لحج نيوز/بقلم:حليمة مظفر -
أتساءل بكل ألم ومرارة؛ بعد أن قرأت بالأمس قصة الشاب الذي فقد بصره نتيجة تنفيذ حكم الجلد عليه بـ150 جلدة في إصلاحية مكة المكرمة نتيجة تجاوز النظام وهو تجاوز ينبغي معاقبة المسؤول عنه عقابا مضاعفا؛ لأنه تلاعب في أمانة حياة الناس؛ ونفذ الجلد دون كشف طبي في ظلّ ظروفه الصحية القاسية أمام عينيه من شلل نصفي وإصابته بالقلب والضغط والسكر؛ فماذا حلّ بقلوب وضمائر بعض العاملين والمسؤولين في السجون والقضاء!؟.
وأحسب أن أصل معاناة هذا الشاب هو الحكم القضائي الذي حُكم عليه بـ 150 جلدة؛ بجانب سجنه بتهمة الاحتيال والنصب في ظل ظروفه الأسرية القاسية، حيثُ فقره في ظلّ إصابة أمه بالسرطان وإعالته لإخوانه الصغار بجانب ظروفه المرضية؛ فما دام مريضا لهذا الحد؛ لماذا في الأساس يُحكم عليه بالجلد وهو حكم تعزيري!؟ ولماذا لم يُكتف بالسجن عقابا ما دام الأمر فيه سعة الاجتهاد؟! هل بات الحُكم بالجلد في كل القضايا أمرا ملازما!؟ وأُذكر هنا ببصيرة عمر بن الخطاب حين أسقط حد السرقة عام المجاعة المعروف؛ مدركا رحمة الله تعالى قصدا في حدوده، وهي الأولى بالتنفيذ، فما بالنا فيما يحتمله الاجتهاد!؟
وما يُحرض على السؤال وأوجهه إلى قضاتنا الأفاضل الموكلين بأمانة العباد؛ هو: لماذا التجاوز في عدد الجلدات تعزيرا لتصل إلى أكثر مما أقره الله تعالى في حدوده وهي المسائل العظيمة؟! وأين هم عن حديث المصطفى عليه السلام المثبت في صحيح بخاري "لا تجلدوا فوق عشرة أسواط إلا في حد من حدود الله"؟! فإن كان حد الزنا 100 جلدة وهو من الكبائر، والقذف 80 جلدة؛ فيما شرب الخمر الذي لم ينص القرآن على حده؛ حكم فيه الرسول عليه السلام بـ40 جلدة، وسار عليه الصديق، وأوصله الفاروق بمشاورة الإمام علي بن أبي طالب إلى 80 جلدة؛ ولم يتجاوزوا جميعهم فيما حكموا فيه اجتهادا بالجلد ما نصه الله تعالى في حدوده؛ تنفيذا لأمر الرسول عليه السلام.
وبصراحة؛ بتنا اليوم لا نسمع عن حكم قضائي من أصغر القضايا إلى أكبرها إلا وهو مقرون بالجلد الذي يصل إلى آلاف الجلدات تعزيرا واجتهادا!! وكأنه يصدر إمعانا في تعذيب المتهم لا في تأديبه المرجو؛ وما زلت أتذكر الحكم الغريب العجيب الذي وصل إلى ألفي جلدة على سارقي الخروفين الفقيرين الصادر من محكمة بيشة وسجنهما ثلاث سنوات؛ فيما حكم بـ120 جلدة دون سجن على مواطن كان إماما وخطيبا، وموظفا في هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي جمع بين ست زوجات وتجاوز شرع الله، ومن يتتبع ما ينشر من أحكام قضائية في صحفنا يجد أكثر وأعجب من ذلك.
أخيرا؛ يجب محاسبة ومقاضاة من تجاوز القانون ونظامه في إصلاحية مكة المكرمة وتسبب في عمى هذا الشاب والإساءة إلى شرع الله الرحمن الرحيم!