لحج نيوز/ ملفات الثورة اليمنية - - علي عنتر: أعداء الشعب هم الذين لايريدون وحدة الوطن اليمني - صالح مصلح: القوى الاستعمارية المتحالفة مع القوى القديمة.. تشكل العدو الرئيسي لتحرر اليمن ووحدته وتقدمه الاجتماعي - لبوزة.. يعلن تبعيته لصنعاء ورفضه أوامر سلطات الاحتلال - الجاوي.. يفضح عوائق تحقيق الوحدة فيفتح عليه الخصوم نيران حقدهم
مثلت ثورة الرابع عشر من أكتوبر 1963 منعطفاً حاسماً في تاريخ الوطن اليمني، فقد كانت امتداداً طبيعياً لنضال شعبنا ضد الحكم الكهنوتي والاستعماري على طريق استعادة حريته المغتصبة وحقوقه المسلوبة في الحياة الكريمة والسيادة الوطنية، ولذلك فقد نهض الأحرار والمناضلون بدورهم الوطني الرائد في الدفاع عن ثورة سبتمبر الخالدة وتثبيت دعائمها وطرد الاستعمار البريطاني، والعمل على مواجهة مخططات التآمر الإقليمي والدولي التي استهدفت إبقاء شطري الوطن في دائرة الاقتتال الدائم والحيلولة دون إعادة وحدته الطبيعية والتاريخية. ونحن اليوم نشارك أبناء شعبنا اليمني العظيم احتفالاته بالذكرى السابعة والأربعين لانفجار بركان ثورة الرابع عشر من أكتوبر المجيدة نعيد إلى الأذهان بعضاً من جواهر الفكر الثوري الذي حمل مشاعله مناضلو ثورة أكتوبر الخالدة، لنقدم قبسات نورانية تنير درب الأجيال اليمنية التي تواجه حملات متشابكة من التجهيل والدفع بها إلى مزالق الخرافة والتشظي والانشقاق لصالح مشاريع الأعداء وأذنابهم الذين لن نغفر لهم ما ارتكبوه من جرائم بحق شعبنا وثورته المباركة، ولعل الجريمة الأكبر تتمثل في تحريف الحقائق وتزوير الأحداث وتشويه القيادات ونضالها، من أجل ذلك كان هذا الملف الذي يستهدف تأكيد حقيقة واحدة تتمثل في وعي كافة القيادات التاريخية في جنوب اليمن بالحتمية التاريخية للوحدة اليمنية من غابر العصور، وتأكيدها على أن التشطير كان وضعاً استثنائياً.
الشهيد عبدالفتاح إسماعيل لعل مما لا يمكن الاختلاف حوله أن لا تذكر ثورة أكتوبر المجيدة، إلا ويذكر معها الرئيس الشهيد عبدالفتاح إسماعيل باعتباره رمزاً وطنياً حمل مشعل الكفاح السياسي والمسلح ضد المستعمر البغيض في جنوب الوطن، وبالرغم من أن الوقوف على حقيقة الموقع الذي احتلته الوحدة اليمنية في فكر هذا البطل يقتضي إعداد دراسات طويلة، فإننا سنورد هذه السطور المقتضبة التي تؤكد أن الوحدة اليمنية كانت في المكانة التي تليق بها في فكر عبدالفتاح إسماعيل. ورغم كثرة النصوص التي تؤكد هذه الحقيقة، فلعل من أبرزها قوله الصريح الواضح: “ستظل الكلمة ركيكة المعنى مجزأة الأحرف إذا لم تكن من أجل وحدة الشعب اليمني وتقدمه الاجتماعي..”. ويبرز المفهوم الأكثر وضوحاً للوحدة اليمنية في فكر عبدالفتاح إسماعيل حين ساهم في تحديد رؤية الجبهة القومية تجاه الوحدة في مفهوم، مفاده “أن المشاكل التي يعاني منها الشعب في الجنوب والشمال، هي مشاكل واحدة، تؤكد وحدة أراضيه، ووحدة نضاله” كما جاء في الميثاق الوطني الذي أقره المؤتمر الأول للجبهة القومية “أن تحررنا الوطني لن يتحقق بشكله السليم، إلا بانتصار ثورتنا في الشمال، وتحقيق وحدة الإقليم اليمني”. [عبدالفتاح إسماعيل، علي عبدالعليم، خالد عبدالعزيز،: كيف نفهم تجربة اليمن الجنوبية الشعبية، بيروت، دار الطليعة، 1968، ص240] الوحدة تقض مضاجع العدو وفي مسار آخر، يتضح أن الوحدة اليمنية كانت وما تزال مثار قلق يقض مضاجع الأعداء الذين يرون في اليمن الموحد خطراً يتهددهم، وهنا سنجد عبدالفتاح إسماعيل واضحاً وصريحاً حيث أكد في حديثه بمناسبة الذكرى الرابعة عشرة لثورة أكتوبر: “إن الحدث الجلل الذي أصاب شعبنا اليمني جراء اغتيال الأخ المقدم إبراهيم الحمدي قد كشف عن صفاقة القوى الإمبريالية والرجعية تجاه الشعب اليمني، وتطلعه نحو الوحدة والتقدم، ويكشف لنا نحن أبناء الشعب اليمني أن الأعداء الذين يتربصون بسيادة الوطن واستقلاله وإرادته الحرة في الوحدة والتقدم يرتدون لباساً واحداً تختفي وراءه أسلحة التآمر والعدوان، واغتيال الوطنيين عندما تظهر أية بارقة تقارب وحدوية بين الشعب اليمني في الشطرين لأن ذلك يهدد مصالحهم، ويزيد من قدرات وطاقات شعبنا في مجال تعزيز الاستقلال والسيادة الوطنية والسير في طريق التطور ولذلك فإنهم ينسجون المؤامرات ضد الوطنيين بهدف تركيع الثورة اليمنية، والوطن اليمني، وعرقلة مسيرة الشعب ونهوضه الجديد”.
وحدوية عقلانية
تبرز مقولات عبدالفتاح إسماعيل فكراً متزناً واعياً لأبعاد المشروع الوحدوي للوطن اليمني، فقد كان يرى أن ثورة 26 سبتمبر أحدثت تغييراً جذرياً في الساحة اليمنية، وقلبت المعطيات الداخلية والإقليمية رأساً على عقب، ولذلك فهو يرى أن هذا الحدث هو البداية الجديدة لتاريخ شعبنا،حيث يقول: شكلت الثورة اليمنية [26سبتمبر] الظرف الموضوعي لنضال شعبنا ضد الاستعمار البريطاني في جنوب اليمن”. بما معناه أن ثورة سبتمبر أتاحت قاعدة لا غنى عنها لانطلاق وتطور وانتصار الثورة في جنوب الوطن، فكانت بهذا الثورة الأم، ليس فقط للتحرر من كهنوت الإمامة و الاستعمار البريطاني، وإنما أيضاً لإطلاق سلسلة من التطورات التي ستنتهي بتوقيع اتفاقية الوحدة اليمنية في الثلاثين من نوفمبر 1989، أي بعد 22 عاماً على جلاء الاستعمار البريطاني في 30 نوفمبر 1967. مواجهة الأفكار الخاطئة وكما يشير الدكتور عيدروس نصر ناصر فقد تناول عبدالفتاح إسماعيل وهو يحلل العلاقة بين الموقف الوطني والأممي للحزب الاشتراكي قضية الوحدة اليمنية وفند بهذا الصدد جميع الآراء المتطرفة اليمينية واليسارية وانتقد فتاح الآراء التي تنكر أهمية الوحدة اليمنية بالنسبة لتقدم الشعب اليمني مشيراً إلى أن ذلك يتعارض مع أبسط مبادىء الاشتراكية العلمية وكتب يقول: “فمن يطرح قضية وحدة الطبقة العاملة استناداً إلى مبدأ الأممية البروليتارية ويضع الوطن ووحدته جانباً إنما يمارس أرقى أنواع الابتذال للفكر الاشتراكي العلمي” [عبدالفتاح إسماعيل: كتابات مختارة، مج1، دار الفارابي.]
وحدوي أصيلاًَ
ولربما كان الدكتورعبدالعزيز المقالح أعمق من قدم رؤية واضحة عن وحدوية فكر عبدالفتاح إسماعيل حيث قال: “عرفت الشهيد المناضل عبد الفتاح إسماعيل في أوائل الستينيات بعد ثورة 26 سبتمبر المجيدة بشهور قليلة, وكان أحد المهتمين بالثورة اليمنية في ضوء تفجير ثورة الـ26من سبتمبر, وكان يجمع الشباب الموجودين في عدن وينسق لوصولهم إلى شمال الوطن للدفاع عن الثورة, وكللت جهوده بحشد عشرات الآلاف وقيل 50 ألف مجند في الحرس الوطني وهؤلاء هم الذين دافعوا عن الثورة وكانوا فعلاً قوة الثورة التي كتبت لها النجاح”.. وأضاف: “وحاول عبد الفتاح أن يذهب بنفسه إلى المناطق الحدودية كواحد من الذين يمارسون الكفاح المسلح وكانت فكرة الحرب على الاحتلال لديه مؤجلة مؤقتاً , إذ كان همه الأول الانتهاء من صد العدوان الذي شنه أعداء الثورة وبعد ذلك العودة لتصفية الحساب مع الاحتلال الأجنبي. فعبد الفتاح إسماعيل كان من أوائل المناضلين الذين لم يكتفوا بالقيادة وإنما مارس النضال وحمل السلاح، وقد عرفته بعد ذلك فترة طويلة في صنعاء والقاهرة وكان واضحاً أنه من القيادات العظيمة والمهمة في تاريخ اليمن الحديث. وأكد الدكتور المقالح أن هذا المناضل كان وحدوياً نادر المثال حقاً وأن قضية الوحدة ظلت تشغله كثيراً وكان يقول أتمنى أن أكون مواطناً عادياً في يمن موحد.. وقال المقالح:وفي اعتقادي أقول بصدق انه لو أعيد تحقيق الوحدة وهو موجود لما اختار إلا أن يكون مواطناً عادياً لأنه كان ازهد الناس عن المناصب وكان يتمنى لو تفرغ للشعر والقراءة والفكر”.
علي عنتر
أما المناضل الشهيد علي أحمد ناصر عنتر..الذي امتاز بالصدق والمباشرة، فقد كانت الوحدة تمثل اليوم الذي تولد فيه روحه مجدداً، ولعل أصدق تعبير عن فكره الوحدوي يتمثل في كلمات المحاضرة التي ألقاها قبل استشهاده ببضعة أشهر في العام 1985، لذلك فإننا نستعرضها دون أدنى تدخل في الصياغة اللغوية لنشير إلى عمق المغزى الذي حملته كلمات المناضل عنتر حيث قال: “حديثنا اليوم أيها الرفاق الأعزاء..هو كيف نفهم هذا الشعار الذي يقول: “لنناضل من أجل الدفاع عن الثورة اليمنية وتنفيذ الخطة الخمسية وتحقيق الوحدة اليمنية”..لأن الوحدة اليمنية لازالت هدفاً رئيسياً من أهداف نضالنا الوطني، ونحن كحزب اشتراكي يمني كطليعة لهذا الشعب، يجب أن نناضل بلا هوادة من أجل تنفيذ هذه المهمة المباشرة التي لا زالت منتصبة أمامنا ورفعت في شعار حزبنا في مؤتمره الأول والثاني..والمهمة رفعت من جديد في المؤتمر العام الثالث. القضية الأخرى التي أود الحديث معكم بشأنها هي قضية الوحدة اليمنية نحن لا نريد أن نرفع شعارات للمزايدة..ربما أن هنالك منظرين غير وطنيين يقولوا أنه لا داعي للوحدة اليمنية في التاريخ لم يتوحد الشعب اليمني، وإذا كان الشعب اليمني لم يتوحد فإننا نريد الوحدة. إذا كانت ظروف أبناء شعبنا في الماضي صعبة أمامهم، نحن الآن في وضع يمكننا من النضال في سبيل تحقيق الوحدة اليمنية لأنها مهمة نبيلة، وهذه مهمة نبيلة وهذه المهمة لازالت مرتبطة في دمنا ولحمنا وأتمنى أن تحقق وحدة الشعب اليمني ونحن أحياء..هذه ليست أمنية أيها الرفاق الأعزاء، بل مهمة نضالية تحتاج منا أن نناضل بحزم وبدأب من أجل تحقيقها..وأعداء شعبنا هم الذي لا يريدون الوحدة...الأصنج كان يقول هو والمكاوي هؤلاء زيود وأن هؤلاء شعب فوضوي ونحن شعب حضاري..نحن هنا في الجنوب وفي الشمال متخلفين في رأيهم. إن حضارتنا في الشمال والجنوب واحدة..وحياتنا واحدة، العصيد نأكلها مرة، والحمار نركبه مرة، والحجنة والفأس بيدنا..حالنا واحد وشعبنا واحد وسنحقق الوحدة اليمنية..وتلك الأفكار الأخرى نحن لا نؤمن بها وسنحاربها. إننا نتحمل مسئولية كبيرة لتحقيق هذه المهمة وعلينا أن نناضل أولاً وقبل كل شيء لتهيئة شعبنا وجماهيرنا وتعبئتها باتجاه الوحدة، لأن قضية الوحدة اليمنية مهمة نبيلة ومقدسة، وأمامنا مهمة نضالية علينا أن نناضل من أجل تحقيقها بلا كلل..وأقول لكم وأنا عضو مكتب سياسي ولكن قبل هذا كله أقول لكم إن علي عنتر مناضل ناضلت ليس من أجل أمسك كرسي، بل ناضلت من أجل مهمة وطنية وأحلم أني أواصل هذا النضال من أجل اليوم الذي يرتفع فيه علم الوحدة وأكون حياً، لأن هذا اليوم هو اليوم الذي سأعتبر بأنني خلقت فيه والذي سأعتبره يوم عيد ميلادي يوم تحقيق الوحدة اليمنية لأن هذا مكسب عظيم علينا أن نربي أجيالنا بروح حب وطنهم اليمني وهذه مهمة نضالية ينبغي أن نعمل من أجل تحقيقها بشكل جيد ومستمر. أقول إن النضال عطاء ودم والحرية لا تعطى، بل تؤخذ بالقوة لهذا نحن كيان متين لابد أن نعد أنفسنا نحن رسل سلام لكن لمن يريد السلام أما الذي يريد الشر فنحن له بالمرصاد..وبالتالي فإن تحقيق الوحدة اليمنية سنحققها بنضالنا الدؤوب والمستمر لأنه عند تحقيقنا الوحدة اليمنية سيكون وضع اليمن ثاني وسنكون في نفسية ثانية وسنعطي للأجيال التي تستحق إمكانية النضال لمواصلة الرسالة”.. [من محاضرة ألقاها الشهيد علي عنتر في معهد باذيب عام 1985..]
عزيمة وحدوية
تمثل كلمات الشهيد علي عنتر نموذجاً واحداً مما حفلت به حياته المليئة بالكثير من العطاء على مختلف الأصعدة، لكن هذه الكلمات تؤكد رؤيته الواضحة لقضية الوحدة اليمنية، فهو يرى أنها تمثل مرتكزاً أساسياً في صياغة مستقبل اليمن بكله، فهي المرادف الحقيقي للتنمية لأن التنمية لا مكان لتحقيقها على الوجه الأنسب إلا في ظل استقرار سياسي تجسده دولة اليمن الواحد، ومن ثم سنجد أن عنتر المناضل يعرف كثيراً عن تخرصات الآخرين بشأن الوحدة فيجد أن من واجبه وهو يلقي محاضرته في معهد باذيب أن يقدم ما ينير عقول الكوادر الشابة فيفند أمامها التخرصات المغرضة، ويؤكد أن الحضارة اليمنية واحدة ، وأن أسلوب الحياة واحد، ويشير بصراحة إلى وهن ادعاءات بعض الأطراف التي ترى انحصار الحضارة فيهم كما فعل المكاوي والأصنج، ولا ينسى أن يحدد موقعه من يوم الوحدة فهو بذلك يؤكد للجيل أن الوحدة ضرورة حتمية لا مناص من تحققها، هذا من جهة، ومن جهة أخرى، يشير إلى أن يوم تحقيقها المؤكد سيمثل منعطفاً هاماً في مسار حياته باعتبار حلمه الأسمى في الحياة قد أصبح حقيقة على الأرض الواقع..ومع أنه لم يمهله القدر كي يرى الثاني والعشرين من مايو 1990 إلا إن كلماته ستظل مناراً لأبناء الوطن للتمسك بوحدة وطنهم وفاء للشهداء والمناضلين الذين سقطوا على درب الحرية واستعادة مجد اليمن الحضاري.
الشهيد صالح مصلح
وحين نقف أمام فكر المناضل الشهيد صالح مصلح قاسم ـ فسنجد أنفسنا أمام هامة وطنية تؤكد بثبات رسوخ الوحدة اليمنية في فكر ثوار الـ14 من أكتوبر المجيد، فهاهو يقول: “ العديد من الأحداث والوقائع التاريخية برهنت على عملية الترابط الجدلي بين ماضي وحاضر ومستقبل الشعب اليمني، تلك الوحدة التي يزخر بها ماضي بلادنا، وتشهد عليها القرائن التاريخية من كتابات وحفريات ونقوش وأطلال، كما يبرهن عليها أيضاً حاضرنا المعاصر بمجمل أبعاده الاجتماعية والاقتصادية والثقافية التي تتجلى بعلاقات الرحم والاتصال الإنساني اليومي بين جماهير شعبنا وكذا الترابط السياسي الجدلي المتعلق بثورتي 26 سبتمبر 1962 و14 أكتوبر 1963 ووحدة الكفاح الوطني التحرري والنضال الاجتماعي لشغيلة وكادحي بلادنا ضد الاستعمار والحكام الإقطاعيين في الجنوب والشمال، سواء بسواء أو من خلال تشابه البنية الاقتصادية من حيث مستوى نمو وتطور علاقات الإنتاج وقوى الإنتاج، وبالتالي خصوصية التكوين المتجانس الخاص بالتركيب الطبقي لمجتمعنا اليمني، الذي ظل قائماً حتى انتصار ثورة 14 أكتوبر، وكذا من خلال الوحدة النفسية لشعبنا من حيث إرادته ومزاجه وقيمه وعاداته وتطلعاته وأمانيه في رسم مستقبله المشرق القادم، كما تتجلى في وحدة التراث الروحي، بكل أشكاله وأبعاده في الأدب والفن والفولكلور، ومجموع مظاهر الموروث الثقافي الشعبي، بما في ذلك القيم الثقافية الجديدة المبشرة بالكفاح الوطني والنضال الاجتماعي التي تستشرف طريق تأصيل ثقافة وطنية تقدمية وديمقراطية بالارتباط بعملية ممارسة التأثير الخلاق في وعي ووجدان الشعب اليمني على طريق تعبئته وتوعيته وتنظيم صفوفه في النضال الجاري في بلادنا من أجل تحقيق الوحدة وبناء اليمن الديمقراطي الموحد. والحركة الوطنية الديمقراطية اليمنية المعاصرة، بطابعها وجوهرها المعادي للاستعمار والإقطاع والرجعية، تعتبر في الأساس موجهة ضد التجزئة المفروضة على الأرض والشعب اليمني الناجمة عن النظام الاستعماري العالمي بشقيه التركي والبريطاني المتواطئ موضوعياً مع الإمامة والحكام الإقطاعيين شمالاً وجنوباً، وبذلك فإن الاستعمار والإقطاع هما الركيزتان الأساسيتان العاملتان على تكريس وتثبيت عوامل التجزئة على الأرض والشعب اليمني من خلال انتهاج كافة الوسائل والأساليب المتوفرة حينها، الكامنة في الاحتلال المباشر حيناً أو عن طريق تهديد الاستقلال الوطني وتقسيم الوطن اليمني إلى شمال وجنوب بواسطة الاتفاقات المجحفة والباطلة بالتحالف مع القوى الطبقية المتواطئة مع قوى الاحتلال الأجنبي حيناً آخر. فخلال المرحلة الامبريالية أصبحت مصالح القوى الاستعمارية المتحالفة مع مصالح القوى الطبقية القديمة في البلاد تشكل بصورة دائمة العدو الرئيسي لمسألة تحرر اليمن ووحدته وتقدمه الاجتماعي..ومن هنا فقط نستطيع أن ندرك أهمية الكفاح الجماهيري الذي شنه الشعب اليمني ضد الاستعمار وعملائه في الجنوب وضد الاستبداد الإقطاعي في الشمال والنضال الذي كانت ثورتا 26 سبتمبر 1962، و14 أكتوبر 1963 أهم ثمراته الكفاحية. لقد ارتبطت قضية تحرر اليمن واستقلاله ارتباطاً عضوياً بقضية الوحدة اليمنية وبالتقدم الاجتماعي لليمن. فقد وضعت الحركة الوطنية الديمقراطية مهمات التحرر الوطني في النضال ضد السيطرة الاستعمارية ومهمات النضال الاجتماعي ضد الاستبداد الإقطاعي مرتبطة جنباً إلى جنب في وحدة واحدة مع قضية الوحدة اليمنية باعتبارها الضمانة الوحيدة من أجل تقدم وتطور الشعب اليمني، في خطوات ملموسة إلى الأمام بما يتلاءم مع متطلبات العصر الراهن وبما يلبي احتياجات جماهير الشغيلة والكادحين اليمنيين. ففي ظل الظروف المعاصرة تأتي هذه القضية المركزية على رأس جدول أعمال الحركة الثورية اليمنية، لأنها تتلاءم تماماً مع متطلبات عصرنا الراهن، وتعمل على تلبية احتياجات جماهير الشغيلة والكادحين في عموم البلاد. وانطلاقاً من ذلك، فإن الواجب الوطني والتاريخي يتطلب الإدراك العميق لطابع ومضمون المخططات الإمبريالية والرجعية التي تعمل اليوم، بشتى الوسائل، كما هو شأنها في السابق، على فصل قضية التحرر الوطني والتقدم الاجتماعي عن عملية الارتباط العضوي بقضية الوحدة اليمنية. والتي تعمل على ابتكار مختلف الأساليب، وبكل الجهود المتوفرة لديها على عرقلة تطور مسيرة الثورة اليمنية واضعة في مقدمة أهدافها الرئيسية تكريس عوامل الانفصال بين جماهير شعبنا في الشمال والجنوب. وبالطبع فإن هذه المساعي الإمبريالية والرجعية تنطلق من الإدراك التام بأن قيام اليمن الديمقراطي الموحد يترتب عليه، في التحليل الأخير، جملة من النتائج الإيجابية المثمرة، يمكن إبرازها في التالي: تحقيق السيادة الوطنية على كامل التراب اليمني وبالتالي العمل المتواصل من أجل صيانة وتطوير مكاسب ومنجزات ثورتي 26 سبتمبر و14 أكتوبر على طريق توسيع قاعدتهما الاجتماعية وسط صفوف الشعب اليمني. توطيد وتعزيز مواقع الاستقلال الوطني من الناحية السياسية والاقتصادية والثقافية، وكذا السير بثبات في طريق التقدم الاجتماعي لصالح مجموع الطبقات والفئات الاجتماعية صاحبة المصلحة الحقيقية في الثورة اليمنية. قيام اليمن الديمقراطي الموحد سوف يشكل حتماً وبالضرورة، مكسباً وطنياً ثورياً هاماً لحركة التحرر الوطني العربية، بمجملها في مجرى النضال القائم المعادي في جوهره للإمبريالية والصهيونية والرجعية على طريق تحقيق الوحدة العربية الديمقراطية ذات التوجه الاشتراكي. إن الامبريالية والرجعية المعتمدة على تحالفها الوثيق مع القوى المحلية الإقطاعية «والكمبرادورية» تعتبر في الأصل العدو الرئيس العامل على الحيلولة دون وحدة وتقدم اليمن وسياساتها تجاه القضايا الجذرية. فهذه القوى في مجمل مخططاتها لشعبنا، تشكل عملياً تهديداً مستمراً خطيراً ومباشراً لمكاسب ومنجزات الثورة اليمنية، بشكل عام، وللتجربة الثورية التقدمية في جنوب الوطن بصورة خاصة. [من مقدمة كتبها الشهيد المناضل صالح مصلح قاسم لكتاب “وحدة اليمن تاريخياً” لمؤلفه الدكتور سيف علي مقبل....]
تاريخية الفكرة
تشير سطور المناضل صالح مصلح قاسم بجلاء منقطع النظير إلى الوحدة اليمنية كقضية غير خاضعة للمساومة فهي فكرة متجذرة في تاريخ الشعب اليمني على امتداد ترابه الوطني، فيؤكد بوضوح أن الوحدة اليمنية قد تجلت في كل المنعطفات الهامة التي شهدها مسار التاريخ الوطني حيث كان الالتحام الوطني في صفوف اليمنيين سيد الموقف في مواجهة قوى الاستعمار والسيطرة الاستبدادية، حتى نال الوطن اليمني حريته وسقطت قيود الاستبداد ورحلت جحافل الاستعمار. ويعود ليؤكد أن الوحدة اليمنية تمثل ركناً أساسياً وجوهرياً في صنع مجد الوطن فهي مترافقة مع التقدم الاجتماعي لأن غياب الوحدة لا يمكنه أن يوفر شروط التقدم الاجتماعي المنشود، فالتشطير يخلق بيئة مواتية للتقهقر الاجتماعي كون ميزانية البلاد تذهب في مواجهات عقيمة لا طائل من ورائها سوى مزيد من القتلى والجرحى والظغائن وخدمة الأعداء، ولذلك فقد كانت الوحدة مترادفة مع التقدم الاجتماعي لأنهما صنوان لا ينفصلان فالوحدة ترفع مستوى التقدم الاجتماعي وهذا التقدم كفيل بحماية الوحدة وتلك نظرة ثاقبة عبر عنها المناضل الشهيد صالح مصلح.
أعداء الوطن
ودون مواربة يؤكد صالح مصلح أن القوى الاستعمارية وقوى التخلف والرجعية تمثل عدواً لدوداً لوحدة الوطن، ولذلك فهي لا تألوا جهداً في رسم المخططات المضادة للوحدة، وهو بذلك يبصر الأجيال بالعدو الحقيقي الظاهر والخفي لمستقبلهم المنشود. ولا تكتمل الصورة إلا بإفصاح هذا المناضل عن رؤيته لما تعنيه وحدة اليمن للمستقبل على مختلف المستويات، فيشير إلى أن وحدة اليمن تمثل البوابة الرئيسية لصنع المستقبل حيث تتأكد سيادة الوطن بأكمله بدلاً من حشد الجيوش في مناطق الأطراف الشطرية، فترتقي بذلك مستوى القدرات الدفاعية للوطن، ومن ثم تجتمع الإمكانيات الوطنية لتخلق فرصاً عديدة للشعب والوطن فيرتقي اقتصادياً وسياسياً وثقافياً ويصبح الوطن ذا صوت مسموع في المستوى القومي العربي والمستوى العالمي حيث تبرز قيمته بوحدته في العالم..
الشهيد راجح لبوزة
رغم أن الشهيد راجح لبوزة لم يظل كثيراً فقد افتتحت روحه الطاهرة سلسلة الفداء والتضحية لشهداء ثورة أكتوبر الخالدة، إلا إن رسالته التي سبقت استشهاده تكشف موقع الوحدة في عقله، فبعد عودة المقاتلين من أبناء ردفان عقب مشاركتهم في الدفاع عن ثورة سبتمبر المجيدة، تلقى هؤلاء في السادس عشر من أغسطس 1963 إنذاراً من الاستعمار البريطاني يطالبهم بتسليم أسلحتهم إليه، فرفض العائدون ذلك الطلب، وكتب الشيخ المناضل راجح بن غالب لبوزة إلى الضابط البريطاني يقول بنص الوثيقة ما يلي: “إلى حضرة الضابط السياسي البريطاني المرابط بالحبيلين والنائب محمود حسن علي نائب مشيخة القطيبي. لقد استلمنا رسالتكم الموجهة إلينا بخصوص عودتنا من الجمهورية العربية اليمنية التي تضمنت تسليم أسلحتنا وكل ما بحوزتنا من قنابل وغرامة خمسمائة شلن ضمانة بعدم عودتنا إلى اليمن وتسليم ذلك إلى حكومتنا حكومة الاتحاد. . نحن نعتبر حكومتنا هي حكومة الجمهورية العربية اليمنية وليس حكومتنا حكومة الاتحاد وغير مستعدين لكل ما هو في رسالتكم ونعتبر حدودنا هي من “الجبهة” وما فوق وأي تحرك لكم من تجاوز حدودنا فنحن مستعدون لمواجهتكم بكل إمكانياتنا ولا تلوموا إلا أنفسكم والسلام ختام « الشيخ راجح بن غالب لبوزة عن مجموع العائدين إلى ردفان من الجمهورية العربية اليمنية 28/ 9/ 1963م.
انتماء وحدوي
تكشف سطور رسالة راجح لبوزة عن رؤية شاملة للوحدة فهو يرد على الضابط البريطاني الذي يمثل رمزاً للاحتلال البغيض في أرض الوطن بالرفض المطلق لتلبية طلباته، فلن يتم تسليم أسلحتهم التي حصلوا عليها من شمال الوطن، ولن يقدموا ضمانات مالية لعدم قيامهم مجدداً بالسفر إلى الشمال، ولا يعترفون بسلطات الاحتلال وسلاطينه الأذناب، بل يفخر ورفاقه بالاعتراف بحكومة اليمن الجمهوري في شمال الوطن باعتبارها السلطة الوطنية الجديرة بالاحتكام إليها، وبذلك يؤكد لبوزة وحدة الوطن في فكره برفضه الاستعمار وأذنابه كأعداء للوحدة اليمنية، ويشير إلى صنعاء كمرجعية وطنية فيضرب دعاة المناطقية وأدعياء الجنوب العربي، حيث عبر دون أن يفصح أن الاستعمار زائل وعامل دخيل مؤقت وبزواله ستعود وحدة الوطن ومن هنا كان تمسكه بحكومة الشمال في ظل غياب حكومة وطنية في الجنوب المحتل، ولعلنا لا نبالغ أن رسالة لبوزة لم تكن موجهة فقط للضابط البريطاني، بل كانت موجهة لأجيال اليمن ليمعنوا النظر ويعملوا الفكر في معاني سطورها ليفهموا مغزى وحدة وطنهم ومن يقف وراء المؤامرات التي تحاك ضدها.
عمر الجاوي
دون مواربة ودون الحاجة إلى كثير من الأدلة فإن الأستاذ عمر الجاوي الذي يمثل أحد رموز ثورة الرابع عشر من أكتوبر، ويعد واحداً من رموز الكفاح الثوري والوحدوي، فقد قدم البراهين اللفظية والفكرية والعملية على توجهه الوحدوي طيلة حياته، غير أن المقام لا يتسع لكثير من تلك البراهين، وسنكتفي بعرض واحدة من شهادات الصدق التي أبرزها في قضية الوحدة، ففي عدد أبريل 1981 من مجلة «الحكمة» الناطقة بلسان اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين الموحد والصادرة في عدن دشن الأستاذ عمر الجاوي نقاشاً مدوياً بافتتاحية المجلة، التي يرأس تحريرها إلى جانب كونه أميناً عاماً لاتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين، حول قضية الوحدة اليمنية. وفي الافتتاحية المذكورة وصف الجاوي عقد السبعينيات بأنه «عقد تخدير الشعب اليمني وإلهائه عن قضيته المركزية قضية الوحدة» محملاً النظامين مسؤولية ذلك، على خلفية الغموض والتعتيم الذي رافق عمل «لجان الوحدة» المنبثقة عن اتفاقية القاهرة الموقعة في 28 أكتوبر 1972، والخلافات المؤسفة التي حدثت بعدها، ولم يرشح عن عمل اللجان ما يدعو للتفاؤل أو الثقة. ووصف الجاوي تلك اللجان بأنها «ملهاة».. ولكنه أيضاًَ شن هجوماً شديداً ضد «الانفصاليين والتقدميين المزيفين» في الشمال والجنوب والذين «يدعون إلى تكريس التجزئة بين الشطرين باسم المحافظة على نمط النظام القائم هنا وهناك».
لا مهادنة في الوحدة
كلمات الأستاذ عمر الجاوي تؤكد أنه لم يهادن في الوحدة أبداً، ولم يتردد في دحض حجج الصف «الرسمي» من المثقفين والأدباء والكتاب - فضلاً عن السياسيين - الذين وصفهم صراحة وفي أكثر من موضع ومناسبة بـ«الانفصاليين» و«التقدميين المزيفين» فأثار عليه بذلك نقمة هؤلاء واستعدى ضده أعداداً من المحظيين بتقريب السلطات الحكومية فتوالت الكتابات الناقدة والناقمة على الجاوي، ولأنه عمر الجاوي فقد فتح لها صفحات «الحكمة» ولم يغلق المجلة أمام مخالفيه والناقمين عليه لأنه كان مدركاً لحقيقة موقفه ومواقف الآخرين، فأراد أن يشهد التاريخ له ويفضح الآخرين. وقد أجاد الجاوي في ترسيخ مفهومه للوحدة في مسيرته الوطنية النضالية ولعل أهم دلائل وعيه بذلك المفهوم قيامه بدور فاعل ومؤثر في تأسيس اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين في العام 1971 كأول منظمة وحدوية رغم واقع التشطير السياسي الذي كان عليه الوطن، وإصداره في ابريل 1972 من عدن مجلة [الحكمة] لسان حال اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين وتوليه رئاسة تحريرها منذ العدد الأول حتى العدد [177] حيث تخلى عن رئاسة التحرير في نوفمبر 1990، ومشاركته في الحوار الوحدوي بين شطري اليمن على اثر الحرب التي اندلعت بين الشطرين عام 1972، حيث اختير في اللجنة الدستورية التي وضعت مشروع دستور دولة الوحدة، والذي أنجز بصيغته النهائية في عام 1981، بل وفي إقدامه على تحدي السياسة في نوفمبر 1989 حين أسس المجلس اليمني للمنظمات المهنية والإبداعية وتولى رئاسته، فقد كان الجاوي يرى أن البداية في إعادة تحقيق الوحدة اليمنية تكمن في توحيد المنظمات المهنية والإبداعية، وقد أسهم المجلس في الضغط على السلطتين السياسيتين في شطري الوطن لاتخاذ إجراءات تعجل بتحقيق الوحدة، وفي أعقاب اتفاق نوفمبر 1989 اصدر الجاوي مشروع [ميثاق الشرف] والذي وضع من خلاله [15] بنداً حددت أسس تحقيق الوحدة وحرية العمل السياسي والتعددية السياسية، وفي الثالث من يناير 1990 أعلن الجاوي عن تأسيس حزب “التجمع الوحدوي اليمني” وكان من مهامه أثناء مرحلة التأسيس المطالبة بتحقيق الوحدة والضغط على السلطات في الشطرين لعرض دستور دولة الوحدة على المجلسين التشريعيين لإقراره، والبدء في دمج المؤسسات، وإقرار الديمقراطية والتعددية السياسية وضمان حقوق الإنسان وحرياته..وهكذا فقد حمل الجاوي مشعل الوحدة في فكره وعمله ونضاله حتى النهاية.
كلمة ختامية
وأخيراً : أعلم جيداً أن ما عرضناه في سطور هذا الملف لا يمثل إلا نزراً ضئيلاً مما تحفل به حياة مناضلي وقادة ثورة الرابع عشر من أكتوبر المجيدة، ولذلك لا ينبغي الإشارة إلى أن الملف يهدف لتحقيق أغراض من نوع ما، فالاقتصار على هذه الشخصيات فرضته ظروف توفير المصادر وضغط الوقت المتاح للإعداد، غير أن ملفاً أوسع ربما ينجز في المستقبل إن توافرت شروط اكتماله، وعذراً لكل أبناء أكتوبر المجيد، ولتخسأ أذناب الاستعمار. |