لحج نيوز/بقلم:د. هتون أجواد الفاسي -
كتبتُ الأسبوع الماضي حول مدلول التسمية القاصرة للنساء غير المتزوجات وهي "عانس" التي في أصلها تطلق على الرجال والنساء بينما عرفاً تُطلق بشكل جائر على النساء فقط بشكل يحمل مدلولات سلبية حول موقع هذه الفتاة في المجتمع.
وكنتُ قد بدأت في تشريح الحالة وكيف ينبغي أن ننظر إلى ما يعتبره البعض "ظاهرة" وما أعتبره خلطا في الأوراق لغرض في "نفس يعقوب". وفي هذا الجزء سوف أكمل هذا التحليل وأصحح فيه مصطلح الحالة التي هي في حقيقة أمرها "ارتفاع سن الزواج وتأخر الزواج" لأسباب سوف يأتي ذكرها، وهو خاص بالجنسين ولا يقتصر على النساء فقط.
وربما ينبغي قبل تكملة الموضوع توضيح الفرق ما بين سبب ظهور حالة تأخر سن الزواج لدى الجنسين، وبين سبب عدم زواج الفتيات بالتحديد.
وتفيد بعض الإحصاءات في توضيح قضية مغلوطة ودوماً ما تُروج لأغراض سوف نأتي عليها، وهي عدد الفتيات غير المتزوجات مقارنة بالرجال غير المتزوجين التي تُصور دوماً على أنها أكبر ولذلك فهي أصبحت ظاهرة.
فقد أوضح التعداد السكاني الحالي 1430-31: أن عدد الذكور من بين المواطنين السعوديين يبلغ (9,527,173) أي ما نسبته (50.9 %) من المجموع. بينما يبلغ عدد الإناث (9,180,403)، أي ما نسبته (49.1%) من المجموع. أي أن عدد الذكور أكبر من عدد الإناث والتعداد السابق لا يختلف كثيراً فيقل عدد الذكور بعض الشيء بحيث إن الفرق بين الجنسين لا يتعدى نصف في المائة تقريباً. ونظراً لأن التعداد الحالي لم يكتمل نشره بعد، فنعود إلى الإحصاء السابق لعام 1428 فيما يختص بالحالة الزواجية للمواطنين والمواطنات، حيث نجد أن عدد الذكور غير المتزوجين أبداً يفوق عدد الإناث اللاتي لم يتزوجن أبداً لكل المراحل العمرية من 25-39، فالفرق على سبيل المثال لمن أعمارهم بين 25-29 : 309284 من الذكور، و196470 من الإناث، ولمن أعمارهم بين 30-34: 85555 من الذكور، و61918 من الإناث، أما من تقع أعمارهم بين 35-39 : فيبلغ عدد الذكور غير المتزوجين 31712 وعدد الإناث 23103 .
وهذه الأرقام توضح أن بقاء الفتيات من غير زواج، وإن كان ذلك إشكالية، إلا أنه ليس المشكلة الكبرى التي يواجهها المجتمع، إذ إن بقاء رجاله من غير زواج هو٧ الظاهرة والتي بحاجة إلى مراجعة للأسباب والأحوال، ولأترك مسألة "النبز" التي نحتاج إلى أن نتبع فيها أمر الله تعالى بقوله: "... ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب " وجزء من اللمز والتنابز اللذين تمارسهما المجتمعات ضد النساء هو في الإشارة إلى حالتهن الزواجية ولومهن على مصيرهن وترك الرجل المسؤول عن ذلك سواء من اللمز أو من تحميله المسؤولية الاجتماعية.
فلماذا يا ترى يوحي لنا الإعلام وأحاديث المجتمع وكثير من الدعاة أيضاً بأن المشكلة الاجتماعية ترتبط بما يطلقون عليه "عنوسة النساء"؟ ربما نحتاج لأن نعرف كيف تختم هذه الوسائل والخطب الحديث حول هذا الموضوع وبماذا توصي، إذ نجد أن غالبية ما توصي به هو دعوة النساء إلى قبول زوج معدد وقبول "ربع" رجل، من أن تبقى عرضة لكل أشكال الفتنة والحرام وو.. مما يتوالى في كثير من الكتيبات التي نجدها توزع مجاناً في صالات انتظار النساء في المستشفيات. بينما كما نرى من خلال الإحصائيات هذا ليس حلاً لأنه سيضاعف عدد الرجال غير المتزوجين ويقلل عدد النساء غير المتزوجات المناسبات لهؤلاء الذكور العزاب. فمن المهم إدراك أنه ليست هناك ظاهرة من النساء غير المتزوجات اللاتي يتطلب عددهن أن يتبرع رجال متزوجون بتزوجهن رحمة بهن وإحساساً منهم بالمسؤولية الاجتماعية، ولعل من الأفضل أن يحافظوا على بيوتهم وعلى زوجاتهم وأبنائهم وإن كانوا يشعرون برغبتهم في مساعدة مجتمعهم فليتكفلو بزواج شاب أو عدة شباب بتجهيز بيوتهم الزوجية أو مساكن مناسبة أو غير ذلك مما سوف نأتي عليه كأسباب تقف حائلاً أمام زواج الشباب.
وهذا يجعلنا ندخل في موضوع سبب تأخر زواج الشباب، فهل هو عزوف لعدم رغبة في الزواج أم هو عدم قدرة؟
سؤال مهم وربما نترك الجزء الأول منه للحاجة لسؤال شريحة كبيرة منهم، ولكن ما يمكننا الإجابة عنه هو السؤال الثاني، هل يستطيع الشباب المتخرج حديثاً الزواج؟
من نافلة القول إنه لا يستطيع. فالعائق الاقتصادي يمثل أول الإشكالات، بدءاً من فرص التعليم المتاحة أمام الخريجين من مدارسنا، إلى مصير خريجي الجامعات، إلى مدى استعداد سوق عملنا لتدريب وتأهيل شبابنا وضمان أنهم سوف يعملون في وظائف يمكنها أن تسند تأسيس أسرة بعد عدد معقول من سنوات التحضير وتجميع المادة والتي لا يمكن أن تقصر عن عشر سنوات. لكن هل بإمكان موظف بخمسة آلاف (طبعاً أنا متفائلة، بينما المتوسط هو ألف وخمسمائة) إن كنا متفائلين أن يفتح بيتاً، بما فيه بناء أو شراء أو استئجار شقة أو حتى غرفة في إحدى مدننا من غير مساعدة من جميع أفراد العائلة؟ وهل يستطيع بعد ذلك أن يبقي هذا البيت مفتوحاً؟
إن صمود اقتصادنا أمام الأزمة الاقتصادية العالمية الحالية لم ينعكس على الفرد البسيط بشكل حقيقي وهذا المجتمع قريب خروج من أزمة أسهم سلبته الأخضر واليابس ولم تترك له نفساً ولا أملاً، فضلاً عما واجهه اقتصادنا من تضخم جعل أسعار أبسط السلع تتضاعف بشكل غير عقلاني إضافة إلى سوء تدبير بعض مسؤولينا في تعاملهم مع الأزمة حتى نسوها. فلا أعتقد أن أي شاب في حال تسمح له أن يفكر في الإقدام على الزواج. كما أن إعانات الزواج الخيرية أو حفلات الزواج الجماعية لا يبدو أنها تكفي حاجة البلد منها أو أنها تغطي كافة مدنها وعلى رأسها مدينة الرياض.
(يتبع)