبد الله عبد الجليل مقابلة قاضي الإعسار
من ملامح عم عبد الله تتشف أن روح النكتة تطغى على كل شيء آخر في الرجل الستيني الذي يشاغب الجميع بعكازه الخشبي النحيل، والذي غالباً ما يلطف جو الحديث الكئيب بدعاباته الخفيفة كعادته دائماً، وهو الذي عانى مرارة ظلم ذوي القربى طوال عام ونصف حيث يوشك عامه الثاني على الاكتمال.
"عندما كنت أصفي مسدسي التاتا خرجت حبة رصاص اخترقت الباب، ورجعت من الجدار إلى فوق زوجة أخي، وأجت سليمة ما وقعبيش شيء"، قال الرجل، ثم أطبق يديه وأومأ برأسه دلالة على انتهاء القضية، هكذا ببساطة! وعندما طلبت منه تفاصيل إضافية بدا متحفظًا في الاسترسال، لكنني عاجلته بعدد من الأسئلة، وبقدر كبير من الاهتمام أخذ بعد ذلك يرد علي وهو مبتسم.
في أبريل العام الماضي 2008، حدث القضاء الذي لم يكن في حسبان عم عبد الله عبد الجليل الموظف براتب تعاقدي في التجارة بعدن، والأب لأربعة أبناء، في النيابة وتاليًا المحكمة فشلت كافة جهود الوساطة لتقريب وجهات النظر بينه وبين أخيه وزوجته، وخصوصًا أنها "جت سليمة وغير متعمد".
7 أشهر ودفع مبلغ وقدره 960 ألف ريال، هذا ما نص عليه منطوق حكم محكمة التواهي الابتدائية، وعلى إثره نقل الرجل إلى المنصورة. بعد اكتمال الفترة قدم الرجل حكم إعسار، كان ذلك أواخر العام الماضي 2008، وحتى اللحظة لم يجد الرد كما يقول.
بدا عم عبد الله ساخرًا جدًا عندما سألته لجنة النزول التي زارت السجن منتصف أغسطس، قال: اللجنة قالت لي خلي أخوك يجي يضمنك! وعن إمكانية خروجه بضمانة الراتب قال: أيش عاد بايجي معي ابن يدرس في صنعاء وولدين وبنت هنا في عدن، قال إنه يشتاق لمولوده الصغير محمد (عام وأربعة أشهر) الذي قدم إلى الدنيا ووالده في السجن.
منذ 9 أشهر انتهت المدة المحكوم بها عبدالله عبدالجليل، لكن لا أحد يكترث لذلك، هو ينتظر مقابلة قاضي الإعسار بعد العيد حسب ما قيل له "والله أعلم" أضاف الرجل بابتسامته الودودة التي ليس مكانها السجن مطلقًا.
عمار.. عالق منذ 3سنوات بـ12 ألف ريال سعودي
بدا عمار أكثر السجناء الذين قابلتهم تخوفًا !كان مترددًا جدًا في الحديث، انتظرته دون جدوى، وعندما طلبت منه أن أعرف سبب صمته قال بحرقة: أنا بأتكلم، أشتي أتكلم، لكن أنا متأكد أنه ما فيش فايدة، قالت 4 لجان ولا سووا لي شيء. قالها بحرقة وقلة حيلة بدا لي الشاب الثلاثيني محطمًا جدًا نتيجة صدمات عدة توالت عليه وآخرها تبرؤ عائلته منه. آسف عمار كنت قد طلبت مني عدم ذكر الاسم، لكنني سأتحفظ على ذكر بقيته.
في 2004 وقع ميكانيكي السيارات في كريتر ضحية للشيطان، كان المسروق حينها ذهباً باعه بـ12 ألف ريال سعودي، وغادر فور تسلم المبلغ إلى المملكة العربية السعودية، بعد عامين قبض على الشاب المتسلل ورحل إلى اليمن، وعندما وصل كان قد مضى عام على حكم محكمة صيرة بحبسه عامًا وإرجاع المجوهرات.
كان ذلك في مايو 2006، وبعد إكمال المدة في 2007 بدأ عمار رحلة تحديد المبلغ التي انتهت مؤخرًا.
لا أحد يزور عمار، أسرته المكونة من 4 ذكور وفتاة تخلت عنه تمامًا، بدا لي ذلك أكثر ما ينغص حياة الشاب التي تذوي خلف قضبان السجن، إضافة إلى تعنت الجار الذي رفض أي حلول بتقسيط المبلغ ووعود عمار بالسداد رغم وساطة الأصدقاء، يقول عمار: "حق عناد رفضوا أننا أشتغل وأسدد المبلغ، يشتوا قضية وليس فلوس".
بتحديد المبلغ انزاح هم ثقيل من على كاهل الشاب، لكن ثمة معضلات أخرى تواجه عمار الذي لم يحصل بعد على صورة من الحكم، ناهيك عن حكم الإعسار الحل الذي تطرحه عليه اللجان المتعاقبة التي زارت السجن.
عمار والعشرات من أمثاله ينتظرون لسنوات نسخاً طبق الأصل من أحكامهم، لماذا لا تقوم الجهات المعنية بواجبها تجاههم.. إلا أنهم سجناء خلف قضبان الحديد!
عالق بمليون ريال منذ 5 سنوات
أشهر تاجر بهارات وسجائر بعدن: أنا مرتاح في السجن!
عندما بدأ الرجل الاشتغال في تجارة البهارات والسجائر المربحة جداً، لم يدر بخلد أشهر تجار الشيخ عثمان بعدن، وبعد أن تعوَّد على استدانة البضاعة للمحل ومن ثم السداد بعد فترة.. أنه سيقع في فخ الديون والإفلاس بعد ذلك، ليقاد بعدها إلى السجن لا حول له ولا قوة، ويجد نفسه حبيس جدران عنابر مركزي المنصورة.
حُكم على محمد بن محمد هزاع بالسجن 3 سنوات ودفع مليون ريال، تمر الثلاث وتلحقها 6 أخرى!
يقول هزاع: كان المبلغ كبيراً جدًا (27 مليونًا)، وما تبقى عندي هو مليون و85 ألفًا، وأنا لم أتمكن من التسديد أو حتى التقسيط!
عندما التقينا هزاع وجدناه مختلفًا عن بقية أصدقائه المساجين، كان مبتسمًا طيلة الوقت.. سألناه لمَ لا تقدم حكم إعسار؟ أجاب مبتسمًا: "حُكم علينا أننا غير معسرين". يقصد هو و3 من أصدقائه. وكما قال نحن الأربعة لم يُحكم علينا بالإعسار، وقد بدا متسائلاً: "ما ناش داري، يمكن لأن المبالغ حقنا كبيرة!".
حينها يتذكر هزاع أحد أصدقائه، وكان عليه مبلغ 48 مليونًا، وحُكم عليه إعساراً وخرج يقول هزاع "كيف؟ مدريش!".
يظن هزاع "حكم الإعسار يشتي متابعة، ولازم ورقة من شيخ القبيلة.. يعني شغلة!".
محمد هزاع أب لـ8 أطفال (6 أولاد وبنتين)، حين تذكرهم بدأت تلك الابتسامة تتلاشى وهو يقول: "ما ناش داري كيف حالهم". علمنا من خلال حديثه لنا أنهم في قرية إحدى ضواحي مدينة تعز".
في النهاية يعود ويبتسم مرة أخرى ليقول "أنا مرتاح عاده لو يجيبوا عيالنا إلى عندنا أحسن".
تركناه ونحن لا نعلم ما خلف تلك الابتسامة أهو الحزن واليأس أم حقًا الراحة والتفاؤل؟!
بالتزامن مع مأرب برس |