السبت, 02-أكتوبر-2010
لحج نيوز -  بدأت أشعر بالعيد في السبعينيات، كنت طفلة صغيرة في المدينة لم أفهم بعد ما معنى الثورة،  ولا ما كان يعانيه الآباء من كبت وقهر أيام الإمامة، وكل ما كنت أفهمه هو أن يوم 26 سمبتمر لحج نيوز/بقلم:د. سعاد سالم السبع -
بدأت أشعر بالعيد في السبعينيات، كنت طفلة صغيرة في المدينة لم أفهم بعد ما معنى الثورة، ولا ما كان يعانيه الآباء من كبت وقهر أيام الإمامة، وكل ما كنت أفهمه هو أن يوم 26 سمبتمر هو يوم عيد خاص باليمنيين، كنت كثيرة الأسئلة لوالدي-رحمه الله- عن عيد الثورة، فكانت إجابته المختصرة دائما "هذا عيد الشعب اليمني ويجب أن يحتفل به كل الناس" وكنت أشعر بالفرح مع اقتراب عيد سبتمبر حتى أعيش فرحة العيد مع الناس، كان الناس في مدينتي ينتظرون عيد سبتمبر بفرحة كبيرة لأنهم كانوا يجدون فيه مؤتمرا وطنيا شاملا سياسيا وفنيا واجتماعيا يعبرون فيه عن أفراحهم وعن همومهم شعرا وغناء ومسرحا، كان الحفل يمثل تعويضا سنويا لحرمان أبناء المدينة والقرى المجاورة من وسائل الترفيه في تلك السنين حيث لم يكن هناك تلفاز ولا وسائل التكنولوجيا الحديثة قد ظهرت، كان الناس يحتفلون بحب وبنشاط ليس له حدود، وكان الناس كلهم يسعون بجدية إلى المشاركة في الإعداد للحفل وبدون دعوات رسمية، ولا لجان مختصة، أتذكر مئات الشباب الذين كانوا يتوافدون يوميا قبل الحفل إلى مكتب الإعلام في المدينة لإعلان رغبتهم في مساعدة المسئولين عن الحفل، وإذا لم يجدوا مهمة تنتظرهم يخرجون وعلى وجوههم مسحة الحزن على الرغم من أن العمل كان تطوعيا بلا مكافآت .
كان منظر المحتفلين وتنظيمهم يوحي بأن جميع الحضور من مستوى واحد فلا فواصل مكانية ولا استثناءات، الكل معا المسئولون والمواطنون مع بعض في مكان واحد وعلى مقاعد متشابهة، تكسوا وجوههم السعادة، ويشع من عيونهم الأمل بالمستقبل الذي يتوقعونه، ويتلقون عوامل الطقس من شمس وغبار طوال اليوم بلا تذمر وكأنهم يتلقون ورودا وندى، ربما لأن أمراض العصر لم تكن قد أصابت الأغلبية في تلك السنوات.
كان أهم ما يميز الحفل أنه يتم الاهتمام فيه بتواصل الناس وطرح قضايا اللواء( المحافظة) وكان يتم الطرح بصدق وببساطة شعبية متناهية بعيدة عن التزلف والنفاق، وكان الإعداد للاحتفال لا يشغل المسئولين بقدر ما يشغلهم الاهتمام باجتماع الناس وتمكينهم من التعبير عن أنفسهم، وكان تنظيم الحفل لايكلف الدولة التكاليف التي نجدها هذه الأيام لأن الحفل لم يكن يهتم بالبهرجة، حيث كان يقام الحفل في ميدان عام فسيح يتسع لأي جمع يمكن أن يحضر، وكان الكبار يجندون الشباب لتنظيف المكان وترتيب الكراسي فيه، ورشه بالمياه حتى لا يثار الغبار وغالبا ما يغطى نقص كراسي الحضور بجمعها من المدارس الموجودة في المدينة وهي قليلة حينها، وبعض الأحيان يأتي المواطنون بالكراسي من البيوت لضعف إمكانات المكاتب الحكومية في السنوات الأولى من قيام الثورة، وكذلك الستائر وغيرها من المستلزمات المطلوبة لأنشطة الحفل، وكانت تعاد كل هذه الأشياء بكامل صحتها بعد الحفل إلى أماكنها، لم يكن هناك أي عبث بأي شيء، كان الجميع يشعرون أن كل شيء يتعلق بالثورة هو حقهم الخاص فيحافظون عليه.
لم تكن هناك دعوات خاصة موجهة للناس لحضور الحفل فالعيد عيد الشعب، وكان يعلن عن موعد الاحتفال ومكانه قبل أيام عبر مكبرات الصوت من المساجد وعبر سيارة وحيدة مكشوفة كانت تحمل مكرفون مكتب الإعلام الذي كان والدي –رحمه الله -مسئولا عنه تلك الأيام، وكنت رفيقته في كل الأوقات، وكانت السيارة تدور في الشوارع والقرى المجاورة معلنة موعد حفل سبتمبر ومكانه وداعية المواطنين لحضوره والمشاركة فيه، وكان أكثر ما يثير انتباهي يوم الاحتفال ما أشاهده من تنظيم غير مخطط له في استعراضات تلك الحشود الغفيرة من قبائل البيضاء التي تتوافد تباعا من القرى المجاورة، وكأن تلك القبائل قد اتفقت مسبقا على هذا التنظيم مع أن استعراضاتهم كانت تلقائية، وكانت كل قبيلة تسعى إلى التميز بما تبتدعه من الزوامل ودقات الطبول والرقصات الشعبية، فكان احتفال العيد يمثل لكل أبناء المحافظة موعدا سنويا مقدسا لتجديد الولاء الوطني للثورة، ولذلك كانوا يتنافسون في إبراز مدى حبهم للوطن من خلال التميز في مشاركاتهم.
(للذكريات بقية)
تمت طباعة الخبر في: الجمعة, 22-نوفمبر-2024 الساعة: 10:09 ص
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.lahjnews.net/ar/news-8656.htm