لحج نيوز - ولد محمد داود عودة (أبو داوود) عضو المجلس الوطني الفلسطيني وعضو المجلس الثوري لحركة فتح، في التاسع عشر من شهر ايار عام 1937 في بلدة سلوان القريبة من القدس.
* تلقى تعليمه حتى الثانوية في مدارس سلوان والقدس (الرشيدية) عام 1956.
*عمل مدرسا في

الأربعاء, 07-يوليو-2010
لحج نيوز/بقلم : د . سمير محمود قديح -

- سيرة ذاتية .
*ولد محمد داود عودة (أبو داوود) عضو المجلس الوطني الفلسطيني وعضو المجلس الثوري لحركة فتح، في التاسع عشر من شهر ايار عام 1937 في بلدة سلوان القريبة من القدس.
* تلقى تعليمه حتى الثانوية في مدارس سلوان والقدس (الرشيدية) عام 1956.
*عمل مدرسا في قرى رام الله وأريحا حتى عام 1961 ومن ثم انتقل الى السعودية ليعمل مدرساً.
* تم إبعاده من السعودية اثر انضمامه ونشاطه في حركة فتح منذ انتسابه عام 1964.
* حصل على شهادة الليسانس في الحقوق من جامعة دمشق عام 1967.
* كان من ضمن أول دورة أمنية لحركة فتح في القاهرة مع بعض رفاقه في الحركة عام 1968.

* عاد من دورة القاهرة وأسس مع اخوته في الحركة اول جهاز أمني علمي لحركة فتح في نهاية 1968.
* عين قائداً لقوات المليشيا في الاردن لحين مغادرة الثورة عام 1971م
* عمل مع الشهيد أبو اياد (صلاح خلف) وبعض الاخوة في العمل الخارجي للحركة عام 1972.

* اعتقل مع مجموعة من كوادر حركة فتح في عمان وحكم عليهم بالإعدام وخفض الى المؤبد في بداية 1973 واطلق سراحهم في بداية حرب تشرين اول عام 1973م.
* استلم التنسيق ما بين حركة فتح والقوى الوطنية اللبنانية عام 1974.
* عين قائداً لقوات الثورة الفلسطينية في منطقة بيروت الغربية إبان الحرب الأهلية اللبنانية بين عامي 1975-1977.

* تعرض لمحاولة اغتيال في بولندا 1981 ونجا منها رغم اصابته بثماني رصاصات في انحاء جسده.
* عضو في المجلس الثوري للحركة منذ عام 1970 ولغاية الآن.
* عضو في المجلس الوطني الفلسطيني منذ عام 1974 ولغاية الآن.
* رئيسا لهيئة الرقابة الحركية وحماية العضوية منذ عام 1996، حيث انتخب لهذا المنصب حين عودته الى أرض الوطن.

* ابعد عن ارض الوطن في منتصف عام 1999 على اثر سيرته النضالية التي أسردها في حلقات شاهد على العصر من على شاشة الجزيرة الفضائية.
* وكان ابو ابو داود قد اقر في سيرته الذاتية "فلسطين: من القدس الى ميونخ" بمسؤوليته الكاملة في العملية التي استهدفت رياضيين اسرائيليين في الالعاب الاولمبية في ميونخ عام 1972.وروى كيف تم التخطيط للعملية التي نفذتها فرقة كوماندوس "ايلول الاسود" وادت الى مقتل 18 شخصا من بينهم 11 رياضيا اسرائيليا في 5 ايلول 1972.

* وفي عام 1999 عند صدور الكتاب، منعت اسرائيل ابو داود من العودة الى الاراضي الفلسطينية.
* واكد ابو داود آنذاك عبر قناة الجزيرة دفاعا عن نفسه "كنا في حالة حرب مع اسرائيل. لم يكن هدفنا مدنيا. استهدفنا رياضيين هم في الواقع ضباط وجنود اسرائيليون. في اسرائيل الجميع جندي احتياط".
* توفي " محمد داوود عودة المعروف بـ"أبو داوود" السبت الموافق 3/7/2010 في العاصمة دمشق عن عمر يناهز 73 عاما. ونقلت مصادر فلسطينية " عن هناء ابنة ابو داوود قولها: "إن والدها كان يعاني من عجز الكلى، وانه ادخل مستشفى الأندلس بالعاصمة السورية بعد تفاقم المرض".


- الطريق الى ميونخ : (التفاصيل الكاملة لعملية ميونخ )كما رواها منفذها أبو داوود في كتابه الطريق الى ميونخ والذي منع من توزيعه في الاراضي الفلسطينية

- - الجزء الاول :

تشرين الثاني 1971 من الواضح أن المقاومة لا تزال تدفع ثمن هزيمة الأردن حيث كانت تواجهنا صعوبات في تلك الفترة أولا : كانت روح انهزامية تسيطر على مواطنينا الواقعين تحت الاحتلال , استغل الإسرائيليون أحداث الأردن ليفككوا بكل هدوء العديد من خلايانا في الضفة الغربية بالإضافة إلى اعتقال الكثيرين من الشبان الذين كنا نعتمد عليهم لتوقيع العرائض ونقل الرسائل وفي غزة بادر الاحتلال إلى زيادة حملات القمع لمواجهة الانتفاضة المستمرة منذ سنتين وكان لحملة القمع اسم هو آرييل شارون الذي عمد إلي فتح جادات بعرض ثمانين مترا داخل مخيمات اللاجئين لتمكين جنوده من التدخل بسرعة اكبر وكانت محصلة الحملة في مخيم جباليا تدمير 1800 منزل وإجلاء 17 ألف عن بيوتهم بالقوة.
في هذه الأثناء كانت حركة الاستيطان مستمرة في الأراضي المحتلة وفي الخليل تم تحويل المسجد الإبراهيمي بصورة جزئية إلى كنيس, وتم إقامة مستعمرة كريات أربع فوق أراضيها المصادرة, وكانت الجرافات جاهزة للبدء ببناء مساكن إضافية من الأراضي التي يتم مصادرتها في مدن القدس وبيت لحم ورام الله وغيرها من المدن الفلسطينية للمهاجرين الجدد.
أما على الصعيد الاقتصادي فكان يتم توظيف الرساميل الإسرائيلية في الأراضي المحتلة طمعا في الأيدي العاملة الرخيصة وفي المقابل كانت الشركات العربية تصبح مدينة للصناعة الإسرائيلية كما كان يسمح للآلاف من الفلسطينيين بالانتقال صباحا للعمل في إسرائيل شرط العودة إلى الأراضي المحتلة عند المساء … وسط ذلك كله كانت الصحافة الغربية تدبج المقالات في مدح إسرائيل التي تحول الصحاري إلى جنان.
إن الأوضاع كهذه من شانها دك المعنويات لمواطنينا فساد الإرهاق شيئا فشيئا وقد فضل الآلاف من الفلسطينيين الهجرة إلى كندا وأوستراليا متى استطاعوا .
وكان السؤال الذي يتكرر على شفاه هؤلاء؟
-علام الصمود والمخاطرة إذا كانت المعركة خاسرة سلفا وان في المرحلة الآنية؟
كيف نرد نحن مقاتلي الخارج فيما أدى الانهيار في الأردن إلى إبعادنا اكثر عن أرضنا الفلسطينية ؟الواقع إن اكثر من 70 في المائة من هجماتنا كانت تنطلق من شرق الأردن فبعد طردنا لم يعد بمقدورنا العمل على أطول حدود للمواجهة مع العدو.
بقي جنوب لبنان الذي تحول بطبيعة الحال إلى جبهتنا الرئيسية.
لكن الإحباط تغلغل أيضا في قواعد الفدائيين التي التحق بها الناجون من الهزيمة الأردنية وهم يعانون من الإرهاق والانهيار المعنوي, ولكن بالنسبة إلينا المتأثرين بحرب الفيتنام كانت ارض لبنان مثالية لمضاعفة حرب الغوار ضد إسرائيل فلا حواجز طبيعية يمكن الجيش الإسرائيلي إن يحتمي, فمنطقة العرقوب لا تقدم مجالا سهلا لتحرك الدبابات العدوة كما أنها على اتصال مباشر بسوريا عبر شبكة من الطرق في الجبال ويمكن في غضون ساعات إرسال مئات العناصر من درعا أو من قواعدنا في الشام , أما صوب البحر فيمكن مشاهدة سلسلة من التضاريس الوعرة تطل على الجليل ويسهل الانطلاق منها في عمليات ليلية,وأخيرا وجود جيش احتياطي كبير من اللاجئين في الجوار الذي على الرغم من الهزيمة في الأردن نحتفظ ببعض الهالة والتأييد عندهم .
ولكن من أين ينبع إحباط فدائيينا ؟
أولا من الحدود التي فرضتها اتفاقية 1969 بين المقاومة والسلطات اللبنانية وهي تقر فقط لمقاتلينا بحق عبور جنوب لبنان من اجل القيام بعمليات داخل إسرائيل وعدم إقامة قواعد دائمة في المنطقتين الوسطى والساحلية وممنوع إطلاق صواريخ الكاتيوشا من الأراضي اللبنانية وكان الجيش اللبناني يبدي حرصا زائدا الأمر الذي يؤدي إلى صدامات مستمرة ومضايقات وحواجز تفتيش عسكرية مما كان يحد من تحركاتنا وعمليات نقل الأسلحة وتشابك ذلك مع مشاكل عدة داخلية في صفوف المقاومة , فمنذ الصيف كان يندر وجود من لا يعترض صراحة على قيادتنا العسكرية داخل وحداتنا المقاتلة فلم يكن أحد نسي بعد التردد وأخطاء التقدير التي أدت إلى الكارثة النهائية في الأردن وكان اشد المنتقدين هؤلاء الذين كانوا تابعين لقيادة أبو علي اياد ولم يكونوا يجدون العزاء لفقده لكن تمرد الفدائيين لم يكن ينبع فقط من الفشل والمرارة المتراكمين في العام 1971, كان يسود جو جديد إذ كان الكثيرون يطالبون بإعادة نظر جذرية في وسائل النضال ضد إسرائيل بدل القيام بالعمليات التقليدية يجب القيام بعمليات تضرب الإسرائيليين في القلب أو تطاول مصالحهم في العالم,لكن عرفات والضباط الأردنيين الذين التحقوا بحركتنا لم يكونوا يحلمون إلا بمزيد من "العسكرة" لفدائيينا.
وكانت هناك مشاكل اكثر جسامة أيضا إذ أن عمليات الثار الإسرائيلية إزاء تزايد عمليات فدائيينا في الجليل الأعلى لم تتأخر فقد اخترق مغاوير الجيش الحدود اللبنانية مرتين في يناير 1972 وقتل عشرون فدائيا وكان العقاب الأكثر قسوة في شباط فاستعمل الإسرائيليون الطيران والمدفعية و المدفعية لقصف منطقة العرقوب واحتلالها لمدة ثلاثة أيام وتكبد فدائييونا نحو مائة قتيل , كذلك حصلت غارة جوية على مخيم النبطية, باختصار بدون أسلحة ثقيلة ومضادات طيران لقي مقاتلونا معاملة اكثر قسوة وكان مستحيل أن يقوم فدائييونا بردود صاعقة متشابهة نظرا للألغام والحاجز الكهربائي لم يكن لدينا للرد على أعدائنا سوى أرجلنا.
وكان ضباط من العاصفة يأتون باستمرار شاكين أمرهم لأبواياد فما كانوا يجهلون أن له اليد الطولى في اغتيال وصفي التل اكثر من أبو يوسف وهذا ما اكسبه شهرة اكبر فيما بينهم ,فلم يكن نادرا أن يأتي ضباط شباب من وحداتنا العاملة في الجنوب ليعرضوا عليه خدماتهم في بيروت قائلين"نحن نريد أن نتجند معك أبو اياد لاشك انك تخطط لبعض العمليات ونحن أنفسنا لدينا أفكار نستطيع مثلا اختطاف ضباط إسرائيليين من أي مكان في العالم فإذا أردت إنشاء فرق خاصة من الفدائيين يمكنك الاعتماد علينا .."
فيجيبهم : حسنا جهزوا أنفسكم إننا في صدد شيء ما.
نشـوء تنظيم أيلول اسود
كان يخشى إزاء هذه العوامل المجتمعة أن يعمد عدد من فدائيي العاصفة إلى تركنا لتأسيس تنظيم جديد نوع من فتح ثانية كنت أنا وأبو مازن وأبو اياد نتبادل الأحاديث في هذه المسالة وبعد هزيمة تموز التقى أبو اياد بهؤلاء الفدائيين وكان يصغي إليهم ويحاول أن يكون عما لهم, وبما أن هؤلاء من افضل العناصر الذين عملوا تحت إمرة أبو علي اياد فلماذا لا يوجه غضبهم ويستفاد منهم عبر جهاز عملياتي سري يرتبط بمخابراتنا وأجهزة مكافحة التجسس لدينا وكان أبو اياد قد وجد اسم هذا الجهاز :" أيلول اسود"
في تلك الفترة عدنا أنا وأبو اياد وأبو مازن نتساءل كيف نعيد الثقة إلى محاربينا بعد كل تلك المحن التي ألمت بهم بالطبع فكرنا انه ليس باختطاف الطائرات كما تفعل الجبهة الشعبية ولا بالانتقام لضحايانا في الأردن كما فعل علي حسن سلامة ضد النظام الأردني, كما أننا رأينا أن التعرض للشركات الأوربية التي تتعامل مع إسرائيل لن يخلق مشاكل كبيرة لأعدائنا المباشرين ودان أبو اياد هذا التصرف باعتباره سيؤثر على مواطنينا المهاجرين بقلة ثقة الدول فيهم وبالتالي صعوبة إيجاد عمل.
أما ما توصلنا إليه هو أننا يجب أن نوسع مسرح عملياتنا مع تحديد صارم للأهداف التي يجب اختيارها, واستنتجنا أن تركيز ضرباتنا على عملاء الموساد في أوروبا هو اكثر الأعمال فاعلية من كل النواحي .
كان هذا الأمر ضروريا, في الأسابيع التي تلت مقتل وصفي التل وخصوصا في أعياد نهاية السنة كان عددا كبيرا من الشبان الفلسطينيين الذين يدرسون في أوروبا يأتون إلى لبنان في محاولة للاتصال ب"أيلول اسود" كما كانوا يؤكدون ,وكنا نتعجب لعدم عودة هؤلاء الطلاب لإكمال دراستهم أو زيارة أهاليهم, لم نتأخر في إيجاد السبب وذلك بفضل عاطف بسيسو فقد اجبر الموساد بعضهم على استقاء معلومات حول نشاطاتنا في بيروت وهذا أعطاني فكرة :لم لا نجند هؤلاء الطلاب ونصنع منهم عملاء مزدوجين لنصل إلى الضباط المتعاملين معهم.
لم يوافقني أبو اياد بوابو مازن فحسب بل توصلنا الى المشروع الآتي:ان ننشئ على هامش جهازي الاستخبارات ومقاومة التجسس اللذين يديرهما أبو يوسف مجموعة "لمحاربة الموساد في أوروبا" وقررنا انه من الأفضل ان يعلم بها اقل عدد من القيادة.
جولات في أوروبا
استقلت من قيادة ميلشياتنا في لبنان حيث أعطاني ابو اياد المال لشراء الأسلحة اللازمة أما أبو مازن فقد ارصد لنا بعض المال كي نتمكن من فتح مخيم صغير للتدريب شمال صيدا.
في نهاية حزيران ذهبت الى ألمانيا في طريقي لبلغاريا للتفاوض على شراء مسدسات تحتوي على كاتم صوت من أجل عملياتنا وإيجاد طريقة لتهريبها لخلايانا المنوي إنشاؤها في أوروبا وهناك علمت بالنبأ الفاجعة: استشهاد غسان كنفاني أحد أشهر كتابنا ومعه ابنة أخته الشابة في انفجار محرك سيارته أمام منزله.
وفي أواسط شهر تموز 1972 ذهبت الى إيطاليا لمقابلة ابو اياد بناء على طلبه يرافقه فخري العمري ابو محمد وقد قدم ابو اياد عرضا للعمليات التي كنا نخطط لها ضد عملاء الموساد : العملية الأولى متوقعة في بلجيكا لكن كان واضحا انه بالمقارنة مع الاعتداء البشع الذي ذهب ضحيته غسان كنفاني في بيروت قبل بضعة أيام لم تكن مخططاتنا الموجهة ضد الموساد لترضيه فعلا.
فاقترح فخري الهجوم على مقر بعثة إسرائيلية في الخارج.
أجاب أبو أياد:لا سنثير عداء الدول المضيفة إما تصفية عملاء الاستخبارات فهذا النوع لا يثير مشاكل,ان دول الغرب قد اعتادت بعض الشيء على حروب الظل بين عملاء استخبارات الشرق والغرب تحديدا.
لكنني بدوري قلت:لا يمكننا الإصرار على القيام بحرب نظيفة ضد أعدائنا في حين ان الإسرائيليون لا يقيمون فرقا عندنا بين مدني وعسكري!سوف نفقد كل رصيدنا عند جماعتنا .
سال عندها ابو اياد: وماذا تقترح؟
-لم يكن هناك من خطة معينة في ذهني لكنني كنت اعرف شيئا:لا يمكننا البقاء حيث نحن .
كنت اشعر بشكل غامض ان شعبنا في ذلك الصيف ينتظر منا ان نشن حملة ثار لما يعانيه من الإسرائيليين
في ما بلغناه من حالة التصعيد لن يفيدنا ان نقتل هذا او ذاك من العملاء الإسرائيليين ثارا لضحايا الشعب الفلسطيني أنا لا اخذ في الاعتبار يأس مقاتلينا الذين لا حيلة لديهم في الرد على طيران العدو بل المدنيون أيضا إذا لم نتجاوب مع رغبتهم في الثار ستكون نهايتنا في حركة فتح وسيأخذ مكاننا آخرون.
- ثق يا أبو داود أننا في قيادة الحركة نعي هذه المشكلة لكن هناك معطيات أخرى في الحسبان فإذا كنا على الصعيد العسكري في اصعب الأوضاع إلا أننا نسجل ديبلوماسيا إنجازات مهمة عرفات مدعو للمرة الأولى من القيادة السوفيتية لزيارة موسكو.,كان متأكدا ان هناك اتفاقا لتزويدنا بمضادات طيران تزيد من إمكاناتنا الدفاعية.
توقف النقاش عند هذه النقطة كان على ابو اياد ان يزور وائل زعيتر في روما , وأعطاني فخري العمري التعليمات حول الرشاشات المجهزة بكاتم صوت التي كان يجب ان اطلبها من البلغار
بداية الطريق لميونخ
التقينا ابو اياد لاحقا على رصيف مقهى في ساحة الروتوندا كنا نطالع الصحف الأجنبية والعربية وقد أغضبنا كثيرا ما قرأناه في إحدى المقالات الصغيرة ,إذ رفضت اللجنة الدولية للألعاب الأولمبية اشتراك فريق من الرياضيين الفلسطينيين في الألعاب الأولمبية التي ستجري في ميونخ . لم يتعجب ابو اياد لقرار هذه الهيئة وقال : لقد بعثت منظمة التحرير برسالتين رسميتين الى اللجنة الأولمبية تطلب فيها إشراك لاعبينا في العاب ميونخ لكنها لم تتنازل وتبعث إلينا بأي رد فنحن غير موجودين بالنسبة إلى هذه المؤسسة المحترمة التي تدعي إنها غير سياسية.
فعلق فخري قائلا:
-عظيم بما انهم يرفضون مشاركة الفلسطينيين في الألعاب فلماذا لا نحاول الدخول بأساليبنا الخاصة إلى الحرم الأولمبي؟
فأساله ابو اياد: وماذا نفعل هناك؟
رد فخري: نحتجز الرياضيين الإسرائيليين.
قال أبو اياد : أنت مجنون !
عندها قلت بدوري: لا فكرة ابو محمد ليست عاطلة بما أن الإسرائيليين لا يحترمون شيئا فنحن سنتصرف كذلك علاوة على ذلك ان كل رياضييهم من العسكر, ان المسؤولين وكوادر الإسرائيليين الرياضية والمدربين ,المعالجين والرياضيين يأتون عمليا من مؤسسة أورد وينغايت ,وتحوي تجهيزات هائلة قرب البحر شمال تل أبيب وبحسب ما يوحي اسمها يقوم بالمهمات الإدارية والتنظيمية فيها قدامى ضباط الاستخبارات أو ضباط فرق المغاوير الخاصة وتدرب فيها كل أنواع الرياضات ولكن يجري فيها بشكل خاص إعداد المصارعين وأبطال الرماية.
كان ابو اياد يلتزم الصمت لكننا شعرنا ان الفكرة التي قدمها فخري أثارت اهتمامه وبعد قليل خرج عن صمته:
بما أننا حرمنا حتى من الهدنة الأولمبية فما من سبب لاحترامها ففي مقابل اكبر عدد من الرياضيين والموفدين الإسرائيليين الذين سنتمكن من احتجازهم سوف نفرض إطلاق العدد الملائم من معتقلينا في إسرائيل في الحقيقة هذا المشروع لا يشكو من شيء !
ثم استدار نحوي وقال:ميونخ تقع على طريقك الى بلغاريا من المفيد ان تقوم باستكشاف أولى … طبعا لا تنبس ببنت شفة لأي كان عن هذا الموضوع هل هذا واضح ؟
قلت:لن يكون هذا صعبا علي لكن لابد ان نكلم ابو مازن من اجل المال اللازم للعملية.
بالطبع ان احتجاز الرياضيين والموفدين الإسرائيليين لم تنبت فجأة من رؤوسنا فقط لان اللجنة الأولمبية تعاملت معنا كأننا غير موجودين بل أننا كنا ننوي الاستفادة من حضور وسائل الإعلام الدولية طوال فترة المسابقات كي نعطي قضيتنا صدى عالميا عندها سيطلع كل بيت في العالم على المأساة الفلسطينية .
سلكت الطريق الى بلغاريا وذلك في 17 تموز على الاوتوستراد كنت انطلق مسرعا قدر المستطاع, قلت في نفسي لايزال لدي وقت كاف لامضي نصف النهار على الاقل في ميونخ.
وصلت المدينة البافارية وبدأت فورا البحث عن خريطة مفصلة للمدينة واستحوذت على الوثائق المتوافرة وحتى تلك التي تخص الاولمبياد مثل لائحة الفنادق ومخطط وسائل النقل في المدينة وكتيبات عن توقيت الرحلات الجوية كما باشرت بالتعرف على شبكة المواصلات المحلية. لم اجد صعوبة في العثور على المجمع الأولمبي شمال المدينة, بدت ورشة ضخمة لم تنته الأعمال فيها وكانت القرية الأولمبية قائمة في جهتها الشمالية وهي التيس كانت تهمني أكثر كانت تبدو مثل مدينة منامة مؤلفة من ابنية تذكر بالأهرامات وايضا من ابنية اصغر وأقل ارتفاعا تتعرج فيها ممرات من الباطون على مستويات مختلفة ,وشلالات صغيرة وألوف الأشجار في تلك الساعة لم تكن القرية سوى خلية عمل ناشطة في طوابق الأبنية وفي الأقبية وحتى في عرض الممرات كان من المستحيل أن أتصور كيف سيبدو المكان حين تبدأ الألعاب وبالأخص كيف سيتم تأمين الحراسة على محيط القرية فانطلقت في تلك الأمسية الى بلغاريا.
تقابلت مرة أخرى مع ابو اياد يرافقه فخري العمري في صوفيا وبالطبع تناقشنا في مواضيع كثيرة كالبلاغ الذي سيسلمه الفدائيون الى السلطات الألمانية بعد ان يكونوا قد احتجزوا أكبر عدد ممكن من الإداريين والرياضيين الأسرائيليين واللائحة الدقيقة التي يجب ان تدونها استخباراتنا بما لا يقلل عن مئتي فلسطيني معتقل في إسرائيل والذين سنفرض إطلاق سراحهم وما يلزم من التدريبات الخاصة التي يجب ان يقوم بها رجالنا الذين سيشاركون في العملية. وبعد انتهاء عمله غادر ابو اياد وفخري الطائرة سوية إلا أنني اتفقت مع فخري على موعد في بداية الأسبوع المقبل أكون عندها في ميونخ ليلحق بي هو و رفيق الآخر.
استطلاع أولى لبنية العملية
يوم 7 آب وصل كل من فخري ورفيق آخر يدعى تشي الى ميونخ.
كان تشي واسمه يوسف نزال أحد ضباط العاصفة الشبان كانت قاعدته قرب النبطية وكان ممن يقومون بعمليات خلف الحدود مع إسرائيل وقد تدرب على يد أبو علي اياد وكان معه في تلال جرش وعجلون ونجا من الكارثة النهائية وأخيرا كان في عداد القادة الذين رأيتهم في بيروت بعد غارات الطيران الإسرائيلية في شباط 1972 وهم يتوسلون لأبواياد القيام بتنظيم شيء ما في مكان ما ليردوا الصاع صاعين, وهو مدعو لتسلم زمام القيادة العسكرية لفرقة الفدائيين الذين نتوقع إرسالهم الى ميونخ كان هذا الخيار جيدا , بما انه حاذق ومقاتل ممتاز في الوقت نفسه.
أما السلبية الوحيدة فهي ان تشي قصير القامة جدا وهذا عائق أكيد بالنسبة له ولزملائه عندما يضطرون لتسلق السياج الذي يعلو مترين ويحيط بالقرية .
قمت أنا ورفيقاي بزيارة المكان في وقت كانت الأعمال مازالت مستمرة وذهبنا لتفحص الشباك المعدنية عن كثب كنا متأكدين انه بغية الوصول إلى أي مكان داخل القرية لابد من تسلق السياج الحديدي العالي,لم يكن من الصعب تسلق السياج تدخل طرف حذائك في عينيات الشباك وتستند عليها ولكن المشكلة كانت انه بهذه الطريقة وتحت وزن الرجال والحقائب سوف يهتز السياج ويصدر صريرا وهذا غير مرغوب فيه لعملية تتطلب صمتا تاما .
قلت ليوسف: لا أرى سوى حلا واحدا, يجب ان تتدربوا على تسلق رجل بطولي تقريبا مثل أهل السيرك عندما يبنون أهرامات بشرية إذا تعلمتم ذلك يصبح الانتقال الى الجهة المقابلة سهلا بما انه يوجد عشب في الجهة الثانية .
الخطة العسكرية للعملية
شيئا فشيئا بدأت ترتسم معالم خطة العمل: ساعة تسللهم الى القرية الأولمبية يكون كل الفدائيين بثياب الرياضة وحتى إذا انتبه لهم لسوء حظهم الحراس فسيبدون وكأنهم رياضيون قفزوا فوق السور عائدين الى مقرهم وهذا يلغي تلقائيا مسالة ما اذا كان يجب ان يصل الفدائيون تلك الليلة كل من جهته او في مجموعات من اثنين او ثلاثة الى نقطة تجمع قرب السياج :سوف يتقدمون سويا مثل أي بعثة تعود بعد قضائها السهرة في المدينة كما اتفقنا ان عشرة رجال يكفون لاحتلال شقق الرياضيين الإسرائيليين الذين سيفاجئونهم خلال نومهم ,وسيحمل كل رجل بندقية أ.ك.47 وقنبلة يدوية لم نكن نعلم بالضبط عدد الرياضيين الذين سترسلهم إسرائيل إلى الألعاب لكن حسب المعلومات التي حصل عليها فخري كنا نقدر عددهم بخمسة عشر يجب ان نضيف إليهم عددا مماثلا من المدربين والحكام والمسعفين على اختلافهم ,عشرة رجال لمراقبة ثلاثين محتجزا في عملية كنا نتوقع ان تدوم عدة ساعات كان هذا أمرا معقولا .
على أي حال كان تشي يقول لنا أن ليس في إمكاننا أن نفعل أكثر من هذا اذ علينا لن نحتاط بعدد اضافي من الرجال كي نعوض عن بعض تخلفات اللحظة الأخيرة الدائمة الإحتمال أثناء التدريبات أو في حال منع البعض من الدخول بسبب الجوازات المزورة .
في تلك الفترة لم يكن لدينا أكثر من خمسين متطوعا في مخيمنا في لبنان أكثر من ثلثهم مجندا لهذه العملية وقد كانت هناك مهمات أخرى نخطط لها في الأسابيع المقبلة.
وبالنسبة لتاريخ القيام بالعملية فقد قررنا ان ندع عدة أيام تمر بعد افتتاح الألعاب الرسمي في 26/8/1972 قبل ان نتحرك بذلك نستفيد من هذا الوقت لمراقبة الإجراءات الأمنية التي سيتخذها الألمان والتعرف على شقق لإسرائيليين.
في هذه المرحلة لم نكن نستطيع الذهاب إلى أبعد من ذلك في تقديراتنا, قضينا أنا وفخري وتشي الوقت المتبقي في درس كل أنواع الطرقات التي تؤدي الى القرية الأولمبية وفي تحديد فنادق مختلفة في ميونخ نوزع عليها رجالنا اثنين اثنين ومقاه أو مطاعم في المدينة سيمكث فيها كل منا في الساعات التي تسبق العملية وفي تاريخ 12/8 رحل فخري وتشي إلى ليبيا حيث كان يجب أن يوافيهما إلى أحد مخيماتنا فدائيونا الشبان الذين تم اختيارهم في مخيمنا الرئيسي في لبنان من اجل القيام بتدريبات مكثفة .
رسم الأهداف من العملية
من ناحيتي أنا عدت إلى بيروت التي غبت عنها شهر ونصف الشهر وقابلت أبو اياد الذي اخذ مني جواز السفر ويحتوي على التأشيرة الألمانية وذلك لفحصه من قبل خبراؤنا ويضعون نسخا منها على كدسه جوازات أردنية مزورة من اجل الفدائيين المختارين للعملية .
من جهتي عرضت عليه مخطط العملية الذي وضعته أنا وتشي ,كان أبو اياد مهتما بالإجراءات التي يجب اتباعها بغية تبادل المحتجزين بأولئك الذين كنا ننوي تحريرهم في إسرائيل اكثر مما كان يهتم بتفاصيل الشق العملياتي من الهجوم على القرية الأولمبية الذي عهد فيه إلينا.
كنا نتصور مسبقا عناد غولدا مائير لذا كنا نفكر في صيغة تراجع في حال رفض إنذارنا النهائي, في الواقع سوف يطالب الفدائيون في البداية ان يتمكنوا من السفر مع محتجزيهم الى وجهة يحددونها في حينه كنا نفكر في مصر لكن ما من شيء يمنعنا من إضافة بلدان أخرى سوف يعتقل هناك الرياضيون الذين نكون أسرناهم بصفتهم مواطنين من بلد عدو ويحررون فقط عند قبول السلطات الإسرائيلية القيام بالمبادلة وفي أسوأ الأحوال, وإذا وجدنا انهم شبه عسكريون كي لا نقول انهم عسكريون بصفة كاملة لن يكون عندها مصيرهم مختلفا عن مصير مقاومينا الفلسطينيين المعتقلين في إسرائيل.
- الجزء الثاني :

أراني ابو اياد لائحة بأسماء المعتقلين الذين سوف يطالب فدائيونا باسم "أيلول اسود " بتحريرهم وكان قد دون فيها اكثر من مائتين من أسماء المقاومين الفلسطينيين كما كان على اللائحة اسم كوزو اوكاموتو الناجي الوحيد من اليابانيين الثلاثة الملتحقين بالجبهة الشعبية والذين قاموا بعملية اللد في نهاية أيار وكذلك أسماء ستة ضباط سوريين ولبنانيين أسرهم الإسرائيليون في حزيران.
وقد قررنا ان نختم أحد البلاغين اللذين سوف يوجههما الفدائيون الى السلطات الألمانية بنداء لتوحيد الثوار في العالم اجمع على ان يوقع (م أ أ د) أي منظمة أيلول الأسود الدولية .
في الواقع كنا نخطط لتوجيه بلاغين الأول يضرب على الآلة الكاتبة وبالإنجليزية يبلغ ساعة يكون رجالنا قد تسللوا الى القرية الأولمبية واحتجزوا اسراهم وترفق به لائحة بأسماء الأشخاص المطلوب الإفراج عنهم يحدد وقت الإنذار بساعة معينة أما البلاغ الثاني وهو معد لإعطاء مهلة إضافية فيصر وللسبب الذي ذكرناه سابقا على ان توضع الطائرات المطلوبة تحت تصرف فدائيينا واسراهم مع فرق أخر هو انه سيكون بالألمانية وسيكتب بقلم حبر ناشف ليعطي الإنطباع أنه حرر ميدانيا.
كنا نعمل جادين للتخطيط للعملية بأدق التفاصيل تاركين للصدفة اقل ما يمكن من العناصر بقي أننا كنا لا نزال نفتقد العنصر الأساسي لنجاح عملنا :الأسلحة كيف نهربها الى ألمانيا ؟ هذا كان السؤال الحرج على بعد أسبوعين من الألعاب كنا نخشى ان تصبح مدينة ميونخ تحت رقابة الشرطة الشديدة.إلا ان ابو اياد حسم الجواب بنفسه عندما قال سوف احضر لك الأسلحة بنفسي
بدأ التجهيز لتنفيذ العملية
في 17/8 عدت الى ميونخ التي بدأت الوفود كما الصحافيون وفرق التلفزيون من العالم بالوصول واصبح الدخول الى القرية الأولمبية محدودا فعلى الداخل التعريف بنفسه وقد تم الإعلان عن توزيع البعثات في القرية , علمت عندئذ في أي مبنى بالضبط سيقيم الإسرائيليون كان ذلك في نهاية ممر للمشاة يسمى كونوليشتراسه في المجمع 31 في واجهة بناية ضخمة يشغلها ألمان شرقيين وهي قريبة من السياج الحديدي.
في ذلك الوقت عاود ابو اياد الاتصال وقد ترك لي رسالة يحدد لي موعدا يوم 24/8 في مطار فرانكفورت وقد حدد لي رقم الرحلة وساعة الوصول , وقد قررت الرحيل الى فرانكفورت قبل يوم من وصوله حتى لا أتأخر عليه ونزلت في فندق لست معروفا فيه هو فندق كونتيننتال, وأخيرا في اليوم التالي وصلت الى المطار قبل الموعد كي أتمكن من ملاحظة أي أمر غير طبيعي ,وصل أبو أياد برفقة شخصين آخرين امرأة وصديقه التاجر علي ابو اللبن وقد رايتهم يضعون حقائبهم على العربة كانت هناك خمسة منها وكلها متشابهة ,اتجه الثلاثة نحو الجمارك كان ابو اياد يبدو مرتاحا ولكن علي الذي كان يجر العربة يبدو مضطربا ينظر يمينا وشمالا ويدفع المسافرين أحيانا وبسبب توتر أعصابه استنتجت ان الأسلحة كانت هناك في تلك الحقائب, ومن خلف الزجاج استطعت ان أراقب المشهد
كانت المرأة تلعب دور زوجة ابو اياد طلب رجال الجمارك من ابو اياد ان يفتح إحدى الحقائب وبدا بفتحها كانت تحتوي على ألبسة نسائية داخلية وبدا ابو اياد يبسط المحتويات مجاملا رجال الجمارك الذين يلوحون بأنهم قد رأوا ما فيه الكفاية عندها أعاد ابو اياد ترتيب الحقائب والخروج من المطار وقد كنت اتبعهم خوفا من ان يكونوا مراقبين واستمريت في مراقبتهم حتى بعد وصولهم للفندق بنحو ساعة .
ذهبت الى الفندق وقابلت ابو اياد الذي كان يرتاح أما المرأة واسمها جولييت فكانت في الغرفة المجاورة و أشار ابو اياد على الفور الى حيث وضعت الأسلحة كانت في حقيبتي سفر وقال:فكرت انك تستطيع نقلها هكذا بسهولة اكبر. فأجبته:حسنا فعلت لكنها ثقيلة الوزن !
وهتف ابو اياد:وماذا سيحدث لو كانت تحتوي على عشرة كلاشنيكوفات ؟
فتعجبت قائلا : ماذا ألا يوجد عشرة ؟
رد قائلا :متأسف يجب ان تتدبر آمرك بمجموعة من ثمانية فدائيين وليس عشرة كما كنا نتوقع أصلا إذ ان مشكلة قد حصلت أثناء التدريب في ليبيا .
هذه لم تكن سوى أولى الأخبار السيئة فقد وجدت في الحقائب ستة كلاشنيكوفات بدلا من ثمانية مع رشاشي كارل غوستاف كما نسوا القنابل اليدوية فتذمرت قائلا من العبث مع مجموعة من ثمانية مقاتلين ان نطالب بثلاث طائرات كنا نحتاج الى ثلاثة رجال لكل طائرة لم يعد هذا ممكنا.
تنهد ابو اياد قائلا:حسنا لن نطلب سوى واحدة سأعمل على تصحيح البلاغين.
اتفقنا على اثر عودته الى بيروت سيبعث الي بعلي في أول طائرة ويجلب معه القنابل اليدوية. كما قمت أنا وعلي بنقل الأسلحة الى ميونخ بحقائب ملفات التي لا يفتشها الألمان في محطات القطارات لتخبئتها في خزائن الودائع.
يوم 26/8 يوم افتتاح الألعاب وصلتني حقيبة القنابل اليدوية وعددها عشرة ولم يعد لدي سوى انتظار قائدي المجموعة الفدائية.
في ذلك المساء شاهدت على التلفزيون صور حفل افتتاح الألعاب الأولمبية وعندا كنت أشاهد اشاهد استعراض بعثات الدول لم اكن أتخيل أننا سنحصل وبفعل المصادفة الغريبة على مساعدة فريق من الرياضيين الأمريكيين وامرأة شابة من البعثة الإسرائيلية.
الاستطلاع النهائي لموقع العملية
لم يكن يزعجنا احتمال ان يصدم الرأي العام العالمي بالعملية المدوية التي نستعد للقيام بها, كنا مستعدين لأي عمل من اجل منع تناسي مصير شعب وطنه محتل محروم من دولة له,زد على ذلك ان اللجنة الأولمبية قررت إبعاد فريق روديسيا فلماذا لا تبعد الفريق الإسرائيلي أيضا؟
لهذا السبب لم أجد صعوبة في إقناع صديقة فلسطينية التي كنا نعرفها أنا وعائلتي في دمشق بمساعدتنا سألتها هل تتكلمين الألمانية؟
قالت أتدبر أمري .وقد صارحتها ولم أخف عنها مهمتي ولا العوائق التي كنت أواجهها في استطلاعي النهائي فقلت لها: بما انك تتكلمين الألمانية فقد تتمكنين من إقناع أحد الحراس على أحد مدخلي القرية بان يتركنا نمر أنا وأنت ,وأضفت ان هذا اكثر فاعلية مما حاولت القيام به أمس انا واثنين من مسئولي المجموعة الفدائية.
في الواقع حاولنا ان ندخل القرية ولكن محاولتنا باءت بالفشل الذريع حيث لم يكن المكان مفتوحا لكل من أراد الدخول ولم يكونوا يسمحون بالدخول إلا للرسميين أو الرياضيين أو أحد الصحفيين المعتمدين.
وقد اكتفينا بالسير على طول الطريق التي تحد القرية وما شاهدناه لم يكن دون المنفعة لم يكن هناك إجراءات أمنية مشددة لا أسلاك شائكة ولا حراس هنا او هناك ولا دوريات مع كلاب شرطة مثلا عند هبوط الليل ,باستثناء بعض الأمن الشبان الذين ينتقلون بشكل منتظم بواسطة الدراجات باختصار لم يكن هناك ما يشبه الموقع المحصن.
ولكن على الرغم من ذلك كان لا بد لنا من استكمال استطلاعنا داخل القرية ,فليس لدينا أدني فكرة عما سنقوم به بغية احتلال الجناح الذي يشغله الإسرائيليون على خريطة للمكان اقتطعتها من إحدى الجرائد كان يبدو موقع البناء بشكل واضح لكن المشكلة هي ان الجناح الذي يحمل رقم 31 كان مسكونا من الاوروغوانيين ومن بعثة هونغ كونغ أيضا ودون الإمعان في التفاصيل كيف نتجنب ان يخطئ الفدائيون الشقق؟
ذهبت انا وسهام الى القرية من مدخل جانبي ووفق سيناريو وضعناه سويا بعدما رأينا قبل بضع دقائق رياضيين برازيليين يعودون الى شققهم سالت سهام أحد الحراس:
صديقي برازيلي يعتقد انه تعرف على أحد رفاق مدرسته القدامى في الفريق الذي دخل لتوه هل يمكنك ان تدعنا ان ندخل لخمس دقائق, عشر دقائق على ابعد حد.
بعد تردد قليل وافق الحارس على الدخول ليس لأكثر من عشر دقائق,وإمعانا منا في الخداع أخذنا نحن الاثنين نجري بأقصى سرعة كي نوهمه أننا نحاول اللحاق بالبرازيليين ثم اختلطنا بجموع الرياضيين وأسرعنا في الاختفاء من الحراس.
سرنا بجانب الطريق المقابلة للمبنى 31 حيث توقفنا قليلا لنراقب المبنى الذي يشغله الإسرائيليون , المبنى متواضع, طويل مؤلف من طابقين أما الباب الزجاجي على طرف المبنى فكان يعطي انطباع انه المدخل الرئيسي غير أننا لم نستطع ان نحدد مكان إقامة الإسرائيليين من بقية الفرق التي تقيم في الجناح نفسه.
عندها قلت لسهام:تعالي لنذهب ونتحقق إذا كان المبنى الذي يشغله السعوديون والسودانيون يشبه هذا.
استعنت بالخريطة لأتبين ان هذا المبني على بعد مائة وخمسين مترا وقد صح ظني تماما فالهندسة هي عمليا مثل هندسة مكان إقامة الإسرائيليين.
استطعنا ان ندخل الى المبنى بعد ان ادعينا أننا لاتينيون نريد رؤية مسجد واستغليت دخولي للتفرس في المكان والتعرف عليه لابد ان مساكن الإسرائيليين بالشكل نفسه.
دامت زيارتنا عشرين دقيقة واعتذرنا للحارس الذي سمح لنا بالدخول.
في اليوم التالي عدت الى القرية مع مسئولي المجموعة الفدائية والهدف هذه المرة معاينة المبنى حيث يقيم الإسرائيليون, لم يبد لي من السهل احتلال كامل الشقق (6 شقق) دفعة واحدة وبثمانية رجال فقط كان يجب التحقق من هذه النقطة, دخلنا القرية بسهولة فالحارس قد تذكرني وبعد القليل من الكلام سمح لي بالدخول.
وقد بدأت الأمور تسير على أفضل ما يمكن, وهذا لم يكن شيئا بالنسبة لما كان ينتظرنا فما ان وصلنا الى المبنى 31 حتى رأيت فجأة امرأة سمراء تخرج من الباب الزجاجي الكبير ومن مظهرها عرفت أنها إحدى المرافقات فذهبت لملاقاتها وقلت لها:أنا بحلم بزيارة إسرائيل انا برازيلي مثل صديقي اللذين يرافقاني نتمنى الحصول على كراسات دعائية عن بلدكم وأعلاما نأخذها معنا.
قالت لنا :سأجدها لكم الحقوا بي, وعادت أدراجها الى الجناح الإسرائيلي ودخلنا القاعة وراءها حتى أنها رجتنا الدخول الى إحدى الشقق الأرضية, كان المبنى مثل المباني التي رايتها في المبنى السعودي أثاث فاقع الألوان ومطبخ بباب جرار وفسحة تستعمل كصالة طعام مع وجود فارق واحد هو درج لولبي داخلي وعند سؤالي عنه قالت إنها شقة دوبليكس أي شقة موزعة على طابقين وقد استطعنا ان نجعلها ترينا مكان مبيت الرياضيين وكان كل رياضيين اثنين يناما في غرفة واحدة واستطعنا ان نرى الطابق العلوي من الشقة حيث يحتوي على غرفتان واحدة تطل على الطريق والأخرى على الحديقة.
استغلينا غيابها لإحضار الأعلام لنلقي نظرة على القاعة ومخارجها فبالإضافة للسلم الذي يوصل للطابق العلوي كان هناك سلم يوصل للقبو ولكننا لم نجد في الطبقة الأرضية أي ممر او باب يوصل الى الشقق الأخرى.
عادت المرأة ولم يبق أمامنا إلا أن نشكرها وكانت لا تشك إطلاقا أنها سهلت مهمتنا بشكل كبير.
أصبحنا نعرف الآن أول أهداف مجموعة الفدائيين: السيطرة على تلك الشقة التي زرناها كانت الشقة معزولة بعض الشيء على طرف المبنى وتتحكم بأكبر عدد من المخارج وعند احتلال هذه الشقة واحتجاز ساكنيها يجمع فيها الفدائيون بقية الإسرائيليون الذين تم أسرهم في الشقق التي لا يمكن دخولها إلا من الخارج.
مساء ذلك الخميس 31/8 كنت مع رفيقي ننتظر بفارغ الصبر وصول بقية الفدائيين من ليبيا.
الخطة النهائية لتنفيذ العملية

مساء يوم السبت 2/9 عشية وصول الرجال الستة أجريت نقاشا معمقا انا وتشي ومحمد مصالحة حول مختلف جوانب المهمة التي تنتظرهما حتى تلك اللحظة لم يكونا يعرفا سوى الخطوط العريضة للعملية أي احتجاز اكبر عدد من الإسرائيليين في القرية بهدف مبادلتهم بمعتقلينا في إسرائيل , لكنني عملت على توضيح دور كل منهما و بحصولنا على البلاغات ولائحة المعتقلين حددت لهما هامش المناورة في المفاوضات التي سيقومان بها عند نجاح عملية الاحتجاز. وأضفت ان ابو اياد لم يختركما لقيادة الفدائيين لتنتقما من البعثة الإسرائيلية إذ يجب ان لا يقتل او يجرح أحد , العملية التي تنتظركما هي عملية سياسية وليست عسكرية تعليماتنا لكما هي ان تأسرا هؤلاء الإسرائيليون أحياء , من المهم جدا أيضا ان تظهرا للرأي العام بمظهر المحاربين الغير قساة المتمالكين أنفسهم تماما.
أطلعتهما كذلك على البلاغين وورقتي الأسماء التي عليها اسم 236 معتقلا نريد إطلاق سراحهم حيث يجب ان تلحق القائمة بالبلاغ الأول, كما قلت لهما من اجل مصداقيتكما ومصداقية " أيلول اسود " يجب ان يفهم محاوروكما أنكما ستقتلون الأسرى في حال لم يتجاوبوا مع رغباتكم ولكن حتى بعد انتهاء المهلة الأولى في الساعة التاسعة صباحا والمهلة الثانية التي تستمر حتى الظهر ,نعطيكم الصلاحية في حال انقضت المهلة الأخيرة بان تؤجلوا تنفيذ تهديداتكم الى ابعد حد ممكن .
إلا ان تشي ومحمد مصالحة لم يتوانيا عن لفت انتباهي الى المرحلة الدقيقة في بداية العملية إذ ان لحظة دخولهم المكان سيفاجئون بعض الرياضيين وهم نيام لكن الآخرين قد يكونون ساهرين او يستيقظون اثر ضجة كسر الباب الرئيسي الزجاجي الذي قد يكون مقفلا , وبين أعضاء البعثة مصارعون ورافعو أثقال إضافة انهم أصحاب خبرة في مغاوير الجيش لن يكون من السهل ضبطهم.
اعترفت ان تلك اللحظات هي الأخطر في العملية :معكم الكلاشنيكوف كي توقفوا أسراكم عند حدهم إلا أنى أصر لا تفتحوا النار إلا إذا كنتم تعجزون عن أي شيء آخر.
ثم وصلنا الى المفاوضات التي يجب ان يقوموا بها مع السلطات المحلية فاطلعتهما ان عليهما المطالبة بثلاث طائرات للسفر الطويل لحظة تسليم البلاغ الأول كي يغادروا البلاد هم وأسراهم بغض النظر عن نتيجة المفاوضات التي ستجريها ألمانيا مع إسرائيل. وقلت: لسنا من السذاجة ان نظن ان غولدا مائير سوف تستجيب لطلباتنا فورا لذا من الأفضل ان تختفوا عند أول فرصة انتم وأسراكم وترحلوا الى القاهرة حيث تسلموا أسراكم الى المصريين وهم يفاوضون مكانكم على شروط التبادل. فسال تشي :ثلاث طائرات هل هذا ضروري.
فقلت:سؤال جيد يا تشي قررنا في السابق ان تكونوا عشرة لكن ابو اياد لم يجد متسعا لتعديل البلاغات تقيدوا بما تطلبه البلاغات وعند انتهاء المهلة الثانية يمكنكم التخفيف من مطالبكم وتكتفون بطائرتين لكنه من الضروري جدا ان تضعوا هذه الطائرات بتصرفكم ,ارفضوا أي اقتراح مغاير كالمال الوفير مقابل إطلاق سراح الأسرى او ضمان سلامتكما وسلامة بقية الفدائيين.
وأخيرا رجوتهما عدم الأفصاح عن وجودي لبقية الفدائيين المتوقع وصولهم في اليوم التالي وعدم ذكر مناقستنا هذه أمامهم.وأنهيت الحديث قائلا:سنعيد البحث أيضا مساء الاثنين.
على أنني قبل ان نفترق وزعت الأدوار بينهما في المرحلة اللاحقة من العملية,تشي مشهور بأنه محارب قديم عليه إذا ضبط الوضع العملياتي من الناحية التكتيكية, لكنني كنت أفضل الرفيق الآخر من أجل التفاوض مع السلطات المحلية لذلك عينت محمد مصالحة مسؤولا سياسيا عن المجموعة.
لا بد ان أقول بضع كلمات عن هذا الرجل الذي مثل تشي سوف يقتل اثناء العملية فقد سبق ان لقيته في لبنان الربيع الماضي وهو أحد ضباط العاصفة الشباب وقد تدرب على يد أبوعلي إياد وقد وضع نفسه مثل تشي تحت تصرف أبو إياد .
سوف يدهش القاريء:كان محمد يتكلم الألمانية وكنت اجهل هذا عندما كنا في ميونخ. كيف لي ان أعرف ذلك؟ خلال الثمانية الأيام التي قضيناها معا كنا نتناول وجبات الطعام سوية في المطاعم لم اسمعه يقول أي كلمة بالألمانية ولا حتى لنادل ما فهو لم يتكلم مع أي كان غيري أنا ويوسف.
لكننا عندما كنا نتناقش بدا لي من الناحية السياسية اكثر نضجا من تشي إضافة أنه كان رجلا هادئا بعكس يوسف الذي كان مقاتلا باسلا لكنه زلق اللسان أكثر ما يجب بالنسبة إلي وقد يثور غضبه أحيانا .
البـدء بتنفيـذ العملية

صباح 4/9 أعطيت الإشارة للاستعداد فاتصلت باكرا بتشي ومحمد في فندقهما أعلمتهما قائلا :نلتقي في المحطة بعد الظهر , وكنت قد اشتريت قبل يومين ثماني حقائب رياضية وبذلات تدريب كما اشتريت الكثير من الجوارب ليستعملوها كغطاء للرأس وعدة امتار من الحبال وسكاكين وأمواس حلاقة وعدة للإسعافات الأولية ومؤنه من المعلبات الغذائية تكفيهم ليومين أو ثلاثة تقريبا ,
والتقيت لاحقا قائدي المجموعة في المحطة وهما كانا قد ذهبا لتناول الغداء مع الرجال الذين وصلوا مساء أمس وأعادوهم بعدها إلى فنادقهم ,توجهنا نحن الثلاثة لأخذ حقائب الأسلحة المخبأة في خزانات الودائع ثم أخذناها إلى فندقي المعتاد "ادن والف" وقمنا بتوضيب الأسلحة في الحقائب الرياضية كل رشاش لكل حقيبة مع مخازن الرصاص وقنبلة او قنبلتين كما أضفنا السندويشات التي قمت بتحضيرها وبقية المؤونة التي اشتريتها في الصباح ومن ثم قمنا بتوزيع الحقائب على الفدائيين كل ثلاثة فدائيين في فندق منفصل عن بقية الفدائيين وبعد ان انتهينا حددت لهما موعدا الساعة التاسعة مساء للحضور مع الرفاق الستة يدفعون ايجار غرفهم ويتأكدون من عدم تركهم فيها أي شيء يثير الشبهات.
وفي الوقت المحدد حضر أفراد المجموعة وكانوا جميعهم قد لبسوا البذلات الملونة التي اشتريتها, فذهبنا مباشرة إلى مطعم المحطة الذي يبقى فاتحا أبوابه طوال الليل.
بإستثناء القائدين لم أكن أعرف أحدا من هؤلاء الفدائيين القادمين جميعهم من مخيمات لاجئينا في لبنان,لكنني لم أكن متأكدا من أحدا منهم لم يرني من قبل أثناء ترأسي "الشعبة 48" أو على رأس ميليشياتنا في لبنان,على أي حال قدمني تشي بأنني برازيلي أساعد الثورة الفلسطينية وحرصت بالتالي ألا أتكلم العربية.
وكما تفرض القاعدة في هذا النوع من العمليات كان هؤلاء الشبان الذين تلقوا تدريبا مكثفا في ليبيا يجهلون كل شيء عن حقيقة المهمة التي تنتظرهم لذا كان العرض الذي قام به قائدهما لهذه المهمة أثناء الأكل طويلا جدا من جهتي تدخلت قليلا مكتفيا بالتحقق عن استيعابهم الكامل للأمور التي تناقشنا فيها أول أمس.
لكنني في النهاية تكلمت موضحا بعض النقاط الأولى وقد شددت عليها قبل يومين: التعليمات تقضي ليس بقتل الأعداء بل بأخذ اسرى وبعمل كل ما يمكنهم لإبقاء الأسرى على قيد الحياة.
كذلك شددت على اعلامهم بأنه على الارجح قد لا يتمكنون من الحصول على إطلاق جميع المعتقلين وقلت لهم ليس العدد هو المهم, المهم أن تقبل إسرائيل بمبدأ المبادلة كما حذرتهم من بعض الافخاخ التي قد تنصب لهم: لاتدعونهم يخدعونكم بالاعتبارات الانسانية ولا تقبلوا بأي وساطة للصليب الأحمر وتابعت قائلا على أنكم لا تستطيعون رفض طلب الألمان للتحقق من وضع أسراكم لكن بإستثناء هذه الحالة التي يجب ألا تكرر وبشرط ان يقوم بها مسؤول رفيع المستوى لن تسمحوا لاحد اطلاقا بالدخول إلى الشقة التي تسيطرون عليها.
انهيت حديثي بلفت إنتباههم إلى وسائل النقل الي ستعرض عليهم لتقلهم إلى الطائرات التي ستوضع في تصرفهم كي يغادروا البلاد:إذا قدموا لكم باصات يستغرق وصولكم الى مطار ميونخ اربعين دقيقة اما اذا قدموا مروحيات فلن يلزمكم سوى مابين خمس إلى عشر دقائق فإذا كانت أوقات الإنتقال أطول مما أشرت اليكم فهذا يعني انهم يأخذوكم الى مكان آخر ان فخا ينصب لكم.
كانت الساعة الثانية والنصف صباحا عندما تركنا المطعم وطلبت من الجميع إعطائي جوازات سفرهم,وألا يبقوا معهم أي شيء يدل من أين أتوا, صعدنا في تاكسيات وإتجهنا الى القرية التي نزلنا على مسافة من المدخل الغربي كنا نريد التأكد ان كل شيء يبدو طبيعيا في المكان حيث كان علي ان أقوم بدور الارتكاز كي يعبر الجميع السياج المعدني الذي يعلو مترين ويحيط بالقرية.
الأسبوع المنصرم أتيت انا وقائدي الفدائيين عدة مرات لاستكشاف المكان وهو على مقربة من المدخل الغربي الذي لا يبقى مفتوحا في العادة إلا حتى منتصف الليل.
وعندما حضرت نفسي لأساعد الرجال في العبور رأينا على بعد عشرات الأمتار منا مجموعة من الناس تخرج من المبنى ثم آخرون يغنون ويقهقهون , وصرخ تشي:أمريكيون.
فأسالته:هل أنت متأكد؟قال :بالطبع مع هذه النبرة واللهجة المماثلة لا يمكن أن أخطي.
هاهم يصلون الى مدخل القرية والأبواب مقفلة بعض منهم بدأوا يحاولون تسلق السياج المشبك,كان هؤلاء من الرياضيين العائدين الى شققهم.
قلت لتشي:بسرعة لنلحق بهم ! اخبر الجميع إلا أنني شعرت انه متردد فالسياج عند المدخل أعلى مما حيث كنا.
فاستدركت قائلا:إسمع هذه فرصة ذهبية مع كل الضجة التي يحدثونها من الأفضل ان نندس بين هؤلاء الرياضيين
وفي حال وجود من يراقبنا لن يلاحظنا أحد.

- الجزء الثالث :

لم نختلط بمجموعة الأمريكيين فحسب بل ساعدناهم أيضا في تسلق شباك المدخل, فشكرونا ظانين أننا فريق من الرياضيين,هكذا قمت أنا واثنين من الفدائيين برفع بعض منهم إلى فوق على أيدينا وأكتافنا والجميع يتابع الضحك والغناء وعند بلوغهم أعلى السياج لم يترددوا في مد يد العون إلى رجالنا وكانوا يصرخون:يا هذا اعطني حقيبتك!
وتشي الذي كان يفهم بالإشارة يجيبهم :أوكي ,أوكي ….
كان المنظر خياليا ان ترى هؤلاء الأمريكيين -الذين بالطبع لا يشكون إطلاقا في انهم يساعدون مجموعة من فدائيي "أيلول اسود" الفلسطينيين في الدخول إلى القرية الأولمبية – يمدون أيديهم يأخذون حقائبنا المليئة بالأسلحة ويضعونها على الجهة الأخرى من السياج.
كانت الساعة قد قاربت الرابعة صباحا, وكنت أميز رجالنا بصعوبة في ظلام الليل لكنني استدللت عليهم بصيحات الأمريكيين , ورأيت فدائيينا ينفصلون عنهم شيئا فشيئا ويتجهون بشكل مفاجئ نحو اليمين.
قلت في نفسي جيد بعد بضع دقائق يبدأون أما انا فابتعدت بسرعة.
عدت الى فندق متروبول في الرابعة والنصف حيث لم أتمكن من النوم كنت من وقت لآخر أدير الراديو أحاول ان استمع الى نشرات الأخبار ولكن لم يكن هناك سوى الموسيقى قضيت هكذا ساعة ثم ساعتين وفي أخبار الساعة السابعة لم يكن هناك من أخبار عن عمليتنا, هل يمكن ان يكون فدائيونا قد فشلوا ؟
كنت قد اتفقت مع تشي ومحمد مصالحة على أنني في جميع الحالات سأذهب باكرا في بين الساعة الثامنة والتاسعة الى محطة الباصات مع جوازات سفر الجميع حتى إذا فشلت العملية وتمكنوا من الخروج من القرية ينتظرونني هناك فأحاول عندها إخراجهم من البلاد.
إلا انه في أخبار الساعة الثامنة ورد الخبر:خمسة رجال مسلحين – من الفلسطينيين كما حدد الخبر – اقتحموا قبل الفجر بقليل شقق البعثة الأولمبية الإسرائيلية وقد قتل إسرائيلي واحتجز ثلاثة عشر آخرون وقد هدد الفدائيون في بلاغ إلى السلطات الألمانية بقتل الرهائن إذا لم يفرج عن عدد من المعتقلين الفلسطينيين في إسرائيل وعن أشخاص آخرين. قلت في نفسي:لقد قضي الأمر, عملية "أكرت وكفار برعم" قد انطلقت.
بعد سماعي مقتطفات الأخبار هذه,أثارت حيرتي ثلاثة عناصر فيها أولا بدا لي أن عدد الإسرائيليين المحتجزين قليلا:ثلاثة عشر وهو اقل من نصف ما كنت أتوقعه, ثم هناك الرجل الذي قتل:لماذا ؟وفي أي ظروف. أخيرا جرى الكلام عن مجموعة من خمسة فلسطينيين وليس ثمانية هل أخطأت الشرطة الالمانية في تقديراتها؟أم وجد ثلاثة من رجالنا في حمى المعركة مفصولين عن بقية الفدائيين؟ أسرعت إلى المحطة لعل الرفاق الثلاثة ينتظرونني هناك إلا أنني لم أرى أحدا وفكرت قائلا: لابد ان الرجال معا والشرطة تجهل قوة مجموعتنا الحقيقية.
كانت الساعة تجاوزت التاسعة لم أكن أشك ان الفدائيين قد اعطوا المهلة الاضافية النتفق عليهاحتى الظهر.
عند أخبار الساعة العاشرة استمعت إلى أل"بي بي سي" يبدو ان الأمور كانت تحدث وفق السيناريو الذي تخيلناه فقد مددت المهلة المحددة إلى الظهر وقامت بعثة مؤلفة من وزراء بافاريين ومصري من أعضاء اللجنة الأولمبية وألتقوا أحد مسؤولي الفدائيين وكان الأخير على اتصال دائم مع السلطات الألمانية عبر شرطية مترجمة.
إلا أن عدد الأسرى لم يكن سوى عشرة إذ تمكن اثنان من الفرار وليس ثلاثة عشر كما أذيع في السابق.
من جهة أخرى تأكدت وفاة أحد الإسرائيليين وأعطت الإذاعات اسمه عند الساعة الحادية عشرة موشيه وابنبرغ مدرب فريق المصارعة,كنت مقتنعا بأنه لم يقتل عمدا فهو من هؤلاء الرياضيين الذين حتى مجردين من السلاح يستطيعون عرقلة الفدائيين .
كنت لا أزال في شارع المحطة جالسا في أحد المقاهي حيث يوجد تلفزيون وشاهدت ما كانت تبثه المحطات الألمانية كانت تبث وتكرر صور المبنى 31 ومحيطه هكذا رأيت رياضيين مزيفين ممدين على سطوح المباني المجاورة أو متنقلين من شرفة لأخرى ببذلات التدريب يحملون بنادق بنظارات مقربة:انهم قناصة الشرطة الألمانية ,كذلك كانت تبث صورا مؤثرة تظهر محمد مصالحة عرفته من قبعة الشاطئ وبذلته السافاري وهو يتكلم مع الشرطية المترجمة أمام مدخل المبنى 31 لاحظت في هذا الشأن ان رجالنا لم يحتاجوا الى كسر باب المدخل الزجاجي لأنه لم يقفل بالمفتاح في الليلة السابقة وقد أجرى أحد الصحافيين حديث مع أحد الإسرائيليين الذين تمكنوا من الفرار من فدائيينا وكان يمني الأصل :لحظة نجاحه في الهرب من بين مجموعة من الأسرى – كلهم رافعي الأثقال أو المصارعين – أثناء قيام رجالنا بنقلهم إلى الشقة عند زاوية المبنى كان موشيه واينبرغ بينهم .بحسب شهادة هذا الإسرائيلي تأكدت انه لا بد ان يكون حصل بعد ذلك حادث خطير بشكل كاف ليجبر فدائيينا لقتل ذلك الأسير.
في هذا الوقت انتهت المهلة الثانية المحددة ظهرا وكانت التقارير التلفزيونية تقول أن محمد الخطيب وهو مصري مدير مكتب الجامعة العربية في بون نقل عرضا إلى الفدائيين بفدية غير محددة ومبادلة الرهائن بشخصيات ألمانية رفيعة المستوى تحل محلهم ولم أتفاجأ حين علمت ان رجالنا قد رفضوا العرض وأشير أيضا ان مجلس الوزراء الإسرائيلي عقد اجتماعا في الصباح ولكن غولدا مائير لم تأت على أي ذكر لإطلاق سراح محتمل للمعتقلين , الوضع كان متأزما ومع هذا أعطى الفدائيون مهلة أخيرة لساعة باديء الأمر ثم حتى الساعة الثالثة بعد الظهر.
قررت عند هذا الذهاب الى الحديقة الأولمبية وكانت الألعاب مستمرة كأن شيئا لم يكن وفي المقابل كانت القرية الأولمبية ومحيطها تحت الحصار وفي أقرب نقطة من المدخل الغربي حيث تم إدخال الفدائيين كان الصحافيون يتسلقون أي شيء بغية تسليط عدساتهم على مؤخر المبنى 31 وتجمعن ايضا جمهرة من المتسكعين على ربوة يمكن منها رؤية المبنى فاندسست بين هؤلاء.
لم تكن الطوافات تكف عن الدوران لكن الجو كان بعيدا عن التوتر وأعلنت الإذاعات أن طعاما أوصل للرهائن وأن المهلة النهائية مددت للساعة الخامسة.
كان هناك انطباع بان تسوية قد تحصل بين السلطات الألمانية والفدائيين على الرغم أننا نسمع من الراديو رفض الحكومة الإسرائيلية رفضا قاطعا الموافقة على أي إطلاق للمعتقلين الا ان هذا الانطباع انعكس فجأة منتصف بعد الظهر إذ تأكد مقتل ضحية ثانية من بين الإسرائيليين المحتجزين واسمه جوزيف رومانو رافع أثقال ,كنا نقترب من المهلة النهائية التي حددها رجالنا , رأيت عند الساعة الرابعة والنصف المصفحات المزودة بالرشاشات تدخل القرية وبعد نحو خمس عشرة دقيقة حصلت حركات سريعة جامحة لرجال شرطة يلبسون السترات الواقية ومن بين الكثيرين المتجمعين حول القرية راجت فكرة بأننا لم نعد سوى على بعد دقائق من خاتمة مأسوية,وإذ تخطى الوقت الساعة الخامسة لم تسمع أي طلقة وأعلنت النشرات الإذاعية ان وزير الداخلية هانس غينشر كان يتفاوض مع الفدائيين وانه تمكن من محادثة ورؤية الرهائن ,في الخامسة والنصف خفت حدة الإجراءات الأمنية واخذ بعض المروحيات يحط بالقرب من القرية وبعد نصف ساعة بدأوا للوهلة الأولى بذكر التحضيرات لرحيل الفدائيين مع رهائنهم على متن طائرة من شركة لوفتها نزا.
في هذا الوقت أعلن عن تأجيل مباراة ألمانيا الاتحادية مع المجر بكرة القدم الى الغد وقد استطعت من حيث اقف مشاهدة عشرات ألوف من المتفرجين وهي تتجه بصمت إلى محطة المترو كان مشهدا مؤثرا وفي القرية انخفض التوتر فقررت عندها التوجه والعودة الى المدينة إذ كان يجب ان احجز على إحدى رحلات اليوم التالي الى تونس عبر روما قبل ان تقفل مكاتب الطيران.
فور عودتي الى الفندق طلبت من البواب تحضير الحساب لأنني انوي السفر في الصباح وقرب مكتب الاستقبال كان بعض الزبائن يشاهدون التلفزيون فبقيت برفقتهم لبعض الوقت .
في اخبار التاسعة مساء:لقد قدم الطعام مجددا بعد الثامنة بقليل إلى المحتجزين مع رجالنا.
من الفندق تمكنت من مشاهدة التلفزيون ,بحسب ما كانت تعرضه المحطات الألمانية كانت التحضيرات من اجل رحيل رجالنا مع رهائنهم تسير على قدم وساق المخططات تظهر المروحيات التي ستنقلهم الى المطار و الباص الذي سينقلهم أولا الى المروحيات وبعض الكاميرات مسلطة على مدخل المبنى 31 وواجهته التي تنيرها اضواء الشرطة الكاشفة وفي إحدى اللحظات رأينا حتى الرهائن التسعة يظهرون على احدى النوافذ ثم يتقدمون الى إحدى الشرفات كانت أيديهم موثقة خلف ظهورهم .
عندما رأيت كل تلك الصور, لم أكن تخيل أبدا ان السلطات الألمانية كانت تتظاهر بلعب ورقة الإقلاع الى مصر بغية تحضير افضل للفخ الذي كانت تنصبه لرجالنا لكن عندما يرى رجال الشرطة الأسرى يخرجون من المبنى وهم مقيدون الواحد تلو الآخر ورفاقنا الثمانية وليس الخمسة كما تعتقد الشرطة ملتصقين بهم مشكلين مجموعة متراصة لم يكن عندي شك انهم سيستنتجون انه بات مستحيل الإيقاع بهم إلا إذا أرادوا قتل الجميع, صعدت الى غرفتي وعدت الى الاستماع لمحطات الإذاعة ولم تكن الساعة قد تجاوزت العاشرة مساء عندما غالبني النعاس إلا أنني بقيت مستيقظا وسمعت نشرة العاشرة تقول أن الفدائيين وأسراهم صعدوا في الباص لكنني لم اسمع الملحق بعد نصف ساعة ينبئ بمغادرتهم القرية على متن المروحيتين ولا ملحقات الساعة الحادية عشرة وما بعدها والتي ذكرت أولى الإشتباكات في مطار فورشتنفلد العسكري حيث كان سيقلع رجالنا وأسراهم بإتجاه القاهرة.
النهايــة المأساويــة
كانت الساعة الخامسة أو السادسة صباحا عندما استيقظت مذعورا لا اذكر لأي إذاعة كنت استمع لكنهم كانوا يتكلمون والكلام مرعب:كل الرهائن قتلوا كذلك خمسة من رجالنا الثمانية إضافة الى شرطي وقائد مروحية ألمانيين
وهذا مخالف للاتفاق الذي تم التوصل إليه قبل بضع ساعات و تداولته كل الإذاعات فقد كان هناك فخ منصوب في مطار فورستنفلد بروك.
وقد أذاعوا التفاصيل: ما ان هبطت المروحيتان حتى بدا إطلاق النار استمرت المعركة ثلاث ساعات ليس هناك أدنى شك حول من كان المبادر الى فتح النار قناصة الجيش الألماني كما اعترف الدكتور برونو ميرك وزير داخلية مقاطعة بافاريا دون مواربة عندما استصرحه الصحافيون في الصباح الباكر.
وذكى كلامه نظيره في الحكومة الاتحادية هانز غينشر قائلا:لم يكن أمامنا خيار آخر" في النهاية ولسوء حظ الرهائن التسعة ورفاقنا الخمسة أذعنت السلطات الألمانية لأوامر غولدا مائير.
لكنه لم يكن لدي وقت للاستماع الى المزيد علي مغادرة الفندق بأسرع وقت ممكن كنت اجهل هوية الناجين الثلاثة من فدائيينا الذين أصيبوا بجراح فإذا كان بينهم تشي ومحمد مصالحة ونجحت الشرطة الألمانية في إجبارهم على الكلام بعد تعذيبهم بشتى الطرق كنت أخشى أن يأتوا ويلقوا القبض علي في أي لحظة.
بعد ساعة كنت في مطار ميونخ-رايم لكنني كنت خائفا إذ احمل في حقيبتي جوازات سفر الفدائيين الثمانية وان يتم تفتيشي حسب الأصول, فهناك الكثير من رجال الشرطة في المطار وتخليت كل الاحتمالات كنت أخشى لحظة تدقيق جواز سفري إذ ان عليه الإسم الذي نزلت به بالفندق في الغرفة 330 سعد الدين والي لكن لم تحدث أي عرقلة عندما وصلت اللحظة المقدرة إلا أنني عندما تخطيت هذا العائق وكنت أنتظر في غرفة المسافرين لم أحاول الاستماع للراديو حتى لا الفت أي انتباه في المطار ماهو شعوري أخيرا عندما صعدت إلى الطائرة؟.
كنت حانقا لخبث الألمان كانوا قد أعطوا كلمتهم ثم نكثوا بها تلك المجزرة على مطار فورشتنفلد بروك ليست ما كنا نريد والبرهان الوافي على ذلك موقف رجالنا الذين كانوا دائما يؤجلون موعد انتهاء المهلة التحذيرية إلى وقت لاحق بهدف المحافظة على حياة رهائنهم .
لكنني في الوقت نفسه كنت اشعر بالاعتزاز فحتى الآن وعلى الرغم من بسالة الفدائيين وروح التضحية عندهم-وهذا ما أظهرته معركة الكرامة ولكن من يتذكرها؟- لم يكن أحد يعترف للفلسطينيين بشجاعتهم في القتال فقد كان فدائيونا صلبين.
مـا بعد ميونـخ
في ذلك الصباح 6 أيلول كنت لا أزال أجهل في الحقيقة إن كان رجالنا أم الألمان هم الذين قتلوا الرهائن لكنني كنت معتزا أيضا لتحققي من ان الحكومة الألمانية لم تنجح في قتل الفدائيين دون أن تتسبب في مقتل الرياضيين الإسرائيليين لربما اعتقدوا انه يكفي أن يقتلوا بعض العرب كي يستسلم الباقون دون قتال.
لقد أنشأ الإسرائيليون دولة بكل الوسائل نظيفة أو غيرها وقد تعلمنا منه الدرس فلماذا يغضب العالم منا.
بعد عشرين سنة من الوقائع افترضت صحيفة جيروزالم بوست في عددها 16 تموز 1992 ان من الممكن ألا يكون الرهائن قد سقطوا على أيدي رجالنا فقط على مدرج المطار وقد استغربت الصحيفة كيف أن الألمان لم ينشروا أبدا نتائج تشريح الإسرائيليين ولا الكشوف الباليستية التي تحدد مصدر الطلقات التي قتلتهم كما ان الحكومة الإسرائيلية لم تحصل ولم تطلب اطلاعها على هذه الوثائق بالرغم من طلبات الضحايا المتكررة حتى لكأن السلطات الألمانية والإسرائيلية لم ترغب في كشف الحقيقة كاملة.
من جهتنا اكتفينا بترك الكثير من الغموض يكتنفها وعلي الاعتراف باننا لم نحاول على مدى عشرين عاما تقديم كل الإيضاحات ولا أن نطلع العالم على ما حدث فعلا لا بل أننا أضفنا إليها أخبارا مضللة وقد تضافرت أسباب كثيرة أولها أننا رأينا غداة العملية وفي الأشهر التي تلت أن لا شيء يجب أن يشوه في نظر مواطنينا السمعة التي حققها فريقنا بفضل عمليتنا في ميونخ في ما يتعلق بشجاعته وعدائه الشرس لإسرائيل وحلفائها.

نجاح العملية في تحقيق أهدافها
بعد قليل من وصولي إلى تونس استقبلني ابو اياد الذي قال لي:برافو !صحيح أننا لم نستطع تحرير بعض رفاقنا السجناء غير أننا حققنا جميع أهدافنا الأخرى واكثر حتى !
ثم راح يعدد ما حققناه قائلا انهم كانوا يحاولون إقصاءنا عن هذا التجمع الدولي ولكننا فرضنا وجودنا وبفضل ما وفرته هذه الألعاب من صدى سمع الرأي العام العالمي بالقضية الفلسطينية ومن النتائج التي لا تقل شانا أن ضربتنا قد شوهت الصورة المكونة في العالم العربي عن مناعة الإسرائيليين لكأننا نحقق نصرا آخر شبيها بمعركة الكرامة.
وزاد ابو اياد معلنا:ليس هناك سوى هتافات الفرح في كل مخيمات اللاجئين من لبنان إلى سوريا إلى غزة.
عدت مع ابو اياد إلى ليبيا وروى تفاصيل ما حدث فقد كان مطلعا اكثر مني بعدما استمع إلى كل الإذاعات أطلعني أولا على الظروف التي أشعلت إطلاق النار موضحا انه ما أن حطت طارتا الهيلوكبتر في مطار فورشتنفلد بروك حتى ذهب تشي ومحمد لتفتيش طائرة اللوفتهانزا ولحظة رجوعهما باتجاه طائرتي الهليكوبتر فتح الألمان نيراهم من مباني المطار فسقط الاثنان فورا إضافة إلى واحد أو اثنين من الرفاق الذين نزلوا من الطائرتين محاولين منع الطيارين ومساعديهما من التدخل.
تحسرت عندما علمت أن رفيقي كانا من أوائل الذين أصيبوا لكن هذا لم يمنعني من الاعتراف بأنهما لم يكونا على جانب كبير من الحذر عندما إبتعدا عن الآخرين ما كان الألمان ليتجرأوا على إطلاق النار لو أن رجالنا انتقلوا جميعا إلى الطائرة مصطحبين الرهائن.
وتابع ابو اياد: ثلاثة من جماعتنا مرميين أرضا قتلى أو ربما جرحى أما الآخرون الذين كانوا يحتمون تحت الهليكوبتر أو في داخلها مع الرهائن كان باستطاعتهم ان يتفرقوا ويرموا أسلحتهم مستسلمين. لكن لا!فبعدما سقط رفاقهم في الهجوم تصرفوا كما يجب وردوا منتقمين وهم يعلمون انهم في هذا الظرف بالذات يقومون بعمل انتحاري وعندما تدخلت المدرعات الألمانية بدورها قرر رجالنا أن يقتلوا الرهائن, ولكي لا نبقى محتقرين ذهبوا في الأمر حتى النهاية كل هؤلاء الرجال أبطال.
كنت أستعيد ما سبق أن قاله أبو اياد عن هتافات الفرح في كل المخيمات بالنسبة لمواطنينا اتخذت العملية طابع النصر الكبير وخصوصا أن إشاعات ذكرت أن مسؤولين كبار في أجهزة الأمن الإسرائيلية قد أرسلوا على جناح السرعة وساعدوا الألمان في المواجهة النهائية,ولكن سواء كان الخبر صحيحا أم كاذبا حول الكمين وبنوع خاص بسبب تصلب غولدا مائير فإن مواطنينا ما كانوا أبدا ليسامحوا رجالنا الذين نجوا من الرشقات الأولى لو انهم لم ينـتقموا من الرهائن ,انه السبب الحقيقي الذي جعلنا نغطي الروايات التي روجت أن رجالنا هم الذين قتلوا الإسرائيليين فوق مدرج المطار فورشتنفيلد بروك.
وقد سلمنا نصا الى وكالة وفا يعرض تفاصيل جديدة من "مصادر خاصة" تؤكد أن "رجالنا فجروا قنابلهم داخل طائرتي الهليكوبتر مما أدى الى استشهادهم والى موت الرهائن وبعض الطيارين"وقد تمسكنا بتلك الرواية الى درجة أننا نسينا أن طائرة هليكوبتر واحدة فقط احترقت في الحقيقة.
وليس هذا كل شيء فعندما أخبرنا بعد ذلك أحد الناجين الثلاثة أن الرهائن في الهيلوكبتر التي كان منبطحا تحتها قد قضوا برصاص الألمان حرصنا, جيدا على عدم إعلان ذلك.
وحتى عام 1978 استمر أبو إياد عندما نشر مذكراته متمسكا بتلك الرواية التي ساهمنا جميعا في نشرها.
أخذ الألمان يشيعون جملة من الأنباء حول التواطؤ الذي أفاد منه الفدائيين في المكان وعلى ذمتهم فان بعض رجالنا توصلوا إلى تدبير أعمال في القرية الأولمبية فعمل أحدهم طاهيا في المطعم وآخر كمهندس .. الخ .
بعد ذلك فهمنا لماذا أصر المسؤولون الألمان على هذه الأنباء فبعدما تكاثرت عليهم الانتقادات الموجهة إليهم حول الخفة في تامين حماية ضيوفهم خلال الألعاب كان عليهم أن يوضحوا انهم وان اتخذوا إجراءات خاصة فان ذلك ما كان ليغير شيئا اذ ان مجموعة أيلول اسود كانت قد زرعت رجالها في المكان.
ومن سخرية الحكاية ان ابو اياد قد سعى لتأكيد الإيحاءات الألمانية لكي لا يسعى أحد إلى التفتيش مرة أخرى.

ردة الفعـل الإسرائيلية
لم يتأخر الرد الإسرائيلي الانتقامي فبعد ثمان واربعين ساعة قصف الطيران الإسرائيلي العشرات من القواعد ومخيمات اللاجئين في سوريا ولبنان وقد سقط نتيجة الغارة اكثر من مئتي قتيل غالبيتهم من المدنيين إلا أن القاذفات لم تستهدف في أي لحظة القاعدة الواقعة شمال صيدا حيث تم إعداد متطوعي مجموعتنا وهذا يؤكد أن أعدائنا كانوا يجهلون كل شيء عنا.
ويروى أيضا أن غولدا مائير وانتقاما لعملية ميونخ قد أعطت الضوء الأخضر لتصفية القادة والمسؤولين الفلسطينيين الذين يمكن أن يكونوا قد ساهموا فيها من بعيد أو قريب بحسب تعليمات أجهزة الموساد.
لا اعتقد أن هذا الأمر يتعلق فقط بالانتقام لميونيخ فقد كانت مجموعتنا تضرب من جديد حيث كان طموحنا توجيه الضربات إلى الأجهزة السرية الإسرائيلية العاملة في أوروبا حيث في نفس الأسبوع لعملية ميونخ في 10/9 أطلق النار على ضابط موساد إسرائيلي في بروكسل وقد تبنت مجموعتنا "أيلول الأسود" العملية.وقد برهنت هذه العملية بتوقيتها بعد عملية ميونخ أن الفلسطينيين باتوا يعرفون كيف يعملون في الخفاء وكيف ينشئون الشبكات وينظمون العمليات الهادفة.وقد برهن على ذلك سلسلة العمليات التي نفذت بعد ذلك التاريخ.
بنقلنا الصراع إلى أوروبا أوجدنا ارض معركة حيث أمكننا انتزاع المبادرة من الإسرائيليين وابعد من الرغبة في الانتقام لميونيخ اعتقد أن تزامن عملياتنا هذه مع الأعمال الانتقامية التي مورست ضد شعبنا هو أساس حملة الاغتيالات التي أطلقها قادة الدولة الصهيونية ضد من استطاعوا أن يصلوا من جماعتنا .
وبرهاني على ذلك الأهداف التي حددت لفريق التصفية التابع للموساد فالضحية الأولى كان وائل زعيتر ممثلنا في إيطاليا اغتيل في 16/10 أما الضحية الثانية فكان محمود همشري ممثلنا في باريس في 8/11 اثر انفجار هاتفه وفي يناير قتل مندوبنا في قبرص حسين أبو الخير وفي هذه الأثناء تسببت رسالتان مفخختان في إصابة ممثلنا في الجزائر ابو خليل وفي ليبيا مصطفى عوض بجروح بالغة متسببة لهما في إعاقات دائمة وهم ليس لهم علاقة بعملية ميونخ.
وبما انه كان على الموساد ان يبرر اغتيالاته هذه فهو اتهم هؤلاء الرجال بالتورط في عملية ميونخ بشكل أو آخر.

الإفراج عن السجناء الثلاثة
وللمفارقة, وفيما بدأت "حرب خفية" حقيقية بيننا وبين الإسرائيليين شرع الألمان بمحادثات سرية مع قادتنا ودافعهم في ذلك التفتيش عن وسيلة للتخلص من الفدائيين الثلاثة الناجين والمحتجزين لديهم وهم يعتمدون في ذلك علينا هذا ما سارع به كمال العدوان إلى إخباري به بعدما تقرب منه الألمان.
لم تكن مبادرة الألمان لتفاجئني فرفاقنا الثلاثة كانوا سيخضعون للمحاكمة التي يمكن أن تبرز أخطاء الألمان إلى الواجهة, وقد صرح على لسان أيلول اسود أحد مسؤولي دائرة الإعلام في حركة فتح إلى مجلة كويك" انهم قادرون على التصرف في أي وقت والطائرات الألمانية تملا الجو" وهذا يعني بشكل واضح إذا لم تفرج ألمانيا في إطلاق الناجين الثلاثة فان أيلول اسود ستهاجم الطائرات الألمانية.
لم تعجبني تلك التصريحات ولم تعجب ابو اياد ويبدو ان الألمان صدموا بالإنذار المنشور في كويك فعرضوا عن طريق كمال العدوان بعرض انهم مستعدون لان يدفعوا فورا تسعة ملايين دولار إضافة لمبلغ سنوي يمكن تحديده شرط ان تقبلوا العمل وفق سيناريو يقضي بتنفيذ عملية خطف مدبرة لإحدى طائراتهم فيسارعون لاطلاق السجناء.
فقاطعت كمال العدوان قائلا:ماذا يعتبروننا؟ أنت تعرف ان خطف الطائرات هو ضد مبادئنا وحتى لو تظاهرنا بذلك فان كل أموالهم لا تكفي لتعويض الخسارة التي ستمنى بها صورتنا والقضية الفلسطينية, نحن لسنا قراصنة.
وأضفت قائلا: نعرف كيف نحررهم في الوقت المناسب.
أيدنى في رفضي للعرض الألماني أبو أياد حين أبلغته به, ولكن يبدو ان فلسطينيين آخرين دخلوا اللعبة التي عرضها الألمان, إذ في 29/10 علمت أن فدائيين خطفوا طائرة "بوينغ 727" تابعة لشركة لوفتهانزا وانه تمت الموافقة فورا على إطلاق السجناء الثلاثة.فمن كان هؤلاء الخاطفون؟
علمت في النهاية من نظمها وقبض بعدها المال الذي وعد به الألمان فهو لم يكن سوى وديع حداد قائد العمليات الخاصة في الجبهة الشعبية وقد روى لي أبو عصام المسؤول البارز في الجبهة انه إزاء رفضنا التعاون معهم قرر الألمان وهم على عجلة من أمرهم ان يدقوا باب وديع حداد الذي قبل العرض وقبض المال من اجل تعويم خزينة الجبهة.

ما بعـد ميونخ
خلال شهر أكتوبر اضطررت للعودة إلى صوفيا كي استعيد المر سيدس التي تركتها في شهر آب مع الأسلحة الخاصة المخبأة فيها والتي قدمنا بها طلبا إلى شركة كينتكس ثم قدت السيارة وحمولتها الثمينة إلى مرفأ بورغاس على البحر الأسود وشحنت السيارة باتجاه لبنان وقام عاطف بسيسو بتسلمها من مرفأ بيروت.
كانت هذه آخر زياراتي الى بلغاريا وأوروبا ذلك أننا تفاهمنا على أن أتفرغ أنا اكثر مستقبلا للنشاطات السرية لمجموعتنا في الشرق الأوسط فيما يستمر أبو أياد بالأشراف مباشرة على نشاطاتنا ضد الموساد في أوروبا وقد سجل في ذلك نجاحا فعليا عندما جرى اغتيال عميل إسرائيلي وسط مدريد في 26/1/1973 معروف باسم موشي حنان وقد نتج من قتل هذا العميل تصفية الشبكة الإسرائيلية في أسبانيا.
وقد يتسائل القاريء بعد المرحلة التي بلغناها في بداية عام 1973 عن علاقة الأعمال التي ندعو اليها بعملية تحرير فلسطين,وفي هذا أسلم على غرار ما إعترف به أبو إياد أنها لا تمت لحروب التحرير التقليدية بصلة لكنها لم تصبح ضرورية الا بسبب الظروف الخاصة التي حكمت نضالنا, فقد شهد تراجعا مهما بعد طرد فدائيينا من الاردن وان جنوب لبنان لم يكن نظرا لقدراتنا العسكرية الساحة الفضلى لمحاربة الجيش الاسرائيلي, فخلال وجودي في بلغاريا شهر أكتوبر واستجابة لمطالب الحكومة اللبنانية المتكررة ألتزمت قيادة حركتنا الا تقوم وحداتنا مستقبلا بأية عملية ضد اسرائيل الا بعد موافقة مسبقة من بيروت حتى ان عرفات قرر أن يسحب بعض القوات من المناطق الحدودية لتنكفيء نحو الشمال أكثر ,ةقد نتجت من ذلك سلسلة من الصدامات في صفوف العاصفة,في هذه الأثناء تأخر وصول الاسلحة التي وعد بها السوفيات خلال الصيف.
في هذه الأجواء رأينا ان لدينا دورا نؤديه كمجموعة تابعة للمقاومة فبمجرد ان نحرم حقنا البسيط او ان يحد هذا الدور في القدرة على القتال داخل وطننا لطرد الغاصبين منه ,كان من الطبيعي ان نثير العواصف حيثما استطعنا وذلك كي نذكر اعدائنا وجيراننا العرب والعالم بأننا مازلنا موجودون ولن نتخلى أبدا عن نضالنا.


باحث في الشئون الأمنية والإستراتيجية
تمت طباعة الخبر في: الأربعاء, 27-نوفمبر-2024 الساعة: 05:41 ص
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.lahjnews.net/ar/news-6267.htm